تاريخ الإضافة : 24.07.2012 13:31
للإصلاح كلمة موضوعها إعطاء الصدقات لمستحقيها
كلمة الإصلاح كانت دائما تحاول أن تتكلم عن إصلاح سياسة أهل الدنيا أما كلمة الإصلاح هذه المرة فتحاول أن تتكلم عن إصلاح سياسة أهل الآخرة .
ومعلوم أن ملتقي الطرق بين الدنيا والآخرة هو ساعة موت المرء ولاشك أن أي واحد منا لا يعرف متى يصل إلى ملتقي الطرق هذا هل بعد تلك الدقيقة التي هو فيها مباشرة أم بعدها بزمن يقل أو يكثر ولكن ما نتيقـنه هو أنه واصل لها لا محالة ونحن المسلمين العاقل منا من فهم قول المولي عز وجل ((فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) وهذا الفوز تـتضح معالمه ساعة المرور بمفترق الطرق المذكور أعلاه حين يصل المرء إلى الحالة التي وصفه الله فيها في تلك الساعة (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حيئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون .... )) الخ المصير المذكور في الآية .
وبما أن ساعة المرور هذه لا تسبقها إشارة حمراء ولا خضراء ولا توقيت لزمنها ولا حد للعمر فيها كما قال تعالى (( هو الذي خلكم من تراب ثم من نطفة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل )) وكلمة "من قبل ": تشمل خروج النطفة من الرحم سقطا وحتى بلوغ الأشد كما هو مشاهد على مرور الأيام والساعات بسبب وبدون سبب فعلى المرء إذا أو على المسلم بالذات أن يبحث عن فعل يستقبله الله به ساعة بلوغ الروح الحلقوم فيكون به سعيدا إلى أبد الآبدين .
وبعد هذه المقدمة الواضحة فإني أقول للمسلم إني بحثت في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة الأصلين الوحيدين لما سيـلقاه المرء في الآخرة فلم أجد بعد العقيدة الصحيحة سفينة انقاذ أسرع ولا أصلح ولا أكثر طمأنينة للمسلم من سفينة إعطاء الصدقة الواجبة والتطوعية لمستحقيها في الدنيا قبل فوات الأوان .
فإنه من ما يهز شعور المسلم المتيقن لصحة ما جاء في القرآن هو سماعه المولى عز وجل خالق كل شيء ومتصرف في كل شيء وهو يسأله تقديم قرض مضاعف القضاء في ساعة لا يملك فيها المقرض درهما واحدا ولا أي حيلة للخلاص .
يقول تعالى : (( من ذا الذي يقرض حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون )) .
ومن الغريب أن هذا المال الذي يطلب الله من المسلمين قرضه هو المالك له حقيقة كما قال تعالى (( وأتوهم من مال الله الذي آتاكم )) (( وأنفقوا من ما جعلكم مستخلفين فيه )) .
وهناك خصائص في الصدقة لم ترد في أي قربة من قرب الإسلام غير الصدقة ،منها أن الله لم يطلب من المسلم أن يقرضه بلفظ القرض صلاة ولا صوما ولا حجا ولكن طلب منه أن يقرضه مالا يعطيه لمستحقيه، وقد بين القرآن للمسلم ذلك المستحق بيانا واضحا لا لبس فيه قال تعالى (( إنما الصدقات للفقراء "بلفظ الحصر"والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ......الخ الأصناف، وفي آية أخرى (( إن تبدوا الصدقات فنعماهي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم )) .
ولا شك أن هذا الوصف وهو الفقر لا يتشابه مع وصف آخر إلا وصف المسكنة فلا يتشابه مع وصف الزعيم ولا الولي ولا الصالح ولا وصف الأحزاب ولا الانتخابات .
وليعلم الجميع أن هذه الآية تحمل نكتة لو فهمها المسلمون حق فمهما لتجالدوا عليها بالسيوف كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم تجالدهم على الصف الأول لو علموا ما فيه من الأجر.
