تاريخ الإضافة : 28.06.2012 11:37

مجلس الوزراء خارج القصر: الضفة الأخرى

سيدي ولد أمجاد

سيدي ولد أمجاد

الاجتماع الأسبوعي للحكومة في أي بلد حدث هام يترقبه الكثيرون، وتنجر عنه عادة قرارات مصيرية أو ذات علاقة مباشرة بهموم الناس وقضايا التنمية بشكل عام.
لفت انتباهي هذا الموضوع أكثر صباح اليوم الأربعاء وأنا أتابع خبر انعقاد مجلس الوزراء في دولة مجاورة هي السنغال خارج العاصمة دكار للمرة الثالثة منذ تولي
الرئيس الجديد ماكي صال زمام الأمور بعد فوز تاريخي على غريمه عبد الله واد في عرس ديمقراطي حضاري في هذا البلد الكبير بغرب إفريقيا.

يبدو كل رئيس جديد منتخب بطريقة ديمقراطية مغرما ليس بتغيير أثاث القصر الرئاسي الذي حل ضيفا عليه ، وإنما بتجريب تطبيق برنامجه الانتخابي قريبا من
المواطنين في أماكنهم الأصلية بحزمة أفكار جديدة ، تكرس نوعا من اللامركزية في الاجتماعات الأسبوعية للحكومة، التي جرت العادة أن تكون دائما في العاصمة وفي قصر الرئاسة بالذات.


ماكي صال بعيدا هذه المرة خارج المكان المهيب ،فقد قرر أن ينعقد مجلس الوزراء السنغالي اليوم في إقليم كازاماس المتوتر ،والمعروف بوجود حركة انفصالية مسلحة فيه تطالب باستقلاله وفصله عن الوطن الأم،وهي رسالة واضحة من طرف الحكومة السنغالية الوليدة من أجل طمأنة الرأي العام المحلي ،وإظهار مزيد من إشارات الحزم والسلام معا ، بأن السنغال كل لا يتجزأ وأن الحكومة في كل مكان وقادرة على تنفيذ التزاماتها ومقارباتها من أجل التنمية المحلية والوحدة، حتى في أبعد الأماكن وأكثرها هواجس أمنية بالنسبة للمواطن العادي والزائر الأجنبي للسنغال، وهي إستراتيجية تهدف أيضا إلى تسويق الإرادة السياسية إلى الآخر في الخارج بغية تغيير الصورة النمطية السائدة ربما في أذهان البعض،وضمان تدفق الاستثمارات والحركة السياحية نحو البلاد.

يأتي قرار "الرحيل" هذا بالنسبة للحكومة السنغالية خارج العاصمة داكار،للمرة
الثالثة في عهد الرئيس الجديد ماكي بعد أن انعقد مجلس الوزراء السنغالي حتى
الآن في كل من مدينتي سيتلوي وكولخ في سنغال الأعماق، دون هالة كبيرة ولا
ضجيج يذكر أو تبذير وإسراف بلا حدود.

أقول هذا وأنا أتذكر في سياق ذي صلة على الضفة الأخرى للنهر، انعقاد أول
اجتماع لمجلس الوزراء الموريتاني قبل سنوات قليلة بالعاصمة الاقتصادية نواذيبو
في الشهور الأولى القليلة من حكم رئيس آخر منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

