تاريخ الإضافة : 04.06.2012 18:10

شيء مفروغ منه

في مقابلته المثيرة التي أجرتها معه إذاعة " موريتانيد " قال الرئيس الموريتاني السابق أشياء كثيرة " مفروغ منها " وأكثر منها الأشياء التي لم " يفرغ منها " ، فحين يقول بأن تغيير النظام الحالي " شيء مفروغ منه " ، فهذا كلام "مفروغ منه " لأن منح الدستور للرئيس حق الترشح لمأموريتين " شيء مفروغ منه " ، لكن الرئيس الحالي لم "يفرغ " بعد من مأموريته الأولى التي منحها إياه الموريتانيون في انتخابات " فرغ " من نزاهتها ، وما اعتراف المعارضة به رئيسا شرعيا إلا دليل على أن الأمر " مفروغ منه " ، فتغيير النظام إذا شيء " مفروغ منه " بحكم الدستور ولكن بالطرق الديمقراطية التي يؤمن الرئيس السابق بها حتى وإن كان هذا الإيمان " غير مفروغ منه " ، لأن سيادته حين حضر لإجراء المقابلة لم يكن قد " فرغ " بعد من اجتماع ديموقبلي ، أقل ما يقال عنه أنه يعكس درجة من الإفلاس السياسي قل نظيرها في القرن الواحد والعشرين ، ولا يتلاءم مع صورة الرجل الذي نظر إليه الموريتانيون والعالم من ورائهم ذات يوم بأنه يختلف عن كل الرؤساء ، كونه أول رئيس في عالمنا العربي والإفريقي يصل السلطة بطريقة " غير شرعية " ويسلمها لمن اختاره الشعب بطريقة شرعية ، وذلك بالرغم من أن قصة البطاقة البيضاء تجعل هذا الكلام " شيئا غير مفروغ منه " . حين تساءل الرئيس السابق في مقابلته – مستنكرا – عمن يستطيع منعه من البقاء في السلطة إن كان يريدها ، فإنه يقول كلاما " مفروغا منه " لأن السلطة – وحتى الثروة – في أيام حكمه وفي أيام حكم رئيسه السابق كانت ملكا مشاعا ، ليس للشعب الغبي ( حسب عقيدتهما ) رأي في من يستحقها ، لكن سيادته هنا نسي شيئا آخر " مفروغ منه " ، وهو أن الموجة التي حملته صدفة إلى كرسي الرئاسة هي إحدى أمواج الغضب الشعبي الذي كان هو نفسه يقف بقبضته الأمنية كحاجز بينه وبين اقتلاع طاغوته من الجذور ، وحين أعرب عما يشبه الأسف على قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ، فإن خيبة أمل الموريتانيين في رئيسهم السابق أصبحت " شيئا مفروغ منه " ، ولعله لم يكن يدرك أن قرار قطع تلك العلاقة المشينة كان بالنسبة للموريتانيين أهم قرارات السيادة التي حاول الإيهام بأنه مهتم بها ، ولا يهمهم كيف جاء هذا القرار ، فالمهم بالنسبة لهم أنه نزل عليهم كالمطر ، وهم أصحاب المثل " السحاب إلى جات يسوَ من أمنين جَاتْ ".

وهناك أشياء حاول الرئيس السابق أن يجعلنا نعتقد أنه " مفروغ منها " - وهي ليست كذلك – فحين يقول بأنه لم يكن عدوا للإسلاميين ، فإن الأمر يذكرنا بوقائع " مفروغ منها " ، وهي أن أغلب قادة التيار الإسلامي في موريتانيا قد ذاقوا مرارة السجن والملاحقات البوليسية " عند أما " كان ولد الطايع يضع الرئيس السابق تحت إبطه الأيمن ، وليس حديث سيادته عن أنه من أطلق سراحهم سوى حديث من أبعد شهوده ليقول ما يشاء ، لكن الشهود عادوا بعد إبعادهم ، حتى الذين فروا ذات يوم إلى بلجيكا .

" شيء مفروغ منه " ذلك التناقض الصارخ في حديث سيادته عن الانقلابات ، فحين يتعلق الأمر
بالانقلاب الذي أتى به هو إلى السلطة فان المسألة تعتبر شرعية ، وإن كنا نتفهم ندمه على " المشاركة " فيه ، فالرجل كان جزء من ذلك النظام " الديمقراطي " الذي " شارك " في الانقلاب عليه وكان يؤمن بأن الأموات انتخبوه قبل الأحياء ، أما " عند أما " لم يكن مشاركا في التغيير فإن الأمر يعتبر تمردا .

شيء آخر " مفروغ منه " لم يتطرق إليه سيادة الرئيس في مقابلته وهو طيبوبة الشعب الموريتاني الذي كان مستعدا لنسيان ماضي الرجل في كتم أنفاسه حين كان للحيطان آذان أيام توليه إدارة الأمن ، وكان مستعدا كذلك أن يسمح له تكديس أرزاق فقرائه في حساباته الخاصة ، وذلك من أجل الحفاظ على الصورة الجميلة التي أبهرت العالم عن الديمقراطية الوليدة في موريتانيا ، قبل أن يكتشف الكل أن تلك الصورة مزيفة ، وأن الصورة الحقيقية للرجل هي التي نراها اليوم ، بعد أن حاول اختزال هموم البلد في صراع عائلي بين أبناء العمومة ، متناسيا أنه آخر من يحق له دعوة الموريتانيين للانقلاب على نظام اختاره أكثر من نصفهم لقناعتهم أنه – في أسوأ الاحتمالات – أفضل الموجود .

وآخر دعوانا أن " فرغ " اللهم رئيسنا السابق من استغبائنا ... آمين

محمد فال ولد القاضي

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025