تاريخ الإضافة : 12.07.2012 19:38
المعطَّلين.. قبل أن تفيض الكأس!!
ضاقت بالشباب العربي سبل العيش الكريم في بلدانهم، حتى من أفنى منهم زهرة حياته متعلما ونال بالكدّ والجدّ والنصب شهادات عليا، لم تتح لكثيرين منهم فرص ترجمة مكتسباتهم العلمية وخبراتهم المعرفية إلى واقع عملي، يشاركون من خلاله في تنمية أوطانهم وتطويرها، وتوفير عيش كريم لهم ولمن يعولون، ومع تعاظم اليأس واستحكام حالة الإحباط، في ظل هيمنة واستحواذ "مومياءات" عشّشت كالعناكيب على كراس لم تعرف إليها سنة الله في التداول من سبيل، لا يفنى أربابها ولا يتقاعدون، استسلم لقدر الله من استسلم وإن مكرها لا بطلا، وفاضت بآخرين كأس الظلم والحرمان، وملّوا طول الترقب والتسويف والمماطلة، في ظل بؤس طاحن فأشعلوا النار في أجسادهم. الغضّة. فرارا إلى الموت من رحمة ساسة لا يرحمون، لا يصدُقون في حديث، ولا يوفون بوعد ولا بعهد، وزراء ومدراء والغون في حقوق العباد، منهمكون في خراب البلاد، هم أجهل وأتفه من أن يفسحوا لذوي الكفاءات الأمناء، فهم أعمق جربا من أن يطيقوا الأصحاء.
ثانيا: توفير العمل لمستحقيه واجب الدولة المسلمة
ليت "ساكني الكراسي" حينما لم يعرف وازع الرحمة بأجيال الشباب العاطلين إلى قلوبهم سبيلا وزعهم وازع الدين الذي يدّعون الانتساب إليه والحمية له، فلقد أوجبت شريعة الإسلام - وجوبا عينيا - على الدولة ممثلة في شخص رئيسها أن يوفر العمل الشريف لطالبيه في عزة وكرامة ومن غير تسويف ولا مماطلة، حقا لهم لا منّة له عليهم به، قرّر ذلك الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، حين جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه صدقة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالانتظار، ثم دعا بقَدوم ودعا بيدٍ من خشب سوَّاها بنفسه، ووضعها في القدوم، ثم دفعه للرجل، وأمره أن يذهب إلى مكان معين ليحتطب؛ ليكسب قوته وقوت عياله، وطلب إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعود إليه بعد أيام ليخبره بحاله، وقد أفلح الرجل في تحسين حاله وإغناء نفسه. (مسند الإمام أحمد 19/ 183 برقم 12134، ورواه الترمذي وصصحه).
فالدولة الإسلامية – هنا - ممثلة في قائدها الأغرّ محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تكتف ـ فقط بالاعتراف بحقوق المعطلين، بل دبرت لهم العمل فورا، ولم تتركهم إلى التسويف والمماطلة، ثم أكثر من ذلك سعت إلى الاطمئنان على يسر العمال ورخائهم.
فهي شريعة العمل للإعمار والإصلاح، اعتبرت السعي في مناكب الأرض وعمل الإنسان بيديه فيما يفيد وينفع قمة الشرف، وقررت أن خير أكل ابن آدم ما كان من كسب يده، وألزمت السلطة الحاكمة في بلاد المسلمين بتوفير العمل لطالبيه، وفوق ذلك بحمل المتكاسلين عنه على طلبه والتوثب له، كما ألزمتها بالإنفاق على من لا يوجد من تجب عليه نفقته، حتى تهيئ له العمل الذي يعيش منه، والمثل الحي لذلك ما فعله عمر بن الخطاب مع اليهودي الضرير، فتوفير العمل لطالبيه وتأمين مستقبل العمال وشيخوختهم مسؤولية الدولة في الإسلام، الذي رسم لذلك أرقى ما وصلت إليه التشريعات العمالية في العالم المتحضر.
فالدولة الإسلامية – هنا - ممثلة في قائدها الأغرّ محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تكتف ـ فقط بالاعتراف بحقوق المعطلين، بل دبرت لهم العمل فورا، ولم تتركهم إلى التسويف والمماطلة، ثم أكثر من ذلك سعت إلى الاطمئنان على يسر العمال ورخائهم.
فهي شريعة العمل للإعمار والإصلاح، اعتبرت السعي في مناكب الأرض وعمل الإنسان بيديه فيما يفيد وينفع قمة الشرف، وقررت أن خير أكل ابن آدم ما كان من كسب يده، وألزمت السلطة الحاكمة في بلاد المسلمين بتوفير العمل لطالبيه، وفوق ذلك بحمل المتكاسلين عنه على طلبه والتوثب له، كما ألزمتها بالإنفاق على من لا يوجد من تجب عليه نفقته، حتى تهيئ له العمل الذي يعيش منه، والمثل الحي لذلك ما فعله عمر بن الخطاب مع اليهودي الضرير، فتوفير العمل لطالبيه وتأمين مستقبل العمال وشيخوختهم مسؤولية الدولة في الإسلام، الذي رسم لذلك أرقى ما وصلت إليه التشريعات العمالية في العالم المتحضر.
