تاريخ الإضافة : 20.05.2012 10:36

إنصافا للرجلين

تعاقب علي حكم بلادنا منذ حصولها علي الاستغلال سنة 1960 م ثلة من الرؤساء بدأ بالرئيس المؤسس الأستاذ المختار ولد داداه وأنتهاءا بالرئيس الحالي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإذا كان الرئيس المؤسس قد واجه الكثير من التحديات في سبيل إنشاء دولتنا الفتية (الجمهورية الإسلامية الموريتانية) وما صاحب ذالك الحدث التاريخي من عوائق ومعضلات جمة نأتى علي ذكر بعض منها لا حصرها :
 الانتقال بالمجتمع من مجتمع قبلي إلي مجتمع( دولاتي) .
 الانتقال بالمجتمع من مجتمع بدوى ترحالي إلي مجتمع حضرى مستقر.
 صعوبة الحصول على الموارد المالية الضرورية لتسير مؤسسات الدولة الجديدة
 غياب الأطر و أهل الكفاءات العلمية العالية المطلوبة في بناء الدولة الوليدة ( الأطباء , المهندسين , الإداريين , إلخ)
 ضرورة استيعاب جملة من المفاهيم الحديثة المتعلقة بميلاد الدولة الجديدة:
(المواطنة ـ دولة القانون ـ مؤسسات الدولة ـ مؤسسات المجتمع المدني .... إلخ)
 ضبابية تمثل هذه المفاهيم بسب غياب الوعي المطلوب
 وجود معارضة موريتانية يتسم بعضها بالسلبية وبعضها الآخر باللاوطنية إذا لم نقل بالخيانة العظمى.
و مع كل هذا إستطاع فخامة الرئيس المختار ولد داده أن يؤسس لبنية دولة حديثة و يخطو بها خطوات موفقة على درب التنمية الشاملة , كما يسجل للرجل أيضا السمعة الطيبة التي حظيت بها البلاد على المستوى العالمي و بالأخص العالمين العربي و الإفريقي.

لكن رغم وعينا وتقديرنا للصعاب والتحديات التي تزامنت مع لحظة التأسيس وما تبعها من مشكلات ومعضلات في مرحلة تطور بناء الدولة الوليدة , أقول رغم وعينا لكل هذا فإننا نأخذ علي الرجل ثلاثة مآخذ خطيرة مازالت تداعيات بعضها تأثر في واقعنا بشكل ملحوظ :

