تاريخ الإضافة : 15.08.2012 12:43

أطار" الوجه الآخر"

التقيت شبح أطار عند دوار المدينة المركزية بالمدينة (بويه روه)، فسلم علي مرحبا، وقال لي لقد افتقدتك منذ أشهر، فأين أنت، قلت له في سفر ومازلت وأنوي زيارتك قريبا إن شاء الله.
حدقت في وجه أطار فلاحظت عدم راحة البال، بل والانزعاج الكبير، فسألته ماذا دهاك بعدي؟.
قال عسكري غشوم وأبناء مستضعفون مغلوب على أمرهم، وبعضهم فقد روح الرفض والمقاومة.
قلت مستفسرا من تعني -يا أطار- على وجه الخصوص، قال الحاكم الحالي للبلد ومن جاء من أبنائي -خصوصا من التجار- بهذه المناسبة المثيرة.
قلت إنهم يتحججون بالخوف على مصالحهم الهشة المستهدفة، عبر الضرائب والمضايقة والإقصاء، قال هذا ضعف وخوار، ليس لهم أن يكرموا ويرضخوا لمن ظلمهم وأهانهم واحتقرهم رغم مصاهرته إياهم، وما صنعوا له جميع أبنائي من معروف وملاطفة وعناية متنوعة في عهد ابني المنفي معاوية، كان أجدر بأولئك الرموز، مثل اشريف ولد عبد الله ومحمد ولد نويكظ على سبيل المثال لا الحصر، أن لا يقبلوا الدنية، ويبتعدوا عن المدينة وقت مجيئه إليها، وليكن ما يكن، وهذا أدهى للخلاص منه ورحيله لاحقا.
ووقف الشيخ الوقور الصارم أطار، وصرخ في وجهي، لقد ربيتكم على الصبر والكرامة والحكمة وليس على المذلة والخور والإستسلام.
أما صبرتم على مناخي الحار أيام طفولتكم وتربيتكم، أما صبرتم على تضاريسي الجبلية المؤذية أحيانا، أما تعودتم على كل هذا بالطبيعة، فكيف تخافون من مرحلة عابرة وحاكم عسكري جبار ظلوم غشوم، لا أثر لمعروفكم فيه ولا يقيم إعتبارا للروابط والقيم.
إن منعة الحق دون شطط والثبات على الدفاع عن النفس وحرماتها، أقرب للإنصاف والانتصاف، مما سواه من النفاق والتزلف والتودد، الذي آلمني كثيرا.

