تاريخ الإضافة : 03.07.2012 17:12
للإصلاح كلمة: تهنئ بنجاح الدكتور محمد مرسي
كلمة الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى أرض الكنانة إلى مصر المحروسة أم الدنيا لتوجه منها تهنئة إسلامية عالمية مدوية إلى جميع أركان الدنيا بنجاح رئيس مسلم يذكر أمته في أول خطاب له بالخطر الذي ينتظر كل إنسان يوم القيامة وذلك بالاختتام بقوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون) ومن غير الصدفة أن هذه الآية كانت هي آخر آية نزلت من القرآن فكذلك على جميع الإنسانية أن تتقي الله فيما نزل قبل هذه الآية.
وأنا هنا أهنئ أرجاء الدنيا بنجاح رجل مسلم لا لمجرد اعتـناقه للدين الإسلامي فجميع رؤساء الدول الإسلامية هم مسلمون ولكن حان للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعرفوا ما هو الإسلام ومن هم الرجال الذين يخاطبون برجال الإسلام.
فالإسلام لا يبحث عنه في الشعارات ولا في العادات ولا التقاليد ولا الهوية وإنما يبحث عنه في الالتزام الكامل بما جاء في هذه المعجزة الكبرى التي تركها المولى عز وجل محفوظة بين يدي البشرية جمعاء وأراد الله في أزله أن يستخلف هذه البشرية في الأرض زمنا قليلا تتفاوت عليه في زمن قليل كذلك ثم يرجعها إليه ليبلوهم أيهم أحسن عملا.
هذه المعجزة الكبرى تركها المولى عز وجل لتكون ميزانا عادلا صادقا مصحوبا بسجل كل إنسان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ليجد كل إنسان دقائق عمله بل دقائق كل حياته محصورة حاضرة ولا يظلم ربك أحدا.
إن هذه الشمولية لإحصاء حركة الإنسان ونوع عقائد الإنسان وتصرف الإنسان المدونة بوضوح على هذه الآيات المحكمات التي يتجاهلها أكثر الإنسان كما قال تعالى: (ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
هذه الآيات كان من فضل الله أن وكل بتعاليمها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
إن الدين الإسلامي المحصور في ضمنه حاليا جميع الديانات السابقة ها هو موجود دائما أمام أعيننا ومن بين أيدينا ومن خلفنا يتلى علينا آناء الليل وأطراف النهار كأنه في ساعة نزوله فلا يمكن أن يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يختزل ولا يدمج في غيره ولا يبدل ولا يعدل في نصوصه بل هو دائما آيات بـينات في صدور الذين أتوا العلم.
إن هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ما كثين فيه أبدا ـ علينا نحن المسلمين خاصة ـ بمعنى أن على كل من يعتـنق الإسلام دينا أن يعود بنظره مصحوبا بعقله وفكره إلى هذا القرآن الذي لا شك إن لم يكن في حفظه فهو في بيته واضح الآيات فصيح الكلمات بين العبارات كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
إن أضعف الإيمان لكل مؤمن وأرق إسلاما لكل مسلم عليه أن يدرك ببساطة أن زمنه في هذه الدنيا محدودا وأنه عند ما تبلغ روحه الحلقوم ويأتي لله فردا لينظر ما قدمت يداه وما قالت شـفتاه وما مدت إليه يداه وما تحركت إليه رجلاه فسيقول عندئذ ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت والجواب من الله عندئذ معروف لكل مسلم: كلا.
