تاريخ الإضافة : 22.05.2012 15:22

لا يليق بنا أن نجرح أئمتنا

الأستاذ / الحسن ولد محمد

الأستاذ / الحسن ولد محمد

شهدت الساحة الوطنية في الأسبوع الماضي جدلا حادا حول لقاء رئيس الجمهورية لبعض الأئمة الذين ينتمون إلى شريحة الحراطين، وإذا كان في لقاء رئيس الجمهورية لشريحة بذاتها ما يقال، إلا أن هذا اللقاء يجب أن يكون من المنظور الوطني الجاد الذي يراعي كل الحساسيات في حراك ساخن إزاء وحدة وطنية مهددة في الصميم، لكن البعض من الصيادين في المياه العكرة لا يدركون إطلاقا ضرورة قيمة المساهمة في حلحلة التوترات العرقية القائمة خاصة بعد محرقة الرياض، بل إنهم مصرون على إذكائها.

وإذا افترضنا أن لقاء الرئيس كان لقاء لحظيا وليس منهجيا، فلا يخلو من تأثيرات بعينها في ظل الحديث عن تهميش مبرمج وممنهج لأئمة هذه الشريحة من مختلف المشاريع التي ترصدها وزارة التوجيه الإسلامي ويستفيد منها الأئمة كـ(مشروع آدوابه، وبعثات الأئمة في الداخل والخارج...)، والحديث عن احتكارات حصرية تتعلق بالمساجد والمحاظر وهي عبارة عن مخصصات يتم الحديث عن احتكارها من طرف حزب تواصل ومن يواليهم من المؤسسة الدينية، وكيف أن وزير التوجيه الإسلامي الحالي يؤخذ عليه الكثير من هذه الإقصاءات والانتقائية لأئمة هذه الشريحة الذين هم فعلا حديثو عهد بهذا المجال والسبب معروف، إذ أن الكثير من هؤلاء جاء نتاجا لصحوة الثمانينات إبان ظهور جماعة الدعوة والتبليغ وما أفرزت من صحوة دينية تفقيهية، أفادت هذه الشريحة كثيرا إلى جانب الدور الطلائعي الذي لعبه الأستاذ محمد ولد سيدي يحي، حيث أسس لثقافة التدريس والتعليم والتلقين الشامل والذي أدرك بموجبه أن هذه الشريحة هي الأمس حاجة إلى أن يركز عليها بهذا الشأن، حيث كان أسلوبه السلس والواضح والشعبي كفيل بأن يخلق فضاء دينيا شاملا، فكان على الآخرين أن يستوعبوا هذا الطموح الذي يشكر عليه أئمة هذه الشريحة كثيرا، وكان الأولى بالدولة أن تحفزهم بدل إقصائهم والتضايق منهم ووصفهم بأوصاف لا تليق، حينما كافحوا من أجل أن يتجاوزوا أميتهم وهم القادم معظمهم من "آدوابه" وما أدراك ما "آدوابه" حيث ارتقوا ارتقاء تصاعديا إلى أئمة محترمين يبثون الدين الإسلامي ويدرسون في المحاظر ألا يستحقون الإشادة.

من المعروف أن معظمهم لا ينتمي ولم ينتم إلى المعاهد الإسلامية ولا إلى الأندية الإسلامية التي كانت تستفيد من عطايا سخية بعضها داخلي وبعضها خارجي، وقطعا ليسوا هم السبب في إيقاف تلك البقرة الحلوب التي كانت تدر من الخليج لأئمتنا المحترمين الذين مارسوا الكثير من التلفيق الابتزازي حتى فقدوا الثقة عند فاعلي الخير بسبب بعض المسلكيات المشينة التي أساءت إلى سمعة بلدنا (تصوير مساجد وهمية ودور خير...) وأخذ مقابل ذلك تمويلات ضخمة لتجعل في جيوب خاصة وأحيانا يموت أهلها قبل أن يقبض عزرائيل أرواحهم وأحيانا يلعبون لعبة الاختفاء برهة من الزمن وغيره كثير من التحايل.

ولا أعتقد كذلك أن هؤلاء الأئمة المغلوبون على أمرهم أنهم يستفيدون مما تمنحه بعض السفارات للأئمة على شكل مساعدات يستفيد منها بالكاد بعض الأحزاب على شكل نوع من الزبانية وتقدم في ظروف محاطة بسرية تامة.

فإذا كان لقاء رئيس الجمهورية لهؤلاء بغرض رفع التهميش وبث المساواة في صفوف الأئمة في ظرف هم بحاجة ماسة إلى تمييز إيجابي حتى يلعبوا دورهم بشكل لائق، فهذا اللقاء يعتبر لقاء إيجابيا، ولاشك أنه سيلعب دورا سياسيا في توطيد الوحدة الوطنية.

