تاريخ الإضافة : 07.08.2012 19:30

للإصلاح كلمة تتعلق بالموالاة والمعارضة

محمدو ولد البار

محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى الساحة الموريتانية لابسة الأجواء الرمضانية التي يتذكر بها عادة من تذكر، ولتخاطب من خلال تلك الأجواء أيضا كلا من الموالاة والمعارضة.

ولحسن حظ كلمة الإصلاح فإن المخاطبين جميعا مسلمون ويعرفون خصوصية مخاطبة المسلم للمسلم في شهر رمضان وخصوصية استماع المسلم للمسلم في هذا الشهر المبارك العظيم.

وبادئ ذي بدأ أذكر جميع هؤلاء المسلمين بصعوبة مخاطبة المسلم للمسلمين وهم تحت هذا العنوان أو هذه الأوصاف وهي الموالاة والمعارضة لأن المسلم المستـنير بالقرآن والأحاديث الصحيحة لا يعرف في الإسلام أوصافا تسمى الموالاة والمعارضة ولكن يعرف بدلها كثيرا من أوصاف المسلمين مثـل: التائبون، العابدون، وإذا ما غضبوا هم يغفرون، ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور.

فالمسلم لا يعرف موالاة مطلقة إلا لله جل جلاله ولا معارضة مطلقة إلا للشيطان لعنه الله.

فموالاة المسلم لمسلم آخر مهما كانت منزلته لا يخوله ذلك في طريق الإسلام أن يكون شيطانا أخرس يسكت عن الظلم أو يلبس الحق بالباطل ومعارضة المسلم للمسلم لا تبيح له لباس خلق النساء بكفرانهم للعشيرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: أنه لو أحسن أحدكم على إحداهن الدهر كله ثم وجدت منه خصلة واحدة لقالت لم نـر منك خيرا قط.

فمن المعلوم أن بعد هذه الموت التي حذر الله الجميع من شدة قربها في قوله تعالى: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) لم يبق بين اثنين نسب ولا قرابة ومن باب أولى أن يكون هناك علاقة سياسية تسمى موالاة ومعارضة.

فإذا كان المرء يفرـ في المواقف التي تبدأ بالموت الهاجمة في أي لحظة ـ من أخيه وأمه وأبيه إلى آخر الآية ففراره من الموالاة السياسية المطلقة والمعارضة المطلقة يكون أشد وأسرع وأفـظع.

وهنا أذكر المسلمين ـ والله يقول في نتيجة الذكرى أن من يخشاه سيـذكر، وان الأشقي سيتجنب هذه الذكرى ـ أذكرهم بأن هذا القرآن الذي بين أيدينا وفتحنا له إذاعة خاصة بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار وأن الأحاديث الصحيحة التي أخرجها البخاري ومسلم ولتي تتخلل قراءتها تلاوة هذا القرآن كل ليلة، هذان المصدران الوحيدان للإسلام مراد الله بهما يوم نزول القرآن وتبيـين الرسول صلى الله عليه وسلم له بالأحاديث ما زال هو نفس مراد الله بهما اليوم وهو هداية البشرية بالامتـثال لأوامرهما واجتناب نواهيهما كلها وهذه الإرادة متجسمة وموضحة في فحوى هذا القرآن وتلك الأحاديث المبينة له.

فموضوع أوامر القرآن ونواهيه موجهة إلى الثـقـلين في كل زمان ومكان وفي كل الظروف فالجن لا نعرف كيف يمتـثلون أوامر الله وأما الإنس سواء كانوا في الموالاة أو في المعارضة عندما ينظر المسلم إلى أقوالهم أو أفعالهم سواء في أحزابهم أو منظماتهم أو في الحكومة أو في البرلمان أو في مواقعهم الحكومية أو المواقع الحرة الإلكترونية يتـيـقن أن الله يعنيهم بقوله تعالى: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجويهم بلى ورسلنا لديهم يكتـبون).

