تاريخ الإضافة : 23.05.2012 10:02
خيبة أمل
عندما تضيق مساحة الأمل عندك ، وتستسلم لرياح اليأس، وتجد نفسك تركض محاولا أن تسبق خطاك نحو استشراف مستقبل وطن كنت شاهدا على كثير من الطعنات التى وجهت إليه وتتعجب من قدرته على الصمود رغم أنه ينزف منذ ولادته ولازال ، ينزف من كبريائه ، من ثرواته ، من سمعته ، من تاريخه ، من جراح بنيه ، من دموع بناته ، عندما تكون تلك هي حالك تجد نفسك وبصورة لا إرادية تهرول خلف كل بصيص أمل يفوح في آخر نفق وطنك المظلم حتى ولو كنت على يقين أنه قد يكون بصيص أمل كاذب أشعله صاحبه فقط ليتأكد أن وطنك لازال على قيد الحياة .
كانت تلك تماما هي حقيقة شعورى ، وأنا أهرول إلى المنزل لأتابع برنامجا تلفزيونيا عن الشباب والسياسة ، فلم يسبق لى أن شعرت برغبة في مشاهدة حوار تلفزيوني عى شاشة التلفزة الوطنية ، قبل هذه المرة التى وجدتنى وبحماس أتسمر أمام شاشتها الصغيرة وأدعو الجميع حولى إلى الإنصات لأن نخبة شباب وطنى سيتكلمون ، بمعارضيهم ، بموالاتهم ، بمستقليهم ، أخيرا سأستمع لشاب معارض عبر تلفزيون رسمى ، يترجم معاناة الوطن إلى أفكار متسلسلة ، بأسلوب رصين ، وانتقاد بناء ، أخيرا سأستمع إلى شاب مؤيد ، يخاطب نخبة معارضة ، بآراء مقنعة ، وتحليل منطقي ، ودفاع عن نظام بطريقة تخاطب العقل الشاب وتحترمه ، أخيرا سأستمع لشاب مستقل ، يأخذ من كلام الطرفين ويرد ، دون حكم مسبق ، أو نية مبيتة ، أو تحامل فاضح ، أخيرا سأستمع لشباب نخبوي يدرك أن للحوار أسلوبا ، وللنقاش هدفا ، وللمشاهد حرمة ، وللوطن فى رقبته دينا .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وبدأ معه منسوب منحنى معنوياتى في الانخفاض و أنا أشاهد ذاك الاصطفاف الفاضح الذى يشير إلى حوار خصوم في اتجاه معاكس ، بدل أن يكون حوارا بين شباب اختلفوا في وجهات النظر ، وتباينوا في الافكار ، لكن دون أن ينسوا أن الرسالة الأنبل والهدف الأسمى يبقى في بناء الوطن يدا بيد وكتفا لكتف ، وليس بالاصطفاف وجها لوجه .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى ، وبدأت بعد مرور دقائق منه ، أستعيد بعض المصطلحات التى تلوكها ألسنتهم من متحدث إلى آخر ، وكأني سمعتها من قبل ، في نفس الجمل وبنفس التركيب ، وتعابير الوجوه ، لكن من أشخاص غادروا مرحلة الشاب منذ فترة ، لأجد نفسي أتساءل ترى هل عجز نخبة شباب وطنى عن استحداث مصطلحات خاصة بهم ، تكون أكثر دقة ونضجا وجرأة ، وحتى إن عجزوا عن ذالك أفلا يستطيع نخبة شباب وطنى وهم يحافظون على تلك المصطلحات أن يركبوها في جمل مفيدة ، أو على الأقل وهم يحافظون على تلك المصطلحات وبنفس التركيب ألا يستطيعون أن يعبروا عنها بتقاسيم وجوه بعيدة عن التوتر والانفعال والغضب .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وفي منتصفه أصبت بالغثيان وأنا أستمع لمن وصف نفسه بالصحفي المستقل ، يناقض نفسه ، وتخونه عباراته ، وتدينه كلماته ، لأتساءل بعدها ألا يستحق شباب وطنى الحبيب أن يحافظ هذا الصحفي على مثقال ذرة من احترام عقولهم ، ويتذكر أنه يخاطب نخبة يتطلب الخطاب الموجه إليها على الأقل أن يكون متناسقا ومؤ طرا ، بدأ حوار نخبة شباب وطنى وكنت أتابعه قبل أن ينقطع البث كالعادة وبدون سابق إنذار ، راهنت خلال مد انقطاعه على أن تلفزتنا المحترمة ارتكبت غلطة العمر ، وستجد الآن من يرد لمشاهديها اعتبارهم ، ويرغمها على الاعتذار ، وكم كانت الصدمة كبيرة وأنا أعود لمتابعة حوار النخبة الذى بدأ من حيت انتهى ، دون أن يقدم الصحفي ـ الشاب ـ اعتذارا لمشاهديه والكارثة أن أيا من شباب النخبة لم يلفت انتباهه إلى ذالك ، ألا يستحق ذاك المواطن البسيط الذى يجنى على ذوقه ـ بإصراره عل متابعة تلفزيون وطنه ـ اعتذارا إن لم يكن من تلفزيون تعود عل إهاناته ـ فعلى الاقل من نخبة شباب طالما راهن عليهم في بناء وطنه .