تاريخ الإضافة : 22.01.2013 18:20
قراءة في فكر قادة منسقية المعارضة
تضم منسقية المعارضة ، بعضا من نخبة بلدنا ومثقفيه ، منخرطين في العمل السياسي ، وهذا حق مشروع لهم ، كما أن لهم حق التفكير ، لكننا اليوم نراهم متمسكين فقط بإظهار مدي تمتعهم بحقهم في ممارسة السياسة ، معلقين حقهم في التفكير ؛ ولعلهم يربطون بين الحق والحاجة ، فكلما كانت هناك حاجة ، كانت ممارسة الحق أمرا مطلوبا ... ومهما كانت تلك الحاجة فكل سبيل يوصل إليها هو مشروع ،حتي ولو كان مناقضا للعقل وللمنطق ، حينها يمكن الاستغناء عنهما وتعليق حق ممارسة التفكير السليم الذي هو نتيجة للأول وسببا للثاني .(وحينما نقول التفكير مجردا فإننا نعني التفكير السليم ) ، لأن كل عمل يقوم علي أساس من التفكير ، لكنه قد لا يكون سليما ، وبالتالي فهو غير تفكير... ويبدوا أن قادة المنسقية متشوقون جدا لكرسي السلطة ، فإما أن يكون من نصيبهم ، أو لا يكون نهائيا ،أغراهم بهذا الطموح ما رأوه من سهولة الحصول علي السلطة في كل من تونس ومصر ، في إطار ما اصطلح علي تسميته بالربيع العربي.
تظاهروا واعتصموا أياما معدودة وحصلوا علي السلطة ، لذلك استعجل قادة المنسقية الوصول إلي السلطة، فتركوا التفكير السليم ،والممارسة المشرعة للعمل السياسي ، ولجأوا إلي الشارع في تقليد أعمي لما حدث في تونس ومصر ،وتركوا وراء ظهورهم التفكير السليم ، والسبل المشروعة للحصول علي السلطة ، لأنها ستكلفهم جهدا كبيرا في انتزاع ثقة الشعب التي سبق أن منحها للرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز ، سنة 2009 بنسبة 53% ، رغم أنه كان حديث العهد بالسلطة ، ومع ذلك رأي الشعب في سلوكه وتصرفاته وطموحاته السياسية ما يشجعهم علي اختياره رئيسا للبلاد ، وشعروا بضرورة انتخابه ، وقد ترجموا ذلك الشعور فعليا في انتخابات 2009 .
وبعد ثلاث سنوات حافلة بالإنجازات العملاقة ذات الأبعاد الاستراتيجية البعيدة المدي في مختلف ميادين الحياة : من صحة ، وتعليم ، ومياه، وكهرباء، وطرق ، ونقل ، وتشغيل ،وضبط للحالة المدنية ، وتأهيل للأحياء العشوائية ....... أصبح بيِنا لقادة المنسقية ،أن ثقة الشعب الموريتاني في هذا الرئيس لن تتزعزع ، ولن ينالوا معه في معركة الاستحقاقات ، إلا أقل مما حصلوا عليه سنة 2009 ، فأرادوا اختصار الطريق إلي السلطة ، وتهيؤا لركوب موجة الربيع العربي ، لكن الشعب سخر منهم ، ولم يعجبه تجمهر القليل من الغوغائية التي لم تُلفت انتباه الشرطة يوما واحدا .
وإن نحن أردنا الكشف عن أسباب استعجال المنسقية للوصول إلي السلطة ، وجدنا أن غياب متلازمة الحقوق والواجبات ، عن أذهان قادة المنسقية . كان هو السبب ، فتأكد عندهم حق التناوب علي السلطة ... وغاب وجوب المحافظة علي البلد ، لأن كل يوم يمضيه الرئيس الحالي في السلطة يعني : مزيدا من الإنجازات والتشييد والبناء ، ومزيدا من تعلق الشعب به ،ومزيدا من بعد احتمال وصول الطامعين في السلطة إلي كرسي الرئاسة بأصوات الشعب .