فكل هذه المسميات البشرية يعلم منها المولى عز وجل علما مطلقا المفسد من المصلح ومن خلط منها عملا صالحا بآخر سيئا ويعرف المسلم المعتدل منها معرفة نـسبية على ضوء الإسلام المفسد من المصلح عندما يقابل تلك الأقوال والأفعال عن طريق شاشة تلفزة القرآن والأحاديث الصحيحة فيقابل موقع التعاون بين المسلمين مع موقع قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) إلى آخر الآية وموقع معاملة المخالف في الرأي بقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بيـنك وبـيـنه عداوة كأنه ولي حميم) وموقع العدالة بقوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) إلى آخر الآية وموقع العدالة الأخرى في معاملة المجرمين في قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنــئان قوم أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

وهناك مواقع مسجلة دائما في القرآن بعد قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا) سواء كان موضوعها عبادة أو سياسيا أو اقتصاديا أو عدالة أو في الشؤون الاجتماعية أو الخيرية كل هذه المواقع إذا رصد فيها المسلم الموالاة والمعارضة وغيرهما من المنظمات فسوف يدرك أن الجميع يسير بسرعة فائقة من جهة إلى مثواه الأخير ومن جهة يسير بدون مراعاة سلامة السير على الطريق الإسلامي المستـقيم مع أن معالم هذه الطريق الإسلامية رفعها القرآن الكريم أمام كل مسلم ليهتدي بها في ظلمات البر والبحر.

فالأمر من الله بمراعاة هذه المعالم الصادرة وقتها للصحابة في مكة والمدينة وغيرهما من الأمصار الإسلامية آنذاك هي نفس الأوامر الصادرة إلى الموالاة والمعارضة وغيرهم في نواكشوط ونواذيبو وغيرها من المدن الموريتانية.

ولا شك أن كل واحد منا نحن الموريتانيين يريد ويبحث ويحب أن يكون معنيا من الله يوم القيامة بقوله تعالى: (يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) إلى قوله تعالى: (أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) إلى آخر الآية، أو داخلا في قوله تعالى (الذين تتوفاهم الملائـكة طيـبــين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون).

وأيضا أينا لا يستعيذ بالله أن يكون داخلا في قوله تعالى (الذين تتوفاهم الملائكـة ظالمي أنفسهم فألقـوا السَلم ما كنا نعمل من سوء) فيجيـبهم المولى عز وجل بقوله (بلى إن الله عليم بما كنتم تعـملون).

إن تحصيل تلك الصفات والخصوصيات الإسلامية في المعاملة يوم القيامة صعبة التحصيل على من لم يلتـزم لها معالم طريق القرآن بدقـة في كل معاملاته وفي أي ظرف، ويتجنب تـلك الصفات الخطيرة يوم القيامة ولا بد له من حذر فائق من مطبات الطريق المنصوبة من طرف الشيطان على طريق الله المستقيم.

فنداء المولى عز وجل لعباده بقوله تعالى (يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) هو نفس النداء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي يوم حجة الــوداع: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما" الخ الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم" الخ الحديث.

إن الديمقراطيات التي أنشأت هذه المسميات الموالاة والمعارضة وغيرها من المنظمات سوف لا تحشر الناس إليها يوم القيامة لتحاسبها حسب إخلاص الموالى لموالاته وإخلاص المعارض لمعارضته بل إن الحقيقة هي ما جاء في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تـتـناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتـناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليــه تحشرون).

وبعد هذه اللوحة المصيرية الكاشفة للمسلم في الموالاة والمعارضة عن سلوك الطريق المستقيم في الإسلام التي ينبغي مراعاتها أثناء الطريق لئلا يصل المسلم إلى ربه وهو مذموم، فإن على كل مسلم أن يدلي بدلوه عن ما يعرف من الانجازات التي تشيد بها الموالاة ولا تذكر غيرها وتدحضها المعارضة كأنها لم تكن شيئا مذكورا.

وبناء على ذلك أسمح لنفسي أن أذكر ما أراني الله من تلك الانجازات حسب علمي وما لم نشاهده أيضا من الانجازات حسب علمي بعيدا عن لسان الموالاة والمعارضة في آن واحد.