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وليته لم يبدأ ففي الوقت الذى كنت أتعجل نهايته كنت أحاول أن أخفى حمرة الخجل التى اعتلت جبينى وأنا أشاهد شبابا يكيل كل منهم التهم لأخيه ، ويقاطعه ، ويرسم ابتسامة السخرية القاتلة تلك على محياه أثناء حديثه ، شباب يتعمد كل منهم استفزاز الاخر بانتقاده لحزبه لأنه على يقين أن ذاك الشاب النخبوي ـ معارضا كان أم موال ـ قد سخر نفسه للدفاع عن مواقف حزبه وتصوير باطله حقا ، شباب نسي أن وطنه على كف عفريت تحيط به المخاطر من كل جانب ، وهو بحاجة إلى شباب نخبوي حقا يسمح كل منهم للآخر بإبداء رأيه ، ويستمع إليه ، ويحفظ له حقه في الاختلاف ، شباب نخبوي يؤمن أن مصلحة الوطن حين تتعارض مع مصلحة الحزب أو القائد يكون لزاما أن يذهب الحزب وقائده إلى الجحيم ليبقى الوطن ، شباب نخبوي يدرك أن هجومك على من يختلف معك في الرأي لا يجعل منك مثقفا ، وأن شتيمتك لمن يحاورك أ ومقاطعته يضع مائة إشارة استفهام على نضج فكرك .
انتهى حوار نخبة شباب وطنى بالنسبة لى عند بدايته ، وتعمق شعوري بالإحباط بعد متابعته ، لأنى أدركت أن كل مشاكل وطنى المتمثلة في فساد الادارة ، وركاكة التعليم وسوء التسيير وانعدام مقومات الحياة كلها مشاكل تهون أمام المشكلة الكبرى التى هي ببساطة مشكلة نخبة ، فهناك قاسم مشترك وملاحظة وحيدة دائما ما يخرج بها المواطن البسيط بعد متابعة أي حوار بين من يعتبرون أنفسهم نخبة الوطن سواء كانوا برلمانيين أو إداريين أو للأسف شباب ، ذاك القاسم المشترك وتلك الملاحظة ما هي إلا خيبة أمل .
كانت تلك تماما هي حقيقة شعورى ، وأنا أهرول إلى المنزل لأتابع برنامجا تلفزيونيا عن الشباب والسياسة ، فلم يسبق لى أن شعرت برغبة في مشاهدة حوار تلفزيوني عى شاشة التلفزة الوطنية ، قبل هذه المرة التى وجدتنى وبحماس أتسمر أمام شاشتها الصغيرة وأدعو الجميع حولى إلى الإنصات لأن نخبة شباب وطنى سيتكلمون ، بمعارضيهم ، بموالاتهم ، بمستقليهم ، أخيرا سأستمع لشاب معارض عبر تلفزيون رسمى ، يترجم معاناة الوطن إلى أفكار متسلسلة ، بأسلوب رصين ، وانتقاد بناء ، أخيرا سأستمع إلى شاب مؤيد ، يخاطب نخبة معارضة ، بآراء مقنعة ، وتحليل منطقي ، ودفاع عن نظام بطريقة تخاطب العقل الشاب وتحترمه ، أخيرا سأستمع لشاب مستقل ، يأخذ من كلام الطرفين ويرد ، دون حكم مسبق ، أو نية مبيتة ، أو تحامل فاضح ، أخيرا سأستمع لشباب نخبوي يدرك أن للحوار أسلوبا ، وللنقاش هدفا ، وللمشاهد حرمة ، وللوطن فى رقبته دينا .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وبدأ معه منسوب منحنى معنوياتى في الانخفاض و أنا أشاهد ذاك الاصطفاف الفاضح الذى يشير إلى حوار خصوم في اتجاه معاكس ، بدل أن يكون حوارا بين شباب اختلفوا في وجهات النظر ، وتباينوا في الافكار ، لكن دون أن ينسوا أن الرسالة الأنبل والهدف الأسمى يبقى في بناء الوطن يدا بيد وكتفا لكتف ، وليس بالاصطفاف وجها لوجه .