ثالثا: فرص مهدورة.. وطاقات معطلة
لقد كشفت ثورات الربيع العربي ما نجز منها حتى الآن زيف ادّعاء المسؤولين في بلداننا العربية أن اقتصاداتها عاجزة عن تشغيل العاطلين من شبابها، إذ تبين أن مليارات الدولارات غير تلك التي تبدّد في شهوات وأهواء الساسة وبطاناتهم كانت محجوزة في القصور الرئاسية بعيدا عن التداول، لحاجات في نفوس الطغاة الهالكين، وقد كانت تلك المليارات المكدّسة في تلك القصور كقصر قرطاج في تونس وسراديب باب العزيزية في طرابلس، كفيلة بأن تموّل مشاريع صناعية وخدمية ضخمة توفر آلاف الفرص للشباب العاطلين عن العمل، وتحولهم إلى أيادي بناء وسواعد تنمية وإصلاح، بدل سرقتها وحبسها عن التداول في تلك القصور المعتمة، ومقابلة الحناجر المبحوحة في طلب حقها البسيط في أن تعيش بكرامة، بادّعاء العجز الاقتصادي أحيانا وبالقمع والتنكيل أحيانا أخرى.. قصدا إلى تيئيس الشباب المثقف وتحقيره، لأجل أن تموت فيه جذوة التطلع إلى أزمَّة القيادة، وينساق في مخمصة إلى التجانف لإثم الحاكمين ورجسهم، وحتى تذهب به هموم الحياة والإحساس المرّ بالظلم والغبن مذاهب شتّى ليس أحطّها درَكا الاشتغال بالمخدّرات إدمانا و ترويجا، ولا أبعدها مهوى الانخراط في صفوف جماعات التكفيريين المتربصين.
لقد فاضت كأس الظلم والفساد في أغلب بلاد العرب والمسلمين، وسُدّت المنافذ إلى الحقوق في وجوه أجيال من أرباب المعارف والأفكار البناءة، وأرغمت العقول والأدمغة العربية إلى الهجرة حينا وإلى التغريد في سرب الولاء والطاعة أحيانا، وإلى تجرع مرارة الصبر على التهميش والإذلال أخرى، ومع تفاقم واستشراء الفساد ونهب المال العام لم تسلم حتى بلاد غنية بالثروات من إعلان العجز عن بلورة وتفعيل حلول جذرية وعميقة لمشكل البطالة الذي يتفاقم موشكا أن يتحول فيها إلى ظاهرة فاتكة، وقنبلة موقوتة.
لقد فاضت كأس الظلم والفساد في أغلب بلاد العرب والمسلمين، وسُدّت المنافذ إلى الحقوق في وجوه أجيال من أرباب المعارف والأفكار البناءة، وأرغمت العقول والأدمغة العربية إلى الهجرة حينا وإلى التغريد في سرب الولاء والطاعة أحيانا، وإلى تجرع مرارة الصبر على التهميش والإذلال أخرى، ومع تفاقم واستشراء الفساد ونهب المال العام لم تسلم حتى بلاد غنية بالثروات من إعلان العجز عن بلورة وتفعيل حلول جذرية وعميقة لمشكل البطالة الذي يتفاقم موشكا أن يتحول فيها إلى ظاهرة فاتكة، وقنبلة موقوتة.
رابعا: وفي موريتانيا..
البلد الكثير مواردا.. القليل سكانا، الغنيّ أرضا.. الفقير شعبا، ليس واردا ولا منطقيا الحديث عن بطالة أو عطالة، إذ لا معايير موضوعية للتوظيف، ولا اعتبار بالكفاءة ولا بالأهلية، وغاية ما هناك غنائم تتقاسم بين طبقة البطانة و"الصفّاقين" بمسميات وظيفية تمويهية، أو بصفقات ومشاريع وهمية، أما الكفاءة العلمية والخبرة العملية والأمانة والمسؤولية فقلما تكون وحدها مرتقى إلى مناصب سامية، أو حتى وظائف لائقة.
يقف المتتبع مندهشا أمام ثنائية الشعب والأرض، بينما يزايله الاستغراب أول وهلة لظاهرة تفشي البطالة واستشرائها، لكثرة دواعي ذلك ودلائله، ومنها:
1. ـ أن كثيرا من الإدارات والمؤسسات بقيت من حين إنشائها منذ آماد بعيدة حكرا على شخصيات بعينها، حتى ارتبطت مكاتبها ومسمياتها الوظيفية بتلك الشخصيات، فالمدير هو نفسه المدير منذ عقود، والمحاسب هو نفسه، والمستشارون هم أنفسهم، وحتى السكرتيرة أو السكرتير هو هو، فلا مكان ثمت لدماء جديدة قد تربك سير أسطوانة العبث المتآكلة بفعل التقادم والركود.
