تاريخ الإضافة : 17.01.2013 23:49
من هيبة الدولة إلي احترامها
أستسمح القارئ الكريم تناقضا قد يستشعره، فقد ذهــبت في آراء سلفت إلي اعتبار المنكب البرزخي بلادا سائبة... وطبيعة السيبة افتقار إلي مقومات الدولة ومصداقيتها... ولعل التجربة أثبتت صحة بعض تلك الرؤى والأيام حبلي بتصديق بعضها الآخر.
مبرر ذلك التناقض محاولة تأصيل مفاهيم وترتيب آثار تعز في بلاد الغاب... ورغم ذلك تمليها الغبطة وتتوق لها النفس... لعل من آكدها ضرورة التمييز بين هيبة الدولة واحترامها، إذ البون شاسع بين المفهومين.
فالهيبة تقترن غالبا، بالخوف، خاصة حين يكون المهيب صاحب سلطة ونفوذ، يستمد مهابته من القدرة على إيقاع الأذى بالآخرين، بينما الاحترام يأتي مشفوعا بالمحبة ومن الممكن أن يتوافر عند البسطاء، الذين لا يتسلل الاستعلاء إلى نفوسهم...
فالاحترام يعيد ترتيب الأشخاص والمؤسسات، بمعايير جديدة، دقيقة ونزيهة. تحترم من يستحق الاحترام... في ظل ثقافة الاحترام تنحسر العلاقات المذعنة الذليلة وتحل محلها علاقات إنسانية طبيعية.
في المجتمعات الديمقراطية، حقا، حيث يتساوى الكَنّاس ورئيس الدولة فى الحقوق والواجبات، يمكن المواطن مخاطبة أكبر رأس فى الدولة بندية لكن باحترام وكرامة... ذلك أن القانون والعرف فى البلاد الديمقراطية يتيحان أنواعا قاسية من نقد المسؤول العام لا يتيحان مثلها ضد الشخص العادي...
ذلك أن انتقاد المسؤول العام من أجل الصالح العام غاية جليلة، وبذلك يتعين أن يتاح إلى أقصى حد... فى البلاد الديمقراطية الحاكم خادم الشعب... من حق أبسط مواطن أن يحاسبه ويشتد في نقده.
بل إن القانون فى البلاد الديمقراطية يحمى المواطن العادي من السب والقذف ولا يحمى رئيس الدولة... الذي يفترض أنه تنازل عن خصوصيته... عن ذاتيته... بقبوله منصبا بالغ الحساسية.
مرة كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور فى جولة انتخابية فاقتربت منه سيدة بريطانية وصاحت في وجهه أمام الناس:
ــ مستر ميجور.. يا لك من أفّاك... وقذفته بالبيض الفاسد فأصاب وجهه... تناقلت وكالات الأنباء صورة رئيس الوزراء البريطاني وعلي وجهه يسيل البيض الفاسد...
تم إلقاء القبض على السيدة... لكن القاضي ـ البريطاني ـ و بعد ساعات قليلة، أصدر قرارا بالإفراج عنها، مبينا فى حيثيات قراره: "إن قذف رئيس الوزراء بالبيض لا يشكل خطراً على سلامته أو حياته وتبعا لذلك لا يعتبر جريمة اعتداء وإنما أسلوبا للتعبير عن الرأي عنيف... وحرية التعبير تكفلها الديمقراطية الإنجليزية...".
فهيهات لو كان ذلك علي أرض البيضان... حيث جل الشعب "خدام" رئيس الدولة... والمواطنون يتعاملون معه باحترام... - وينحنون إلا من رحم ربك - أمامه أذلاء.
لو بحثت فى كل وسائل الإعلام الغربي عن كلمة «هيبة الدولة» فلن تجدها ـ أبداً إذ الهيبة للقانون وحده.
أما في المنكب البرزخي فمصطلح الهيبة شائع، متكر، يخفى ـ غالبا ـ ظلماً وتعسفاً.. هيبة الدولة مبناها تكريس الاستبداد بالمشترك في حياة المواطنين.