وقبل ذلك استعرض استعراضا خاطفا شريط الحكم في دولة موريتانيا من الاستـقلال إلى الآن فنقول إن موريتانيا خلقت من أمشاج ـ عصية الخلق على خير الخالق جل جلاله ــ من بدوية وقبـلية وتخلف حضاري...الخ.

ولكن نظرا لعون الله لبناتها الأول وإخلاصهم في ذلك البناء أسسوها من غير موالاة ولا معارضة تذكر ولكن باجتماع جهد موالاة ومعارضة متعاونة بالرغم من أنها متعددة الشرائح فأنبتوها نباتا حسنا.

ولكن عندما اختار الجيش كفالتها بعد أولئك البناة ظهر أن الكفالة المدنية لم تكن مهنة الجيش مع أن كثيرا منه نواياه طيـبة غير أنهم حاولوا جمع محرمتي الجمع وهو تسيير الدولة بالعواطف الشخصية والقبلية حتى أخذها من عندهم واسط العقد في الجيش الرئيس محمد خونه بن هيدالة ومن هنا نعلم أن من أصابهم بأسه شخصيا سيصاغرون خدهم ويقولون من أين له هذا الوصف وأنا أقول إن المسلم يبدأ بتقويم المسلم من طرف إخلاصه لله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "نعم العبد صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه" فهذا الرجل بالرغم من جهله لتفاصيل تعاليم الإسلام تيـقن في قلبه أن الله أنزل أحكاما طلب من المسؤول الأول تطبيقها وأنه سيحاسبه على عدم ذلك فاستدعى أهل العلم وقال لهم كليته الذهبية المشهورة وهي : "كل حكم تعرفون أنه هو حكم الله في أي مسألة من الحياة في موريتانيا أكتبوه أوقعه لكم بوصفه قانونا لموريتانيا" وهكذا كما يقال: "داره على رقبة عالم وخرج منها سالما".

وما زالت موريتانيا تنعم بوجود تلك القوانين الإسلامية ولو بدون تطبيق فتلك مسؤولية رجال التطبيق أعاذنا الله من سوء مصير المقصر في ذلك.

أما أفعاله الأخرى فترجع إلى طبيعة أفعال البشر تارة تكون من سوء البطانة وهذه هي مصيبة ذلك الرجل وتارة تكون من الاجتهاد الخاطئ وتلك مصيبة العسكريين العاملين في اللباس المدني ويشفع له هو في هذا أنه لم يتعمد معصية الله في أوامره ونواهيه.

وبعد هذا الرئيس انـتـقلت موريتانيا إلى عسكري آخر %70 من تكوينه وذكائه وثـقافته المدنية يصلح لتسيير الدولة إلا أنه ربما لعدم دوام طلبه العون من الله أطال زمنه في الحكم وكثرت أخطاؤه في آخر زمنه تلك الأخطاء التي منها إراقة دماء المسلمين فإراقة تلك الدماء هي الكارثة العظمى التي صارت سببا في إنشاء ديمقراطية الغرب وتبني كره الأمريكيـين لنوع من المسلمين.

وبمجرد إنشاء تلك الديمقراطية سنة 92 وإعلان الموريتانيين لموالاتهم له بلا حدود سلم هو جميع مرافق الدولة لزعماء تلك الموالاة في كل ولاية يعبثون بأموالها وأشخاصها وأصبحت موريتانيا دولة هيكلية تزحف على أستها ويأتيها الموت من كل مكان.

وانزوى الرجل عنها في منزله ومكتبه بعد أن أحاط نفسه بما ظن أنه صمام أمنه الذي لا يخترق وسماه الحرس الرئاسي.

أما أعوانه في الدولة فأعجبهم ما فعله الأستاذ "جحى" فيقال إن جحى عندما استيقظ على اللصوص يسرقون بيته وهو عاجز عنهم أخذ هو ما تبقي في منزله وخرج مع اللصوص كل يحمل ما قدر عليه .
ثم جاء بعد ذلك الحكم المدني الطائر لأن صاحبه قبل البناء المدني فوق الأساس العسكري فأزال العسكري بسرعة البناء المدني فوقه وأعاد راية العسكر فوق الرئاسة إلى مكانها وقد ظهر للجميع فيما بعد أن العسكري الجديد القديم المدني الجديد العسكري القديم كان يعرف الخراب الذي وصلت إليه موريتانيا لأنه كان مرمى حجر من مشاهدة فعل ذلك الخراب فصرح أنه عازم على انتـشالها من آثار ذلك الخراب.