وهذه النكتة هي أن نعم هي أبلغ كلمة وضعتها العرب للمدح والرضي عن الممدوح يقول تعالى: (( ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب )) والقرآن هنا استعمل كلمة " نعم" لمن قدم الصدقة بصفة علنية وأعطاها للفقراء وذلك ليدخر لمن يقدم الصدقة للفقراء بصفة خفية جزاءا عبر عنه بالخيرية التي تعم كل شيء.
فكما أن هذا المتصدق أخفي نفسه عن المتصدق ساعة إعطائه الصدقة فإن الله يخفي عظمة هذا الأجر المعطى على تلك الصدقة الخفية حتى يكون الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى (( فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة عين جزاءا بما كانوا يعملون )) .
وبناء على ذلك فإني أظن أن أقرب ساعة يكون العبد فيها من ربه هي تلك الساعة التي يحمل فيها صدقة السر ليعطيها لمستحقيها وإني أقترح حينئذ على هذا المتصدق أن يجتهد في الدعاء لنفسه بكل أنواع الخير وللمسلمين كما أرجوا منه أن لا ينسانا من ذلك الدعاء .
مع أن هناك نصا صريحا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ينص على أن هذا المتصدق بين من يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله .
ومن خصائص الصدقة أيضا أنها جاءت في الحديث الصحيح أن صدقة واحدة على كلب أدخل باغية من بني إسرائيل الجنة حيث وجدته أصابه العطش ولا حيلة له في الشراب فسقته .
ومن خصائصها أيضا أنه حتى الكافرين يعذبون على عدم إعطائها يقول الله تعالى (( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )) .
ومن الخصائص أيضا المؤاخذة على مجرد عدم الحث على إعطائها يقول الله تعالى(( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين )) وقوله تعالى(( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) .
ومن الخصائص أيضا أن عدم أدائها يكون عقبة في دخول الجنة يقول تعالى(( فلا أقسم العقبة وما أدريـك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة )) .
ومنها أن عدم إعطائها يورث النفاق في القلب إلى يوم القيامة يقول تعالى ((ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لتصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) .
وهناك آيات تـتـفطر الأكباد من وعيدها ولا تختص بغير المؤمنين بل إن ظاهر عمومها يشمل كل من قام بفعل ما يترتب على مضمون وعيدها .
يقول تعالى (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هم شر لهم سيطوقون ما يخلوا به يوم القيامة )) ويقول تعالى(( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )) .
هذه الآيات على من يحفظها أو يسمعها وهو مؤمن وقد أتاه الله شيئا من المال أن لا يقر له قرار حتى يؤدي حق الفقراء فيه راضية به نفسه محتسبة الأجر عند الله .
فالله تبارك وتعالى جعل جزاءا من المال ليس لمالكه ولكن هو حق للفقير والمسكين مباشرة كما قال تعالى ((وآتي ذا القربى حقه والمسلمين وابن سبيل )) .
وهناك آية أخرى تحمل شحنة من الحث على الصدقة لا يستطيع فهم مغزى عباراتها إلا المتخصصون في الاقتصاد إلى الأعماق .
فمن المعلوم أن الربا تقال للزيادة لغة وأنه حرمه الله في نص القرآن بعبارات لم يطلقها على أي جريمة غير الربا يقول تعالى(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فآذنوا بحرب من الله ورسوله )) .
هذا الربا إذا أعطاه شخصا يريد زيادة ماله في مال الآخرين فهو الربا المحرم الموعود عليه بحرب من الله ورسوله ولكن إذا أعطاه الشخص يريد الزيادة من الله وأعطاه لوجه الله يكون هو الربا الحلال المضمون الزيادة والمضاعف عند الله .
يقول تعالى (( وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون )) .
