تاريخ الإضافة : 12.12.2012 09:51
هوامش على مؤتمر الرئيس الأخير
تم عقد مؤتمر رئاسي في القصر الرمادي حيث كان الأول من نوعه مند عودة الرئيس محمد ولد عبد العزيز من رحلته الاستشفائية التي قادته إلى مستشفى بيرسي بباريس،
اللقاء الصحفي جاء في مرحلة تعيش فيها البلاد حالة من التوتر السياسي والحراك الشعبوي، نتيجة أوضاع البلاد المتفاقمة، زيادة على ما ألقته الرصاصات الصديقة من أسئلة تدور وتتناقل بين الدوائر السياسية والاجتماعية فلا تلقى مجيبا، على الرغم من التصريح المقتضب الذي أدلى به الرئيس وهو على سرير المستشفى العسكري بانواكشوط والذي ألقى على القصة غيوما لا تتحملها أصلا، إلى أن ظهر الرئيس في ضيافة فرانسو هولاند بقصر الإليزي،
هي أسئلة أحرجت فريق الأغلبية، واتخذها الخصوم السياسيون مادة دسمة، ومادة إعلامية خصبة ومفيدة في المشهد الإعلامي والسياسي.
من هنا تأتي أهمية هذا المؤتمر الرئاسي توقيتا ومكانا، حيث أتاح للرئيس مساحة من المشاهدة والوقت، تحدث فيه عن مجمل القضايا التي يجري الحديث عنها في الساحة الوطنية، بدءا بإصابته وانتهاء برؤيته المستقبلية للوضع السياسي في موريتانيا، غير أن هناك نقاطا محورية ألقت بظلالها وهيمنت بزخمها على المؤتمر، وتخللت مجمل فقراته.
لعل أبرز تلك القضايا إصابة الرئيس وحقيقة وضعه الصحي، حيث لم يتسم حديث محمد ولد عبد العزيز عن حالته الصحية بالتفصيل المطلوب، وجاء في عمومه مجملا، بل لم يكن سوى إعادة لما شاع وتردد من أخبار إبان رحلته الشمالية (طلق رصاصي في البطن - إجراء عملية جراحية على وجه السرعة - ورحلة استشفائية إلى فرنسا لاستكمال العلاج).
والمفارقة العجيبة أن فخامة القيادة الوطنية أقر بوجود نقص في المعلومات اللازمة عن وضعه الصحي، باعتبارها حقا مشروعا للمواطن الموريتاني، غير أن هذا الاعتراف بالتقصير لم يكن سببا في إشباع فضول هذا المواطن المتعطش لمعرفة الحقيقة بأخبار جديدة، مما أخبت حرارة المتشوق المتابع لوضع الرئيس الصحي.
ولعل المعلومة الوحيدة التي أدلى الرئيس هي رحلة علاجية جديدة أخرى طال أمدها وأبقت المواطن رهين القيل والقال وكثرة السؤال.
أما الأزمة المالية بدورها فقد شكلت عنصرا لافتا في حديث رئيس الجمهورية، فعلى الرغم من أن موريتانيا معنية باتخاذ موقف حازم وجازم في هذه الأزمة، وعلى الرغم من قرار الرئيس القاضي بعدم المشاركة في الحرب المرتقبة في الشمال المالي، إلا أن المتتبع لمسار الحوار الرئاسي يلحظ بجلاء تناقضا قد لا يكون مقصودا غير أنه ينم عن ارتباك في طبيعة الموقف الرسمي والعسكري من الحرب، وعدم إدراك لملابسات الحدث ومنعرجات الحروب.
فالرئيس أكد أن موريتانيا لن تشارك في الحرب، لكنها سترد بحزم إن تعرضت لأي أذى، وسيكون الرد زحف بالجيش إلى أبعد الحدود، متناسيا أن شرر الحرب لا أن يصيب القريب والجار والصاحب بالجنب، أضف إلى ذلك أن الشرر قد يكون من الجهتين معا، وقد يكون من إحداهما فقط، وقد لا يتحدد مصدره أصلا.
فما هو الرد حين يكون الأذى قادما من طرف الإخوة غب الإتحاد الإفريقي؟
ثم إن ردة الفعل هذه هي قرار فعلي بالمشاركة في الحرب، ما دام الشرط محتمل الوقوع إن لم يكن مؤكدا، وإلا فإن الرئيس يبحث عن موقف يتيح له المشاركة ويبعد فكرة "الحرب بالوكالة" التي طالما اتهم بها الجيش الموريتاني قي مواجهاته للحركات المسلحة في الشمال المالي، وإظهارا للجيش الموريتاني بمظهر المدافع عن الحوزة الترابية.