وحتي لا أظلم قادة ومفكري منسقية المعارضة ، لن أكتفي بتلك القراءة ... لابد أن أبحث لهم عن مخرج مشرف ، أو ما يصون لهم ماء الوجه ـ علي الأقل ـ إذ لا أستطيع أن أتصور أن قادة منسقية المعارضة ، يعلقون حقهم في التفكير إلي أجل غير مسمي ! لا يمكنني أن أفهم ما يقومون به من عمل سياسي علي أنه خلو من أي تفكير، هذا غير مستساغ، ولا يمكن تصوره، لا لا لا. إن مخالفتي لهم في السياسة لن تتحول إلي حقد يعمي البصيرة عن كونهم مفكرين أكثر منهم سياسيين ، تلك هي الحقيقة ، ولذلك تأملت بجد أفكارهم السياسية :ما يريدون ، وما ينوون ، فتبين لي أنهم يركزون تفكيرهم علي نقطتين أساسيتين :العودة إلي وثيقة داكار ، ومقاطعة الاستحقاقات القادمة . فرغم أن الاعتماد علي هاتين النقطتين يفقدهم أي مكسب سياسي ،حتي حق الممارسة السياسية المشروعة في دوائر القرار السياسي ، فإنني أري بأنهم يفكرون كثيرا ، فهم لا يعطلون التفكير لحساب السياسة ، بل إنهم يفكرون علي حسابها، إنهم ـ حسب ما أري ـ يستخدمون السياسية كملاء للتاريخ ، ويقدمون كغيرهم من المفكرين تصورا معينا للتاريخ وحركته . إنهم ينشطون البحث في مفهوم الزمن !.
لقد عرَف مفهوم التاريخ تحديدات متعددة متنوعة ومختلفة بتنوع واختلاف مشارب ومدارس وفلسفة المعرفين أي المؤرخين وفلاسفة التاريخ ،ولكن إجمالا يمكن القول أن التاريخ في العمق هو دراسة الماضي البشري انطلاقا من حس نوعي بالزمان وبإشكالات عصر الدارس أقول الماضي البشري؛ لأنه لا محل للحديث عن التاريخ بالنسبة لغير الإنسان "فالإنسان بدوره تاريخي؛ لأنه إنما يعمل في الزمان ؛ولا تاريخ إلا بالزمان ،ومن هنا ارتبطت كل نظرية في التاريخ بنظرية في الزمان" .
وهناك بالذات يظهر ميدان تفكير قادة المنسقية ، في تصورهم للتاريخ ، فالزمان عند هؤلاء ، ليس مجموعة من اللحظات المتصلة ، أو المنفصلة ، وبالتالي ليس هناك أي تقدم في التاريخ ، إنه لحظة متحجرة مقطوعة الصلة بالماضي ، وليست جسرا للعبور إلي المستقبل !! .
إن الزمن عند هؤلاء (المفكرين السياسيين) هو لحظة معينة , في الماضي أو الحاضرـ لا يهم ـ من حيث هي وعاء لموقف سياسي جامد ، يخشي التقدم ، يحن إلي الماضي ولا يريد العبور إلي المستقبل . فاللحظة السياسية ـ إن جاز التعبير هنا ـ هي حاضر مستمر ولو كانت من الماضي ، وهي تكفي فلا حاجة إذا في المستقبل . إنه الهروب إلي المجهول ، والخوف من مواجهة الخطر( الهزيمة السياسية) ولكن بأسلوب النعامة.... لقد قدمت الأفكار السياسية لهؤلاء ، تصورا جديدا عن الزمن يمكن من تأسيس نظرية جديدة في التاريخ ، فالهروب من الخطر(الهزيمة) جعل الزمن عند هؤلاء هو لحظة واحدة متحجرة لا يوجد غيرها من اللحظات ، وهذا يعني أن التاريخ لا يتقدم بخط متصل أو متقطع ، ولا هو يتحرك علي نحو دائري ، بل إنه يراوح مكانه ؛ لهذا فإنه لا عبرة لما يحدث بعد تلك اللحظة (لحظة إعلان وثيقة داكار)ـ مثلا ـ ومن هنا غاب مفهوم المستقبل ، ولا أهمية كبيرة لما حدث قبلها أى(لحظة ركوب موجة الربيع العربي ) ـ مثلا ـ حيث يمكن بكل بساطة تجاوزه كما لو كان غير موجود، ومن هنا يغيب مفهوم الماضي .
