تاريخ الإضافة : 11.10.2012 09:52

المطرودون.. حلم موءود بوطن حر

محمد ولد الراجل

محمد ولد الراجل


هو الشاب الهادئ.. صاحب العقل النير، والتفكير السليم المتفوق في كلية الطب عبد الرحمن ولد محمد صالح..

هي الفتاة الطاهرة، والمناضلة القوية مع الحق، والخادمة للطلاب متصدرة لوائح الامتحانات ميمونة بنت محمد الأمين.

أما ثالث القوم فإنه إسلم ولد ابراهيم، من خلط مع التدين اجتهادا في الدراسة، ليحصل على تفوق في كليته قل نظيره، وليجمع مع الاثنين رقة مع الأم لتشهد أمام الملئ على بره حائزا بذلك مرتبة هي أكبر ما يتمنى كل مسلم.


كنت أود أن أجمع الثلاثي في تعريف مختصر يقدمهم كأحسن ما يكون التقديم، لكن ذلك مطلب عز مناله، وغاية لا تدركها أسطر، بل ورقة بالأحرى.

قرر الممسكون بزمام الأمور في موريتانيا أن يطردوا الفتية من مراتعهم، ونفذت عصابة العمداء الأوامر، وتيقنتُ أول ما رأيت الخبر أن مظلومين تتصدرهم ربة الخمار بنت محمد الأمين حلفاء نصر مؤزر ولو بعد حين..

كان الخبر للوهلة الأولى مفزعا،، لكنه مفرح في الوقت ذاته، فلقد عرفت المطرودين أو جلهم ولم أجد من بينهم إلا مجد على مقعد دراسته، منافح عن حق مع الادارة ولم يعرفوا التنازل عن الحقوق.

إن طردهم ليس إلا بداية فعلية لنهاية الظلام الدامس، الضارب على وطننا، يشد الجاهلون أزماته ليفرجها هذا الشعب المسكين بأيديه..

والآن أطرح هذا الثلاثي لأنه يمثل مآسي وطن يرزح تحت وطأة ظلم يبدو أن مخرج مآسيه لا يزال يظن نفسه في الحلقات الأولى..

مآس كلما صدت عنا إحداها أقبلت أخرى أحلك،، وأعقد في متتالية لا يمكن أن يصبر عليها إلا المطحونون في موريتانيا،، ليمثلها المطرودون في كل معانيها..
المطرودون.. معان من الظلم والاضطهاد للمتميزين من هذا الشعب المسكين حُكم عليهم أواخر السبعينات أن لا موطئ قدم لهم في أرض السيبة!

المطرودون رسائل حرية في الزمن الغريب، ضاق بهم الظالم ذرعا فقرر أن يعطل مسارهم،، لكنهم ناضلوا.. أصروا على المواصلة في سوح النضال وعندما حان دور الورقة أخذوا القضية بأقلامهم..

يمثل الثلاثي (عبد الرحمن، ميمونة، إسلم) كوكبة من المتميزين في جامعة نواكشوط اقتحم عليهم العسكر ضحى يوم حالك فصولهم الدراسية وقرر أن يعطي الأوامر بطردهم،، فكان ما كان..

صبر عبد الرحمن وميمونة على الطرد وقرروا المشاركة في امتحانات ظن القوم أن حضورهم لها ضرب من العبث، فقال القلم كلمته إن للعلم رجالا،، وله أدعياء..
ميمونة وعبد الرحمن ثنائي مثل أروع آيات الصبر والتحمل،، والإيمان بالوطن فهو وطن وإن جار،، وساكنته أهل وإن ضنوا.. ليرسل بذلك ثنائينا هذا رسائل إلى المتجبرين أن أحلامهم ستكسرها أقلام العلم، وأن يراع الابداع يبقى أقوى بألف مرة من البنادق الصدئة المعينة على الظلم..

يعيش اليوم ثلاثي الظلم المتجبر بدءا بالجنرال عزيز ومرورا بالرابي أحمد ولد باهيه ثم انتهاء بالمفوض ولد مكيه أوضاعا نفسية لا يحسدون عليها، فقد اختاروا مواجهة الحق بقوتهم، ليكبتهم الحق بجبروته.

نجح عبد الرحمن ونجحت ميمونة.. ليست هذه كلمة مجردة وإنما هي رسالة عز من المطرودين إلى الحالمين بالوطن أن الرؤيا قاب قوسين أو أدنى من التحقق، وأن الطيف المراود بحريتنا سيصدق..

إنه الصبر على الحق، ثم الصبر على مواجهة الظالمين تلك التي خاضها ثنائينا، مستعينا بحق ناصرهم، وبصدق ناصروه.

يكتب عبد الرحمن بلغة الطبيب الرحيم عن طرده، وتتحدث ميمونة لإحدى وسائل الاعلام عن أحلامها بنبرة الحقيقة الصادحة، لينطبع في ذهني أن الله لن يخذل الثنائي ولا المطرودين الذين يمثلون..

وهذا سبيل في الصبر صعب، حينما يقرر المحق أن يتغافل عن الماضي ويخوض معمعان الامتحان، شاهرا سيف الحق، متخذا طريق العلم سبيلا..

وإنه لعمري لأصيل ذلك المذهب الذي انتهجه إسلم ولد ابراهيم في الحرية وقديم، مؤصل مع الشنفرى:
ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى --- وفيها لمن خاف القلا محول
ليرتل مع لاميته:
ولكن نفسي حرة لا تقيم بي ــ على الضيم إلا ريثما أتحول

سلك إسلم سبيل الأحرار، وغادر عن وطن رأى الجاهلون يتحكمون في مستقبله، ليذهب إلى من يستوعبه، ويتخذ له القلم حاكما..

وجد إسلم أفقه يضيق عن وطن لم يبق من التفكير لحاكميه إلا ما تجود به أحذية العساكر الخشنة، فقرر أن يترحل إلى حيث يُكرم..

يمثل ولد ابراهيم طاقات وطنية شابة مقتدرة فرط فيها القوم فقررت أن تنتقل بما تملك ليستفيد منها الآخرون..

إسلم ولد ابراهيم مثال لصور كثيرة، أضاعها وطنها، وأحلها الآخرون محلات شريفة تجد فيها ما ترضى به أنفس الأحرار.. لتتواصل مسيرة الوطن في ضياع الأخيار..

هي أوضاع وطن مستلب، يرديه الجاهلون في محطة أسفل من أختها، يواصلون إسقاطه في مستنقعات التخلف الآسنة، ويتلاعبون بمستقبله ومستقبل ابنائه..

وهم الفتية المطرودون، آخر من بقي حلم موريتانيا يراودهم،، يعملون عليه،، ويضحون بمستقبلهم من أجله..

لله أنت أيها الوطن المسلوب، يتعاقب عليك الجاهلون فاسد يتلوه أفسد، ومستبد يتلوه آخر،، وأحرار حملوا الهم في أضلعهم وأنشد كل منهم على حدى:

سأبكيك ما فاضت دموعي وإن ونت --- فحسبك مني ماتكن الجوانح
تكن جوانح المطرودين حبا متأصلا لوطنهم، ورغبة جامحة في تحريره، ويحكم العسكر سيطرتهم الخبيثة على كل مفاصل الدولة المختطفة..

ويبقى الأمل منعقدا على سواعد المطرودين وأمثال المطرودين، وحلم الدولة الموءود يراود كل أبنائه الأحرار.. فتحية للمطرودين والسلام على الوطن.

المناخ

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025