تاريخ الإضافة : 21.01.2013 22:57

الإسلاميون الخُضْر

لا أحد ينبغي أن يكون أزهد في المناصب من الدعاة إلى الله،نظرا للنهي الشرعي عن طلب الولايات، وانسجاما مع التربية المبنية على الزهد والتجرد والإخلاص لله،ولا أحد يجب أن يكون أحرص على تحقيقالغاياتوأقدر على التمييز بينها وبين الوسائل من الإسلاميين، لما عرف عن علماء الإسلام من إعلاء شأن المقاصد في الشرع، وحكمهم بنزول الوسائل عنها بالغة ما بلغت من الأهمية، فالوسائل ـ كما قال الشاطبي رحمه الله ـ تبع للمقاصد ودونها في الرتبة على الدوام.

لقد أثبت تاريخ الإسلام أن الأمة عندما يحكمها الصالحون المصلحون يسود العدل والرخاء، ولكن تلك وسيلة لا يجوز أن تتحول إلى هدف، فقد علمنا التاريخ أيضا أن العلماء والدعاة والصالحين كانوا أنجح في بكثير في الضغط على الحاكم من تسيير دفة الحكم؛فقد كان بنو أمية يهابون عبد الله ابن عمر وسعيد ابن المسيب أكثر مما يهابون من نازعوهم الحكم وإن كانوا في مقام علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين، وما وفق سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله في فرض إرادة الشرع إلا بحرصه على تحقيق مقاصد الشريعة بوسائل لم تعهد من قبل، وما نجح في بيع الملوك والأمراء إلا بزهده في المناصب وقدرته على العمل السياسي دون أن يمارس السياسة.

كما أكد الواقع نجاح علماء أجلاء ودعاة عظماء وجماعات إسلامية معاصرة في الضغط على الحاكم حتى جعلت توجهها هو السائد فعلا وإن بأيدي غيرها، ولا فرق،ولذا صار الحاكم يحسب لرأيها ألف حساب خوفا من بعدها وطمعا في قربها؛ فلم يحكم بداه بن البوصيري رحمه الله موريتانيا، ولم يحكم محمد بن عبد الوهاب ولا أتباعه من بعده السعودية، ولم يحكم المودودي ولا جماعته باكستان، ولكنهم نجحوا في فرض إرادتهم على الحاكم إلى حد كبير.

صحيح أن البلدان تختلف، والعوامل التي تتحكم فيها أشد وأكثر اختلافا، إلا أن أسلوب الضغط أسلم وأيسر في البلدان التي تتحكم فيها عوامل طبيعية أو ديموغرافية يتعذر أو يتعسر معها التغيير الكامل والحكم المباشر.ومع ذلك فليس أسلوب الضغط بديلا عن العمل السياسي الهادف للوصول للحكم ، بل يمكن العمل بالتوازي بين الاثنين مع إعطاء الأولوية لهذا أو ذاك حسب المكان والزمان.

إن أسلوب الضغط من أنجع الوسائل السياسية،لأنه لا يتطلب الأغلبية المطلقة، ويمارس على جميع الأطراف المتنافسة، ولأن الضاغط لا يظهر بثوب المنازع بل يظهر بثوب الأمين الناصح والعالم الجليل والمصلح الزاهد، والمضغوط عليه لا ينزعج من هذا الأسلوب في الغالب لأن حسناته تحسب له عليه، والإنجازات تتم بيديه، وأخرى أحب إليه أنه سيكون في مأمن من المنافسة على مقام المنصب وكرسي الحكم.

لقد جنى اليهود في الغرب ـ على قلتهم ـ ما لم يجنوه في "إسرائيل" لكن بالضغط المنظم والعمل المحكم، ونجح الخضر في العالم في فرض جزء كبير من قناعاتهم على ضعف تمثيلهم السياسي، لكن بالضغط النوعي والعددي أيضا، وأرى أن علماء الإسلام والدعاة إلى الله يستطيعون أن يحققوا ثلثي أهدافهم بالضغط الواعي المنظم،وإنلم يصلوا لحكمبلدانهم بالفعل.

بقلم: أحمدو ولد الفقيه

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025