تاريخ الإضافة : 08.12.2012 15:24

الإعلام العمومي بين إرادة التحرر والتباس معايير HAPA

السالك ولد عبد الله

السالك ولد عبد الله

توفق السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية في موريتانيا (هابا)، في إقناع العاملين في الحقل الإعلامي عموما، من محترفين ومبتدئين وهواة، ولا الرأي العام عموما، بمضمون بيانها لأخير، رغم محاولتها إشراك مجلس "النقد" الذاتي الذي وسعت به هيكلتها مؤخرا (زيادة تلقائية في النفقات)؛ ورغم وضع مختلف مكونات المشهد الإعلامي في سلة واحدة، "ليتفرق دمه" بين الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية؛ عموميها وخصوصيها..
ولئن كان بيان ـ أو تقرير ـ الـ "هابا" الأخير حمل حقائق لا مراء فيها، من قبيل انعدام المهنية وخرق أخلاقيات العمل الصحفي من قبل الغالبية العظمى من وسائل لإعلام المستقلة، والإلكترونية منها على وجه الخصوص، فإنه تضمن ما لا ينطبق عليه نفس التوصيف مطلقا، كما أن طابع لتعميم الذي طغى على موقف الهيئة، أفرغه من أي مصداقية؛ خاصة وأنه جاء في صيغة أحكام غير قابلة للتعقيب أو الطعن أو حتى الاستئناف!
لقد حكمت الـ "هابا" بأن الصحافة الموريتانية، دون استثناء "تخرق لقوانين والقواعد والنظم"؛ وهو ما لا أجد له تفسيرا سوى أن هذه "الهيئة الموقرة" إنما أرادت استهداف مؤسسات إعلامية بذاتها، لكنها لم تجد أي مطعن في مصداقيتها أو مهنيتها ولا في قانونية عملها؛ فعممت حكمها ليشمل تلك المؤسسات، دون ذكرها بالاسم.. وهذا أسلوب معروف، خاصة في مجتمعنا اليوم، حيث يعمد كل من يرتكب عملا غير مبرر من الناحية القانونية أو الأخلاقية أو حتى الدينية، إلى الرد على من ينتقده قائلا: "كل الناس يفعلون ما أفعل.. وما أنا إلا من غزية"... السارق يسرق لأن هناك من يسرقون، السائق يخالف قانون المرور لأن غيره يخالفونه، الموظف يختلس المال العام لأن غيره يختلسونه، يتعاطى الرشوة لأن غيره يتعاطونها... إلخ.
لقد جاء توصيف الـ "هابا" لمؤسسات الإعلام الموريتاني بأنها تخرق القانون والأعراف والأخلاق المهنية؛ في محاولة غير موفقة لإزالة بقع من رواسب تعاملها (غير المقنع) مع موضوع الترخيص للإذاعات والتلفزيونات الخاصة؛ حين أقصت ملفات العديد من المؤسسات المترشحة، واعتمدت ملفات أخرى لم تكن أكثر منها تقيدا بالشروط المطلوبة؛ عبر معايير أبعد ما تكون عن الموضوعية.. وكذا تلك التي خلفها اختيار المجموعات والمؤسسات الصحفية المستفيدة من صندوق الدعم العمومي للصحافة المستقلة بموريتانيا؛ حيث أقصيت مؤسسات عريقة وأخرى تلبي أغلب الشروط، حتى لا نقول كلها؛ بينما اعتمدت صحف لا عهد لها بالصدور ورقيا، ومواقع يعجز محرك البحث "غوغل" عن التعرف على بعضها، ويرد ترتيب بعضها الآخر في ذيل قائمة نظام "آليكسا".
وفيما سعت "الهيئة الموقرة" إلى تحميل وزارة الاتصال "وزر" إقصاء ملفات محطات إذاعية وقنوات تلفزيونية من الترخيص؛ عمدت إلى الإلقاء بمسؤولية اعتماد لائحة الصحف والمواقع المستفيدة من الدعم العمومي على عاتق لجنة تسيير الصندوق.
إن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، يفترض أن تنظم القطاع وتساهم في تنقيته، لا في تمييعه ووضع غثه وسمينه في نفس المستوى؛ مثلما يفترض فيها أن تواكب مسيرة الإعلام في البلد، من خلال تصحيح "التجاوزات" عند ملاحظتها وليس بعد تجاوزها وقيام المعنيين بها بتصحيحها من تلقاء أنفسهم.
