تاريخ الإضافة : 29.07.2012 13:40
رسالة إلى الناصريين بموريتانيا
مرت هذا الأسبوع الذكرى الستون لثورة 23 يوليو، تلك الثورة التي ومهما اختلف الناس في تقييمها فيبقى الثابت فيها أنها أدخلت تحولات جذرية عميقة على مناطق مختلفة من العالم، بدءا بمهدها في مصر ثم محيطها العربي الإفريقي والإسلامي بل والعالمي، ففي مصر مثلا وإذا كانت عقود من التربية والمصابرة واستشعار المظلومية والذكاء في تحويل ما رصد البعض- ربما لتشويه نقاط مضيئة لهذه الثورة- تحويله إلى ما ينفع الناس قد توجت أخيرا بانتخاب الرئيس محمد مرسى،فالصحيح أيضا هو أن التغييرات العميقة التي عرفها المجتمع المصري في مجال الإصلاح الزراعي والتعليم والصحة والشعور بالكرامة الوطنية والانتماء الحضاري وتليين سبل العيش لم تكن لتغيب عن الذاكرة الجمعية أو عن الفعل الاجتماعي رغم ما أريد لها خلال حقبتي السادات ومبارك لتظهر بشكل أو بآخر فيما حصل عليه السيد حمدين صباحي أو غيره ممن عرفوا بالمرشحين الثوريين.
وفي المنطقة المغاربية مثلا يكفي التعريج على ملحمة التحرير الجزائرية لاستحضار دور مصر الناصرية أما في إفريقيا واسيا فقد كان هناك أكثر من دليل على أن العرب قادرون على تفاعل ايجابي خلاق مع باقي الأمم في هذا العالم إذا توفرت الإرادة ووجد من يستشعر الدور،دور اتضح لاحقا مدى ضحالة البعض في لعبه حيث تعبث مثلا كل الدول بباب المندب ويفكك السودان الشقيق واللصيق ويسعى لضرب الأخوة بين مصر والجزائر على خلفية مباراة كرة قدم.
---------
لكن التجارب الإنسانية بحاجة دائما إلى وضعها في سياقها وإطارها التاريخي باعتبارها اليوم تراثا وتاريخا تجب الاستفادة منه وتخليصه من اكراهات الظرف ومغرياته وكذا من تدافع فرقائه و كيدياتهم حتى يتم التمييز بين ما هو مبدئي وإنساني وبين ما هو ذاتي و آني حكمته ظروفه وخامرته شهوة الحكم ، عليه تنبغي الإشارة إلى أمور منها:
1- ضرورة تجذير الشعور بالانتماء إلى شعب اسمه العرب كغيره من الشعوب باعتباره شعورا أصيلا في النفس البشرية لا يقفز عليه إلا معتوه أو حالم غير واقعي ، شعور هو احد ثوابت أسهمت هذه الثورة في بلورتها ،لكنه في الحالة العربية يجب ان يستحضر دائما حديث ربعي ابن عامر لمرازبة كسرى،عليه فان الدفع نحو مزيد التكامل والاندماج في المنطقة العربية يظل ضرورة وهدفا استراتيجيا وفق ما يناسب العصر وآلياته.
2- التأكيد على بعض من مضامين هذه التجربة التي تجعل منها فعلا اجتماعيا تحديثيا ينحاز للفئات الضعيفة ، يعمق العدل الاجتماعي ويقارع الاستبداد والاحتكار ونهب الثروات الوطنية،ولقد كانت لحظات قوة منتسبي هذا التيار في موريتانيا هي تلك التي رفع فيها شعار إسقاط التحالف العسكري الرأسمالي لا لحظات السعي لتوجيه مسار،تنعدم الشروط الموضوعية لتوجيهه، مع ذلك فيجب أن يظل الأساس لمن يقارع أو يوالي هو نصاعة ووضوح الأهداف المرحلية والتأكد من مدى السير نحوها.
3-إن التجربة قد ارتبطت بالزعيم الرمز على غرار مناخ القرن العشرين لكن ما يلائم الناس في القرن الواحد والعشرين هو الفكرة التي تتبناها الجماعة وتستعد للدفاع عنها استشعارا لقيمتها العليا ، وفي الواقع أن ما جعل السواد الأعظم من الناس من المحيط إلى الخليج يتماهون مع جمال عبد الناصر هو استشعارهم تعبيره عن آمالهم وانحيازه لقضايا الأمة الكبرى،لكن هناك تمايزا بين عبد الناصر الحاكم رحمة الله عليه و عبد الناصر القائد وهو تمايز تصاعد مع النصف الثاني من الستينات حتى ولو كان الدور التآمري الغربي على المشاريع التحديثية في المنطقة لم يعد يحتاج إلى دليل .
