تاريخ الإضافة : 03.04.2012 00:22
للإصلاح كلمة موضوعها: ظلال مقالي الدكتور الشيخ المختار / حرمة
كلمة الإصلاح هذه المرة استحوذ على قلبها وفكرها مقالان من النوع الأدبي الرفيع كتبهما بقلم ذلول يعرف كيف يكتب السيد الدكتور الوزير الشيخ المختار بن حرمه بن ببانه وبتلك الكتابة فهم عنه الجميع أن ما أعطاه الله من العبقرية والثقافة الإسلامية الأدبية المتمكنة لم تؤثر عليه ثقافته التخصصية العلمية التي برز فيها وأفاد، بل إن القارئ للمقالين يـتـيقن أن الرجل أراد له الله الخير والله يقول (وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده).
ولا غرو فإن هذا الشبل من ذلك الأسد الذي ألمح هو على تلك البنوة لذلك الوالد العملاق التاريخي الذي سمعنا عنه ونحن صغار أنه كان قمرا إسلاميا مدنيا يشق ظلام الأوربيين بإسلامه العمري حيث لا معين آنذاك ولكن العزم والإقدام والرجولة وصفاء الفكر الإسلامي كانوا رفقاء غير خائنين ولا مثبطين فهنيئا للدكتور الوزير بتلك البنوة وتقبل الله جهاد أولئك الآباء.
ونعود لموضوع المقالين: فالأول كان بعنوان: "فاتورة الرأي الداعم" وغلب على نسجه وخياطته الفكر الأدبي الإسلامي حتى لا يعرف القارئ وهو يقرئه هل هو صاعد معه أم نازل فكل فقرة تعطيه للأخرى بقوة حتى اشـتبه على القارئ مع طعام أهل الجنة (كل ما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل...).
وحتى أصبح موضوع المقال الداعم اللامشروط لرئيس الجمهورية محمد بن عبد العزيز ثانوي بالنسبة لقوة أدبية المقال وإسلاميته (إن صح التعبير) فالرجل كأنه يتخير في أطايـيب الكلم من مائدة بلاغية أمامه حتى جسم من ذلك المقال السحر الحلال وحتى علم الجميع أن السهل الممتنع سهل على من سهله الله عليه.
أما المقال الثاني فيظهر أنه كتب أثناء الغضب فالعبارات البلاغية المتميزة حاول المحافظة عليها إلا أنه عندما أراد القتل بالكلمات أسرف في ذلك القتل حتى ظن القارئ أن هذا المقال لم يبدأ بآيتين أخطر كلمة فيهما على المسلم قوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة... الخ) الآية.
وكلمة الإصلاح هذه لا تريد ولا يمكنها أن تريد وليست أهلا أن تريد الرد لا سياسيا ولا مبتغى للرد بل لجاذبية المقالين وشدهما للقارئ يجعله يتمنى أن يمشي في ظلالهما لا للدفاع عن المعارضة ولا لبخس ما أنجزه الرئيس الموريتاني الحالي ولكن القلب البريء المطلع عندما يسمع وقائع أختلط فيها الحق بغيره وألتبس فيها الصحيح بضده لا بد لذلك القارئ البريء ولا سيما إذا كان الطريق المستقيم في كل شيء يطل برأسه دائما ليتذكره من يتذكرـ أن يحاول ولو بعباراته المتواضعة ـ أن يرد تلك الكلمات أو الوقائع إلى ما يراه الطريق المستقيم الذي نطلب جميعا كل يوم عدة مرات الهداية إلى سلوكه.
زيادة على أن كلمات الإصلاح التي نكتبها دائما أتعبت نفسها كثيرا في الكتابة تريد الإصلاح وشخصت مكان الفساد وميزت بدقة ـ بتوفيق الله ـ ما وقع فيه الإصلاح الذي لا ينكره إلا مكابر ورفعت على صفحاتها مستـنقع الفساد الذي لم يحم حوله الإصلاح ولا يتجاهل ذلك إلا من يجادل على "حرف" فلأجل ذلك كله وبما أن صاحب المقالين الدكتور الوزير ولا سيما في مقاله الأخير تكلم باسم ضمير الفاعل في الدولة عملنا وفعلنا وقمنا ولأول مرة نسمع استعمال هذا الضمير المجرد عن الفاعل الحقيقي في الدولة فبـــــدل هذا الضمير الفاعل كنا نسمع بتوجيهات من الرئيس عملنا وفعلنا كلمة جعلها العسكريون باقية في حكوماتهم.
