تاريخ الإضافة : 08.05.2012 13:06

يا تري من الذي عليه ان يتحمل جريرة محرقة الرياض

اسمحولي قرائنا الكرام ان اطل عليكم من جديد في نقاش نصف هادئ ونصف متسائل حول محرقة الرياض البشعة وهي المحرقة التي أدخلت الساحة الوطنية في سخونة قل نظيرها بالبلد ولا غرابة في ذلك عندما تحرق أمهات كتب المذهب المالكي وهو المذهب الذي يدين له أغلبية هذا المنكب البرزخي ، وعندما يقدم أيا كان على ارتكاب هذه الجريرة وبدم بارد ، ولما يرجي منه التوضيح يصف هذه الكتب بكتب النخاسة ، وان كانت ظاهرة الحرق ليست بالجديدة إلا أنها بدعة في هذا العصر وفي هذا البلد بحدثها وبأسبابها التي يبررها أصحاب المحرقة ، ولو سلمنا جدلا باعتبارات أصحاب المحرقة باعتبارها كتب استعبادية كان عليهم ان يؤلفوا كتبا تناقش هذه الكتب بدل اللجوء إلي هذا الأسلوب التتري الذي هو غاية في العجز.

إن مقارعة الحجة بالحجة هو الاسلوب الحضري الذي يبعدنا عن التنابز بالالقاب ثم ان هذه الكتب تتضمن في "المدونة" مثلا فتاوي مالك حول بعض التساؤلات الفقهية التي كان يطرحها عليه تلميذه أبي القاسم ، وقد أفادت المسلمين كثيرا في الاطلاع على أهم الإشكالات الفقهية خاصة فقه المعاملات ، وينطبق الامر على ابن عاشر الذي يتضمن أبواب مثل باب الطهارة وفرائض الصلاة وأحكامها وسننها ومندوباتها ، فرائض الوضوء والزكاة والحج .......الخ .

ولا يتضمن أبدا من العبودية سوى جزء يسير ،يتناول عدم أحقية صلاة العبد للجمعة ، وعودا على بدء فالحديث عن موضوع العبودية ليس حديثا طارءا وإنما كان دائما يشكل جدلا ساخنا في الساحة وهو يطرح اشكالات كبري من بينها أصل العبودية واسبابها ومشروعيتها والعبودية كممارسة ، ولم يكن الخطأ أبدا خطأ التشريع الإسلامي ولا خطأ نصوص بل هو في الممارسة التي هي أبعد ما تكون عن ما أقره الدين الإٍسلامي، فلو عدنا إلي السلف الصالح وإلي تعريف العبد عند الاسلام، لن نلجأ إلي حرق الكتب ، فالإسلام تكفل بالإجابة الصريحة ، فالعبودية لم يأتي بها الإسلام وإنما هي سابقة عليه حيث كانت توجد منها أشكال غاية في اللا إنسانية خاصة في مجتمع قريش ، ولما جاء الإسلام تعامل معها بحنكة حيث حرمها بشكل تدريجي كما حال تعامله مع باقي الممارسات والمسلكيات الجاهلية كشرب الخمر وهو أم الكبائر حيث تم تحريمه بشكل تواتري بدءا بقوله تعالي (( ولا تقربوا الصلاة وانتم سكارى )) إلي قوله تعالي (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )) ، فالتعامل مع العبودية من خلال الإسلام كان قمة في التعقل ، حيث تم التمهيد للقضاء علي هذه الظاهرة ، والدين يدرك مدى ترسخ هذه الظاهرة في عقلية المجتمع ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ( ضاع النسب ) ويقول عن بلال وابوبكر (( سيدنا اعتق سيدنا )) وقوله صلي الله عليه وسلم (( يا سعد إن الله أقدر منك علي قدرتك على هذا العبد )) ، وفي الموطأ عن عطاء ابن يسار عن عمر ابن الحكم انه قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله : ان جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت : أكلها الذئب فأسفت عليها فكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله صلي عليه وسلم أين الله فقالت في السماء وقال من أنا فقالت أنت رسول الله فقال له رسول الله ( أعتقها) .