فيمنحون العدو اللدود، المستبيح لكل جانب، ويمنعون ذوي القربى والصلة.
ما هذا الميزان الأعوج الجانح نحو السلطة والمنافع الضيقة، دون حياء.
أما غدر عزيز هذا بمعاوية، رغم مهمة الحراسة المهدرة بغير مبرر كاف مفحم؟!
أما غدر بصهره الآخر سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وغدر بنتائج إقتراع وإختيار الشعب إثر إنتخابات2007.
أما سجنكم وحدكم دون خلط أو تمويه، ثلاثة من أبنائي محمد ولد نويكظ وإشريف ولد عبد الله، وعبدو محم، وكأن موريتانيا ما تاجر فيها، ولا أخطأ ولا أصاب، إلا ثلاثة من عرق واحد، ومدينة واحدة، ومنبع أطاري واحد، مستهدف مقصود الإضرار على الدوام.
ثم تزورني -والكلام دائما لأطار- فارضا الأتاوة باسم الضيافة، وفارضا الحضور العيني على أصحابها، ومن افتقدته سومته، ووضعت عليه علامة، تبيح المساس منه، ومن ماله وحقوقه المتعددة.
فحضر الناس عنوة، وفي عام جفاف، صعبت عليهم فيه نفقة الأقرب، فابتلوا بالأبعد، باسم سياسة، لم تجلب إلا الإبتزاز والمهانة والتهديد، والإنتقاص من حرماتي وحرمات رمضان.
توقفت عني زيارة الأعاجم، فما عاد من تداول ونشاط في دياري وربوعي، وقل الماء، فتضرر النخل والضرع والمواشي، على اختلاف أصنافها، رغم قلتها أصلا.
تعلم يا ولد عبد العزيز أنك حولت البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات وتقريب البعض، بدعوى القرابة الدموية أو السياسية، وتضرر السواد الأعظم من سكان هذا المنكب البرزخي، الذي عانى في عهدك وزمانك قدرا كبيرا متزايدا متصاعدا.
وأما أطر أطار وتجار أطار وسكان أطار عموما، فكان لهم الإهمال وقصد الإضرار والظلم المتكرر في كل أنحاء الوطن وفي نواكشوط خصوصا، وفي قطاع الصيد على وجه الخصوص، وباسم الضرائب والغرامات الخيالية، تضررت الكثير من المحاولات التجارية والاستثمارية المحلية والخارجية، رغم جمعك الظاهر للمال أنت وحاشيتك، ولا غرابة إن قلت لا علم لي بهذا "الويل". وضحكت ساخرا متشفيا، من المعارضة والمحرومين، ومن يتكلمون ويحتجون رافضين هذه المهزلة.
أما تذكرت أو حاولت أن تتذكر، أيه الزائر المتنكر للحق وثقل وجسامة الأمانة، التي يفر منها الرشداء ويقبل عليها السفهاء، ما حل بجاري وأخي أوجفت من الحمى والضياع، ومن العار، أن يقبل عليك بعض أبنائي خوفا وطمعا، ولم يتصدقوا برجل دجاجة أو بعض سمك من أي نوع هزيل، أيام انتشار وباء حمى الواد المتصدع المخيف.
وهم يدعون العناية بالضيف الزائر، وقد أهملوا حق القرابة والجوار، عندما عم ذلك البلاء، الذي كان درسا وامتحانا للمروءة، أكد تراجعها ونقصها الشديد في محيطي العائلي الخاص، ولم يبق إلا الخوف من العدو والتودد له والإذعان المطلق، مع استهتار بما سوى ذلك من واجب التضامن والمؤازرة، وقد قيل قديما، من استخف بالقريب أبتلي بالبعيد.
وباسم "لقاء الشعب" أهين الشعب وزورت الحقائق، والفت الإنتباه عن مشاغل الأمة إلى أرقام لا تسمن ولا تغني، ولا تعكس حقيقة الفقر المنتشر في كل أركان وأطياف المجتمع الموريتاني، والأطاري منه على وجه الخصوص، إذا ما غضضنا الطرف عن عدد قليل من التجار الصامدين المرتعشين.
إن موريتانيا اليوم عنوانها حكم عسكري غير شرعي، جاء إثر الانقلابات وتزوير الانتخابات، وفقدان الشرعية بانتهاء صلاحية البرلمان، وإقالة رئيس المحكمة العليا والحكم على الصحافة بالغرامات الخيالية وحبسها، وحرمان الرافض منها، والقمع عند تحرك المطالبين بالحقوق، وقتلهم جهارا نهارا في أكجوجت، وتجاهل تسممهم وتضررهم الصحي أولا، في mcm وتازيازت، واللجوء إلى المجلس الدستوري عند الإقتضاء، ليحكم بما يناسب ذوق السلطان.
موريتانيا الجديدة، أصبحت إدارتها للحالة المدنية عرشا يهتز لوحده، في فضاء حر من كل قيد أو قانون أو وصاية، حتى ظنها البعض إلى جانب تسريح (بدر الإبن) بعد شل الفتاة الضحية بوادر مملكة حقيقية، لا يمنعها من التتويج المباشر إلا الإسم الصريح.
وفي موريتانيا الأعماق أصبح الصحافة يعلن بعضهم في "لقاء الشعب" نجاح التجربة الحالية وينوه بها، وكأنه جاء مواليا لا مستفسرا، في حين أكرم بعضها بالاعتداء عندما هم بتسجيل واقعة من إعتراض أحد المواطنين، وصياحه بعدم السكوت على هذا الزيف والدجل وقلب الحقائق.