ومن هنا أبدأ تعداد تلك الانجازات على ما أرى ونتبعها بذكر عدم الانجاز على ما أرى أيضا فأقول أولا: لا شك أن أكثر جهة يأتي منها الخراب للدولة هو عدم ضبط مداخلها المالية أولا والفوضى في تسييرها ثانيا ويقينا أن هذا الرجل أحسن الأولى جدا وهي ضبط المداخيل بقوة جراءة القرارات المؤدية لذلك أما التسيير فقد ضبط منه الكثير والله عليم بخفايا ما تذهب إليه تلك الأموال.

ثانيا: أنشأ كثيرا من المرافق الإسلامية وأعطى عناية متميزة في هذا الصدد ففتح لمن اختاروا أن يعيشوا عن طريق مهنتهم الإسلامية طريقا لذلك كانت شبه مغلقة.

ثالثا: أحدث كثيرا من البنى التحتية ولا سيما إنشاء الطرق في العاصمة حتى جعل مظهرها يشبه ولو ما زال ناقصا مظهر عواصم الدول ولو من العالم الثالث على الأقل.

رابعا: أحدث قفزة نوعية بالقوات المسلحة التي كان اسمها كبيرا ومسماها صغيرا في كل ناحية فقـفز بها عددا وعتادا ــ وأرجوا هنا من الجيش أن لا يكون من الإنسان الذي يطغى أن رآه استغنى "ويحارب خارج حدوده وليعلم "إن إلى ربك الرجعى".

خامسا: ازدادت سمعة موريتانيا في الخارج بمعنى ازدادت سمعة قوتها في الخارج بالمواقف غير التابعة في كثير من الأحيان لهيمنة أخرى.

سادسا: في السياسة لم يبح للموالاة العبث بأملاك الدولة ولا الاستحواذ على ما عند المسؤولين تحت اسم الموالاة، وأحدث كثيرا من التغيير في بعض المؤسسات بعضها كان للصالح العام.

هذه رؤوس أقلام غير مشروحة يمكن أن يزيد فيها من يعرف أكثر من الانجازات والآن سوف أذكر ما لم نر أي انجاز فيه وهو ضروري لحياة الدولة والتسيير المعقلن.

أولا: الضمير المهني لدى المسؤولين
جاء هذا الحكم بعد أن انهار الضمير المهني الذي بناه البناة الأول في ضمائر المسؤولين الموريتانيين وأخرجه الحكم العسكري بالفوضى من صدور المسؤولين وهذا الحكم لم يبذل أي جهد في إرجاعه بل صيرهم مسيرين لا مخيرين من عند الوزير الأول إلى رئيس المصلحة.

فلم ينفتحوا على المواطنين انفتاح المسؤول مباشرة بل انفتاح الرسول الذي لم يكن عليه إلا البلاغ.

ثانيا: القفزة التي أخذ بها في القطاع الإسلامي لم يكن من بينها تطبيق الشريعة ولا المراقبة على القضاة في حقوق المسلمين وهذه هي الطامة الكبرى.

ثالثا: اللغة العربية لم تكن يوما من الأيام ألصق بالحضيض وحملة شهاداتها أبعد عن التوظيف من هذه الأيام فكان من المفروض أن القرارات الشجاعة التي ضبطت بها المالية تكون مثـلها قرارات تضبط بها سيادة اللغة العربية في وطنها ولا يترك وزير عربي يكون أبجديات إداراته مكتوبة باللغة الفرنسية.

رابعا: انقطع ما بين هذا الرئيس وبين مشاكل المواطنين بمعنى أنه كان مقطوعا ولم يتصل بل ازداد انقطاعا.