إن هذا القرآن الموجود بين أيدينا والذي ينطق علينا بالحق ويستـنـسخ ما كنا نعمل عندما نتأمل في ثنايا آياته فسوف نجده شاملا لجميع حياة البشر ولا يفرق بين آيات الجهاد وآيات قيام الليل وآيات إقام الصلاة وآيات إعمار الأرض لتسخيرها لحياة البشر وآيات الإحسان على ذوي القربى والجيران وآيات الرعاية المطلقة للإخوة الإسلامية وآيات الإنفاق على كل محتاج وبكلمة واحدة واسعة المعنى فإن آيات القرآن توضح أن الإسلام هو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن وأمة وحكومة وهو خلق وقوة وهو رحمة وعدالة وهو ثـقافة وعلم وقضاء عادل وهو مادة وثروة وكسب وهو جهاد ودعوة وفكر وجيش وحزم وعزم كما هو عقيدة وعبادة صحيحة كل هذا وغيره من ما هو واضح ومفصل في آيات الله البينات وسنة رسوله الصحيحة هو الذي يطلق عليه الإسلام والجماعة التي تتعاون على تحقيق هذا كله هي التي يطلق عليها الجماعة الإسلامية أو الجماعة المؤمنة المسلمة وغيرها يكون على غرار قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).
فقد جرت سنة الله في الأولين والآخرين أنه كل ما نزل كتاب من عند الله لهداية البشر يهدي الله بعض البشرية للقيام بحقوقه وتنفيذ أوامره إلا أنه عندما تبتعد تعليماته عن زمن نزوله يستولي الشيطان على بعض معتـنـقيه إما أن يصدهم عن تلك التعليمات تماما أو يـبدأ بتحريفها في قلوب أتباعها فعندئذ يقوم المولى عز وجل بتجديد تلك التعليمات بإرسال رسل لذلك الغرض كما قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الـرسل) إلا أنه بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الخاتم انتهى تجديد تلك التعليمات بإرسال الرسل ولكن بقي تجديد تلك التعليمات مسؤولية رجال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليسو بأنبياء ولا معصومين ولكنهم رجال أنار الله أفكارهم لمعرفة ما جاء في العقيدة الإسلامية وأودع فيهم من الاستقامة والإتباع والفهم والتضحية في سبيل تحقيق مضمون ما جاء في هذه المعجزة الكبرى ما تعجز الكلمات عنه فتعلموا الإسلام كما جاء في القرآن من ألفه إلى يائه تستوي عندهم الأوامر في الجهاد وأوامر العدل بين الناس في قوله (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) لتحقيق العدل وأوامر كتابة الدين في قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) إلى آخر كل أوامر الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسواء كان الأمر لإصلاح الدنيا أو إصلاح الآخرة.
ويطلق الإسلام على هؤلاء المجددين لقب المجددين أو المصلحين أو المجاهدين أو هذا كله وتارة تبدأ فكرة التجديد أو الجهاد أو الإصلاح من رجل واحد وتارة تبدأ بجهد جماعة اتفقت على إصلاح نفسها وإصلاح غيرها طبقا للشريعة الإسلامية تنفيذا وتصديقا لقوله تعالى على لسان نبيه: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ومن المعلوم أن معتـنقي الدين الإسلامي منذ القرن الثالث عشر الهجري والثامن عشر الميلادي قد ابتعدوا عن منهجه كثيرا إما بتحريفه أو تقليصه أو إدخال فيه ما ليس منه أو بإبداله بمناهج أهل الدنيا إلى غير ذلك من التحريفات الممنهجة لتغيير هذا الدين الخاتم وإزالته من أمام البشرية وتركها لشياطين (الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا).
فأول تحريف للعقيدة وإدخال في الإسلام ما ليس منه قامت به في القرون الأولي الفرق الإسلامية مثل: الخوارج والمعتزلة والشيعة على مختلف أنواع هؤلاء الفرق وقد قيض الله لها في زمنها مجددون ومصلحون قارعوها بالحجة البالغة حتى أزاحوا أفكارهم وأظهروا فيها العقيدة الإسلامية الصافية.