أما في حديثه عن المجال السياسي فإن حديث الرئيس لم يحمل أملا لمنسقية المعارضة في إمكانية إيجاد أرضية للحوار السياسي أو إطار للتفاهم، أو حتى خضوعا بالقول وتهدئة في الخطاب المناور، مكتفيا بالقول إن مشاركة المنسقية في الانتخابات أمر سيحين في وقته، معتبرا أن هناك حوارا بناء مع جزء من المعارضة وقد قطع أشواطا في سبيل التحقق، لهذه النبرة التصعيدية قطع الرئيس أملا كان يرتسم في الذهنية الموريتانية عن تصالح بيني وحوار سياسي بعد عودة الرئيس من رحلته العلاجية، وهو بهذا الموقف يؤكد فكرة طالما رددتها قيادات المنسقية أن "الرئيس حجر عثرة أمام أي حوار مرتقب.
وفي حديثه عن الصيد تناول الرئيس اتفاقية الصيد الصينية المشبوهة بشكل عرضي، معددا بعض الجوانب المضيئة فيها، كارتفاع نسبة العمالة الوطنية فيها من 30% إلى 60% متجاهلا في الوقت ذاته المخاطر الكارثية التي سيتعرض لها قطاع الصيد جراء طول مدة الرخص المقدمة للشركاء الصينيين، إضافة إلى طبيعة الوسائل المستخدمة في صيد الأعماق من طرفهم، والتي تشبه جرافات زاحفة تستهدف أنواع الأسماك والتي لا زال بعضها في طور التشكل والنشوء، بدل الحديث عن أمور كهذه، فضل الحديث عن مناورة اقتصادية مع دول أوروبية تبدو في ظاهراها موقفا وطنيا واقتصاديا حكيما، ويغيب وجهها الباطني وجدوائيتها الاقتصادية الحقيقية.
في ظل حريات الإعلام المشهودة التي اصطكت منها الآذان، وبعد أن تباشر الكل بأن معايير منصفة وعادلة في اختيار المحاورين للرئيس في مؤتمره ستوضع، عمد مشرفوا المؤتمر إلى تضييق دائرة الاختيار والانتقاء، فكان للقاء الشعب بمدينة أطار حضور بارز من خلال اختيار بعض وسائل الإعلام التي شاركت فيه، وحتى بعض المحاورين للرئيس في ذلك المؤتمر، عملية الانتقاء هذه أو عملية الاقصاء بتعبير آخر كانت مفاجئة لوسائل إعلامية شهد لها القارئ بالنجاعة والامتياز، أصارت الكثير من الاستياء في الوسط الإعلامي وهو استياء عيرت عنه ببيان مشترك يستنكر الحدث ويلقي باللائمة على إدارة المؤتمر.
بينما يرى البعض أن عملية الانتفاء هذه تشتم منها رائحة طبخة توافقية بين المحاوٍر والمحاوَر، يتم بموجبها صياغة الأسئلة بنعومة وطراوة، مقابل حضور شرف محاورة فخامة القيادة الوطنية.
محمد ولد محمدن
اللقاء الصحفي جاء في مرحلة تعيش فيها البلاد حالة من التوتر السياسي والحراك الشعبوي، نتيجة أوضاع البلاد المتفاقمة، زيادة على ما ألقته الرصاصات الصديقة من أسئلة تدور وتتناقل بين الدوائر السياسية والاجتماعية فلا تلقى مجيبا، على الرغم من التصريح المقتضب الذي أدلى به الرئيس وهو على سرير المستشفى العسكري بانواكشوط والذي ألقى على القصة غيوما لا تتحملها أصلا، إلى أن ظهر الرئيس في ضيافة فرانسو هولاند بقصر الإليزي،
هي أسئلة أحرجت فريق الأغلبية، واتخذها الخصوم السياسيون مادة دسمة، ومادة إعلامية خصبة ومفيدة في المشهد الإعلامي والسياسي.
من هنا تأتي أهمية هذا المؤتمر الرئاسي توقيتا ومكانا، حيث أتاح للرئيس مساحة من المشاهدة والوقت، تحدث فيه عن مجمل القضايا التي يجري الحديث عنها في الساحة الوطنية، بدءا بإصابته وانتهاء برؤيته المستقبلية للوضع السياسي في موريتانيا، غير أن هناك نقاطا محورية ألقت بظلالها وهيمنت بزخمها على المؤتمر، وتخللت مجمل فقراته.
لعل أبرز تلك القضايا إصابة الرئيس وحقيقة وضعه الصحي، حيث لم يتسم حديث محمد ولد عبد العزيز عن حالته الصحية بالتفصيل المطلوب، وجاء في عمومه مجملا، بل لم يكن سوى إعادة لما شاع وتردد من أخبار إبان رحلته الشمالية (طلق رصاصي في البطن - إجراء عملية جراحية على وجه السرعة - ورحلة استشفائية إلى فرنسا لاستكمال العلاج).
والمفارقة العجيبة أن فخامة القيادة الوطنية أقر بوجود نقص في المعلومات اللازمة عن وضعه الصحي، باعتبارها حقا مشروعا للمواطن الموريتاني، غير أن هذا الاعتراف بالتقصير لم يكن سببا في إشباع فضول هذا المواطن المتعطش لمعرفة الحقيقة بأخبار جديدة، مما أخبت حرارة المتشوق المتابع لوضع الرئيس الصحي.