وهذا يحيلنا مرة أخري إلي التساؤل عن من هو العبد ، إن مصدر العبودية في الإسلام هو عندما تنشب حرب بين المسلمين والمشركين ويمسك سبايا من المشركين فهؤلاء السبايا يوزعون على المسلمين كغنائم ، فهؤلاء هم العبيد الذين أقرهم الإٍسلام وعندما يشهدون أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله يخلا سبيلهم ( وحتى في حالتهم الأولي وهي الرق ينبغي ان نتعامل معهم برفق حيث كان الصحابة يتخلصون من عبيدهم مخافة ان لا يأدوا حقوقهم التي تتمثل في الآتي ((أطعموهم مما تطعمون وأكسوهم مما تكسون ولا تحملوهم ما لا يطيقون )) ولو أسقطنا هذه الاعتبارات على موريتانيا فإننا بالحتمية سنصل إلي الخلاصة التالية انه لا توجد عبودية في موريتانيا من الناحية الشرعية لأن هذه الأرض لم تعرف جهادا في سبيل الله علي الأقل بالسيف وبالبندقية .

قد يتساءل البعض عن لماذا وجدت العبودية في موريتانيا ، إن ما سلكوه الأسياد في موريتانيا من استعباد إنما هو نوع من الاستغلال البشع الذي تجاوز حدود الوصف في القسوة الإنسانية التي تجاوزت حدود الشرع و الإنسانية وتشابهت في الكيف والكم ما كان يمارسه صناديد قريش ، وإذا خرجنا بهذه الحقيقة سنجد أنفسنا غير معنيين بالمرة بهذه الكتب التي حتى لم يؤلفها موريتانيون فلماذا لم يترك حراطين "ايرا" هذه الكتب وشأنها ، وإذا كان حرقها يوجد له من مسوغ فلماذا لا يحرقون باب العبودية الوارد في هذه الكتب المالكية ويتركون باقي الأبواب الأخرى التي تحوي فقه العبادات وفقه المعاملات والآيات القرآنية ، لماذا مثلا يتم حرق (( بسم الله الرحمن الرحيم واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ) آل عمران . ووصف كل هذه الكتب بكتب النخاسة بقضها وقضيضها وتتضمن أركان الصلاة التي هي عماد الدين .

وعندما نعود إلي أصداء هذه الفعلة ، فان هذه الموجة التي ركبها السياسيين وخاصة حزب الاتحاد من اجل الجمهورية لا تليق أبدا بالمرحلة ولا بتجلياتها حيث تم استغلال هذا التهور بطريقة بشعة من تهويل وتحريض واستخدام المنابر الإعلامية للتشفي وأحيان لتصفية الحسابات . ،و إن كنت شخصيا أرى أن بيرام يستحق الكثير مما يوجه إليه بسبب طيشه ونبشه لقبور العلماء ، إلا أنني لست مع الذين يقولون بإعدامه مثلا ولا مع الذين يصفونه ببعض النعوت التي تستبق قرار العدالة.