هيبة الرئيس تعني التكتم علي أخطائه والبحث لها عن تبريرات... ليكون في دائرة العصمة وفوق كل الشبهات... سرمدي الوجود لا يعرض له عارض... رغم حساسية مركزه الذي رغب فيه فولي خلاف ضوابط شرعنا الحنيف.
انتقل الإحساس بالهيبة إلى محيطه فصار بعض أفراده يتعاملون مع خلق الله باستعلاء وغطرسة...
هيبة الدولة تنتقل كالعدوى فلدي القضاة معناها ألا تجرؤ على نقد قرار أو حكم وعند الشرطة يجسدها قمع المحامين ومنع إقامة حفل تخرج إحدى دفعاتهم... ما دمت ضابط جيش فمن حقك فعل ما تشاء... ليس لأحد أن يحاسبك باعتبارك رمزاً للوطن... فهيبة قادة الجيش تتيح لهم ـ وأسرهم ـ اقتناء سيارات فارهة، غير مجمركة، فقلنسواتهم عامل ترهيب القائمين علي تحصيل المستحقات الجمركية... قصور... أراضي شاسعة تكديس للثروة... ولا يجرؤ أحد على سؤالهم «من أين لكم هذا؟!» ...في ازورار عن القاعدة العمرية:" ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهيمة الإعرابية القضم لا الخضم".
فى أرض يعيش جل سكانها تحت خط الفقر أموال طائلة نرى آثارها على بعض قادة الجيش ولا نعرف أبداً حجمها ولا آلية صرفها...
فليتنا أدركنا أن الوطن ليس له رموز... رمز الوطن الوحيد هو المواطن... الدولة ليست لها هيبة... إنما احترام مستمد من قوة القانون لا من حماية المستبدين... الفاسدين...
وما لم ينتبه الموريتانيون إلى هذا ويشرعوا في عملية بناء مستقبلهم فإن مصيرهم لن يختلف بحال عن مصير أمم العيان فيها يغني عن البيان... وتتحمل النخبة مسؤولية إحداث التغيير المطلوب وتحطيم إسار الاستئثار والاستخفاف بالقانون... لننتقل من هيبة الدولة إلي احترامها.
والله من وراء القصد
مبرر ذلك التناقض محاولة تأصيل مفاهيم وترتيب آثار تعز في بلاد الغاب... ورغم ذلك تمليها الغبطة وتتوق لها النفس... لعل من آكدها ضرورة التمييز بين هيبة الدولة واحترامها، إذ البون شاسع بين المفهومين.
فالهيبة تقترن غالبا، بالخوف، خاصة حين يكون المهيب صاحب سلطة ونفوذ، يستمد مهابته من القدرة على إيقاع الأذى بالآخرين، بينما الاحترام يأتي مشفوعا بالمحبة ومن الممكن أن يتوافر عند البسطاء، الذين لا يتسلل الاستعلاء إلى نفوسهم...
فالاحترام يعيد ترتيب الأشخاص والمؤسسات، بمعايير جديدة، دقيقة ونزيهة. تحترم من يستحق الاحترام... في ظل ثقافة الاحترام تنحسر العلاقات المذعنة الذليلة وتحل محلها علاقات إنسانية طبيعية.
في المجتمعات الديمقراطية، حقا، حيث يتساوى الكَنّاس ورئيس الدولة فى الحقوق والواجبات، يمكن المواطن مخاطبة أكبر رأس فى الدولة بندية لكن باحترام وكرامة... ذلك أن القانون والعرف فى البلاد الديمقراطية يتيحان أنواعا قاسية من نقد المسؤول العام لا يتيحان مثلها ضد الشخص العادي...
ذلك أن انتقاد المسؤول العام من أجل الصالح العام غاية جليلة، وبذلك يتعين أن يتاح إلى أقصى حد... فى البلاد الديمقراطية الحاكم خادم الشعب... من حق أبسط مواطن أن يحاسبه ويشتد في نقده.