ونلاحظ هنا كلمة لوجه الله لأن الشيطان دائما يريد أن يكون المؤمن بخيلا ولكن إذا أنفلت منه المسلم وأراد أن يتصدق من ماله يضع الشيطان خرطومه على قلبه يريد تحويل الصدقة عن هدفها الشرعي ويزين أنواعا أخرى من الصدقات يوهم فيها للمؤمن أنها صدقة دينية وفيها أجر تارة باسم الهدايا وتارة تحت أسماء أخرى أكثر وزرها من أجرها ولذا يقول الله تبارك وتعالى(( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )) وهذا هو الفرق بين إعطاء الصدقة لغير مستحقها تحت أي وصف لم يأمر الله بإعطاء صاحبه وبين إعطاء صدقة يراد بها وجه الله فالأول هو الفحشاء الذي يكون الشيطان من ورائه ويعد عليه بالخير الذي لا يملك وبين إعطاء الصدقة الذي يرجوا صاحبه الفضل والمغفرة من الله .
ومن هنا نصل إلى واقعنا هنا نحن في الدولة الموريتانية وما على الدولة أن تعامل به الفقراء .
فمعلوم عند كل مواطن أن 95% من الموريتانيين تحت خط الفقر وأنهم من أكثر الناس استسلاما للفقر لعدم انشغالهم بالأعمال التقليدية اليدوية والخدمية التي يمسك ريعها رمق الحياة كما أن أكثر الشعب الموريتاني هو من الشعب المتعفف الذين لا يسألون الناس إلحافا وهم الذين عينهم الله لاستحقاق صرف الصدقة يقول تعالى(( وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون )) (( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)) .
وهذه النسبة كثيرة الفقر والتعفف توجد اليوم في أسوأ حالة يوجد فيها الآدميون بعد دخول أجواء المدينة التي لا ترحم .
وأنا أتعجب هنا من منظمات المجتمع المدني التي انتشرت في الدولة تحت اسم أنواع الأمراض مثل السيدا وغيره أو التـنمية أو الثقافة وغير ذلك ولا توجد منظمة واحدة لمساعدة الفقراء وما أكثرهم وما أحوجهم .
وهنا أعطي مثالا واحدا سوف يدخل الألم القاتل في قلب كل من ألقى السمع وهو شهيد ألا وهو أن الدولة تحملت دواء كل من له دخل يعيش به في المجتمع ، أما الفقير الذي لا دخل له ماديا فعندما يأتي لمستـشفيات الدولة ويحتاج لعملية يكون جوابه طلب تقديم المصروفات الباهظة ولا مصروفات في الجيب ولا في الدار فيعود مستسلما للمرض حتى الموت .
فلماذا لا تكون هناك منظمة لمساعدة الفقراء الذين لا دخل لهم حتى تتحمل عنهم هذه المنظمة ولو مصروفات علاج الأمراض فقط .
وهنا نذكر الشعب الموريتاني أنه عندما كانت موريتانيا دولة قبل أول انقلاب عسكري عليها سنة19978 كان هناك قانون يلزم الفقير الحصول على شهادة الفقر من البلدية وعندئذ تتحمل الدولة جميع علاجه عن طريق الضمان الاجتماعي وكذلك تتحمل عنه جميع ضرائب الدولة كالطوابع على الوثائق وتمنح على تلك الشهادة أبناء الفقراء وهذا طبعا هو أقل الإيمان بمساعدة الفقراء فإذا كانت تلك الحقبة مرضية عند الحكم الحالي فهذا كان من عملها وفيه الأسوة الحسنة .
هذه الحقيقة الواضحة أرجوا أن تكون الدولة ورجال الأعمال والأغنياء من هذه الدولة المسلمة أصحاب لب وتكون هذه الفقرات إشارة لهم وكما يقال " اللبيبب تكفيه الإشارة".
وحان الآن أن نختم كلمة الإصلاح هذه بحديث صحيح فيه وعد شديد وآيات فيها وعد عظيم فيه الخير والأجر الكبير .
أما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم << والله لا يؤمن قالها ثلاث مرات من بات شبعانا وجاره جائع >> .
