تاريخ الإضافة : 14.06.2012 10:25

الأرض السائبة

عبد الله ولد محمد الحسن

عبد الله ولد محمد الحسن

يمد ظلام دامس يده العابثة ليسدل الستار على ماضي مشرق، وأخذ الزمان يوخزنا بأظفاره الطوال الوحشية تماما مثل أظفار وأنياب الوحوش الغادرة في غابات الأرض السائبة، عصابات اللصوص تصول وتجول اختطاف واغتصاب وعمليات سطو وسرقة، بالأمس القريب اختطفت فتاتين إحداهما بمقاطعة عرفات و"كانت تتمشى مع خطيبها" واختطفت الأخرى من مقاطعة الرياض حيث خرجت في ضحى النهار لتشتري بعض حاجياتها اليومية من أحد الأسواق المجاورة، وهنا لن أطيل في التفاصيل لأن الخبر موجود وهو غيض من فيض، إضافة أني أقع في حيرة من أمري بين باقة حب تفوح شظاياه وعبير روائحه من ق القلب، وبين واقع مؤلم لحد تفطر الأكباد، هو حب هذه الأرض بفقرائها الصابرين ب"كزراتها " ومباني أحيائها العشوائية، بشعبها الذي كان بالأمس القريب شعبا سخيا أبيا رخاءا سخاءا، وبين أمة أصبحت بلا أمن ولا أخلاق أمة مجهولة الهوية تضيع حقيقتها بين تطبيق مسلسلات مختلفة الأغراب والمصادر، وبين التخلي عن مجد ورثناه أبا عن أب.

إنها الأرض السائبة حيث قانون الغابة هو السائد، والبقاء للأقوى والأصح، هذا وهو واقع حبيبتي، هنا حيث يعبث القدر اليوم، ولدت القيم والأخلاق،هنا شنقيط أرض المنارة والرباط، أرض القيم الإسلامية السامية، أرض رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقد قضوا نحبهم، هنا حيث ولدت وترعرعت هنا حيث
ابن المحظرة الموريتانية، ابن اللوح والدواة والقلم، أبن الصحراء والفيافي طلبا للعلم الشرعي، هنا حيث تلامذة : ابن ميابه و ابن بونا، ولمرابط الحاج ، ومحمد سالم ولد عدود وبداه بن البصيري، هنا حيث بنات هؤلاء الرجال وأخوات هؤلاء التلاميذ، هنا حيث كان العفاف في أبهى صوره وأنتم مشاهده هنا حيث كان الطهر لحد النقاء.

يولد هذا الواقع المرير ليزيف الحقائق ويقلب الحياة السعيدة إلى بؤس وشقاء وأعرف أن المؤمن الموحد سيجيب تلقائيا بأن السبب الوحيد هو ابتعادنا عن منهج الله، ورغم أني شخصيا لا أنكر أني لا زلت أكن احتراما وتقديرا لرجال من المفترض أنهم يسهرون على الأمن ويرعون مصالح الناس ولا أخص أي
قطاع من هذه القطاعات، الدوريات الليلة ليست على المستوى إن وجدت أصلا، ولا عقوبات معلنة لردع مثل هذه العصابات وهؤلاء المجرمين، ولم نسمع عن مخابرات تستهدف مثل هذه العصابات، في بلد أصبحت الجرائم فيه تنتشر انتشار النار في الهشيم، وكل دواعيها قائمة الجهل والفقر والمرض والبطالة... هذا حيث الأمن في أوج غفلته، والعمليات الإجرامية بشتى أنواعها في أوج انتعاشها، والمواطن الضعيف هو الضحية في طريق مسدود، بين سندان الواقع و مطرقة غياب الأمن.

ويشتد ظلام ذلك الليل الحالك والقادم من مسلسلات: ماريتشوا وثمن عمري ووادي الذئاب واصطدام حضارات أدى إلى تعطل الكثير من السنن الفاضلة والقيم النبيلة والتاريخ المتألق في الحريات العامة وحقوق الإنسان.

ساستنا من القمة إلى القاعدة في صراع من أجل المصالح الشخصية الضيقة، ومجتمعنا ككأس الزجاج سقط على حجر من مسافة بعيدة، مجتمع متشرذم ومتشتت ومنقسم على ذاته، بعضه يحتقر بعضا وقد كتبت في هذا المجال أكثر من مرة ويبدو أن هذا طبع و"الأصل أملك"، لكن ما بالكم بوطن يخاف فيه الإنسان منالطبيب كما يخاف من اللصوص، وعصابات الجريمة المنظمة التي لا يكاد يمر يوم دون أن تحصد عشرات الضحايا، تماما مثل مجازرنا الوطنية أعني ما يسمونه بالمستشفيات في الأرض السائبة، عصابات لا يكاد يخلو منها طريق ولا زقاق... فضلا عن الجهل الذي أصبح ينتشر، فهل نبقى فعلا نعيش في الأرض السائبة تحت رحمة قانون الغابة.

على العموم يبقى علي أن أعترف بشيء هو أني أحبك لحد العشق يا موريتانيا أحب فيك الوديان والرمال الزاحفة، أحبك فيك الفقراء ذلك الرقم الذي يزداد كل ثانية بأضعافه، أحب فيك الصحاري والعلم والأدب والأخلاق والقيم، حب فيك نسيم حرية نشمه ولا ننكر جمال رائحته، لكن في ظل هذا الضياع هل سأبقى
فعلا لاجئ حتى في الأرض السائبة..!؟


الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025