تاريخ الإضافة : 03.02.2013 10:19

عن تيشيت التاريخية

محمد محفوظ المختار

محمد محفوظ المختار

مدينة تيشيت التاريخية، مقاطعة من مقاطعات الوطن تتبع إداريا لولاية تكانت وتقع على بعد 240 كلم من عاصمة الولاية تجكجة ، الواقعة في الوسط الموريتاني، أسسها الشريف عبد المؤمن بن صالح تلميذ القاضي عياض عام 536هـ،1143م، يقول أهل المدينة إن سبب تسمية المدينة بـ"تيشيت" يعود إلى أن المؤسس عبد المؤمن بن صالح حين وصل إلى الهضبة التي تطل على المدينة من الشمال وقف عليها قائلا: "تي شئت" وتعني "تي" اسم إشارة بمعنى هذه، و"شئت" عربية فصيحة بمعنى "أردت" ولذلك سميت المدينة بهذا الاسم "تيشيت".

المدينة بدأت رحلتها مع الإشعاع العلمي والثقافي في القطر الشنقيطي منذ تأسيسها، حيث شكلت منارة معرفية تخرج منها أقطاب علماء، ومؤلفون أفذاذ، ورواة للحديث وفقهاء فطاحلة، وشعراء وكتاب أدباء. في هذه المدينة توجد الآن 17 مكتبة تؤرخ لتاريخ المدينة، تحتضن آلاف المخطوطات النفيسة والنادرة في مختلف الفنون الثقافية والعلمية والأدبية.

المدينة مليئة بالمعالم الأثرية القديمة والجميلة، غير أن سكان المدينة يقولون بأن الكثير من تلك المعالم قد طمستها الرمال بفعل التقادم الزمني ولم يعد يوجد منها سوى أقل القليل، لكن مع ذلك يبقى المسجد العتيق من أبرز تلك المعالم، حيث لا يزال مبنيا على الطراز القديم ولا يزال سقفه من سعف النخل، ولا تزال أبوابه من خشب قديم، ويرفض سكان المدينة إدخال أي نوع من التعديلات على شكله القديم، اللهم بعض الترميم الذي فرضه تقادم الزمن مما جعله أمرا حتميا يحفظ للمسجد بنيانه ومقامه المحمود عن أهل المدينة.

خلال الحقب والأزمنة الغابرة كانت المدينة عامرة بأهلها الذين اعتمدوا في معيشتهم وحياتهم اليومية على التجارة والزراعة والتنمية الحيوانية، إلا أن عوادي الزمن وجفاف الأرض أجبرا معظمهم على مغادرة المدينة وهجران ربوعه ومرابعه.

ولم يبقى فيها من السكان ما يتجاوز 500 ساكن مقيم تعتمد حياتهم في غالبها على التنمية الحيوانية ورعاية ما بقي من نخيل .

خلال التجول بين أزقة المدينة وعند محاولة الاطلاع على حواريها تملكني العجب وأنا أستمع إلى حديث شجي من أحد أبناء المدينة عن ذلك المجد الأثير والتاريخ المثير الذي سطره سكان المدينة على مر تاريخها، وتستمع إلى عجب من الحكايات عما كان في تلك البلاد من مجد تليد وحضارة عظمى، شكلت رافدا مهما من روافد الثقافة والعلم والأدب في هذا الركن القصي من البلاد الموريتانية.

أهالي المدينة في شغل من أمرهم أيام زيارتي للمدينة، نتيجة استضافتها للنسخة الثالثة من مهرجان المدن القديمة الذي استضافته المدينة في الفترة ما بين 24 و30 من شهر يناير المنصرم والذي شكل إضافة مهمة وعاملا محفزا كان من المفروض أن يسهم في المحافظة وإحياء قدر لا بأس به من الموروث الثقافي للمدينة بل للبلاد بشكل عام عبر الوفود المشاركة من مختلف ولايات الوطن، لكنه شكل مناسبة بارزة للدعاية السياسية التي حرفته عن مساره وعن الاتجاه الذي كان يجب أن يسلكه.

فحين تنزل إلى ميدان المهرجان تزكمك رائحة الخطاب السياسي المنطلق من أفئدة أغلب الموجودين عبر أفواه تعودت التملق والتزلف في مثل كهذا مناسبة، حيث لا تسمع إلا من يسبح بحمد "صاحب الفخامة، السيد الرئيس الملهم، صاحب التوجيهات النيرة، منقذ البلاد، رئيس الفقراء المناهض والمحارب للفساد" ولكل امرئ من دهره ما تعودا.

على العموم عمل المهرجان – في بعض نواحيه - على إحياء بعض التراث الوطني عبر مسابقات جرت في بعض الألعاب التقليدية (اكرور، السيك) وقدمت من خلالها عروض ثقافية من الفلكلور الشعبي، تجسد في تقديم عدد كبير من الأغاني (الأشوار) والرقاصات الشعبية التي أعادت أغلب الجمهور إلى قديم الأزمة و أحيت لدى بعضه الآخر كثيرا من مندرس التاريخ.

خلاصة الزيارة تجملها ملاحظة وحيدة عن ضرورة بل وأهمية المحافظة على المدن التاريخية جميعها، والتي أوشك الزمان على القضاء عليها، ذلك أن المنازل في أغلبها تحتاج إلى ترميم والمكتبات تنتظر كثيرا من العناية والتنظيم، وهو أمر يستدعي إرادة جادة، تبتعد في غرضها ومرماها عن الاستهلاك الإعلامي والاستغلال الانتخابي اللذان يصبان في خانة المزايدة السياسية، التي يبدوا أنها تسيطر على كثير من مناحي حياتنا اليومية هذه الأيام.

الرياضة

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025