بل إن القانون فى البلاد الديمقراطية يحمى المواطن العادي من السب والقذف ولا يحمى رئيس الدولة... الذي يفترض أنه تنازل عن خصوصيته... عن ذاتيته... بقبوله منصبا بالغ الحساسية.
مرة كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور فى جولة انتخابية فاقتربت منه سيدة بريطانية وصاحت في وجهه أمام الناس:
ــ مستر ميجور.. يا لك من أفّاك... وقذفته بالبيض الفاسد فأصاب وجهه... تناقلت وكالات الأنباء صورة رئيس الوزراء البريطاني وعلي وجهه يسيل البيض الفاسد...
تم إلقاء القبض على السيدة... لكن القاضي ـ البريطاني ـ و بعد ساعات قليلة، أصدر قرارا بالإفراج عنها، مبينا فى حيثيات قراره: "إن قذف رئيس الوزراء بالبيض لا يشكل خطراً على سلامته أو حياته وتبعا لذلك لا يعتبر جريمة اعتداء وإنما أسلوبا للتعبير عن الرأي عنيف... وحرية التعبير تكفلها الديمقراطية الإنجليزية...".
فهيهات لو كان ذلك علي أرض البيضان... حيث جل الشعب "خدام" رئيس الدولة... والمواطنون يتعاملون معه باحترام... - وينحنون إلا من رحم ربك - أمامه أذلاء.
لو بحثت فى كل وسائل الإعلام الغربي عن كلمة «هيبة الدولة» فلن تجدها ـ أبداً إذ الهيبة للقانون وحده.
أما في المنكب البرزخي فمصطلح الهيبة شائع، متكر، يخفى ـ غالبا ـ ظلماً وتعسفاً.. هيبة الدولة مبناها تكريس الاستبداد بالمشترك في حياة المواطنين.
هيبة الرئيس تعني التكتم علي أخطائه والبحث لها عن تبريرات... ليكون في دائرة العصمة وفوق كل الشبهات... سرمدي الوجود لا يعرض له عارض... رغم حساسية مركزه الذي رغب فيه فولي خلاف ضوابط شرعنا الحنيف.
انتقل الإحساس بالهيبة إلى محيطه فصار بعض أفراده يتعاملون مع خلق الله باستعلاء وغطرسة...
هيبة الدولة تنتقل كالعدوى فلدي القضاة معناها ألا تجرؤ على نقد قرار أو حكم وعند الشرطة يجسدها قمع المحامين ومنع إقامة حفل تخرج إحدى دفعاتهم... ما دمت ضابط جيش فمن حقك فعل ما تشاء... ليس لأحد أن يحاسبك باعتبارك رمزاً للوطن... فهيبة قادة الجيش تتيح لهم ـ وأسرهم ـ اقتناء سيارات فارهة، غير مجمركة، فقلنسواتهم عامل ترهيب القائمين علي تحصيل المستحقات الجمركية... قصور... أراضي شاسعة تكديس للثروة... ولا يجرؤ أحد على سؤالهم «من أين لكم هذا؟!» ...في ازورار عن القاعدة العمرية:" ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهيمة الإعرابية القضم لا الخضم".
فى أرض يعيش جل سكانها تحت خط الفقر أموال طائلة نرى آثارها على بعض قادة الجيش ولا نعرف أبداً حجمها ولا آلية صرفها...
فليتنا أدركنا أن الوطن ليس له رموز... رمز الوطن الوحيد هو المواطن... الدولة ليست لها هيبة... إنما احترام مستمد من قوة القانون لا من حماية المستبدين... الفاسدين...
وما لم ينتبه الموريتانيون إلى هذا ويشرعوا في عملية بناء مستقبلهم فإن مصيرهم لن يختلف بحال عن مصير أمم العيان فيها يغني عن البيان... وتتحمل النخبة مسؤولية إحداث التغيير المطلوب وتحطيم إسار الاستئثار والاستخفاف بالقانون... لننتقل من هيبة الدولة إلي احترامها.
والله من وراء القصد