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى ، وبدأت بعد مرور دقائق منه ، أستعيد بعض المصطلحات التى تلوكها ألسنتهم من متحدث إلى آخر ، وكأني سمعتها من قبل ، في نفس الجمل وبنفس التركيب ، وتعابير الوجوه ، لكن من أشخاص غادروا مرحلة الشاب منذ فترة ، لأجد نفسي أتساءل ترى هل عجز نخبة شباب وطنى عن استحداث مصطلحات خاصة بهم ، تكون أكثر دقة ونضجا وجرأة ، وحتى إن عجزوا عن ذالك أفلا يستطيع نخبة شباب وطنى وهم يحافظون على تلك المصطلحات أن يركبوها في جمل مفيدة ، أو على الأقل وهم يحافظون على تلك المصطلحات وبنفس التركيب ألا يستطيعون أن يعبروا عنها بتقاسيم وجوه بعيدة عن التوتر والانفعال والغضب .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وفي منتصفه أصبت بالغثيان وأنا أستمع لمن وصف نفسه بالصحفي المستقل ، يناقض نفسه ، وتخونه عباراته ، وتدينه كلماته ، لأتساءل بعدها ألا يستحق شباب وطنى الحبيب أن يحافظ هذا الصحفي على مثقال ذرة من احترام عقولهم ، ويتذكر أنه يخاطب نخبة يتطلب الخطاب الموجه إليها على الأقل أن يكون متناسقا ومؤ طرا ، بدأ حوار نخبة شباب وطنى وكنت أتابعه قبل أن ينقطع البث كالعادة وبدون سابق إنذار ، راهنت خلال مد انقطاعه على أن تلفزتنا المحترمة ارتكبت غلطة العمر ، وستجد الآن من يرد لمشاهديها اعتبارهم ، ويرغمها على الاعتذار ، وكم كانت الصدمة كبيرة وأنا أعود لمتابعة حوار النخبة الذى بدأ من حيت انتهى ، دون أن يقدم الصحفي ـ الشاب ـ اعتذارا لمشاهديه والكارثة أن أيا من شباب النخبة لم يلفت انتباهه إلى ذالك ، ألا يستحق ذاك المواطن البسيط الذى يجنى على ذوقه ـ بإصراره عل متابعة تلفزيون وطنه ـ اعتذارا إن لم يكن من تلفزيون تعود عل إهاناته ـ فعلى الاقل من نخبة شباب طالما راهن عليهم في بناء وطنه .
بدأ حوار نخبة شباب وطنى وليته لم يبدأ ففي الوقت الذى كنت أتعجل نهايته كنت أحاول أن أخفى حمرة الخجل التى اعتلت جبينى وأنا أشاهد شبابا يكيل كل منهم التهم لأخيه ، ويقاطعه ، ويرسم ابتسامة السخرية القاتلة تلك على محياه أثناء حديثه ، شباب يتعمد كل منهم استفزاز الاخر بانتقاده لحزبه لأنه على يقين أن ذاك الشاب النخبوي ـ معارضا كان أم موال ـ قد سخر نفسه للدفاع عن مواقف حزبه وتصوير باطله حقا ، شباب نسي أن وطنه على كف عفريت تحيط به المخاطر من كل جانب ، وهو بحاجة إلى شباب نخبوي حقا يسمح كل منهم للآخر بإبداء رأيه ، ويستمع إليه ، ويحفظ له حقه في الاختلاف ، شباب نخبوي يؤمن أن مصلحة الوطن حين تتعارض مع مصلحة الحزب أو القائد يكون لزاما أن يذهب الحزب وقائده إلى الجحيم ليبقى الوطن ، شباب نخبوي يدرك أن هجومك على من يختلف معك في الرأي لا يجعل منك مثقفا ، وأن شتيمتك لمن يحاورك أ ومقاطعته يضع مائة إشارة استفهام على نضج فكرك .
انتهى حوار نخبة شباب وطنى بالنسبة لى عند بدايته ، وتعمق شعوري بالإحباط بعد متابعته ، لأنى أدركت أن كل مشاكل وطنى المتمثلة في فساد الادارة ، وركاكة التعليم وسوء التسيير وانعدام مقومات الحياة كلها مشاكل تهون أمام المشكلة الكبرى التى هي ببساطة مشكلة نخبة ، فهناك قاسم مشترك وملاحظة وحيدة دائما ما يخرج بها المواطن البسيط بعد متابعة أي حوار بين من يعتبرون أنفسهم نخبة الوطن سواء كانوا برلمانيين أو إداريين أو للأسف شباب ، ذاك القاسم المشترك وتلك الملاحظة ما هي إلا خيبة أمل .