هذا هو ما نجده بوضوح في فكرتي العودة إلي اتفاقية داكار 2009 والتمسك بها كشرط لأي حوار رغم تجاوزها : زمنيا ( الآن 2013) وتجاوزها سياسيا( 1 ـ المشاركة في حكومة ائتلاف وطني ، 2 ـ والمشاركة في استحقاقات 2009 الرئاسية مع الإمساك بزمام الأمور في الوزارات المهمة والفاعلة ، 3 ـ والاعتراف بنتائج تلك الانتخابات ، 4 ـ والتحول من المعارضة إلي الموالاة ) إنها مسافة زمنية كبيرة بمفهومنا ، ومسافة سياسية أكبر، بين اللحظة الراهنة ،ولحظة اتفاقية داكار تُختزل بشكل لافت ، وفق تصور جديد للزمن ، و نظرية جديدة للتاريخ .
إن التمسك باتفاقية داكار والتشبث بها ، بعد كل ما حصل من المواقف سياسية السابقة الذكر، إنما يدل علي أنهم لا يعتبرون أنفسهم الآن ـ علي الأقل ـ في مرحلة مماثلة للمرحلة التي أدت إلي تلك الاتفاقية ، وإلا لسعوا إلي إيجاد اتفاقية جديدة تناسبها ، بل إنهم يعيشون الآن نفس اللحظة الزمنية التي عقدت فيها تلك الاتفاقية المذكورة ،وهذا يعني أن ما تلاها من مواقف لا عبرة به ، فهو إذا غير موجود ، لأنه لازمن له ، ومن هنا لا يكون للمستقبل أي معني ـ كما أسلفنا ـ وهذا ما توضحه الفكرة الثانية (مقاطعة الانتخابات القادمة).
فإذا كانت فكرة العودة إلي اتفاقية داكار هي نفي لوجود الحاضر الذي هو مستقبلها ، فإن ما بعد مقاطعة الانتخابات القادمة ، الذي هو مستقبل اللحظة الراهنة ، هو ذاته نفي لماضي تلك اللحظة ، ولسائل أن يسأل :إلي أي ماضي سيعودون مجددا بعد مقاطعة الانتخابات القادمة ؟ !. ولكن الأمر ليس مطروحا بالنسبة لهم ؛ لأن الزمن السياسي عندهم هو تلك اللحظة التي يرون أنهم حققوا فيها انتصارا معينا ، ولوكان بمستوي صيانة ماء الوجه ، إلا أنهم يشعرون بعدم القدرة علي تحقيق أكثر من ذلك الإنجاز ، فاختزلوا مفهوم الزمن ، في لحظة واحدة متحجرة، راوح فيها التاريخ مكانه . إذ لا تاريخ عندهم إلا تلك اللحظة!.