 العجز التام عن تحديد هوية البلد الثقافية بشكل علني وواضح
 تغييب الدمقراطية بشكلها الصحيح : (هيمنة الحزب الواحد )
 إدخال البلد في حرب نحن في غنا عنها مع أشقائنا الصحراويين الذين هم جزء منا ونحن جزء منهم
إذا كنا قد أوجزنا في الفقرات السابقة ولو في عجالة شديدة أهم التحديات والصعاب والمشكلات التي واجهت المؤسس ، إضافة إلي أهم المآخذ التي نسجلها عليه فإننا سنتناول بإسهاب أهم المشكلات والصعوبات والتحديات التي واجهت رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز منذ توليه السلطة إلي يومنا هذا .
ذالك أننا نعتقد بل نجزم أن أي شيئ لم يتحقق ولم ينجز بعد المؤسس: (فخامة الأستاذ المختار ولد داداه)ولا قبل المنقذ( فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز) بحيث يمكن اعتبار أن هذا الأخير مكملا للأول وملخصا له ومتجاوزا عليه
من البديهي والمعلوم أن فخامة الرئيس أخذ السلطة في بداية الأمر على أثر انقلاب أبيض أطاح بالرئيس "المنتخب" سيد ولد الشيخ عبد الله ، ومن المعلوم لدى الجميع أيضا أن سيد ولد الشيخ عبد الله هذا ورئيس وزرائه رفضا الإذعان لمطالب الأكثرية البرلمانية في يوم معلوم ومشهود ، رغم مشروعيتها ودستوريتها ، وهو ما أدخل البلد في أزمات لا يحسد عليها ،شملت مختلف المجالات ومجمل القطاعات .
وأمام هذا الواقع المتأزم بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كان من الطبيعي أن تتدخل مؤسسة الجيش وتستلم السلطة بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز ، وذالك بهدف إنقاذ البلد من فوضى عارمة كادت تهدد كيان الدولة و المجتمع.
ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض أحزاب المعارضة جاء مهنأ ومباركا للانقلاب وذالك ظنا منه أن الجيش سيدعمه في الانتخابات المقبلة علي شاكلة (سيناريو سيد ولد الشيخ عبد الله )
غير أن الجميع فوجئ عند ما قدم الجنرال محمد ولد عبد العزيز استقالته من الجيش معبرا بذالك عن رغبته في الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة .
و هكذا أعلنت الحكومة الإنتقالية تحديد موعد للإنتخابات الرئاسية و طلب من جميع الراغبين في الترشح أن يتقدموا بملفاتهم للجهات المعنية و هكذا أستجاب بعض المواطنين لهذا النداء و طلب ترشحه لهذا المنصب .
و من الجدير بالذكر هنا أن الرئيس أستقال من منصبه لصالح رئيس مجلس الشيوخ في الفترة الإنتقالية (أي فترة الإنتخابات) , حيث ظل هذا الأخير رئيسا للبلد يشرف على حكومة تصريف أعمال إلى حين إنتهاء الإنتخابات و فرز النتائج .
لا شك أن الرئيس قام بهذا الإجراء لسببين :
 الإستجابة لتحقيق مطلب دستوري في هذا الشأن
 الإبتعاد عن أية شبهة تتعلق بالسلطة و الإنتخاب
لكن من الملاحظ أن كل هذا حدث و يحدث في الوقت الذي تزداد فيه الضغوطات الداخلية و الخارجية على السلطة , فبالنسبة للضغوطات الداخلية كانت تأتي من طرف أحزاب معارضة تطالب بإعادة السلطة إلى سيد ولد الشيخ عبد الله أما بالنسبة للضغوطات الخارجية فجاءت من قبل جامعة الدول العربية , و الإتحاد الإفريقي و الإتحاد الأوروبي , و الولايات المتحدة الأمريكية و كان الكل يطالب بما "يسميه " إعادة الشرعية الدستورية للبلد .
لكن إذا كانت هذه الضغوط الداخلية و الخارجية تعبر عن استياءها لما حدث من إنتهاك للمؤسسات الدستورية (حسب رأيها ) فإن هناك أكثرية برلمانية أيدت و منذ الوهلة الأولى هذا الإنقلاب , و أعتبرته إستجابة لمطالبها الدستورية و المشروعة بل منقذا لها و للعملية الديمقراطية الناشئة برمتها .