أما الآيات فقوله تعالى (( وما تفعلوا من خير يعلمه الله )) وقوله (( وما تـنـفـقوا من شيء يوف إليكم وأنتم لا تـظلمون )) وقوله (( وما تـقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا )) .
ومعلوم أن ملتقي الطرق بين الدنيا والآخرة هو ساعة موت المرء ولاشك أن أي واحد منا لا يعرف متى يصل إلى ملتقي الطرق هذا هل بعد تلك الدقيقة التي هو فيها مباشرة أم بعدها بزمن يقل أو يكثر ولكن ما نتيقـنه هو أنه واصل لها لا محالة ونحن المسلمين العاقل منا من فهم قول المولي عز وجل ((فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) وهذا الفوز تـتضح معالمه ساعة المرور بمفترق الطرق المذكور أعلاه حين يصل المرء إلى الحالة التي وصفه الله فيها في تلك الساعة (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حيئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون .... )) الخ المصير المذكور في الآية .
وبما أن ساعة المرور هذه لا تسبقها إشارة حمراء ولا خضراء ولا توقيت لزمنها ولا حد للعمر فيها كما قال تعالى (( هو الذي خلكم من تراب ثم من نطفة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل )) وكلمة "من قبل ": تشمل خروج النطفة من الرحم سقطا وحتى بلوغ الأشد كما هو مشاهد على مرور الأيام والساعات بسبب وبدون سبب فعلى المرء إذا أو على المسلم بالذات أن يبحث عن فعل يستقبله الله به ساعة بلوغ الروح الحلقوم فيكون به سعيدا إلى أبد الآبدين .
وبعد هذه المقدمة الواضحة فإني أقول للمسلم إني بحثت في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة الأصلين الوحيدين لما سيـلقاه المرء في الآخرة فلم أجد بعد العقيدة الصحيحة سفينة انقاذ أسرع ولا أصلح ولا أكثر طمأنينة للمسلم من سفينة إعطاء الصدقة الواجبة والتطوعية لمستحقيها في الدنيا قبل فوات الأوان .
فإنه من ما يهز شعور المسلم المتيقن لصحة ما جاء في القرآن هو سماعه المولى عز وجل خالق كل شيء ومتصرف في كل شيء وهو يسأله تقديم قرض مضاعف القضاء في ساعة لا يملك فيها المقرض درهما واحدا ولا أي حيلة للخلاص .
يقول تعالى : (( من ذا الذي يقرض حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون )) .
ومن الغريب أن هذا المال الذي يطلب الله من المسلمين قرضه هو المالك له حقيقة كما قال تعالى (( وأتوهم من مال الله الذي آتاكم )) (( وأنفقوا من ما جعلكم مستخلفين فيه )) .
وهناك خصائص في الصدقة لم ترد في أي قربة من قرب الإسلام غير الصدقة ،منها أن الله لم يطلب من المسلم أن يقرضه بلفظ القرض صلاة ولا صوما ولا حجا ولكن طلب منه أن يقرضه مالا يعطيه لمستحقيه، وقد بين القرآن للمسلم ذلك المستحق بيانا واضحا لا لبس فيه قال تعالى (( إنما الصدقات للفقراء "بلفظ الحصر"والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ......الخ الأصناف، وفي آية أخرى (( إن تبدوا الصدقات فنعماهي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم )) .
ولا شك أن هذا الوصف وهو الفقر لا يتشابه مع وصف آخر إلا وصف المسكنة فلا يتشابه مع وصف الزعيم ولا الولي ولا الصالح ولا وصف الأحزاب ولا الانتخابات .
وليعلم الجميع أن هذه الآية تحمل نكتة لو فهمها المسلمون حق فمهما لتجالدوا عليها بالسيوف كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم تجالدهم على الصف الأول لو علموا ما فيه من الأجر.