4- إن الخصوصيات المحلية للمناطق عصية على التماهي لذلك فكل منطقة تتطلب مقارباتها الخاصة بها وفي هذا الصدد ربما يكون من الطريف أن كاتب السطور وهو تلميذ في ثمانينيات القرن الماضي كان حين يعود إلى القرية في الريف بعد عام دراسي تخلله تأطير معلم ناصري يباشر البحث الذهني ضمن الفضاء الذي هو فيه عن العمال والفلاحين دون جدوى .
5- أن دولة المؤسسات لا دولة القادة هي الأجدر والأقدر على الاستمرار وأن الأنظمة التي تتسربل بالبزة العسكرية ما عادت تلائم هذا الزمان لأسباب منها على الأقل أن الحاكم العسكري بالأمس كان يهتم بالمجد والحفاظ على صورة القائد الرمز نظيف اليد، خلافا لحاكم اليوم اللاهث غالبا وراء البزنس وجمع المال ويكفى مثلا المقارنة بين الجيل الأول من عسكري موريتانيا الذي انقلب لإخراج البلاد من حرب لا طاقة لها بها ليخرج من السلطة صفر اليدين( العقيد مصطفى،المرحوم جدو،المرحوم بوسيف المرحوم ولد اباه—الخ) وبين بعض من الجيل اللاحق عليه من الانقلابيين (لن نذكر أسماء) ،فالمطلوب من العسكري هو أن يدفع عن الناس لا أن يتدافع معهم على صناعة القرار السياسي وموارد الرزق لأنه سيدفعهم في النهاية بحكم ماله من عضلات خالقا بذالك الظروف الموضوعية ليدفعه آخرون.
6- السعي لتوسيع قاعدة اتخاذ القرار تفاديا للخطر الذي يتربص الطامحين إلى التغيير هو اختزال عطائهم في قلة محدودة تفكر نيابة عن المجموعة لتماهي أحيانا بين قراءاتها الخاصة وبين الأهداف العليا والسامية للجماعة مختزلة إياها في النهاية في مقاربات مجتزأة يعتريها الضعف الإنساني لتفضي بالضرورة إلى نتائج هزيلة.
7- أن المطلوب في القرن الواحد العشرين وهو ما يدركه كثير من المحسوبين على هذا التيار ليس نبش الماضي أو التفتيش في الدفاتر القديمة -على طريقة التاجر المفلس- كما يحلو أسفا للبعض من مختلف الأطراف السعي لتفجير الخلافات السياسية والأيديولوجية مع قوى لابد أن تكون في النهاية حليفا استراتيجيا آو على الأقل منافسا سياسيا فمهما سعى البعض جاهدا لاستحضار آلام الماضي أو لتملك اللحظة ومهما ارتعب آخرون منها، فالأكيد أنها في النهاية لن تكون إلا من صنع الجميع وان هناك حراكا يجري قد تطول مراحله الانتقالية وقد ترتفع تكاليفه المؤلمة لكثرة الساعين لركوبه، لكنه في النهاية لابد أن يكون حركة إلى الأمام تضع الأمة عند مستويات أعلى من الحرية وإشاعة العدل واستعادة الحقوق، لذالك فان قراءة تسعى لتجاوز الاختلافات بين المقاربات القومية والإسلامية في الفضاء العربي هي الأنسب لدفع الأمة للفعل الايجابي في التاريخ ، فمخاطر الدخول المنافق للقوى الغربية على خط الحراك الشعبي العربي مثلا وان استسهلها البعض خطأ لا يمكنها أن تكون الرخصة التي يشرعن بها للاستبداد ولأساليبه الرديئة في إدارة الشأن العام تلك الأساليب التي حولت شعوبنا إلى غثاء، فالذي يحار وهو محق في الدبلوماسية الأمريكية حين تكون خلال 60 عاما الأخيرة شريكا مباشرا في ذبح وتشريد جزء من ساكنة الشام ( فلسطين) ويراها تتباكى الآن على جزء منه (سوريا)، ينبغي عليه أن يدرك أيضا أن غاية ما تريد هذه الدبلوماسية من فوضى حتى لو حصلت لا قدر الله فإنها سترسم أيضا إنهاء الوجود الأمريكي ذاته في المنطقة، إن لم تنهه القوى العالمية والإقليمية الصاعدة أو أزماته الداخلية .