أرجوا من وسائل الاعلام ومن السياسيين ومن العلماء الذين يصدرون فتاوي بين الفينة والأخرى قد لا تروق لأنها ستحدث تأجيجا وإثارة أكثر مما تساهم في الوحدة الوطنية ، فليس بيرام هو أول من أخطأ بحق الاسلام والمسلمين لكنه مع ذلك أساء إساءة جديدة في شكلها ومضمونها ، ولست أيضا من الذين يطالبون بتبرئته ، فالرجل ارتكب حماقة ويجب أن يلقى جزاءه ، ولأنني مواطن يتغلغل في وجداني حب هذا البلد أريد أن يتوقف هذا الغليان حتى لا نصل إلى ما لا تحمد عقباه ،وفي هذا السياق أقول لإخوتي البيظان بأن لا يستخدموا هذه الحادثة كحجة للخروج ببعض الألفاظ ولا بعض الاتهامات المستفزة التي قد يشعر بعض الحراطين أنها تعنيهم،فبيرام هو جسم غريب في تصرفاته على كل الموريتانيين، كما أن شريحة الحراطين هي الأخرى يجب أن تتعامل مع الحدث في سياقه السليم خاصة الشباب ، يجب علينا أن نجرم الفعل دون أن نغطيه ودون أن تحركنا مشاعر الفئوية حتى نأخذ صفة الشقيق العادل، فهذا النوع من الأحداث يحتكم فيه إلى العقول قبل القلوب ، وأخطر شيء بهذا الخصوص هو الاستسلام للحمية أيا كانت تلك الحمية، فالحمية هي مسلك مقيت يجدر بنا أن نرميه وراء ظهورها ونضع في أولوياتنا أخوة الإسلام التي تتجاوز الانتماء إلى البيظان أو الحراطين أو الزنوج إلى الرباط الكبير الشامل القادر على احتضان كل هذه الإنتماءات في قالب أخوي نتعانق في فلكه في جو من المحبة والوئام الوطني .

والتسمح لي المعارضة بدورها بأن تلبي نداء الكف عن استخدام هذا الحدث وأن تعطي أجوبة واضحة في الحديث عن اتفاقيات مشبوهة في ظلام ليل دامس مع بيرام وعندما يغرق الرجل ينأون بأنفسهم فالشعب يريد اسقاط الشبهات، وعلى ذكر هذا الموضوع فإننا ننتظر بفارغ الصبر تقديم الأدلة التي توعد بها رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية ، وأعود لشبهة أخرى يتعلق الأمر بحزب تواصل عندما تحدث بيرام عن أنهم كانوا على علم بحدوث المحرقة ، ويتعزز هذا الأمر بحديث بيرام في الليلة الموالية للمحرقة أن الناس تريد الإيقاع بينه وحزب تواصل كلما لا حظوا تقاربا بينهم ،وكذلك بيان حزب تواصل المتعلق بإدانة المحرقة وهو بيان خجول تنفي خاتمته مقدمته بقولهم أن حتى مالك يقول أن كل كلام "يأخذ منه ويرد" وقد التقيت بعض التواصليون حيث دار بيننا نقاش لا حظت إبانه تعاطفا مريبا مع بيرام جديد في قاموسهم .

وأقول لبيرام في مستهل هذا الحدث بأن يعود إلى رشده فالرجوع للحق فضيلة وأن يكف هو ومنظمته عن العنصرية فالعنصرية لا تبقي ولا تذر وأدعوهم إلى تغيير تعاملهم مع الآخرين ، فما يقومون به من مسلكيات متطرفة لن يخدم القضية النبيلة التي يدافعون عنها، وأكد أن البيظان ولحراطين هم عبارة عن جسم واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

ليس بوسع أي منها أن تطلس الأخرى ، وما حدث في الماضي قد فات.
فالنضرب عنه صفحا وأدعوا إخوتي البيظان إلى ميثاق شرف مضمونه محاربة العبودية جنبا إلى جنب بعيدا عن التفيئة وأن يكفوا عن التستر على الاستعباديين منهم حتى يتوب أولئك الذين مارس أجدادهم هذه الممارسة البشعة نيابة عنهم ، وأرجوا كذلك من الاخوة المتحمسين ليبرام أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول:"والله لو أن فاطمة بنت رسول الله سرقت لقطعت يدها" فنحن شريحة خرجت من رحم المعانات ، عشنا القهر والذل فيجب على صوتنا أن يكون صوت حق مهما كانت عواقبه،وأدعونا جميعا إلى تجاوز الماضي وجراحه وإلى التطلع إلى المستقبل بآماله ، عاشت أمنا الغالية موريتانيا مزدهرة في جو من السلام والوئام .

الأستاذ: الحسن ولد محمد

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025