تاريخ الإضافة : 16.06.2013 15:46

عسكري الثامن من يونيو

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

مرّت قبل أيام ذكرى محاولة انقلاب الثامن من يونيو التي قادها ضباط فرسان التغيير في 2003 لكنها فشلت بعدما أحدثت زلزلة في النظام لم يزل بعدها يترنح حتى سقط في انقلابه على نفسه عام 2005.

لن أتحدث بالتحليل السياسي عن هذه المحاولة وآثارها فذاك أمر عرف حق المعرفة وحُلّل وأعيد تحليله ولن أنشر عنها معلومات كانت طيّ الكتمان كل هذه السنين فليس ذلك في متناول يدي الآن، لكني سأكتب عن حدث طريف عشته ومجموعة من المواطنين صبيحة الانقلاب مع جندي قال إنه من كتيبة الدبابات يبدو أنه تذكر أمّه أثناء المواجهة.

كان الثامن من يونيو 2003 يوم الأحد وكان أول يوم من أيام امتحاناتي النهائية، وبعد أن صليت الفجر في مسجد سنابل الخير بتوجنين وجلست للاستذكار أخبرني أحد المصلين بأمر الانقلاب فتركت ما كان بين يديّ وعدت إلى البيت أتسقط الأخبار من وسائل الإعلام حتى أيقنت أن ما يحدث انقلاب وأن الرئيس وحرسه قد فروا.

ولأني لم أكن أعي حجم ما يحدث ومدى تأثيره على حركة الناس قررت الذهاب إلى الامتحان، لكن الباص لم يتجاوز ملتقى طرق مدريد (كارفور مدريد) وهناك نزلنا بين حشود كبيرة من الناس تقطعت بنا وبهم السبيل أمام مجموعة من جنود المدرعات كانوا يقطعون الطريق.

كان التحليل السياسي يتدفق كشلالات نيكاراغوا والناس يتقاذفون الأخبار ويتنازعونها كأنما يلعبون "الرغبي" أو كرة القدم الأمريكية، كان المشهد هادرا ملء السمع والبصر حتى أصابت رصاصة مجهولة المصدر ركبة أحد المحتشدين ثم أقبلت دبابة من جهة كتيبة الدروع وأنشأت تقصف باتجاه القصر، فأدرك الناس ما ينطوي عليه تجمهرهم هناك من خطر وأخذوا ينصرفون.

أثناء ركوبي باصا عائدا من حيث أتيت حانت مني التفاتة إلى جهة المطار فإذا عسكري شاب مدجج بالسلاح يقفز من داخل الحائط إلينا.. جاء جاريا واندس بيننا في الباص وفي يده بندقية كلاشينكوف، وفي صدره أطنان من الرياح لا يكاد يسترجع أنفاسه ثم وقف أمامي ممسكا مثلي بـ"حديدة الواقفين". بسرعة أبدل أحدُ الجالسين العسكريّ مكانه فجلس فيه كالمحطّم، وأعطاه منديلا ورقيا (كلينيكس) فأخذه في صمت، لكن صمته لم يطل بعدما أحس بعشرات الأسئلة على الشفاه المطبقات ورأى مخايل الحيرة في عشرات الأعين التي تطوقه بنظراتها، فقرر أن يبادر:

ـ هل تعلمون من الذي قام بهذا الانقلاب؟
ـ الجميع: لا.. من هو؟
ـ هو قائدنا نحن في كتيبة الدروع سيد أحمد ولد الطايع، لقد أمرنا بالهجوم عليهم فهجمنا عليهم..
لكن العسكري الذي يهذي أحس بأنه في مجلسه ذلك لا يشبه عسكريا في حالة هجوم، فقال كالمعتذر:
ـ هل تعلمون لماذا هربت؟
ـ لا..
ـ لقد كنت مع خمسة عشر عسكريا فسقطت علينا قذيفة فهلكوا جميعا (فَرْقُو)

حينها قال له راكب آخر شاب: صاحبي انت هربلتْ، فردّ عليه وهو يفور يكاد يتميّز من الغيظ: تراعي فيّ ليْن ما تزمد فمّك انصبْ فيك ذي ثلاثين عماره حالاً، فذعر الفتى وقال: أرانِ اسكتّْ.

بعد هذا الحديث انتشرت "الخشية" في الركاب جميعا فقلت للعسكري الذي كنت أقف فوق فوهة مدفعه: انت مدفعك أياك محسود؟ فرد فورا: أمّالي داير فيه كلينيكس! ثم قال من تلقاء نفسه: آه.. حك ذيك ما تحسد مدفع.

أدركنا أن الفتى مضطرب نفسيا وقد يفعل أي شيء، فقال له راكب في المنكب القصي من الباص: تعال معي إلى "كزرة" في بوحديدة تغيّر ثيابك وتستحم و"اطّوجن وتستراح" ثم تذهب بعد ذلك حيث شئت، فقال العسكري: أنا أريد أن اذهب إلى أمي فهي لا تعرف عني أي شيء، لا أريد الأكل ولا الشرب.

وبينما هو يشرح أسباب رغبته في لقاء أمّه انتبه فجأة ثم قال: هذا البيس ش واعد؟ قلنا: واعد توجنين، انت أثرك شواعد؟ قال: واعد بريميير (تيارت)، فكاد الباص أن ينفجر بالضحك، لكن من يجرؤ على الضحك؟ لقد استبدل الركاب ضحكاتهم "لمقرمشه" بابتسامات وهمهمات ونظرات تتلاقح السخرية والتنكيت.

كنا حينها قد وصلنا إلى تقاطع طرق "تن سويلم" فقال العسكري: لا يهمني أين يتجه الباص الآن، ما يهمني أن أخرج من تلك الأرض، ثم نزل ببندقيته وانطلق راكضا باتجاه دار النعيم ليلقى والدته، وابتلعه الطريق شيئا فشيئا حتى توارى واختفى.

إنه عسكري شجاع، لكن يبدو أنه لم يسمع أصوات القذائف بما يكفي رغم أنه من كتيبة الدروع!

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025