أما إذا كان هذا اللقاء هو عبارة عن لقاء تفتيتي يراد منه تقسيم المؤسسة الدينية إلى أئمة الحراطين وأئمة البيظان وأئمة الزنوج، فهذا قطعا لا يخدم لا الوحدة الوطنية ولا المؤسسة الدينية لأن هذه المؤسسة هي مؤسسة مقدسة وبإصلاحها يصلح الشعب وبإفسادها تنهار منظومة القيم الدينية والأخلاقية.

وإذا كان أيضا هذا اللقاء يراد منه تصفية الحسابات لجهة معينة فهو تصرف بهذا المنطق أدهى وأمر، فهذه المؤسسة مثخنة بالوصايا السياسية التي أفسدت سمعتها والذي بلغني أن اللقاء كان لقاء إيجابيا تمت فيه مناقشة وضعية المؤسسة الدينية بكل موضوعية ما لها وما عليها، تحديات المرحلة، متطلباتها، وما يعانيه هؤلاء الأئمة وغيرهم من تهميش منظم داخل هذه المؤسسة، وأيا كان موضوع اللقاء فإن هذه المؤسسة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية وصقل من الداخل حتى تتنظف وتتحول إلى وضعها الطبيعي، هو حمل أقدس رسالة إلى البشر.

وإذا كانت هذه المؤسسة قد عرفت تدهورا منقطع النظير، حيث تحول الأئمة الذين يفترض أنهم القدوة الحسنة للمجتمع إلى متسولين عند مختلف الأبواب (أبوب السفارات الخليجية، أبواب المنظمات، وأبوب الحكام...) وأحيانا مترددين على مسؤولي الدولة دون خجل، وإلى نشطاء في أحزاب سياسية وإلى وسيلة لتسييس المسجد وجماعته، فهذه المسلكيات هي أخطر ما يمكنه أن يفرغ قداسة الإمامة من محتواها.

وكل هذه البلاوي تتحمل الدولة الجزء الأوفر منها عندما ساهمت بشكل كبير في تحويل الأئمة إلى كائنات سياسية مسيسة.

ومن أجل تجاوز هذه الحالة لابد من وجود مؤسسة دينية محترمة تربي الشعب على قيم الإخاء والمحبة تنبذ المحاباة والزبونية وتحارب التطرف والإرهاب، وتكرس في جماعتها مثال جماعة (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله...)، وللحصول على هذه القيم للتحسين من واقع هذه المؤسسة، يجب أن تتخذ الدولة الإجراءات التالية:

- القيام بإحصاء شامل لكل المساجد والمحاظر الموجودة في البلد وأن تخصص رواتب محترمة لكل الأئمة لا يقل راتب الإمام عن 100.000 أوقية.
- أن تقدم تمويلا سنويا يدفع شهريا على شكل أقساط لكل محظرة حسب حجم المحظرة وخدماتها بعيدا عن الترقيعات والانتقائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
- أن تكون الأولوية للأئمة والمساجد المتواجدة في الأحياء الأكثر فقرا.
- إنشاء مؤسسة تعليمية للأئمة بغرض تثقيفهم دينيا سواء من الناحية القرآنية أو السنية أو المذهبية أو الخطابية...
- استخدام الشفافية والتمييز الإيجابي في المجلس الإسلامي الأعلى حتى يتمكن بعض الأئمة خاصة من هذه الشريحة من الولوج إليه لأن هذا المجلس هو مجلس حصري يتعاقب على عضويته بعض رجال هذه المؤسسة المعروفين بطريقة زبونية للغاية، ونحن على أبواب تشكيله، يجب أن نراعي وضعية المرحلة وتجلياتها في تشكيله حتى نجعل قطيعة نهائية مع الأساليب الماضية في اختيار أعضائه.
- أن تحظر السياسة على كل مريدي هذه المؤسسة خاصة الأئمة ويتفرغوا إلى تطوير المؤسسة إلى الأحسن، فنحن بحاجة إلى الإنسان المسلم المعتدل، الأسرة المسلمة المسالمة، وإلى مجتمع مسلم يربى تربية سوية تنهل من معين الإسلام في نقائه.

ولا بد لكي يتحقق ذلك من الحصول على الإمام القدوة الذي بوسعه أن يؤسس لخلق مجتمع سليم أكثر مما نحن بحاجة إلى سياسي لأن الإمام السياسي لابد أن يتموقع تموقعا يوالي أو يناوئ أحيانا، وهذا مدعاة لتقسيم جماعته.

أما الإمام المثالي هو الإمام العادل الذي تعود إليه الجماعة لفض نزاعاتها وللإفتاء في أمور دينها، فهو ولي الأمر بحسب بعض الروايات، فلا يخدمه أبدا أن يتموقع.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025