ومن هنا نجد أن قادة ومفكري منسقية المعارضة ، كانوا يفكرون حقا، ولوعلي حساب العمل السياسي، حيث أبدعوا في إنشاء نظرية جديدة عن الزمن مفادها أن الزمن ليس مجموعة من اللحظات !! بل إنه لحظة واحدة يتعلق الذهن بها ،لاوجود لغيرها ، وإن تعلق الذهن بغيرها فقدت وجودها ، حتي لا يكون الزمن إلا لحظة واحدة، وأسسوا علي غرار ذلك نظرية جديدة في التاريخ ، مفادها أن التاريخ ليس هو الماضي ، إذ لا ماضي، ولا حاضر ، ولا مستقبل ،وهو ليس تراكمي ، فيه الحسن والقبيح ، الجيد والسيء ، المشرف والمخزي ،لا توبة فيه ،ولا تحول . بل هو فقط لحظة واحدة :هي أحسن ما علق في الذهن ، وإن لم تكن انتصارا، فإنها ليست هزيمة !!.وإلي حين إتيان القدر بلحظة أخري، يبقي قادة منسقية المعارضة عالقين في ثنايا وثيقة داكار .
تظاهروا واعتصموا أياما معدودة وحصلوا علي السلطة ، لذلك استعجل قادة المنسقية الوصول إلي السلطة، فتركوا التفكير السليم ،والممارسة المشرعة للعمل السياسي ، ولجأوا إلي الشارع في تقليد أعمي لما حدث في تونس ومصر ،وتركوا وراء ظهورهم التفكير السليم ، والسبل المشروعة للحصول علي السلطة ، لأنها ستكلفهم جهدا كبيرا في انتزاع ثقة الشعب التي سبق أن منحها للرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز ، سنة 2009 بنسبة 53% ، رغم أنه كان حديث العهد بالسلطة ، ومع ذلك رأي الشعب في سلوكه وتصرفاته وطموحاته السياسية ما يشجعهم علي اختياره رئيسا للبلاد ، وشعروا بضرورة انتخابه ، وقد ترجموا ذلك الشعور فعليا في انتخابات 2009 .
وبعد ثلاث سنوات حافلة بالإنجازات العملاقة ذات الأبعاد الاستراتيجية البعيدة المدي في مختلف ميادين الحياة : من صحة ، وتعليم ، ومياه، وكهرباء، وطرق ، ونقل ، وتشغيل ،وضبط للحالة المدنية ، وتأهيل للأحياء العشوائية ....... أصبح بيِنا لقادة المنسقية ،أن ثقة الشعب الموريتاني في هذا الرئيس لن تتزعزع ، ولن ينالوا معه في معركة الاستحقاقات ، إلا أقل مما حصلوا عليه سنة 2009 ، فأرادوا اختصار الطريق إلي السلطة ، وتهيؤا لركوب موجة الربيع العربي ، لكن الشعب سخر منهم ، ولم يعجبه تجمهر القليل من الغوغائية التي لم تُلفت انتباه الشرطة يوما واحدا .
وإن نحن أردنا الكشف عن أسباب استعجال المنسقية للوصول إلي السلطة ، وجدنا أن غياب متلازمة الحقوق والواجبات ، عن أذهان قادة المنسقية . كان هو السبب ، فتأكد عندهم حق التناوب علي السلطة ... وغاب وجوب المحافظة علي البلد ، لأن كل يوم يمضيه الرئيس الحالي في السلطة يعني : مزيدا من الإنجازات والتشييد والبناء ، ومزيدا من تعلق الشعب به ،ومزيدا من بعد احتمال وصول الطامعين في السلطة إلي كرسي الرئاسة بأصوات الشعب .