ثم جاءت بعد ذلك الصوفية فكانت أولا سنية إلا أن بعض شيوخها أفردوا العبادة والزهد في الدنيا والانشغال بعبادة الله عن باقي أوامر الله الأخرى من الجهاد وإعمار الأرض ونصرة المسلمين أينما كانوا ولكنهم كانوا في منتهى الورع والصدق في العبادة وإتباع السنة مثل: الحسن البصري والجنيد وغيرهم من الصوفيين السنيين ثم خلف من بعدهم خلف أزلهم الشيطان عن العقيدة الصحيحة وذلك بالغلو في تقديس أشياخهم حتى أصابوا العقيدة الإسلامية في الصميم وهو إعطاء خصوصية الله في النفع والضر وعلم الغيب لغير الله وتوارثوا ذلك الانحراف أصاغرا عن أكابر.
فعندما نسمع المولى عز وجل يقول: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينـبـئك مثل خبير).
ويقول الله لنبيه أن يقول (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).
ومع هذه النصوص الواضحة فإن الموريتانيين يعرفون مدى اعتقاد الصوفيين الصغار في الصوفيين الكبار في هذا الشأن ولا أطيل بتفصيله، ولكن أقول إنه عندما قال المولى عز وجل لعباده (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) لم تبق دعوة لغيره تسمع ولا حجة تنفع.
وإلى جانب تلك الصوفية على هذا الشكل خرج إلى الوجود ولا سيما في القرون الماضية الدعوات المادية من اشتراكية وقومية وعرقية وليبرالية بل وشيوعية لا ترفع وجهها إلى السماء فاغتـنمت الشياطين فرصتها في بني آدم فأجلبت على كل هذه الطوائف بخيلها ورجلها وشاركتها في الأموال والأولاد وأوغلت في قلوبهما بالوعود الكاذبة فطغت الصوفية بالغلو في تقديس أشياخها حتى جعلوهم يأمنون مكر الله وأوغلت الماديات في عباده الدنيا حتى ولت ظهورها عن جميع تعاليم الإسلام ولم ينج من هاتين المصيبتين إلا من احتمى بالفكر الإسلامي والتوجه الإسلامي في النصوص القرآنية والسنة المحفوظة ولله الحمد فلجأ إليها كل من اصطفاه الله وألهمه التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.
فقدر الله في أزله أن يكون من بين المحتمين والـلاجئين إلى ركن الله وكنف آياته البينات رجل مجدد مصلح مجاهد مصري يسمى حسن البنا فألهمه الله إلى النظر في آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المطهرة واستخرج منها أصوله العشرين التي لخص فيها للتقريب والتوجيه فحوى ما يطلبه الدين الإسلامي في سلوك المسلم ابتداء من العقيدة الصحيحة التي تعطي ما لله لله ثم بعد ذلك العبادة على ضوء ذلك من أداء الفرائض من صلاة وصوم وزكاة على أكمل وجه ثم أنواع التطوع في كل هذه الفرائض طبقا للنصوص الواردة في ذلك ثم الجهاد بشروطه الإسلامية والاستبسال في ذلك الجهاد ثم نشر الإخوة الإسلامية بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالاهتمام بشؤونهم أينما كانوا ثم الانشغال بإعمار الأرض بجميع أنواع الإعمار والاستعداد لذلك بالعلم والمعرفة وتتبع آيات الله في هذا الكون المسخر لهذه البشرية للانتفاع منه مدة الدنيا ثم محبة ومسالمة جميع البشر المسالم للمسلمين على اختلاف أنواعه ومعاملة كل أحد حسب فكره واعتقاده إذا لم يتصادم مع النصوص الشرعية الواضحة وذلك بقبول الرأي والرأي الآخر غير المؤدي إلى كفر بواح.
وتحث هذه الأصول على اكتساب العلم والتعمق في الثقافة والفنون وغير ذلك من أدوات الانخراط في حياة البشر لتوجهيها والتعامل معها بالتي هي أحسن كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في العلم في قوله تعالى: (وقل رب زدني علما).