و في خضم هذا الصراع المتعاظم بين كل من المعارضة من جهة و السلطة و الموالات من جهة أخرى و وصول الجميع إلى طريق مسدود دخلت على الخط الوساطة العربية الإفريقية و السينغالية منها تحديدا حيث كللت أخيرا بالنجاح , و هكذا تولدت عن هذه الوساطة خارطة طريق أصطلح على تسميتها (إتفاقية دكار) و بناءا على هذه الإتفاقية يأتي في المقدمة إستقالة سيدي ولد الشيخ عبد الله بشكل طوعي , ثم إلغاء تاريخ الإنتخابات المقررة سلفا و إستبداله بتاريخ جديد يسمح لأحزاب المعارضة بالمشاركة في الإنتخابات و كذالك تشكيل حكومة إئتلاف تكون أهم الحقائب الوزارية فيها من نصيب المعارضة , فعلى سبيل المثال "وزارة الداخلية" ذالك أنها هي التي تشرف على العملية الإنتخابية بدءا بإستقبال ملفات الترشح و إنتهاءا بفرز النتائج .
غير أن المفاجأة كانت كبيرة و الصدمة أكبر لدى المعارضة و ذالك عندما أعلنت وزارة الداخلية (وهي وزارتهم )أن المرشح محمد ولد عبد العزيز قد فاز بالدورالأول و بنسبة 53%من أصوات الناخبين الموريتانيين . و من يومها لم نسمع إلا البكاء و العويل و الكذب و السب و التجريح , من طرف العديد من أقطاب المعارضة و هو ما لا يليق بأية معارضة تحترم نفسها و تحترم ما تعتقد أنها تؤمن به ألا و هو الديمقراطية .
لكن إذا كانت المعارضة قد إنتهجت هذا النهج اللاموضوعي و اللاديمقراطي إذا لم نقل اللاأخلاقي فإن فخامة الرئيس قد إنتهج نهجا آخر ,شعاره البناء الوطني , حيث بادر إلى ما يلي :
 إعادة هيبة الدولة
 إعادة بناء مؤسسات الدولة
 حماية ممتلكات الدولة
 ترشيد نفقات الدولة
 محاربة اللصوص و أكلة المال العام
 بناء و ترميم العديد من الطرقات داخل العاصمة و خارجها
 الإتصال المباشر بالجماهير الشعبية و بالأخص الشرائح الفقيرة و التعرف على همومها و مشاكلها و العمل على حلها بشكر فوري
 تقسيم القطع الأرضية على سكان احياء الصفيح في أنواكشوط و أنواذيبو و إدخال الماء و الكهرباء لصالحهم
 توظيف العديد من اهل الشهادات في القطاعين العمومي و الخاص
 الحد من بطالة الشباب و خلق فرص عمل لصالحم
 بناء العديد من المستشفات و المستوصفات داخل العاصمة و خارجها
 تشجيع القطاع الزراعي بشكل عام
 فتح آفاق جديدة للحريات العامة و الخاصة
 القيام بإحصاء وطني شامل بغية ضبط الحالة المدنية للبلد بشكل دقيق و صحيح
 تشجيع الصحافة و الصحفين و حثهم على تأدية رسالتهم النبيلة
 تشجيع مؤسسات المجتمع المدني (الأحزاب, الجمعيات, المنظمات ) و حثها على القيام بالدور المنوط بها خدمة للمجتمع و الدولة
 إصدار العديد من مشاريع القوانين و المصادقة عليها لصالح الوطن والمواطن
 القيام بتمويل برنامج (أمل ) الخاص بتوزيع الأعلاف و بالمجان لصالح المنمين بعد الجفاف الذي ألم بالبلاد إثر إنحصار الأمطار في السنة الفارطة
 تشجيع المحاظر و أهل العلم و العلماء والرفع من شأنهم
 خلق الروح الوطنية و إشاعة المحبة و التسامح بين مكونات فسيفساء المجتمع الموريتاني
بعبارة واحدة سعى فخامته و منذ البداية إلى جعل مواطني هذا البلد ينعمون بالسعادة و الطمأنينة و الإزدهار.
لكن هذا لم يرق للمعارضة البتة أو للبعض منها على الأقل حيث ظل يكذب و يفند كل ما تحقق في هذا الظرف الزمني القياسي معتبرا أن هذا ليس سوى التضليل و التضليل فحسب ( رغم موضعية ما أنجز و مرءيته للعيان ) و هو ما عاد بالسلب على هذه المعارضة و أدى إلى إنحصار شعبيتها بشكل ملحوظ .
و ما رفضها للحوار مع أحزاب الأكثرية أو الموالات رغم صدق نوايا هذه الأخيرة و تقبلها للرأي الآخر إلا دليلا قاطعا على سلبية هذه المعارضة و عدم فهما للدور المنوط بها أصلا, بحيث كان من الممكن لها أن ترصد الواقع بعيون فاحصة و تقدم نقدا بناءا و موضوعيا يهدف إلى تقويم الإعوجاجات و الإنحرافات داخل كل من السلطة التنفيذية و التشريعية و هو ما يجعلها مشاركا حقيقيا في بناء الدولة و المجتمع مثلها في ذالك مثل كل المعارضات الناضجة في الدول الديمقراطية الحقة.
غير أن ما نشهده هذه الأيام من مظاهرات و إعتصامات و مطالب غير شرعية و لا موضوعية ( المطالبة برحيل النظام) تجعلنا نتأكد بل نجزم أن هذه المعارضة عاجزة عن مواكبة هذا التحول الديمقراطي الجذري الذي تعيشه البلاد .

بقلم الباحث الإجتماعي : شيخنا ولد إبراهيم الشريف

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025