وحتي لا أظلم قادة ومفكري منسقية المعارضة ، لن أكتفي بتلك القراءة ... لابد أن أبحث لهم عن مخرج مشرف ، أو ما يصون لهم ماء الوجه ـ علي الأقل ـ إذ لا أستطيع أن أتصور أن قادة منسقية المعارضة ، يعلقون حقهم في التفكير إلي أجل غير مسمي ! لا يمكنني أن أفهم ما يقومون به من عمل سياسي علي أنه خلو من أي تفكير، هذا غير مستساغ، ولا يمكن تصوره، لا لا لا. إن مخالفتي لهم في السياسة لن تتحول إلي حقد يعمي البصيرة عن كونهم مفكرين أكثر منهم سياسيين ، تلك هي الحقيقة ، ولذلك تأملت بجد أفكارهم السياسية :ما يريدون ، وما ينوون ، فتبين لي أنهم يركزون تفكيرهم علي نقطتين أساسيتين :العودة إلي وثيقة داكار ، ومقاطعة الاستحقاقات القادمة . فرغم أن الاعتماد علي هاتين النقطتين يفقدهم أي مكسب سياسي ،حتي حق الممارسة السياسية المشروعة في دوائر القرار السياسي ، فإنني أري بأنهم يفكرون كثيرا ، فهم لا يعطلون التفكير لحساب السياسة ، بل إنهم يفكرون علي حسابها، إنهم ـ حسب ما أري ـ يستخدمون السياسية كملاء للتاريخ ، ويقدمون كغيرهم من المفكرين تصورا معينا للتاريخ وحركته . إنهم ينشطون البحث في مفهوم الزمن !.
لقد عرَف مفهوم التاريخ تحديدات متعددة متنوعة ومختلفة بتنوع واختلاف مشارب ومدارس وفلسفة المعرفين أي المؤرخين وفلاسفة التاريخ ،ولكن إجمالا يمكن القول أن التاريخ في العمق هو دراسة الماضي البشري انطلاقا من حس نوعي بالزمان وبإشكالات عصر الدارس أقول الماضي البشري؛ لأنه لا محل للحديث عن التاريخ بالنسبة لغير الإنسان "فالإنسان بدوره تاريخي؛ لأنه إنما يعمل في الزمان ؛ولا تاريخ إلا بالزمان ،ومن هنا ارتبطت كل نظرية في التاريخ بنظرية في الزمان" .
وهناك بالذات يظهر ميدان تفكير قادة المنسقية ، في تصورهم للتاريخ ، فالزمان عند هؤلاء ، ليس مجموعة من اللحظات المتصلة ، أو المنفصلة ، وبالتالي ليس هناك أي تقدم في التاريخ ، إنه لحظة متحجرة مقطوعة الصلة بالماضي ، وليست جسرا للعبور إلي المستقبل !! .
إن الزمن عند هؤلاء (المفكرين السياسيين) هو لحظة معينة , في الماضي أو الحاضرـ لا يهم ـ من حيث هي وعاء لموقف سياسي جامد ، يخشي التقدم ، يحن إلي الماضي ولا يريد العبور إلي المستقبل . فاللحظة السياسية ـ إن جاز التعبير هنا ـ هي حاضر مستمر ولو كانت من الماضي ، وهي تكفي فلا حاجة إذا في المستقبل . إنه الهروب إلي المجهول ، والخوف من مواجهة الخطر( الهزيمة السياسية) ولكن بأسلوب النعامة.... لقد قدمت الأفكار السياسية لهؤلاء ، تصورا جديدا عن الزمن يمكن من تأسيس نظرية جديدة في التاريخ ، فالهروب من الخطر(الهزيمة) جعل الزمن عند هؤلاء هو لحظة واحدة متحجرة لا يوجد غيرها من اللحظات ، وهذا يعني أن التاريخ لا يتقدم بخط متصل أو متقطع ، ولا هو يتحرك علي نحو دائري ، بل إنه يراوح مكانه ؛ لهذا فإنه لا عبرة لما يحدث بعد تلك اللحظة (لحظة إعلان وثيقة داكار)ـ مثلا ـ ومن هنا غاب مفهوم المستقبل ، ولا أهمية كبيرة لما حدث قبلها أى(لحظة ركوب موجة الربيع العربي ) ـ مثلا ـ حيث يمكن بكل بساطة تجاوزه كما لو كان غير موجود، ومن هنا يغيب مفهوم الماضي .
