تاريخ الإضافة : 30.07.2012 14:12
رمضانيات (1) مع الإمام بداه
يعود بي رمضان إلى ذكريات جميلة مع شيخ القطر الإمام المجدد: بداه بن البصيري رحمه الله قبل عدد من السنين يتسارع بها ركض الزمن لتجبر من لا يزال يحسب أنه (خُلق البارحة) - تقصيرا وغفلة– على أن يؤرخ كما كان يسمع الكبار يؤرخون ذات يوم!.
كان ذلك أوائل عقد التسعينات حيث تشكلت كثير من المفاهيم والقناعات لدى في تلك المحظرة المباركة التي ترعرع فيها العمل الإسلامي المعاصر في موريتانيا.
وكنت قبل أن أعرف هذه الحقيقة كمسلَّمة تاريخية يتحدث عنها مؤرخو الحركة الإسلامية أستغرب كيف تتوارث أجيال محظرة الإمام بداه بن البصيري ذلك الفكر الإسلامي الوسطي الناصع بدون جهد منظم يُقام به، أو عمل حركي تأطيري يمارس بين الطلبة.
نعم لقد تشرَّبت تلك المحظرة منهج الشيخ التجديدي المتوازن الجريء، كما تشرًّبت جهد ونشاط طلبة للشيخ كبارٍ مروا بالمحظرة في فترة ماضية، فأبقوا الأثر المشهود؛ تتوارثه الأجيال - وضوحا في الرؤية، ونصاعة في الفكر، وانفعالا بقضايا الأمة - دون أن تعرف بالضرورة - أو يعرف بعضها على الأقل - مصدر ذلك التأثير العجيب بشكل دقيق.
ولم تخل في أيامنا من قامات علمية وفكرية من كبار طلبة الشيخ المبرزين ممن تتلمذنا على أيديهم في منهج المحظرة، واتسع نطاق التأثر بهم إلى الفكر والسلوك.
كان ما يعيشه الطلبة في جو المحظرة صدى لحياة الشيخ العالم العابد الزاهد المنافح عن الحق بما أوتي من قوة، حتى الذين منهم لم يكونوا على اتصال مباشر به ممن يدرسون على طلبته فحسب (ولست منهم فقد حظيت بقرب خاص من الشيخ وتتلمُذ مباشر عليه بحمد الله).
كان الشيخ بداه بحق مدرسةً في العلم، والعمل، والأدب، والخلق، والجرأة في الله. بل لقد كان كما وصفه الشيخ عدود رحمه الله في أبياته السائرة:
الشيخ بداه الإمام دون شك *** مصنف مدرس مفت مــزك
موئل ذي حاج منير في حلك *** شفيع جان مرشد من ارتبـك
يجمعه والعذب قدر مشترك *** لولاهما لمصرنــــا هذا هلك
شهادة ليست كتسليم بفك *** من باب أسلفنـــي على أن أسلفك
قصدت شيخنا بها أن أنصفك
ومن طريف الإجابات ما علق به الشيخ على هذه الأبيات الجميلة لعلامة العصر الشيخ محمد سالم حيث قال له: والله لا أجلدك في الخمر بعدها!؛ إشارة إلى قصة أبي محجن الثقفي، وأنشأ يقول:
أنصفتني فرمت أن أعرفك *** بشيمة الأشراف كي أشرفك
شيمتهم الإنصاف قولة بفك *** لم يكن القصد بها أن أسلفك
في الخمر بعد هذه لن أجلدك
وفي الحق أني لم أحفظ الشطر الأخير في أول تداول للأبيات أيام قيلت، ولكني سمعته بعد ذلك من بعض الرواة، ولم أكن حاضرا للمجلس للأسف الشديد.
ما أجمل شهر رمضان في محظرة الشيخ بداه، وما ألذ صلاة التراويح خلفه!.
ولله تلك الدروس البسيطة العميقة المؤثرة المربِّية التي كان يعقدها الشيخ في مسجده وخصوصا في هذا الشهر الكريم، ما أجل الفوائد التي كنا نسمع فيها وأبقى تأثيرها في النفوس رغم حداثة السن وقلة الاهتمام!.
رحم الله شيخنا المبارك الإمام بداه ولد البصيري. وجزى خيرا من وصفه - فأغنانا عن محاولة استجماع خصاله فيما لا قبل لنا به من تعبير؛ فقال: "كان بداه شحنة من الإيمان ووهجا من القرآن وقبسا من السنة، تُسر به النفوس وتنتعش به القلوب، وتقتات منه العقول.
كان مدرسة إيمانية عملية تتجاوز المنطق بالعرفان وأدوات الخطاب بالإيمان، وتلِج النفوس في يسر وسهولة مربيا ومعلما وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. كانت فيه بساطة الزاهد وتبسيط المدرس وحنكة المربي، وربانية العارف، وعمق العالم، ومرونة الداعية ..يكلمك فتجد من كل ذلك النصيب الأوفى في وقار ومرح ودعابة تربط بالآخرة وعلم يحيي النفوس"!(*).
وليس القصد هنا سرد الذكريات عن الشيخ على ما في ذلك من متعة وإغراء! رحم الله الشيخ وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين.
