تاريخ الإضافة : 27.07.2013 14:24

السابع عشر من رمضان بين الأمس واليوم

محمد فال ولد الشيخ - medvall88@gmail.com

محمد فال ولد الشيخ - medvall88@gmail.com

تطل علينا هذه الليلة ـ ليلة السابع عشر من رمضان ـ ذكري جليلة وعظيمة لها مكانة خاصة في قلب ووجدان كل مسلم ومسلمة لأنها ذكري غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بعد ما أروا الله من أنفسهم الصدق والإخلاص، وبعد أن سطروا أروع أمثال البذل والعطاء وأشد مظاهر التضحية والفداء، فكانت معركة فرقان بين الحق والباطل بين الإسلام والكفر، كما كان السابع عشر من رمضان عبر التاريخ الإسلامي يوما من أيام الله الخالدة التي من الله على المؤمنين فيها بالنصر والتمكين في مختلف الأزمة والأمكنة فكانت فيه المعارك الكبرى الفاصلة والانتصارات الخالدة في التاريخ الإسلامي كمعارك: اليرموك وحطين والزلاقة...

وفى السابع عشر من رمضان من هذا العام لا بد أن نتوقف ونحن نستذكر هذا التاريخ المجيد ونستعيد هذه المناسبة الفارقة من تاريخنا ومسيرتنا أن نتوقف عند حاضرنا الماثل وواقعنا الذي نعيش لنقارن بينهما ثم لنستخلص العبر والدروس، ليس من أجل التحسر والتفجع وإنما من أجل معرفة الداء وتوصيفه الدواء.

واقعنا أيها الإخوة الكرام يحدث عن نفسه لا يحتاج إلى من يحدث عنه إنه واقع مرير يندي له الجبين يُفرح العدو الشامت ويُحزن الصديق المشفق، فالأمة تعيش حالة من التردي الأخلاقي والتخلف المعرفي ومشهدا من الضياع والتخبط والتفكك والتشرذم السياسي والاقتصادي والاجتماعي فضلا عن فقدان السيادة وتغييب الإرادة وتزييف الوعي .

هذه الأمة العظيمة ذات التاريخ المجيد الذي امتد لأربعة عشر قرنا من العطاء العلمي والمعرفي ومن الوهج السياسي والحضاري ترزح الآن تحت نير الاحتلال المباشر أو غير المباشر وتعيش حالة تبعية تامة لأعدائها عبر أدواتهم ووكلائهم في الداخل، تبعية اقتصادية وسياسة وثقافية وأي محاولة للخروج من هذا الحالة وأي سعي أو مجهود لكي تمتلك الأمة قرارها وتتحكم في مصيرها من أي دولة أو أي حاكم تواجه تصطدم بموقف صلب رافض لأي تغيير أو تبديل.

وسأحاول بهذه المناسبة الجليلة والذكري العطرة أن أذكر بأهم التحديات والعقبات التي تواجه الأمة المسلمة والمجتمعات العربية في الوقت الراهن، وأن أحلل أبرز أسبابها ونتائجها حتى تتضح الصورة وتعرف على واقعنا بوضوح ودقة لنتمكن من تجاوزه وتخطيه .

وهذه التحديات هي:

أولا: أزمة الحكم والإدارة:

هذا هو عنوان العناوين كما يقال ولب أزماتنا ومشاكلنا بل هو سبب الصراعات قديما وحديثا ولم تتقدم أي أمة أو تتطور إلا بعد أن حسمت طريقة اختيار الحاكم ونظمت ذلك في قوانين وإجراءات لا يمكن تخطيها ولا تجاوزها.

أما في بلداننا العربية فما زلت مشكلة اختيار الحاكم وآلية مساءلته وعزله غائبة أو مغيبة وليس لدينا من وسيلة لاختيار الحاكم أو طريقة لمساءلته وعزله إلا ما كان عند الشعوب البدائية والمجتمعات القديمة (أي قانون القوة) فمن يملك القوة والسيف يحكم ويملك إلى أن يأتي من يفوقه قوة وبأسا فيُزيحه ويسقطه سلما أو حربا وهكذا دواليك، هذا الوضع لم يعد مقبولا ولا معقولا ولا بد من حسم هذه المعضلة وتجاوزها حتى يتسنى للمجتمعات المسلمة أن تحقق تقدما أو تبني نهضة، وقد بذل المفكرون والكتاب المعاصرون جهودا مضنية من أجل التأصيل والتنظير وطرح رؤى سياسية وقواعد قانونية نابعة من ثقافة الأمة ومنسجمة مع قيمها ومبادئها تضمن للأمة حقها في اختيار الحاكم وعزله وفق آليات محددة وشروط مفصلة من أجل التغلب على هذه المعضلة وتجاوز هذه المشكلة كل تلك الجهود باءت بالفشل ليس لأن هذه النظريات لا تصلح أو أنها لا تناسب الظرف أو المجتمع بل بسبب المطامع السياسية والتدخلات الخارجية التي تريد أن تبقي حالة الطغيان والاستبداد وعوامل الشقاق والفرقة موجودة في هذه الأمة حتى تسهل السيطرة عليها والتحكم في ثرواتها وخيراتها فالقوي الدولية الكبرى وأدواتها الإقليمية وأذرعها المحلية لا يريدون أن تمتلك الأمة قرارها ولا أن تحدد خيارها، وتملك سيادتها واستقلالها.