واستبشارا بخلق هذا الضمير الفاعل فإني أود إعادة كتابة مستنقعات الفساد ليقرأها الدكتور وهو ما زال متلبسا باسم ضمير الفاعل المباشر لعل ما أعطاه الله من الخير يضفيه على إزالة تلك المستنقعات الآسنة ليجعل مكان العسر يسرا وليميز الله به الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا حتى يصيره في خبر كان.
وقبل ذلك أود هنا أن أذكر هويتي السياسية تجنبا للغش والتلبس: فأنا بقناعة مصيرية أنتسب لحزب "تواصل" وعضو في مجلسه الوطني ولكن انتسابي له لا يشبه انتساب الأفراد للأحزاب السياسية الدنيوية بل انتسبت إليه انتسابي للإسلام فالله يخبرنا أن المؤمن يقول: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) إلى قوله تعالى (وتوفنا مع الأبرار) ونحن نريد مع إيماننا الوفاة مع الأبرار.
فالإسلام يحتم على المسلم الانضمام إلى أحسن جماعة تبحث عن اتباع الطريق المستقيم الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
وانتساب المسلم لهذا النوع من الأحزاب يبقي داخله مسلما لا يعتقد العصمة للأفراد ولا للجماعات حيث تبين له الحق يقوله ويفعله وحيث لا فيعلن عدم رضاه عن ما لا يرضي الله.
فأهل هذا الحزب ليسوا مسلمين قوميين عندما ينفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وليسوا مسلمين علمانيين لا يبحثون عن الأكل من موائد الله في الآخرة لأن الأكل من تلك الموائد له شروط كما قال تعالى: (إن المتقين في جنات عيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون...) الخ الآية.
وفي آخر موائد سورة الواقعة (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون)، وقوله تعالى (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) بل المسلمون العلمانيون لا يخافون الحزن يوم الفزع الأكبر.
وليسوا مسلمين روحانيين غشاؤها الإسلام ولبها طلب المادة عن طريق الدين ولا يخافون قوله تعالى (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) وقوله تعالى (وبدي لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون...).
وليسوا مسلمين روحانيين يريدون تطبيق قرآن الآخرة وأحاديث الآخرة تاركين قرآن الدنيا وأحاديث الدنيا والله يقول (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) إلى آخر الأوامر الموجهة للتنفيذ في الدنيا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم".
وليسوا مسلمين روحانيين يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتـنة وابتغاء تأويله.
ولا يخافون من الاتيان بالأرامل واليتامى وهم على رقابهم يجأرون أمام الله طلبا للحكم العدل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم "لا أغني عنكم من الله شيئا قد أبلغتكم".
إن الانتساب لهذا المثل من الأحزاب (تواصل) لا ينتهي بالموت لأن المولى عز وجل يقول (ونحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) ويقول (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) فوفود أهل التقى في الدنيا هم نفس وفودهم في الآخرة وجماعاتهم نفس جماعاتهم في الدنيا.
فمنتسبوا الحزب مسلمين على الطريق الوسطي يعرفون أن الله خلق الدنيا مطية للآخرة وذلك لمن أحسن ركوبها وهم أحسنوا ذلك فباسم الله مجراها ومرساها.
فطريق الحزب كما أراني الله مأخوذة من القرآن والسنة بعد نزول قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) مباشرة وبعد انتهاء خطبة حجة الوداع مباشرة أيضا وقبل أن تتدخل في تلك الطريق اليد البشرية لتـنقص وتزيد وتحرف وتـغير منها ما تريد وتمني وتعد.
ومن هنا يمكن لشخص أن يسألني هل سافرت معهم فنقول: نعم، سافرت معهم فوجدتهم رهبانا بالليل وفرسانا بالنهار وعندما نسأل هل اجتمعت معهم نقول: نعم اجتمعت معهم فكان الاجتماع للدنيا والآخرة معا فعندما يحضر عمل الآخرة يترك كل عمل آخر حتى ساعة الجمعة عندما تحين أثناء الاجتماع يحول الاجتماع إلى اجتماع للدعاء فقط حتى صلاة المغرب كما أنك إذا نظرت إليهم مجتمعين تجد أغلبهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، كما تذكرك هذه النظرة بقوله تعالى (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) ونرجو أن تكون كذلك في الآخرة.
هذه الفذلكة من المقال ليست هي موضوع كلمة الإصلاح ولكن الموضوع الحقيقي هو مقالين للدكتور الوزير الذي يفهم من بعض كلامه أن الحكم الحالي أنجز كل شيء وأن الوضع والرخاء على ما يرام في كل شيء.