بارك الله لنا ولكم في رمضان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) - محمد المختار ولد الدمين : (ورحل العالم المصلح بداه | مقال في تأبين الشيخ منشور بالمواقع الموريتانية).
كان ذلك أوائل عقد التسعينات حيث تشكلت كثير من المفاهيم والقناعات لدى في تلك المحظرة المباركة التي ترعرع فيها العمل الإسلامي المعاصر في موريتانيا.
وكنت قبل أن أعرف هذه الحقيقة كمسلَّمة تاريخية يتحدث عنها مؤرخو الحركة الإسلامية أستغرب كيف تتوارث أجيال محظرة الإمام بداه بن البصيري ذلك الفكر الإسلامي الوسطي الناصع بدون جهد منظم يُقام به، أو عمل حركي تأطيري يمارس بين الطلبة.
نعم لقد تشرَّبت تلك المحظرة منهج الشيخ التجديدي المتوازن الجريء، كما تشرًّبت جهد ونشاط طلبة للشيخ كبارٍ مروا بالمحظرة في فترة ماضية، فأبقوا الأثر المشهود؛ تتوارثه الأجيال - وضوحا في الرؤية، ونصاعة في الفكر، وانفعالا بقضايا الأمة - دون أن تعرف بالضرورة - أو يعرف بعضها على الأقل - مصدر ذلك التأثير العجيب بشكل دقيق.
ولم تخل في أيامنا من قامات علمية وفكرية من كبار طلبة الشيخ المبرزين ممن تتلمذنا على أيديهم في منهج المحظرة، واتسع نطاق التأثر بهم إلى الفكر والسلوك.
كان ما يعيشه الطلبة في جو المحظرة صدى لحياة الشيخ العالم العابد الزاهد المنافح عن الحق بما أوتي من قوة، حتى الذين منهم لم يكونوا على اتصال مباشر به ممن يدرسون على طلبته فحسب (ولست منهم فقد حظيت بقرب خاص من الشيخ وتتلمُذ مباشر عليه بحمد الله).
كان الشيخ بداه بحق مدرسةً في العلم، والعمل، والأدب، والخلق، والجرأة في الله. بل لقد كان كما وصفه الشيخ عدود رحمه الله في أبياته السائرة:
الشيخ بداه الإمام دون شك *** مصنف مدرس مفت مــزك
موئل ذي حاج منير في حلك *** شفيع جان مرشد من ارتبـك
يجمعه والعذب قدر مشترك *** لولاهما لمصرنــــا هذا هلك
شهادة ليست كتسليم بفك *** من باب أسلفنـــي على أن أسلفك
قصدت شيخنا بها أن أنصفك
ومن طريف الإجابات ما علق به الشيخ على هذه الأبيات الجميلة لعلامة العصر الشيخ محمد سالم حيث قال له: والله لا أجلدك في الخمر بعدها!؛ إشارة إلى قصة أبي محجن الثقفي، وأنشأ يقول:
أنصفتني فرمت أن أعرفك *** بشيمة الأشراف كي أشرفك
شيمتهم الإنصاف قولة بفك *** لم يكن القصد بها أن أسلفك
في الخمر بعد هذه لن أجلدك
وفي الحق أني لم أحفظ الشطر الأخير في أول تداول للأبيات أيام قيلت، ولكني سمعته بعد ذلك من بعض الرواة، ولم أكن حاضرا للمجلس للأسف الشديد.
ما أجمل شهر رمضان في محظرة الشيخ بداه، وما ألذ صلاة التراويح خلفه!.
ولله تلك الدروس البسيطة العميقة المؤثرة المربِّية التي كان يعقدها الشيخ في مسجده وخصوصا في هذا الشهر الكريم، ما أجل الفوائد التي كنا نسمع فيها وأبقى تأثيرها في النفوس رغم حداثة السن وقلة الاهتمام!.
رحم الله شيخنا المبارك الإمام بداه ولد البصيري. وجزى خيرا من وصفه - فأغنانا عن محاولة استجماع خصاله فيما لا قبل لنا به من تعبير؛ فقال: "كان بداه شحنة من الإيمان ووهجا من القرآن وقبسا من السنة، تُسر به النفوس وتنتعش به القلوب، وتقتات منه العقول.
كان مدرسة إيمانية عملية تتجاوز المنطق بالعرفان وأدوات الخطاب بالإيمان، وتلِج النفوس في يسر وسهولة مربيا ومعلما وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. كانت فيه بساطة الزاهد وتبسيط المدرس وحنكة المربي، وربانية العارف، وعمق العالم، ومرونة الداعية ..يكلمك فتجد من كل ذلك النصيب الأوفى في وقار ومرح ودعابة تربط بالآخرة وعلم يحيي النفوس"!(*).
وليس القصد هنا سرد الذكريات عن الشيخ على ما في ذلك من متعة وإغراء! رحم الله الشيخ وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين.
بارك الله لنا ولكم في رمضان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) - محمد المختار ولد الدمين : (ورحل العالم المصلح بداه | مقال في تأبين الشيخ منشور بالمواقع الموريتانية).