كانت تلك المبادرة جديدة من نوعها حينها رغم ما صاحبها من هرج ومرج،وما
تناقلته بعض وسائل الإعلام من الكلفة الباهظة لها، والنتائج الهزيلة التي أسفرت عنها، خصوصا وأنها كانت تهدف إلى خلق قطب اقتصادي وتنموي جديد في نواذيبو،اعتمادا على مقدراتها الهامة في مجالات الصيد والدور التنموي للشركة
الوطنية للصناعة والمعادن اسنيم ،وقطاعات أخرى واعدة كان بإمكانها ،أن تجعل من هذه المدينة المتميزة بمناخها المعتدل وموقعها الاستراتيجي كمعبر نحو أوروبا
والمغرب العربي لؤلؤة المحيط الأطلسي ،لكن تبخرت كل تلك المشاريع والأحلام
وذابت كقطعة ملح في البحر،ليكون ذلك الاجتماع اليتيم للحكومة الموريتانية آخر
لقاء لها خارج القصر في نواكشوط ،بل إن البعض ذهب آنذاك إلى أن كلام"الرئيس
المنتخب" في نواذيبو حول مشكلة الجفاف والأوضاع المعيشية للمواطنين،إنما كان
كلام مودع ليس للعاصمة الاقتصادية نواذيبو فقط ،وإنما للقصر الرئاسي في نواكشوط أيضا.


ليست فكرة "ارحل" خارج القصر فيما يخص الاجتماع الأسبوعي للحكومة الموريتانية،حركة استعراضية أو غير ذات مرودية كما قد يتصور البعض،بل إنني
أجدها في بلد كبير ومترامي الأطراف متنوع الأطياف كموريتانيا،عملا حيويا وهاما إذا ما تم بشكل مدروس ومنسق وفق آلية ومنهجية تراعي أولوية الملفات الكبرى المرتبطة بحياة الناس في كل مكان.

ذلك أن هذه المركزية الشديدة في الإدارة الحكومية بنواكشوط ،تكاد تقتل كل فرص
التنمية والحراك المشهود في مختلف ولايات الوطن،التي أصبحت في أغلبها الأعم
مناطق معزولة تعج بالبطالة والفراغ،بعد أن هاجرت معظم الطاقات الحية نحو
نواكشوط بحثا عن مستقبل أفضل،ناهيك عن الأرياف والقرى النائية في موريتانيا
الأعماق.

تتكون موريتانيا من اثنتي عشرة ولاية إضافة إلى العاصمة نواكشوط،وفي تصوري أن انعقاد مجلس الوزراء شهريا خارج نواكشوط ،في عاصمة كل واحدة من هذه الولايات،قد يكون بداية حقيقية " لتقريب الحكومة من المواطن" بدل الإدارة من المواطن،لأن الحكومة عندما تقترب أكثر من المواطن في عقر داره،لابد أن تكون
الإدارة أقرب إليه من حبل الوريد،وإذا نجحت الحكومة"حكومة الفقراء" في عقد اجتماعاتها كل شهر فقط بإحدى الولايات الداخلية،فإنه لن يحول عليها الحول ،إلا
وقد أدت زكاة القرب الحقيقي من المواطنين دون استثناء،وبطريقة إيجابية تختلف
عن السابق،لاشك أنها ستضخ دماء أخرى في شرايين الداخل،وقد تؤدي إلى هجرة
معاكسة من نواكشوط تخفف عليها أعباء البطالة وظاهرة السكن العشوائي وازدحام
المرور،على أن تكون لكل جلسة حكومية في أية ولاية طابعها الخاص الذي يمنح
الأولوية للقضايا العالقة فيها.

فمثلا إذا كان الاجتماع الأول في النعمة-ولاشك أن معالي الوزير الأول مشتاق إليها بعد طول غياب-فيمكن البحث في إطلاق مشروع مصنع الألبان ومطار النعمة الدولي،وتحديات الأمن على الحدود مع مالي المنذرة بكل المخاطر،أما إذا أرادت الحكومة أن تبدأ بالأقرب إلى نواكشوط ،فيمكن أن تعقد اجتماعها الأسبوعي في روصو التي كانت تنتظر هذا الشهر مقدم السيد الرئيس.

لكن لا بأس إذا تأخر قليلا وعاد إليها بكل أعضاء الحكومة ،حتى يتم نقاش كل المشاريع الممكنة فيها عن قرب،لم لا وهي ليست أقل شأنا عند أهلها من كازاماس ولا كولخ ولا سيتلوي على الضفة الأخرى وراء النهر.

الجاليات

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025