هذه الأصول العشرين الملخص فيها ما يطلبه الإسلام في الآيات القرآنية والسنة الصحيحة نظرا لإخلاص صاحبها للإسلام كان من فضل الله أن قيض لها رجالا فهموا الإسلام حق فهمه ونذروا أنفسهم لإبلاغ هذا الفهم لجميع المسلمين فكانوا بحق ينطبق عليهم رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
وأراني غنيا عن ذكر بعض أسماء أولئك الرجال العلماء الذين قــتلوا وعذبوا في سبيل هذه الدعوة السنية الشاملة، وغنيا كذلك عن ذكر ذلك بالتواريخ ولكن سنة 1966م لو سألها شخص لأخبرته بالعجاب من أنواع التعذيب بجميع أنواعه الذي وقع على الرجال العظماء والنساء المجاهدات ولأخبرته كذلك بأنواع التضحية والصبر على الدعوة حتى الموت في سبيلها من الجميع فنرجو من الله أن يتقبل أولئك المضحين كشهداء عنده وأن يغفر لكل من قام بذلك التعذيب أو أمر به إذا كان توفى لا يشرك بالله شيئا.
وبعد معرفة هؤلاء الرجال لتلك النصوص لم يتوجهوا إلى مستخرجها من نصوصها الأصلية ليقدسوه ويرفعوه عن كونه رجل وفقه الله لفهم الإسلام والدعوة لهذا الهدى المبين، بل توجهوا إلى هذه النصوص وهي القرآن والسنة وفسروها وشربوا من معينها شربة لا يظمأ معه صاحبها في الدنيا أبدا وأرجوا ألا يظمأ في الآخرة ولبسوا من ذلك الشرب درعا واقيا من ضعف الإيمان وتحملوا تحت ذلك الدرع جميع أنواع التعذيب التي يتلقاها دائما المصلحون على يد المفسدين فلم يهنوا ولم يحزنوا حتى أصبحوا الآن ولله الحمد هم الأعلون لأنهم كانوا مؤمنين.
هؤلاء الرجال سموا أنفسهم بالإخوان المسلمين وليست هذه تسمية حزبية بل هي تسمية دعوية عامة لجميع المسلمين يعودون بسببها ورعايتها إلى ما يرضى الله ورسوله بإذن الله.
أما التحزب الخاص وتسمية الأحزاب فذلك يخضع إلى قوانين أهل الدنيا من اشتراط اسما للحزب وأهدافه والتزام أهله بالقوانين المنظمة للأحزاب إلى آخره.
أما دعوة الإخوان المسلمين أو دعوة المسلمين إلى فهم الإسلام كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكما بينه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته فهي دعوة عامة عالمية لكل من ألقى السمع وهو شهيد فهي دعوة في المساجد إلى توحيد الله وإنشاء الخيريات للإنفاق على عباد الله وبعبارة واحدة التماس كل خير لإيصاله للمسلمين والابتعاد عن كل شر قد يضر بالمسلمين.
وهذا هو السبب الذي جعل كلمة الإصلاح هذه تهنئ العالم كله بنجاح أحد أبناء هذه الدعوة للوصول إلى التمكين في الأرض في أعظم دولة عربية مسلمة لينفذ فيها ما أمره الله في قوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
فنجاح هذا الرئيس بالانتخاب العام ونجاح غيره قبله من نفس الدعوة أوضح بجلاء أن قلوب المسلمين ما زالت صالحة لقبول الإسلام وتلقيه كما أنزله الله وإنما الحائل الأعظم بين المسلمين وإسلامهم الصحيح هو وجود هؤلاء الرؤساء الماديون الذين يعبدون الكراسي لأجل الكراسي فوق أعناق المسلمين ولا يلتفتون إلى الشعوب الإسلامية هل أدوا حق الله فيها كما أمرهم الله بذلك وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك بإنزال تعاليم الإسلام كل الإسلام لتطبيقها على عباد الله فوق أرض الله ليهلك من هلك عن بينة ويحي ومن حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم.