هذا هو ما نجده بوضوح في فكرتي العودة إلي اتفاقية داكار 2009 والتمسك بها كشرط لأي حوار رغم تجاوزها : زمنيا ( الآن 2013) وتجاوزها سياسيا( 1 ـ المشاركة في حكومة ائتلاف وطني ، 2 ـ والمشاركة في استحقاقات 2009 الرئاسية مع الإمساك بزمام الأمور في الوزارات المهمة والفاعلة ، 3 ـ والاعتراف بنتائج تلك الانتخابات ، 4 ـ والتحول من المعارضة إلي الموالاة ) إنها مسافة زمنية كبيرة بمفهومنا ، ومسافة سياسية أكبر، بين اللحظة الراهنة ،ولحظة اتفاقية داكار تُختزل بشكل لافت ، وفق تصور جديد للزمن ، و نظرية جديدة للتاريخ .
إن التمسك باتفاقية داكار والتشبث بها ، بعد كل ما حصل من المواقف سياسية السابقة الذكر، إنما يدل علي أنهم لا يعتبرون أنفسهم الآن ـ علي الأقل ـ في مرحلة مماثلة للمرحلة التي أدت إلي تلك الاتفاقية ، وإلا لسعوا إلي إيجاد اتفاقية جديدة تناسبها ، بل إنهم يعيشون الآن نفس اللحظة الزمنية التي عقدت فيها تلك الاتفاقية المذكورة ،وهذا يعني أن ما تلاها من مواقف لا عبرة به ، فهو إذا غير موجود ، لأنه لازمن له ، ومن هنا لا يكون للمستقبل أي معني ـ كما أسلفنا ـ وهذا ما توضحه الفكرة الثانية (مقاطعة الانتخابات القادمة).
فإذا كانت فكرة العودة إلي اتفاقية داكار هي نفي لوجود الحاضر الذي هو مستقبلها ، فإن ما بعد مقاطعة الانتخابات القادمة ، الذي هو مستقبل اللحظة الراهنة ، هو ذاته نفي لماضي تلك اللحظة ، ولسائل أن يسأل :إلي أي ماضي سيعودون مجددا بعد مقاطعة الانتخابات القادمة ؟ !. ولكن الأمر ليس مطروحا بالنسبة لهم ؛ لأن الزمن السياسي عندهم هو تلك اللحظة التي يرون أنهم حققوا فيها انتصارا معينا ، ولوكان بمستوي صيانة ماء الوجه ، إلا أنهم يشعرون بعدم القدرة علي تحقيق أكثر من ذلك الإنجاز ، فاختزلوا مفهوم الزمن ، في لحظة واحدة متحجرة، راوح فيها التاريخ مكانه . إذ لا تاريخ عندهم إلا تلك اللحظة!.
ومن هنا نجد أن قادة ومفكري منسقية المعارضة ، كانوا يفكرون حقا، ولوعلي حساب العمل السياسي، حيث أبدعوا في إنشاء نظرية جديدة عن الزمن مفادها أن الزمن ليس مجموعة من اللحظات !! بل إنه لحظة واحدة يتعلق الذهن بها ،لاوجود لغيرها ، وإن تعلق الذهن بغيرها فقدت وجودها ، حتي لا يكون الزمن إلا لحظة واحدة، وأسسوا علي غرار ذلك نظرية جديدة في التاريخ ، مفادها أن التاريخ ليس هو الماضي ، إذ لا ماضي، ولا حاضر ، ولا مستقبل ،وهو ليس تراكمي ، فيه الحسن والقبيح ، الجيد والسيء ، المشرف والمخزي ،لا توبة فيه ،ولا تحول . بل هو فقط لحظة واحدة :هي أحسن ما علق في الذهن ، وإن لم تكن انتصارا، فإنها ليست هزيمة !!.وإلي حين إتيان القدر بلحظة أخري، يبقي قادة منسقية المعارضة عالقين في ثنايا وثيقة داكار .