ونحن المراقبون فقط المخضرمون نميز تمييزا تاما بين ما أنجزه هذا الرجل للدولة الموريتانية وما لم يتطرق إليه الانجاز إطلاقا لعل السيد الدكتور الوزير ما دام يكتب معنى ذلك أنه يقرأ وعندما يقرأ ما لم ينجز فنقول له أنه ما دام أقر أن له من الأمر شيء فنقول له "نبه لها عمرا ثم نم".
وبتلك المناسبة فإننا سوف نكتب ما نراه بأعيـنـنا قد أنجزه رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد بن عبد العزيز ونكتب كذلك ما نرى بأعيـنـنا أنه لم ينجز منه شيء.
هذا الرئيس الحالي لا شك أنه جاء إلى موريتانيا وكل حكوماتها ومؤسساتها عسكرية أو شبه عسكرية أو مدنية سياسية أو ثقافية أو اقتصادية كل ذلك كان مجرد عناوين تفسره كلمة معربة من الفرنسية وهي (شانـتـيوه) فالوزراء شانـتيوهات والولاة والحكام والمؤسسات المعدنية والتجارية والدبلوماسية كل ذلك "شانـتيوهات" ومن أنكر هذا أو بعضه فليفتح لشهود العيان المخضرمين لتسجيل مشاهداتهم المبكية وغير المضحكة.
أما انجازات الرئيس فنرجو من الدكتور الوزير أن يستمع إليها حتى يعلم علم اليقين بأنه بقي عليه الكثير.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يمدح صحابيا قال له: فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله "الحلم والأناة" ولم يقل له جميع ما فيك من الخصائل يحبه الله ورسوله والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يعلم شخصا كيف يشهد قال له أنظر إلى الشمس فلمثل هذا فلتشهد.
والله تبارك وتعالى يقول (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقـال تعالى (ستكتب شهادتهم ويسألون) كما أن من لبس من أعلى ثوبا فاخرا ولبس من أسفل مرقعات فمادح ثوبه الأعلى سيلاحظ عليه عدم رؤيته للمرقعات.
والآن إلى معاليكم ما أنجزه رئيس الجمهورية يقـينا:
أولا: مداخيل الدولة ومصارفها: لا شك أن ميزانية الدولة كان يصادق عليها البرلمان وبعد ذلك توزع دولة بين الأغنياء والوجهاء من الدولة، والآن وضع الرئيس حدا لأكلها من طرف أولئك أما أين تذهب فعلم ذلك عند الله.
فهناك خمس وزارات كانت كل سنة تـتـلقي المساعدات الدولية لتـنميتها وهي: الداخلية والتنمية والتعليم والصحة والشؤون الإسلامية، وكان كل وزير يستدعى ثلاث مرات في السنة رؤساء المؤسسات: الولاة ، مدراء الصحة، مناديب التنمية... الخ ليمكثوا أكثر السنة عن عملهم في الداخل وتوزع على اجتماعاتهم تلك المساعدات كتعويض لهم عن استدعائهم واجتماعاتهم ولا يطرأ أي شيء من الإصلاح.
وميزانية التسيير كانت ضخمة وتنفق للأغراض الخاصة، وكان لتأجير الدور نصيبه من الفساد كما وكيفا، والضرائب كان يستوي فيها ضريبة صاحب الملايـير وصاحب حانوت يبيع بالسقط.
هذه الناحية من الفساد لا شك أنه قضي على تمكين أصحابها من الفساد فيها.
ثانيا: البني التحتية: لاشك أنه أنجز كثيرا من الطرق كانت العاصمة وغيرها في حاجة ماسة لها حتى يمكن لها أن تسمى عاصمة دولة.
ثالثا: القضايا الإسلامية: لا شك أن إذاعة القرآن ورواتب الأئمة إلى آخر كل ما ذكر السيد الدكتور والوزير في هذا الصدد هو إنجاز يسجل لهذا الرئيس في زمنه.
رابعا: الديمقراطية: فلا شك أنه أطلق كثيرا من حرية التعبير مع أن حرية التعبير مضمونة في المادة العاشرة من الدستور إلا أنه لا يؤاخذ على الأعمال التي كان القيام بها يعد تمردا ويعاقب عليها بقسوة فائقة في الأحكام السابقة ولكن حرية التعبير وحدها لا تنحصر فيها الديمقراطية فإقالة الموظفين في الدولة لا تكون إلا على الفساد أو الإهمال أو عدم الكفاءة أما الإقالة بمجرد الانتساب السياسي فهي أقرب إلى الاستبداد والدكتاتورية ولا سيما إذا كان الموظفين المقالين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
السيد الدكتور الوزير أنت تعلم أن هذا لا يـترك من الأخلاق مثـقال ذرة.