فهنيئا للدكتور محمد مرسي بإعانة الله له إلى الوصول إلى مكان المصلحين المجددين المجاهدين.
وهنيئا للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على نجاح هذا الرئيس المسلم المجدد بإذن الله ونـنـبه هذا الرئيس على ما ختم به خطابه التنصبي في جامعة القاهرة وهو قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينـئكم بما كنتم تعملون).
وأنا هنا أهنئ أرجاء الدنيا بنجاح رجل مسلم لا لمجرد اعتـناقه للدين الإسلامي فجميع رؤساء الدول الإسلامية هم مسلمون ولكن حان للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعرفوا ما هو الإسلام ومن هم الرجال الذين يخاطبون برجال الإسلام.
فالإسلام لا يبحث عنه في الشعارات ولا في العادات ولا التقاليد ولا الهوية وإنما يبحث عنه في الالتزام الكامل بما جاء في هذه المعجزة الكبرى التي تركها المولى عز وجل محفوظة بين يدي البشرية جمعاء وأراد الله في أزله أن يستخلف هذه البشرية في الأرض زمنا قليلا تتفاوت عليه في زمن قليل كذلك ثم يرجعها إليه ليبلوهم أيهم أحسن عملا.
هذه المعجزة الكبرى تركها المولى عز وجل لتكون ميزانا عادلا صادقا مصحوبا بسجل كل إنسان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ليجد كل إنسان دقائق عمله بل دقائق كل حياته محصورة حاضرة ولا يظلم ربك أحدا.
إن هذه الشمولية لإحصاء حركة الإنسان ونوع عقائد الإنسان وتصرف الإنسان المدونة بوضوح على هذه الآيات المحكمات التي يتجاهلها أكثر الإنسان كما قال تعالى: (ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
هذه الآيات كان من فضل الله أن وكل بتعاليمها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
إن الدين الإسلامي المحصور في ضمنه حاليا جميع الديانات السابقة ها هو موجود دائما أمام أعيننا ومن بين أيدينا ومن خلفنا يتلى علينا آناء الليل وأطراف النهار كأنه في ساعة نزوله فلا يمكن أن يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يختزل ولا يدمج في غيره ولا يبدل ولا يعدل في نصوصه بل هو دائما آيات بـينات في صدور الذين أتوا العلم.
إن هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ما كثين فيه أبدا ـ علينا نحن المسلمين خاصة ـ بمعنى أن على كل من يعتـنق الإسلام دينا أن يعود بنظره مصحوبا بعقله وفكره إلى هذا القرآن الذي لا شك إن لم يكن في حفظه فهو في بيته واضح الآيات فصيح الكلمات بين العبارات كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
إن أضعف الإيمان لكل مؤمن وأرق إسلاما لكل مسلم عليه أن يدرك ببساطة أن زمنه في هذه الدنيا محدودا وأنه عند ما تبلغ روحه الحلقوم ويأتي لله فردا لينظر ما قدمت يداه وما قالت شـفتاه وما مدت إليه يداه وما تحركت إليه رجلاه فسيقول عندئذ ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت والجواب من الله عندئذ معروف لكل مسلم: كلا.
إن هذا القرآن الموجود بين أيدينا والذي ينطق علينا بالحق ويستـنـسخ ما كنا نعمل عندما نتأمل في ثنايا آياته فسوف نجده شاملا لجميع حياة البشر ولا يفرق بين آيات الجهاد وآيات قيام الليل وآيات إقام الصلاة وآيات إعمار الأرض لتسخيرها لحياة البشر وآيات الإحسان على ذوي القربى والجيران وآيات الرعاية المطلقة للإخوة الإسلامية وآيات الإنفاق على كل محتاج وبكلمة واحدة واسعة المعنى فإن آيات القرآن توضح أن الإسلام هو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن وأمة وحكومة وهو خلق وقوة وهو رحمة وعدالة وهو ثـقافة وعلم وقضاء عادل وهو مادة وثروة وكسب وهو جهاد ودعوة وفكر وجيش وحزم وعزم كما هو عقيدة وعبادة صحيحة كل هذا وغيره من ما هو واضح ومفصل في آيات الله البينات وسنة رسوله الصحيحة هو الذي يطلق عليه الإسلام والجماعة التي تتعاون على تحقيق هذا كله هي التي يطلق عليها الجماعة الإسلامية أو الجماعة المؤمنة المسلمة وغيرها يكون على غرار قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).