ولعل المعلومة الوحيدة التي أدلى الرئيس هي رحلة علاجية جديدة أخرى طال أمدها وأبقت المواطن رهين القيل والقال وكثرة السؤال.
أما الأزمة المالية بدورها فقد شكلت عنصرا لافتا في حديث رئيس الجمهورية، فعلى الرغم من أن موريتانيا معنية باتخاذ موقف حازم وجازم في هذه الأزمة، وعلى الرغم من قرار الرئيس القاضي بعدم المشاركة في الحرب المرتقبة في الشمال المالي، إلا أن المتتبع لمسار الحوار الرئاسي يلحظ بجلاء تناقضا قد لا يكون مقصودا غير أنه ينم عن ارتباك في طبيعة الموقف الرسمي والعسكري من الحرب، وعدم إدراك لملابسات الحدث ومنعرجات الحروب.
فالرئيس أكد أن موريتانيا لن تشارك في الحرب، لكنها سترد بحزم إن تعرضت لأي أذى، وسيكون الرد زحف بالجيش إلى أبعد الحدود، متناسيا أن شرر الحرب لا أن يصيب القريب والجار والصاحب بالجنب، أضف إلى ذلك أن الشرر قد يكون من الجهتين معا، وقد يكون من إحداهما فقط، وقد لا يتحدد مصدره أصلا.
فما هو الرد حين يكون الأذى قادما من طرف الإخوة غب الإتحاد الإفريقي؟
ثم إن ردة الفعل هذه هي قرار فعلي بالمشاركة في الحرب، ما دام الشرط محتمل الوقوع إن لم يكن مؤكدا، وإلا فإن الرئيس يبحث عن موقف يتيح له المشاركة ويبعد فكرة "الحرب بالوكالة" التي طالما اتهم بها الجيش الموريتاني قي مواجهاته للحركات المسلحة في الشمال المالي، وإظهارا للجيش الموريتاني بمظهر المدافع عن الحوزة الترابية.
أما في حديثه عن المجال السياسي فإن حديث الرئيس لم يحمل أملا لمنسقية المعارضة في إمكانية إيجاد أرضية للحوار السياسي أو إطار للتفاهم، أو حتى خضوعا بالقول وتهدئة في الخطاب المناور، مكتفيا بالقول إن مشاركة المنسقية في الانتخابات أمر سيحين في وقته، معتبرا أن هناك حوارا بناء مع جزء من المعارضة وقد قطع أشواطا في سبيل التحقق، لهذه النبرة التصعيدية قطع الرئيس أملا كان يرتسم في الذهنية الموريتانية عن تصالح بيني وحوار سياسي بعد عودة الرئيس من رحلته العلاجية، وهو بهذا الموقف يؤكد فكرة طالما رددتها قيادات المنسقية أن "الرئيس حجر عثرة أمام أي حوار مرتقب.
وفي حديثه عن الصيد تناول الرئيس اتفاقية الصيد الصينية المشبوهة بشكل عرضي، معددا بعض الجوانب المضيئة فيها، كارتفاع نسبة العمالة الوطنية فيها من 30% إلى 60% متجاهلا في الوقت ذاته المخاطر الكارثية التي سيتعرض لها قطاع الصيد جراء طول مدة الرخص المقدمة للشركاء الصينيين، إضافة إلى طبيعة الوسائل المستخدمة في صيد الأعماق من طرفهم، والتي تشبه جرافات زاحفة تستهدف أنواع الأسماك والتي لا زال بعضها في طور التشكل والنشوء، بدل الحديث عن أمور كهذه، فضل الحديث عن مناورة اقتصادية مع دول أوروبية تبدو في ظاهراها موقفا وطنيا واقتصاديا حكيما، ويغيب وجهها الباطني وجدوائيتها الاقتصادية الحقيقية.
في ظل حريات الإعلام المشهودة التي اصطكت منها الآذان، وبعد أن تباشر الكل بأن معايير منصفة وعادلة في اختيار المحاورين للرئيس في مؤتمره ستوضع، عمد مشرفوا المؤتمر إلى تضييق دائرة الاختيار والانتقاء، فكان للقاء الشعب بمدينة أطار حضور بارز من خلال اختيار بعض وسائل الإعلام التي شاركت فيه، وحتى بعض المحاورين للرئيس في ذلك المؤتمر، عملية الانتقاء هذه أو عملية الاقصاء بتعبير آخر كانت مفاجئة لوسائل إعلامية شهد لها القارئ بالنجاعة والامتياز، أصارت الكثير من الاستياء في الوسط الإعلامي وهو استياء عيرت عنه ببيان مشترك يستنكر الحدث ويلقي باللائمة على إدارة المؤتمر.
بينما يرى البعض أن عملية الانتفاء هذه تشتم منها رائحة طبخة توافقية بين المحاوٍر والمحاوَر، يتم بموجبها صياغة الأسئلة بنعومة وطراوة، مقابل حضور شرف محاورة فخامة القيادة الوطنية.
محمد ولد محمدن