وهذه النكتة هي أن نعم هي أبلغ كلمة وضعتها العرب للمدح والرضي عن الممدوح يقول تعالى: (( ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب )) والقرآن هنا استعمل كلمة " نعم" لمن قدم الصدقة بصفة علنية وأعطاها للفقراء وذلك ليدخر لمن يقدم الصدقة للفقراء بصفة خفية جزاءا عبر عنه بالخيرية التي تعم كل شيء.
فكما أن هذا المتصدق أخفي نفسه عن المتصدق ساعة إعطائه الصدقة فإن الله يخفي عظمة هذا الأجر المعطى على تلك الصدقة الخفية حتى يكون الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى (( فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة عين جزاءا بما كانوا يعملون )) .
وبناء على ذلك فإني أظن أن أقرب ساعة يكون العبد فيها من ربه هي تلك الساعة التي يحمل فيها صدقة السر ليعطيها لمستحقيها وإني أقترح حينئذ على هذا المتصدق أن يجتهد في الدعاء لنفسه بكل أنواع الخير وللمسلمين كما أرجوا منه أن لا ينسانا من ذلك الدعاء .
مع أن هناك نصا صريحا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ينص على أن هذا المتصدق بين من يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله .
ومن خصائص الصدقة أيضا أنها جاءت في الحديث الصحيح أن صدقة واحدة على كلب أدخل باغية من بني إسرائيل الجنة حيث وجدته أصابه العطش ولا حيلة له في الشراب فسقته .
ومن خصائصها أيضا أنه حتى الكافرين يعذبون على عدم إعطائها يقول الله تعالى (( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )) .
ومن الخصائص أيضا المؤاخذة على مجرد عدم الحث على إعطائها يقول الله تعالى(( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين )) وقوله تعالى(( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) .
ومن الخصائص أيضا أن عدم أدائها يكون عقبة في دخول الجنة يقول تعالى(( فلا أقسم العقبة وما أدريـك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة )) .
ومنها أن عدم إعطائها يورث النفاق في القلب إلى يوم القيامة يقول تعالى ((ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لتصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) .
وهناك آيات تـتـفطر الأكباد من وعيدها ولا تختص بغير المؤمنين بل إن ظاهر عمومها يشمل كل من قام بفعل ما يترتب على مضمون وعيدها .
يقول تعالى (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هم شر لهم سيطوقون ما يخلوا به يوم القيامة )) ويقول تعالى(( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )) .
هذه الآيات على من يحفظها أو يسمعها وهو مؤمن وقد أتاه الله شيئا من المال أن لا يقر له قرار حتى يؤدي حق الفقراء فيه راضية به نفسه محتسبة الأجر عند الله .
فالله تبارك وتعالى جعل جزاءا من المال ليس لمالكه ولكن هو حق للفقير والمسكين مباشرة كما قال تعالى ((وآتي ذا القربى حقه والمسلمين وابن سبيل )) .
وهناك آية أخرى تحمل شحنة من الحث على الصدقة لا يستطيع فهم مغزى عباراتها إلا المتخصصون في الاقتصاد إلى الأعماق .
فمن المعلوم أن الربا تقال للزيادة لغة وأنه حرمه الله في نص القرآن بعبارات لم يطلقها على أي جريمة غير الربا يقول تعالى(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فآذنوا بحرب من الله ورسوله )) .
هذا الربا إذا أعطاه شخصا يريد زيادة ماله في مال الآخرين فهو الربا المحرم الموعود عليه بحرب من الله ورسوله ولكن إذا أعطاه الشخص يريد الزيادة من الله وأعطاه لوجه الله يكون هو الربا الحلال المضمون الزيادة والمضاعف عند الله .
يقول تعالى (( وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون )) .