فقد جرت سنة الله في الأولين والآخرين أنه كل ما نزل كتاب من عند الله لهداية البشر يهدي الله بعض البشرية للقيام بحقوقه وتنفيذ أوامره إلا أنه عندما تبتعد تعليماته عن زمن نزوله يستولي الشيطان على بعض معتـنـقيه إما أن يصدهم عن تلك التعليمات تماما أو يـبدأ بتحريفها في قلوب أتباعها فعندئذ يقوم المولى عز وجل بتجديد تلك التعليمات بإرسال رسل لذلك الغرض كما قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الـرسل) إلا أنه بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الخاتم انتهى تجديد تلك التعليمات بإرسال الرسل ولكن بقي تجديد تلك التعليمات مسؤولية رجال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليسو بأنبياء ولا معصومين ولكنهم رجال أنار الله أفكارهم لمعرفة ما جاء في العقيدة الإسلامية وأودع فيهم من الاستقامة والإتباع والفهم والتضحية في سبيل تحقيق مضمون ما جاء في هذه المعجزة الكبرى ما تعجز الكلمات عنه فتعلموا الإسلام كما جاء في القرآن من ألفه إلى يائه تستوي عندهم الأوامر في الجهاد وأوامر العدل بين الناس في قوله (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) لتحقيق العدل وأوامر كتابة الدين في قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) إلى آخر كل أوامر الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسواء كان الأمر لإصلاح الدنيا أو إصلاح الآخرة.
ويطلق الإسلام على هؤلاء المجددين لقب المجددين أو المصلحين أو المجاهدين أو هذا كله وتارة تبدأ فكرة التجديد أو الجهاد أو الإصلاح من رجل واحد وتارة تبدأ بجهد جماعة اتفقت على إصلاح نفسها وإصلاح غيرها طبقا للشريعة الإسلامية تنفيذا وتصديقا لقوله تعالى على لسان نبيه: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ومن المعلوم أن معتـنقي الدين الإسلامي منذ القرن الثالث عشر الهجري والثامن عشر الميلادي قد ابتعدوا عن منهجه كثيرا إما بتحريفه أو تقليصه أو إدخال فيه ما ليس منه أو بإبداله بمناهج أهل الدنيا إلى غير ذلك من التحريفات الممنهجة لتغيير هذا الدين الخاتم وإزالته من أمام البشرية وتركها لشياطين (الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا).
فأول تحريف للعقيدة وإدخال في الإسلام ما ليس منه قامت به في القرون الأولي الفرق الإسلامية مثل: الخوارج والمعتزلة والشيعة على مختلف أنواع هؤلاء الفرق وقد قيض الله لها في زمنها مجددون ومصلحون قارعوها بالحجة البالغة حتى أزاحوا أفكارهم وأظهروا فيها العقيدة الإسلامية الصافية.
ثم جاءت بعد ذلك الصوفية فكانت أولا سنية إلا أن بعض شيوخها أفردوا العبادة والزهد في الدنيا والانشغال بعبادة الله عن باقي أوامر الله الأخرى من الجهاد وإعمار الأرض ونصرة المسلمين أينما كانوا ولكنهم كانوا في منتهى الورع والصدق في العبادة وإتباع السنة مثل: الحسن البصري والجنيد وغيرهم من الصوفيين السنيين ثم خلف من بعدهم خلف أزلهم الشيطان عن العقيدة الصحيحة وذلك بالغلو في تقديس أشياخهم حتى أصابوا العقيدة الإسلامية في الصميم وهو إعطاء خصوصية الله في النفع والضر وعلم الغيب لغير الله وتوارثوا ذلك الانحراف أصاغرا عن أكابر.