خامسا: لا شك أن السمعة الموريتانية في الخارج قد ازدادت وكثر اعتبارها بين الدول.
سادسا: لا شك أنه بني ما أدرك من المؤسسة العسكرية التي وجدها في الحضيض لا يخاف منها ظالم ولا تغيث مستغاثا ولا تحفظ حدودا.
وفي الجملة هناك انجازات أخرى لا نستطيع تـتـبعها إنجازا إنجازا.
ولكن السيد الدكتور الوزير أرجو أن تلقي سمعك وأنت شهيد حاضر على كل ما سأكتب من ما لم ينجز لا كله ولا بعضه بل إن بعضه تدهور عن ما كان عليه زمن الأحكام السابقة وأبدأ بأخطره وأكثر الشعب له احتياجا ألا وهو الفقر والفقراء.
فالمعلوم أن مظاهر الفقر هي كثرة التسول وكثرة الأمراض وهاتان المصيبتان كادتا أن تعما أغلب المواطنين.
فنسبة الشعب المتسول والمرضى عند المستشفيات سجلا نسبة مرتفعة من الشعب الموريتاني ومن أهم أسباب ذلك ما يلي:
أولا: ارتفاع الأسعار ومن المعلوم أن مصعد الأسعار هو ارتفاع سعر البنزين وسعر تلك المادة الضرورية كأنه مسافر يستريح أياما ويبدأ كأنما يصعد في السماء.
ففقراء المواطنين في المقاطعات تضاعف عليهم سعر التـنقل في المدينة عدة مرات فبدلا من أن سيارات الأجرة كانت تحمل بمائة أوقية بزيادة البنزين أصبحت تحمل بمائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمس مائة لمن يريد إيصال متاع لمسكنه دون سعر الحمل.
ثانيا: إن إزالة الأحياء العشوائية أزيلت بعملية عشوائية غير مدروسة لأن الأحياء المرحل إليها ليس فيها مقر للحياة.
فالفقراء كانوا يسكنون أكواخا أو مباني متواضعة ولكن يأكلون ويشربون فيها والمهم في الحياة الدنيا هو السكن والأكل والشرب واختلاف الغني والفقير في هذه المسائل نسبي جدا، فإذا هدم المسكن وانتهي وبعدت وسائل العيش فأين المفر.
فبعض الفقراء خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي الدولة ليـنقـلوا إلى المثوى الأخير ولكن بقيت الحيطان لا يمكن نقلها.
وعلى العموم فإن ذلك الترحيل يشبه الكوارث الطبيعية فلا فرق بينه وبين كارثة الطنيطان التي ساعدت الحكومة أهلها وطلبت المساعدة من الخارج.
فأهل الطينطان لم يصابوا إلا في حيطانهم فالحيوانات كانت في المرعى والأشياء المادية نقـلوها قبل ضياعها، فكذلك أهل الأحياء لم يكن عندهم مواشي ولا أشياء مادية وإنما كانوا يملكون حيطانا يسكنون فيها على علاتها وفقدوها ورحلوا إلى ما يبعدهم من وسط المدينة مكان أغلب العيش.
وكذلك ارتفعت أسعار المواد الضرورية للحياة مثل: اللحم والأرز والسكر والألبان الخ.
وأنت السيد الدكتور الوزير تعرف المغرب وتعرف بساطة ثمن ما يمسك الرمق في الإنسان من الأكل وكذلك كثرة المؤسسات الخيرية التي يدخلها الفقير بوثيقة حكومية ويأكل ويذهب.
وخصوصية مساعدة الفقراء عندنا ذهبت مع المرحوم المختار بن داداه حيث كان الفقير تكفيه شهادة من البلدية على فقره ليتولي عنه صندوق الضمان الاجتماعي مصروفات الدواء...الخ.
وباختصار فإن قضية الفقر والفقراء تعقدت عن ما كانت عليه بدل الانجاز.