وتأوه أطار قائلا، هل يحسبني غافلا عن ما صنع هو وحلفاؤه من التلاعب بالحقائق، وإن كان بعضهم من أبناء جلدتي، لا وكلا، بل إني بالمرصاد لكل ذلك الحدث الدعائي المصطنع المفروض على الجميع، توقيتا وإخراجا وموقعا، فمتى كان 3 أغسطس أو ما قاربه موعدا للديمقراطية والتنمية، أليس تاريخ انقلاب مفلس، وما صلة رمضان بالكذب والتغطية على معاناة الرعية، وما دخل أطار في الشهادة بالزور؟؟؟.
وما دخل التجار المنهكين بالضرائب والسجن والمتابعة الخاصة، بالفرح والاستقبالات إلا خوفا من المزيد من التنكيل، أو طلبا لمستحيل من بعض كعك مسموم خادع.
وصمت أطار برهة، وقال لي أنا لا أرفض الحيلة وقت فقدان الحرية، ومع اشتداد المواجهة، ولكن ليس إلى هذا القدر من الليونة والموافقة على الباطل، هذا الباطل الذي وعاه كثيرون، وأصبحوا يجاهرون برحيله والخلاص منه، لقد كان ما حدث تلاعبا كبيرا وعقوقا لمكانتي التاريخية والسياسية، التي ينبغي أن يراعيها الجميع، ممن لهم ضمير وإحساس، من جميع أبنائي، ومن سائر مشارب الوطن، وهذا العسكري المتغلب كان أجدر به مراعاة نسبي، وعدم المجيئ إلى موطني، بغرض الترويج لمثل هذه البضاعات البائرة المنتهية الصلاحية.
فهذا الزمن من تاريخ الشعوب العربية، هو عهد الوعي والانعتاق والحرص على الخروج من القبضة الحديدية، نحو أجواء الاختيار وحرية التعبير.
فما عاد من مبرر، لفرض الناس على الاحتفالات الكرنفالية الشكلية المهلكة المبذرة. وليكن هذا اللقاء المزيف، والممتهن لكرامة المهنة الصحفية هو الأخير إن شاء الله، بعد تمام رحيل هذا النظام، ليحل محله ما يرضي الذوق الرفيع لأبناء شنقيط، ويتصالح مع هويتهم الحضارية الإسلامية العريقة، عسى أن ننسى ما تابعنا يومها، من لقاء شعب، لا دور فيه للشعب إلا على سبيل استغلال وتوظيف البعد العمومي، دون مراعاة لآراء الناس وتوجهاتهم ومصالحهم الحقيقية.
وواجهني أطار مرة أخرى ناصحا متوعدا، لا تهملوا مدينتكم وولايتكم، لقد تراجع إسهامها في التنمية وكذا الجوانب الثقافية والدعوية، بسبب طغيان الاهتمامات السياسية الشعاراتية، وعزوف السكان عن الداخل إلى المركز في عاصمة الوطن، رغم أنه هنا في آدرار، واحات وزراعات تقليدية، وحياة هادئة بمساجدها ومحاظرها، لا يحظى بها إلا من أعطاها من وقته وجهده وعرقه، فهل تزورون وطنكم دون مناسبة مريبة؟!.
وأنصرف الشيخ الوقور، الذي ادعى أنه سمى يوما أطار، وبقيت أتأمل آراءه الصارمة وتوجيهاته الواضحة الحازمة.
فعلمت أن البعض عق الوطن مقابل مصلحته الخاصة الضيقة جدا، ولم يعد من إهتمام له، إلا بالذات، وكأنه يوم القيامة، نفسي... نفسي، يا سبحان الله.
فإذا حلت مصيبة بالسكان وجدتهم وحدهم، ومع ذلك ذاكرتهم ضعيفة، فإذا جاء من يريد خديعتهم وتوظيفهم من تجار أو أحكام، كان له ذلك أو جله، للأسف.
فهل ننتبه قبل فوات الأوان، وتحول البلد إلى ملك خاص، على وجه يصعب علاجه وانتشاله.
لقد كانت ساكنة أطار أكبر متضرر معنويا من هذا الزيف الإعلامي المسمى "لقاء الشعب" فبالقياس الأخلاقي، كان تكريسا وتمثالا حيا، للتستر على معاناة أطار ومن سواهم من ساكنة الوطن الجريح.
ومن الناحية المادية وخصوصا عند فئة التجار، الضحايا في عاصمتهم بالضرائب والمتابعة والإبتزاز، وفي مناسبة اللقاء بفرض الدفع نقدا، وبملايين الأوقية، في فترة اقلها ما يقال عنها، أنها فترة أزمة بامتياز، ومع الدفع أيضا الحضور عنوة لمسرح السرك الهزلي، الملكي الطابع، صحبة الزوجة والولد والمطبلين من المخنثين والمأجورين.
وكل شيء يمكن وصف به هذا اللقاء السيئ السمعة، إلا ربطه بشعب مغيب مغدور، محل خديعة وتآمر مستمر.
ومع صوت الشاب الزائر، الرافض للمهزلة، أقول على منواله وطريقه، "إرحل، إرحل"، يا زائرا غير مرغوب فيه.
وتبقى مكرمة إكرام الضيف، رغم الأجواء السياسية غير الإختيارية طابعا لم تسمح طبيعة الأطاريين بتجاهله، مع عمق هذه المآخذ الكثيرة في أذهان الممولين للمهزلة. ويبقى كذلك طابع ابتزاز التجار وفرضهم على تصرفات بعينها مظهر غير حضاري مقزز، آن للمخزن العسكري أن يعي تخلفه، وتناقضه مع كل الشعارات المعلنة البعيدة من أرض الواقع والتنفيذ.

المناخ

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025