فمعلوم أن جميع مشاكل الشعب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثـقافيا.. الخ جعلت لها الدول عيونا ترعاها مباشرة وبفقدان تلك العيون أو عمشها تفقد الدولة الاتصال بالشعب ولا ترى منه إلا من وقف ببابها وتلك العيون تسميها الدول الاستعلامات وهي متنوعة وتنوعها يزيد في الاطلاع على الأمور بدقة ولا تعنى تلك الاستعلامات إطلاقا مراقبة من يريد بالرئيس سوءا فتلك المهمة لا بد أن يستمر منها ما يطمئن المسؤولين على كراسيهم ولكن الاستعلامات تعنى معرفة الدولة للجار الغني وجاره الفقير ومعرفتها للأستاذ النصوح وضده ومعرفة الدولة لما يحب الشعب اقتصاديا وسياسيا...الخ ومعرفة الدولة لمعاملة المسؤولين مع جميع المواطنين ومعرفة الدولة لتأثير الأسعار على المواطنين ومعرفة الدولة لأسباب عدم أمن أي حي من أحياء المدن الوطنية...الخ.

هذه الاستعلامات كان عندها جهاز مرتبط بالدولة وعن طريقه هو مباشرة تعرف مشاكل الشعب ومرتبط كذلك بالوالي والحاكم الممثلين للرئيس.

هذا الجهاز الذي لا معرفة للرئيس ولا للوالي ولا الحاكم لمشاكل الدولة بدونه انهار عند ما انهارت الدولة في ديمقراطية 92 ولم يعد لعمله حتى اليوم بل أن الحكم الجديد عمد إلى ما تبقي من ذلك الجهاز وكان عمله ظاهرا للعيان فظن أنه هو مصدر الخراب على الدولة فأزاح منه ما عمله يمكن أن يقوم به غيره ولو قياما غير فني وترك ما لا غنى عنه في مكافحة الشغب.

فبدلا من أن يعمل هذا الحكم على تفعيل هذا الجهاز الذي لم يكن مفعلا في زمن انهيار الدولة ويفعله طبقا لفنية الاستعلامات الجديدة ويراقبه بعد ذلك عن قرب، ظن أنه هو الذي تبني انهيار الدولة.

فهذا الجهاز عادة بعضه يراقب جميع حياة المواطنين من اقتصاد وصحة وتعليم إلى آخره لتكون الدولة كأنها حاضرة وبعضه يمنع الجريمة من أن تقع أو يضبطها عند وقوعها وبعضه يبحث عن التفكير فيها قبل الوقوع فبدلا من احيائه وبث الروح في عمله الذي لا غنى عنه في أي دولة ترك أساسه ميتا وهو المتعلق بمراقبة مشاكل الشعب العامة والأجانب في الدولة.

فمراقبة الأجانب لا تكون بالأوراق فقط بل بتـتـبع حياتهم وخطواتهم وخواطرهم، وبقي الشعب من استطاع أن يبلغ عن نفسه لمن لا رقابة على فعله مثل الوالي والحكام والمصالح الخاصة بالمرافق الشعبية فـليفعل ومن لا يستطيع فليمت جوعا أو يعتدى عليه في ضاحيه من ضواحي البنايات العشوائية المتناثرة.

فمثلا ماذا يعرف والى انواكشوط أو حتى حاكم من حكامه عن ما يجري في مقاطعته إذا لم يكن عنده كثير من الأعوان يعرف هو أنهم تحت إمرته ويعرفون هم أنه يتحكم في مهنتهم ويجوبون الأحياء كل ليلة وكل يوم وعندهم الوسائل لذلك ويبلغون السلطات الإدارية بكل صغيرة وكبيرة ويصعد هذا الإبلاغ كالصاروخ إلى رئيس الجمهورية كل يوم، وهذا كله لا وجود له الآن.

فحسن النية أو العزم على الإصلاح بدون أدواته يقال فيه إن الأماني والأحلام تضليل.

فلم لو يقم عمر بن الخطاب نفسه بالتجول في أزقة المدينة والمدينة آنذاك صغيرة حجم السكان لما سمع حزن المرأة على عدم وجود زوجها المجاهد بجنبها ليكون ذلك مصدرا لقرار عمر بإزالة ذلك الضرر عن جميع النساء.