2. أن عشرات الوظائف في عشرات الإدارات الحكومية، ليست سوى رواتب "أعطيات" تصرف آخر الشهر لمحسوبين على نافذين في تلك الإدارات، لا يعرف الواحد منهم من وظيفته إلا راتبها، ولا من إدارته إلا اسم ولي نعمته، ولو أن تلك الوظائف أسندت إلى مستحقيها من ذوي الكفاءة العاطلين "المعطلين" لقاموا بها في تفان وبكل مسؤولية ولتحولت من أعطيات يصرفها من لا يملكون لمن لا يستحقون، هدرا وتلاعبا بالمال العام إلى رواتب مرشّدة مثمرة.
3. ـ مع أن أجيالا من الشباب المتسلحين بالخبرات والمعارف، يعرضون خبراتهم ـ باستمرار ـ على الجهات العليا في الدولة، إلا أن الملاحظ في قرارات التوظيف أنها تحرص على التحرز منهم، والدوران في فلك الجهلة وأشباههم، من قدامى سلك الوظيفة العمومية، أو قدامى سلك التزلف والنفاق، ليس لذلك من تفسير سوى أن القائمين على البلد، أو ـ على الأقل ـ الجهات المكلفة برسم سياسات التوظيف، تحرص وتتفانى في سبيل أن تبقي الصفقات والسرقات بمنأى عن عيون بريئة، قد لا تتحمل لأول وهلة تلك المشاهد المهولة للتعدي ونهب المال العام، وعن عقول متفتحة اعتادت السؤال والمساءلة عن كل شيء، ومن طبيعتها الأكاديمية تعمّد الإحراج، ولأنّ الأيادي البيضاء النقيّة تُزري بالملوَّثة المضرّجة.. فليس للمفسدين بمصلحةٍ أن تلوّحا في آن.
يقف المتتبع مندهشا أمام ثنائية الشعب والأرض، بينما يزايله الاستغراب أول وهلة لظاهرة تفشي البطالة واستشرائها، لكثرة دواعي ذلك ودلائله، ومنها:
1. ـ أن كثيرا من الإدارات والمؤسسات بقيت من حين إنشائها منذ آماد بعيدة حكرا على شخصيات بعينها، حتى ارتبطت مكاتبها ومسمياتها الوظيفية بتلك الشخصيات، فالمدير هو نفسه المدير منذ عقود، والمحاسب هو نفسه، والمستشارون هم أنفسهم، وحتى السكرتيرة أو السكرتير هو هو، فلا مكان ثمت لدماء جديدة قد تربك سير أسطوانة العبث المتآكلة بفعل التقادم والركود.
2. أن عشرات الوظائف في عشرات الإدارات الحكومية، ليست سوى رواتب "أعطيات" تصرف آخر الشهر لمحسوبين على نافذين في تلك الإدارات، لا يعرف الواحد منهم من وظيفته إلا راتبها، ولا من إدارته إلا اسم ولي نعمته، ولو أن تلك الوظائف أسندت إلى مستحقيها من ذوي الكفاءة العاطلين "المعطلين" لقاموا بها في تفان وبكل مسؤولية ولتحولت من أعطيات يصرفها من لا يملكون لمن لا يستحقون، هدرا وتلاعبا بالمال العام إلى رواتب مرشّدة مثمرة.
3. ـ مع أن أجيالا من الشباب المتسلحين بالخبرات والمعارف، يعرضون خبراتهم ـ باستمرار ـ على الجهات العليا في الدولة، إلا أن الملاحظ في قرارات التوظيف أنها تحرص على التحرز منهم، والدوران في فلك الجهلة وأشباههم، من قدامى سلك الوظيفة العمومية، أو قدامى سلك التزلف والنفاق، ليس لذلك من تفسير سوى أن القائمين على البلد، أو ـ على الأقل ـ الجهات المكلفة برسم سياسات التوظيف، تحرص وتتفانى في سبيل أن تبقي الصفقات والسرقات بمنأى عن عيون بريئة، قد لا تتحمل لأول وهلة تلك المشاهد المهولة للتعدي ونهب المال العام، وعن عقول متفتحة اعتادت السؤال والمساءلة عن كل شيء، ومن طبيعتها الأكاديمية تعمّد الإحراج، ولأنّ الأيادي البيضاء النقيّة تُزري بالملوَّثة المضرّجة.. فليس للمفسدين بمصلحةٍ أن تلوّحا في آن.