فعندما نسمع المولى عز وجل يقول: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينـبـئك مثل خبير).
ويقول الله لنبيه أن يقول (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).
ومع هذه النصوص الواضحة فإن الموريتانيين يعرفون مدى اعتقاد الصوفيين الصغار في الصوفيين الكبار في هذا الشأن ولا أطيل بتفصيله، ولكن أقول إنه عندما قال المولى عز وجل لعباده (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) لم تبق دعوة لغيره تسمع ولا حجة تنفع.
وإلى جانب تلك الصوفية على هذا الشكل خرج إلى الوجود ولا سيما في القرون الماضية الدعوات المادية من اشتراكية وقومية وعرقية وليبرالية بل وشيوعية لا ترفع وجهها إلى السماء فاغتـنمت الشياطين فرصتها في بني آدم فأجلبت على كل هذه الطوائف بخيلها ورجلها وشاركتها في الأموال والأولاد وأوغلت في قلوبهما بالوعود الكاذبة فطغت الصوفية بالغلو في تقديس أشياخها حتى جعلوهم يأمنون مكر الله وأوغلت الماديات في عباده الدنيا حتى ولت ظهورها عن جميع تعاليم الإسلام ولم ينج من هاتين المصيبتين إلا من احتمى بالفكر الإسلامي والتوجه الإسلامي في النصوص القرآنية والسنة المحفوظة ولله الحمد فلجأ إليها كل من اصطفاه الله وألهمه التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.
فقدر الله في أزله أن يكون من بين المحتمين والـلاجئين إلى ركن الله وكنف آياته البينات رجل مجدد مصلح مجاهد مصري يسمى حسن البنا فألهمه الله إلى النظر في آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المطهرة واستخرج منها أصوله العشرين التي لخص فيها للتقريب والتوجيه فحوى ما يطلبه الدين الإسلامي في سلوك المسلم ابتداء من العقيدة الصحيحة التي تعطي ما لله لله ثم بعد ذلك العبادة على ضوء ذلك من أداء الفرائض من صلاة وصوم وزكاة على أكمل وجه ثم أنواع التطوع في كل هذه الفرائض طبقا للنصوص الواردة في ذلك ثم الجهاد بشروطه الإسلامية والاستبسال في ذلك الجهاد ثم نشر الإخوة الإسلامية بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالاهتمام بشؤونهم أينما كانوا ثم الانشغال بإعمار الأرض بجميع أنواع الإعمار والاستعداد لذلك بالعلم والمعرفة وتتبع آيات الله في هذا الكون المسخر لهذه البشرية للانتفاع منه مدة الدنيا ثم محبة ومسالمة جميع البشر المسالم للمسلمين على اختلاف أنواعه ومعاملة كل أحد حسب فكره واعتقاده إذا لم يتصادم مع النصوص الشرعية الواضحة وذلك بقبول الرأي والرأي الآخر غير المؤدي إلى كفر بواح.
وتحث هذه الأصول على اكتساب العلم والتعمق في الثقافة والفنون وغير ذلك من أدوات الانخراط في حياة البشر لتوجهيها والتعامل معها بالتي هي أحسن كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في العلم في قوله تعالى: (وقل رب زدني علما).