لقد أطلت في هذه النقطة ونلخصها أن الحكم الحالي لا هو ولا ولاته ولا حكامه يعرفون شيئا عن غالبية المواطنين لا في انواكشوط ولا غيرها لعدم أدوات معرفة ذلك، بل هم موجودون على كراسيهم حتى تصلهم الشكاية فأكثرهم يسيء إلى صاحبها.

والذي أعود إليه ونحن الآن ما زلنا ولله الحمد نعيش أجواء رمضان التي يصفد فيها شياطين الجن هو قضية الموالاة والمعارضة.

فنرجو من الموالاة وإذا قـلنا الموالاة معنى ذلك أننا نعني الرئيس ونرجو كذلك من المعارضة جميعا المعارضة على طول الخط وعلى نصف الخط أن تعلم أن موريتانيا لا بد لها من حاكم وفي الديمقراطية يمكن لأي مواطن أن يكون حاكما وهذا هو منهج الإسلام وهو أن الحاكم لا بد منه في الإسلام وأي مواطن يمكن أن يكون حاكما إلا أن الديقراطية المطلقة تحتم أن يكون هناك موالاة ومعارضة والإسلام يمنع أن تكون هناك موالاة مطلقة ومعارضة مطلقة ولكن هناك معاونين وموجهين ومرشدين ويكونون مجهزين بقوة الوقوف أمام الحاكم عند كل خطأ حسب خطورته على المسلمين وكان هذا الحاكم لا يذهب إلا بالعجز أو الموت والآن اتفقت الأمة على أنه يذهب بعد خمس سنوات وإذا رأت الأغلبية اختياره لفترة أخرى يذهب بعد عشر سنوات لا محالة لعل أن يكون في بقائه بعد ذلك محاباة أو حبا في السلطة ويكون الجميع عونا له ومرشدا لأداء حكمه للشعب ولصالح الشعب.

هذه الطريقة هي التي يعرف الإسلام طريق تطبيقها على الدولة الإسلامية فنرجو من الرئيس أن ينزل خطوات من صومعة كرسي الرئاسة المسير بأوامر عسكرية بما في ذلك من الأحادية والارتجال ويجلس على كرسي الرئاسة المدني الإسلامي المبني على التشاور والتعاون وإبداء المصلحة العامة للجميع وبعد ذلك التنفيذ الصارم مع التوكل على الله، ويعرف في نفس الوقت أن حكمه سيكون حديثا بعده والشاعر يقول:
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

ونرجو كذلك من المعارضة ترك البحث عن بديل لا تعرف أين هو؟ وكيف هو؟ ومن أين أتى؟ حتى يحين وقت الانتخابات عندئذ أقول لهم: أجمعوا أمركم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة الخ معنى الآية.

وقبل نهاية هذه الكلمة أود أن أفرق للقارئ الكريم بين الانتماء للأحزاب وممارسة قضية الموالاة والمعارضة.

فالموالاة في ديمقراطية الدنيا معناها: الرضي عن كل ما يصدر من الحاكم ولو كان يعد خطئا في الإسلام، والمعارضة معناها كذلك: معارضة كل ما يصدر من الحاكم بغض النظر عن صلاحيته إسلاميا، وهذا موقف لا يتفق مع روح الإسلام فالحاكم خطؤه لا تجوز موالاته فيه، وعمله الصالح لا تجوز معارضته فيه.

أما الانتماء للأحزاب فمعناه: أن الشخص ارتضى سلوك حزب إذا كان رضاه عن طريق سلوك الحزب الإسلامي فهي الخلة المستـثــناة في قوله تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وأما إذا كان الرضى عن سلوك الحزب لا يتعلق بالإسلام فهم المستـثـنى منه وهي الخلة في غير الإسلام الذين هم أعداء بعضهم لبعض يوم القيامة.

وبعد هذا كله أقول للجميع ما قاله الشاعر الحكيم:

أمرتهم أمري بمنعرج للوى *** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

ونختم بقوله تعالى: (استجيـبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير).

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025