8 – ضرورة انتقاء الأساليب الملائمة لبلوغ الأهداف فما بذله بعض من المحسوبين على هذا التيار في مجال تعزيز اللحمة الوطنية من جهد محمود يجب أن يتعزز بجدار من الثقة يزيل ما يزرع من ريبة حول التعايش بين مكونات الشعب الواحد في دولة تحفظ لكل خصوصيته المحترمة والمصانة، من هنا مثلا فان تقريب الإدارة والدولة عموما من المواطن وتخليصها من الذيلية الثقافية عبر فرض استخدام اللغة العربية في مختلف المرافق العمومية هو طلب ملح مشروع بل يجب أن يكون أولوية الأولويات لكنه يجب ألا يتنزل في سياق سلب الامتيازات أو خلق الشعور بالإلحاق.
تلك ملاحظات أردنا توجيهها لمنتسبي تيار نعلم انه زاخر بالخيرين والشرفاء، عساها تفيد.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
وفي المنطقة المغاربية مثلا يكفي التعريج على ملحمة التحرير الجزائرية لاستحضار دور مصر الناصرية أما في إفريقيا واسيا فقد كان هناك أكثر من دليل على أن العرب قادرون على تفاعل ايجابي خلاق مع باقي الأمم في هذا العالم إذا توفرت الإرادة ووجد من يستشعر الدور،دور اتضح لاحقا مدى ضحالة البعض في لعبه حيث تعبث مثلا كل الدول بباب المندب ويفكك السودان الشقيق واللصيق ويسعى لضرب الأخوة بين مصر والجزائر على خلفية مباراة كرة قدم.
---------
لكن التجارب الإنسانية بحاجة دائما إلى وضعها في سياقها وإطارها التاريخي باعتبارها اليوم تراثا وتاريخا تجب الاستفادة منه وتخليصه من اكراهات الظرف ومغرياته وكذا من تدافع فرقائه و كيدياتهم حتى يتم التمييز بين ما هو مبدئي وإنساني وبين ما هو ذاتي و آني حكمته ظروفه وخامرته شهوة الحكم ، عليه تنبغي الإشارة إلى أمور منها:
1- ضرورة تجذير الشعور بالانتماء إلى شعب اسمه العرب كغيره من الشعوب باعتباره شعورا أصيلا في النفس البشرية لا يقفز عليه إلا معتوه أو حالم غير واقعي ، شعور هو احد ثوابت أسهمت هذه الثورة في بلورتها ،لكنه في الحالة العربية يجب ان يستحضر دائما حديث ربعي ابن عامر لمرازبة كسرى،عليه فان الدفع نحو مزيد التكامل والاندماج في المنطقة العربية يظل ضرورة وهدفا استراتيجيا وفق ما يناسب العصر وآلياته.
2- التأكيد على بعض من مضامين هذه التجربة التي تجعل منها فعلا اجتماعيا تحديثيا ينحاز للفئات الضعيفة ، يعمق العدل الاجتماعي ويقارع الاستبداد والاحتكار ونهب الثروات الوطنية،ولقد كانت لحظات قوة منتسبي هذا التيار في موريتانيا هي تلك التي رفع فيها شعار إسقاط التحالف العسكري الرأسمالي لا لحظات السعي لتوجيه مسار،تنعدم الشروط الموضوعية لتوجيهه، مع ذلك فيجب أن يظل الأساس لمن يقارع أو يوالي هو نصاعة ووضوح الأهداف المرحلية والتأكد من مدى السير نحوها.
3-إن التجربة قد ارتبطت بالزعيم الرمز على غرار مناخ القرن العشرين لكن ما يلائم الناس في القرن الواحد والعشرين هو الفكرة التي تتبناها الجماعة وتستعد للدفاع عنها استشعارا لقيمتها العليا ، وفي الواقع أن ما جعل السواد الأعظم من الناس من المحيط إلى الخليج يتماهون مع جمال عبد الناصر هو استشعارهم تعبيره عن آمالهم وانحيازه لقضايا الأمة الكبرى،لكن هناك تمايزا بين عبد الناصر الحاكم رحمة الله عليه و عبد الناصر القائد وهو تمايز تصاعد مع النصف الثاني من الستينات حتى ولو كان الدور التآمري الغربي على المشاريع التحديثية في المنطقة لم يعد يحتاج إلى دليل .
4- إن الخصوصيات المحلية للمناطق عصية على التماهي لذلك فكل منطقة تتطلب مقارباتها الخاصة بها وفي هذا الصدد ربما يكون من الطريف أن كاتب السطور وهو تلميذ في ثمانينيات القرن الماضي كان حين يعود إلى القرية في الريف بعد عام دراسي تخلله تأطير معلم ناصري يباشر البحث الذهني ضمن الفضاء الذي هو فيه عن العمال والفلاحين دون جدوى .