ونلاحظ هنا كلمة لوجه الله لأن الشيطان دائما يريد أن يكون المؤمن بخيلا ولكن إذا أنفلت منه المسلم وأراد أن يتصدق من ماله يضع الشيطان خرطومه على قلبه يريد تحويل الصدقة عن هدفها الشرعي ويزين أنواعا أخرى من الصدقات يوهم فيها للمؤمن أنها صدقة دينية وفيها أجر تارة باسم الهدايا وتارة تحت أسماء أخرى أكثر وزرها من أجرها ولذا يقول الله تبارك وتعالى(( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )) وهذا هو الفرق بين إعطاء الصدقة لغير مستحقها تحت أي وصف لم يأمر الله بإعطاء صاحبه وبين إعطاء صدقة يراد بها وجه الله فالأول هو الفحشاء الذي يكون الشيطان من ورائه ويعد عليه بالخير الذي لا يملك وبين إعطاء الصدقة الذي يرجوا صاحبه الفضل والمغفرة من الله .
ومن هنا نصل إلى واقعنا هنا نحن في الدولة الموريتانية وما على الدولة أن تعامل به الفقراء .
فمعلوم عند كل مواطن أن 95% من الموريتانيين تحت خط الفقر وأنهم من أكثر الناس استسلاما للفقر لعدم انشغالهم بالأعمال التقليدية اليدوية والخدمية التي يمسك ريعها رمق الحياة كما أن أكثر الشعب الموريتاني هو من الشعب المتعفف الذين لا يسألون الناس إلحافا وهم الذين عينهم الله لاستحقاق صرف الصدقة يقول تعالى(( وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون )) (( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)) .
وهذه النسبة كثيرة الفقر والتعفف توجد اليوم في أسوأ حالة يوجد فيها الآدميون بعد دخول أجواء المدينة التي لا ترحم .
وأنا أتعجب هنا من منظمات المجتمع المدني التي انتشرت في الدولة تحت اسم أنواع الأمراض مثل السيدا وغيره أو التـنمية أو الثقافة وغير ذلك ولا توجد منظمة واحدة لمساعدة الفقراء وما أكثرهم وما أحوجهم .
وهنا أعطي مثالا واحدا سوف يدخل الألم القاتل في قلب كل من ألقى السمع وهو شهيد ألا وهو أن الدولة تحملت دواء كل من له دخل يعيش به في المجتمع ، أما الفقير الذي لا دخل له ماديا فعندما يأتي لمستـشفيات الدولة ويحتاج لعملية يكون جوابه طلب تقديم المصروفات الباهظة ولا مصروفات في الجيب ولا في الدار فيعود مستسلما للمرض حتى الموت .
فلماذا لا تكون هناك منظمة لمساعدة الفقراء الذين لا دخل لهم حتى تتحمل عنهم هذه المنظمة ولو مصروفات علاج الأمراض فقط .
وهنا نذكر الشعب الموريتاني أنه عندما كانت موريتانيا دولة قبل أول انقلاب عسكري عليها سنة19978 كان هناك قانون يلزم الفقير الحصول على شهادة الفقر من البلدية وعندئذ تتحمل الدولة جميع علاجه عن طريق الضمان الاجتماعي وكذلك تتحمل عنه جميع ضرائب الدولة كالطوابع على الوثائق وتمنح على تلك الشهادة أبناء الفقراء وهذا طبعا هو أقل الإيمان بمساعدة الفقراء فإذا كانت تلك الحقبة مرضية عند الحكم الحالي فهذا كان من عملها وفيه الأسوة الحسنة .
هذه الحقيقة الواضحة أرجوا أن تكون الدولة ورجال الأعمال والأغنياء من هذه الدولة المسلمة أصحاب لب وتكون هذه الفقرات إشارة لهم وكما يقال " اللبيبب تكفيه الإشارة".
وحان الآن أن نختم كلمة الإصلاح هذه بحديث صحيح فيه وعد شديد وآيات فيها وعد عظيم فيه الخير والأجر الكبير .
أما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم << والله لا يؤمن قالها ثلاث مرات من بات شبعانا وجاره جائع >> .
أما الآيات فقوله تعالى (( وما تفعلوا من خير يعلمه الله )) وقوله (( وما تـنـفـقوا من شيء يوف إليكم وأنتم لا تـظلمون )) وقوله (( وما تـقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا )) .