ثانيا: الانهيار الاقتصادي:

تعيش أغلب الدول العربية حالة من الفشل الاقتصادي والتردي المعيشي للسكان والمواطنين وحالة من التفاوت الصارخ بين فئات المجتمع وطبقاته بسبب سوء التوزيع وغياب العدالة الاجتماعية، فأغلب المواد الضرورية تستورد من الخارج وكل المحاولات التي بذلت لتتمكن الأمة ـ التي تمتلك أخصب الأراضي وأحسن المزارع ـ كل الجهود التي بذلت لتحقيق الاكتفاء الذاتي والغناء المعيشي (زراعة القمح مثلا) سواء في السودان أو في السعودية أيام حكم الملك فيصل رحمه الله أو أخيرا في مصر في عهد الرئيس مرسي ـ فك الله أسره ـ كل هذه المحاولات أجهضت ووضعت العقبات في طريقها حتى تلتهم المصانع الأوربية والأمريكية كل المواد الخام والأولية التي تزخر بها دول العالم العربي والإسلامي .

ثالثا: التفكك الاجتماعي:

أما التفكك الاجتماعي وانتشار الحروب وتغذية النزاعات بين الدول العربية وداخل المجتمعات المسلمة فهو أمر واضح وجلي بارز للعيان فقد تم التحكم في الثورات الربيع العربي وتمكنت قوي الثورة المضادة وظهيرها الخارجي من تحويل مسار الثورات العربية وحرفها عن بوصلتها ومازالت هذه القوي في سعي حثيث لإعادة إنتاج أنظمة لا تختلف عن تلك التي أطاحت بها هذه الثورات، وجرى كل ذلك بتخطيط هادئ وتدبير ماكر وبأسلوب بارع لا مثيل له في تاريخ الصراعات في عصرنا الحديث.

فقد دمر الطغيان الأسدي سوريا وأتي على المجتمع والدولة ولم يبق هناك سوي أطلال بالية تشهد على ما وصلت إليه الهمجية والسادية التي كانت تحكم في سوريا ويريد النظام الأسدي وحلفاؤه الشعوبيون والطائفيون له أن يستمر وأن يتواصل.

أما العراق فقد سلمه الأمريكان على طبق من ذهب لمليشيات إيران الطائفية ومجاميع الأحزاب الموتورة التي هدمت كل بنيان وأتت على البشر والحجر وقضت على اليابس والأخضر، وفقدت الأمة العراق بكل موارده وعقوله وتاريخه وتركته بيد حفنة من الشعوبيين والطائفيين، وأصبح ملحقا بنظام الملالي في إيران وجزء من سياسته ومنظومته.

ثم زحف التفكك على بقية الدول على بقية الدول والمجتمعات المسلمة وتمدد ليصل إلى مصر وفلسطين مرورا بليبيا وتونس والقائمة تطول .

ذكري السابع عشر من رمضان تأتي على الأمة المسلمة اليوم وهي بهذا المستوي من التردي والتفكك والإحباط هذا هو واقعنا المرير وما نعانيه من تحديات ومشاكل وهو تحليل صادم لبعضنا ومحبط له ولكن الحقيقة الكاشفة هي عنوان الانطلاق الصحيح والوسيلة الأولى لتجاوز النكبة والتعالي على الفشل ونحن بعون الله واثقون بأنها غمة ستنكشف وأزمة ستنجلي إن شاء الله فهذه الأمة المجيدة تختزن بداخلها عوامل القوة وعناصر التحدي، وتمتلك رصيدا تاريخيا كبيرا، ومشروعا حضاريا عظيما، وهي قادرة على تجاوز هذه العقبات وتلك التحديات إن شاء الله ويسألونك متى هو قل عسي أن يكون قريبا، كل عام وأنتم بخير وكل رمضان وشعبنا وأمتنا الإسلامية بخير وعلى خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025