ذلك أنها عندما تطالعنا اليوم باتهام وسائل الإعلام العمومية؛ بخرق النصوص؛ في وقت حققت فيه إذاعة موريتانيا والتلفزة الموريتانية، مثلا، تطورا غير مسبوق في مجال التحول إلى مؤسسات للخدمة العمومية؛ تعكس مختلف تيارات الفكر في البلاد، وتستضيف مختلف الفاعلين السياسيين في حوارات مباشرة، وتكرس وقتا معتبرا لنقل صوت المواطن في كل جهات الجمهورية؛ فإن الـ "هابا" تكشف عن فارق كبير في الزمن بين تحركها وبين ما ملاحظة الأخطاء التي يأتي في سياقها، فتحاول إقناع الرأي العام بأنها ترفض تلك الخطاء..
لم تحرك "الهيئة الموقرة" ساكنا لما تعالت أصوات المعارضة الموريتانية ضد تهميشها وإقصائها في وسائل الإعلام العمومية المرئية والمسموعة؛ ولم تستجب لنداءاتها، الوجيهة والمبررة، من أجل منحها حقها الطبيعي في الحصول على تغطية نشاطاتها عبر التلفزة والإذاعة الرسميتين..لكنها اليوم تنتقدهما بشكل لاذع، بل وتتهما بخرق القانون؛ بعد أن بدأتا ـ فعلا ـ تلبيان كل شروط الانتقال إلى مرافق للخدمة العمومية؛ وبعد أن أصبح مدير كل منهما ذا مشروعية ومأمورية قانونية، لأول مرة في تاريخ الإعلام العمومي الموريتاني، منذ الاستقلال.
ومن تلك الشروط، التي تشكل محور عمل "هابا"، ومحور أبرز ملتقياتها ومنتدياتها التكوينية والتحسيسية، نورد هنا ، مثالا لا حصرا :
ـ ضمان استقلالية وحياد وسائل الإعلام والاتصال العمومية عبر تحديد القواعد التي من شأنها أن تفضي إلى تحويلها إلى وسائل إعلام للخدمة العمومية.
ـ تتم تغطية نشاطات الأحزاب السياسية، النقابات والمجتمع المدني بكل شفافية و حياد. كما يجب أن تكون موضوعية، متوازنة ومهنية.
ـ تضمن وسائل الإعلام العمومية التغطية الإعلامية للمؤتمرات العادية والاستثنائية للأحزاب السياسية ومجالسها الوطنية، وكذا الجمعيات العمومية لهيئات المجتمع المدني والنقابات.
ـ تكون أنشطة الأحزاب السياسية، النقابات والمجتمع المدني، المنظمة على شكل مؤتمرات صحفية، نقاط صحفية ومهرجانات، موضع ريبورتاجات مهنية، ذات مصداقية وأمينة في نقل حقائق الحدث.
- تغطي وسائل الإعلام العمومية نشاطات الحكومة بهدف إطلاع الجمهور على تنفيذ السياسة العامة، مهمة الحكامة الإدارية، تسيير الشؤون العامة وكل المسائل التي تهم حياة الأمة.
- يحظى زعيم المعارضة بوقت كاف في الأثير لتمرير تصريحاته ومؤتمراته الصحفية.
- حق الرد مضمون من طرف وسائل الإعلام العمومية للأحزاب السياسية، النقابات والمجتمع المدني.
- تضمن وسائل الإعلام العمومية التغطية الإعلامية لردود فعل الأحزاب السياسية، النقابات والمجتمع المدني، تجاه حدث وطني أو دولي كبير.
- تعمل السلطات العمومية، الأحزاب السياسية، النقابات والمجتمع المدني على تسهيل ولوج الصحفيين من وسائل الإعلام العمومية إلى مصادر الخبر.
- تغطي النقاشات البرلمانية للجلسات العلنية، نشاطات البرلمان التي تعالج القضايا ذات الطابع الاجتماعي (التهذيب، الصحة، المياه والكهرباء، حقوق الإنسان) وأي قضية أخرى مهمة تمس الحياة اليومية للمواطن، وكذا الأسئلة الشفهية المطروحة على أعضاء الحكومة.
كما تغطي:
ـ كافة نشاطات رئيس الجمعية الوطنية؛
ـ كافة أنشطة لجان الجمعية الوطنية؛
ـ كافة نشاطات رئيس مجلس الشيوخ؛
ـ كافة أنشطة لجان مجلس الشيوخ؛
وعلى هذا الأساس ينبغي الحكم على أداء وسائل لإعلام العمومية، وليس على أساس معايير كالتي اعتمدت في "تنقيط" المؤسسات الصحفية لتستفيد من الدعم العمومي، ولا التي اعتمدت في انتقاء "مستحقي" تراخيص التلفزيونات الخاصة.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025