5- أن دولة المؤسسات لا دولة القادة هي الأجدر والأقدر على الاستمرار وأن الأنظمة التي تتسربل بالبزة العسكرية ما عادت تلائم هذا الزمان لأسباب منها على الأقل أن الحاكم العسكري بالأمس كان يهتم بالمجد والحفاظ على صورة القائد الرمز نظيف اليد، خلافا لحاكم اليوم اللاهث غالبا وراء البزنس وجمع المال ويكفى مثلا المقارنة بين الجيل الأول من عسكري موريتانيا الذي انقلب لإخراج البلاد من حرب لا طاقة لها بها ليخرج من السلطة صفر اليدين( العقيد مصطفى،المرحوم جدو،المرحوم بوسيف المرحوم ولد اباه—الخ) وبين بعض من الجيل اللاحق عليه من الانقلابيين (لن نذكر أسماء) ،فالمطلوب من العسكري هو أن يدفع عن الناس لا أن يتدافع معهم على صناعة القرار السياسي وموارد الرزق لأنه سيدفعهم في النهاية بحكم ماله من عضلات خالقا بذالك الظروف الموضوعية ليدفعه آخرون.
6- السعي لتوسيع قاعدة اتخاذ القرار تفاديا للخطر الذي يتربص الطامحين إلى التغيير هو اختزال عطائهم في قلة محدودة تفكر نيابة عن المجموعة لتماهي أحيانا بين قراءاتها الخاصة وبين الأهداف العليا والسامية للجماعة مختزلة إياها في النهاية في مقاربات مجتزأة يعتريها الضعف الإنساني لتفضي بالضرورة إلى نتائج هزيلة.
7- أن المطلوب في القرن الواحد العشرين وهو ما يدركه كثير من المحسوبين على هذا التيار ليس نبش الماضي أو التفتيش في الدفاتر القديمة -على طريقة التاجر المفلس- كما يحلو أسفا للبعض من مختلف الأطراف السعي لتفجير الخلافات السياسية والأيديولوجية مع قوى لابد أن تكون في النهاية حليفا استراتيجيا آو على الأقل منافسا سياسيا فمهما سعى البعض جاهدا لاستحضار آلام الماضي أو لتملك اللحظة ومهما ارتعب آخرون منها، فالأكيد أنها في النهاية لن تكون إلا من صنع الجميع وان هناك حراكا يجري قد تطول مراحله الانتقالية وقد ترتفع تكاليفه المؤلمة لكثرة الساعين لركوبه، لكنه في النهاية لابد أن يكون حركة إلى الأمام تضع الأمة عند مستويات أعلى من الحرية وإشاعة العدل واستعادة الحقوق، لذالك فان قراءة تسعى لتجاوز الاختلافات بين المقاربات القومية والإسلامية في الفضاء العربي هي الأنسب لدفع الأمة للفعل الايجابي في التاريخ ، فمخاطر الدخول المنافق للقوى الغربية على خط الحراك الشعبي العربي مثلا وان استسهلها البعض خطأ لا يمكنها أن تكون الرخصة التي يشرعن بها للاستبداد ولأساليبه الرديئة في إدارة الشأن العام تلك الأساليب التي حولت شعوبنا إلى غثاء، فالذي يحار وهو محق في الدبلوماسية الأمريكية حين تكون خلال 60 عاما الأخيرة شريكا مباشرا في ذبح وتشريد جزء من ساكنة الشام ( فلسطين) ويراها تتباكى الآن على جزء منه (سوريا)، ينبغي عليه أن يدرك أيضا أن غاية ما تريد هذه الدبلوماسية من فوضى حتى لو حصلت لا قدر الله فإنها سترسم أيضا إنهاء الوجود الأمريكي ذاته في المنطقة، إن لم تنهه القوى العالمية والإقليمية الصاعدة أو أزماته الداخلية .
8 – ضرورة انتقاء الأساليب الملائمة لبلوغ الأهداف فما بذله بعض من المحسوبين على هذا التيار في مجال تعزيز اللحمة الوطنية من جهد محمود يجب أن يتعزز بجدار من الثقة يزيل ما يزرع من ريبة حول التعايش بين مكونات الشعب الواحد في دولة تحفظ لكل خصوصيته المحترمة والمصانة، من هنا مثلا فان تقريب الإدارة والدولة عموما من المواطن وتخليصها من الذيلية الثقافية عبر فرض استخدام اللغة العربية في مختلف المرافق العمومية هو طلب ملح مشروع بل يجب أن يكون أولوية الأولويات لكنه يجب ألا يتنزل في سياق سلب الامتيازات أو خلق الشعور بالإلحاق.
تلك ملاحظات أردنا توجيهها لمنتسبي تيار نعلم انه زاخر بالخيرين والشرفاء، عساها تفيد.
ولله الأمر من قبل ومن بعد