هذه الأصول العشرين الملخص فيها ما يطلبه الإسلام في الآيات القرآنية والسنة الصحيحة نظرا لإخلاص صاحبها للإسلام كان من فضل الله أن قيض لها رجالا فهموا الإسلام حق فهمه ونذروا أنفسهم لإبلاغ هذا الفهم لجميع المسلمين فكانوا بحق ينطبق عليهم رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
وأراني غنيا عن ذكر بعض أسماء أولئك الرجال العلماء الذين قــتلوا وعذبوا في سبيل هذه الدعوة السنية الشاملة، وغنيا كذلك عن ذكر ذلك بالتواريخ ولكن سنة 1966م لو سألها شخص لأخبرته بالعجاب من أنواع التعذيب بجميع أنواعه الذي وقع على الرجال العظماء والنساء المجاهدات ولأخبرته كذلك بأنواع التضحية والصبر على الدعوة حتى الموت في سبيلها من الجميع فنرجو من الله أن يتقبل أولئك المضحين كشهداء عنده وأن يغفر لكل من قام بذلك التعذيب أو أمر به إذا كان توفى لا يشرك بالله شيئا.
وبعد معرفة هؤلاء الرجال لتلك النصوص لم يتوجهوا إلى مستخرجها من نصوصها الأصلية ليقدسوه ويرفعوه عن كونه رجل وفقه الله لفهم الإسلام والدعوة لهذا الهدى المبين، بل توجهوا إلى هذه النصوص وهي القرآن والسنة وفسروها وشربوا من معينها شربة لا يظمأ معه صاحبها في الدنيا أبدا وأرجوا ألا يظمأ في الآخرة ولبسوا من ذلك الشرب درعا واقيا من ضعف الإيمان وتحملوا تحت ذلك الدرع جميع أنواع التعذيب التي يتلقاها دائما المصلحون على يد المفسدين فلم يهنوا ولم يحزنوا حتى أصبحوا الآن ولله الحمد هم الأعلون لأنهم كانوا مؤمنين.
هؤلاء الرجال سموا أنفسهم بالإخوان المسلمين وليست هذه تسمية حزبية بل هي تسمية دعوية عامة لجميع المسلمين يعودون بسببها ورعايتها إلى ما يرضى الله ورسوله بإذن الله.
أما التحزب الخاص وتسمية الأحزاب فذلك يخضع إلى قوانين أهل الدنيا من اشتراط اسما للحزب وأهدافه والتزام أهله بالقوانين المنظمة للأحزاب إلى آخره.
أما دعوة الإخوان المسلمين أو دعوة المسلمين إلى فهم الإسلام كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكما بينه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته فهي دعوة عامة عالمية لكل من ألقى السمع وهو شهيد فهي دعوة في المساجد إلى توحيد الله وإنشاء الخيريات للإنفاق على عباد الله وبعبارة واحدة التماس كل خير لإيصاله للمسلمين والابتعاد عن كل شر قد يضر بالمسلمين.
وهذا هو السبب الذي جعل كلمة الإصلاح هذه تهنئ العالم كله بنجاح أحد أبناء هذه الدعوة للوصول إلى التمكين في الأرض في أعظم دولة عربية مسلمة لينفذ فيها ما أمره الله في قوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
فنجاح هذا الرئيس بالانتخاب العام ونجاح غيره قبله من نفس الدعوة أوضح بجلاء أن قلوب المسلمين ما زالت صالحة لقبول الإسلام وتلقيه كما أنزله الله وإنما الحائل الأعظم بين المسلمين وإسلامهم الصحيح هو وجود هؤلاء الرؤساء الماديون الذين يعبدون الكراسي لأجل الكراسي فوق أعناق المسلمين ولا يلتفتون إلى الشعوب الإسلامية هل أدوا حق الله فيها كما أمرهم الله بذلك وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك بإنزال تعاليم الإسلام كل الإسلام لتطبيقها على عباد الله فوق أرض الله ليهلك من هلك عن بينة ويحي ومن حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم.
فهنيئا للدكتور محمد مرسي بإعانة الله له إلى الوصول إلى مكان المصلحين المجددين المجاهدين.
وهنيئا للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على نجاح هذا الرئيس المسلم المجدد بإذن الله ونـنـبه هذا الرئيس على ما ختم به خطابه التنصبي في جامعة القاهرة وهو قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينـئكم بما كنتم تعملون).