ثالثا: الصحة: وعدم الانجاز: فهذه المؤسسة هي مربض الفرس الذي يتعجب الجميع من عدم إصلاحها في زمنكم فأنتم الخبـير الذي سقط عليه اختيار التعيين للإصلاح وكان يظن الجميع أنكم ستـنهون في أشهر قليلة تزوير الدواء الذي هو مصيبة موريتانيا وتميزون بين العارف والجاهل والمواظب والمتكاسل من الأطباء فأطباؤنا متخرجون من تونس والمغرب والسنغال ومرضانا لا يتداوون إلا في هذه الدول "أين العلة"؟.
فكان من المفروض أن تزول هذه العلة في زمنكم وأنتم الراضون عن الحكم وهو راض عنكم فانتهت تلك الفرصة وبقيت الصحة لم ينجز فيها إلا إحضار الآلات بدون إحضار مشغليها فمن يريد معركة واشترى لها كثيرا من الأسلحة ولم يجد من يشغلها فالهزيمة آتية لا محالة.
السيد الوزير، لو شاهدت الفقير الآن في مستشفيات الدولة وهو يتسلم فاتورة العلاج لعلمت أن فاتورة دعمكم للرئيس مجانا.
رابعا: الإدارة العامة: فمن المعلوم أن الوالي والحاكم يمثلون الرئيس ومعنى ذلك أنهم رعاة لجميع القوانين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا إلى جميع آخر الحياة في الحي والمقاطعة والولاية ، ومع ذلك فالوالي والحاكم مثل القاضي يجلسون في مكاتبهم انتظارا لتلقي شكايات قطاعات الأرض فقط بدل التحرك وتفعيل مسؤوليتهم عن جميع قطات الدولة العاملة تحت إمرتهم فهذا لم ينجز فيه شيء.
فمن أراد أن لا يداوي في المستشفيات لا رقيب عليه ومن أراد زيادة الأسعار لا رقيب عليه ومن أراد أن يغلق الطريق بالبناء لا رقيب عليه بمعنى أنه لم يتغير أي شيء في عمل الإدارة الذي وصل آخر الفوضى حيث لم يبق إدارة يعنيها إلا شكايات قطاعات الأرض رغم تحويل ذلك عنها.
وهنا أناشدكم أن تناشدوا الرئيس حتى تكونوا أنتم والرئيس ووزير الداخلية في سيارة واحدة معه وتدخلون الساعة الثامنة على الحكام وتطلبون منهم تقرير الشرطة اليومي عن حالة المواطنين التابعين لمفوضيتهم كم المرضي فيها وكم فيها من فقير لا حيلة له وكم فيها من الأغنياء وهل وقع خلاف في الحي الليلة البارحة وكم برئت من امرأة إلى آخر جميع الشؤون الاجتماعية.
وهل الحاكم رفع التقرير إلى الوالي وهل رفعه الوالي في نفس اليوم إلى وزير الداخلية وهل رفعه ذلك إلى رئيس الجمهورية وهل عند رئيس الجمهورية من يستقبل ذلك ويلخصه له كل يوم.
وهل الحاكم استقبل نفس اليوم تقريرا من مفتش البيطرة والتعليم والتخطيط والصحة الخ المصالح ورفع عنها تقريره اليومي.
فالشؤون الاجتماعية وإن كان بعضها يعني البلديات فالحكام وصاة على البلدية لأنهم مسؤولون عن الشعب في كل شيء نيابة عن الرئيس.
وهذه الفوضى اللامسؤولية تعم جميع الوزارات في الدولة وقطاعاتها ومؤسساتها فالرقيب غير موجود إطلاقا.
ففي زمن المرحوم المختار بن داداه كان بعض الولاة لا يدخل مكتبه الساعة التاسعة حتى يمر بجميع رؤساء المصالح التابعين له ويستمع منهم للأوضاع ويعطيهم الإرشادات وهذا كل يوم عمل ومع ذلك كان عند الدولة عين باصرة ترعاه وقلب راع يحلل ويراقب ويكتب إلا أن تلك الأدوات المتمثلة في الشرطة والدرك استغني العسكريون عن خدمتها منذ ما يقرب من ثلاثين سنة وظلت تلك الأدوات تضعف وتضعف حتى جاء هذا الرئيس الحالي فظن أنها هي التي كانت ظالمة لنفسها مستغنى عن عملها وتركت الفوضى تمخر جميع أجزاء الدولة فقضي على ما تبقي منها ولا سيما الشرطة وكأنه يقول لها أخيرا: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).
ولا غرو فإن هذا الشبل من ذلك الأسد الذي ألمح هو على تلك البنوة لذلك الوالد العملاق التاريخي الذي سمعنا عنه ونحن صغار أنه كان قمرا إسلاميا مدنيا يشق ظلام الأوربيين بإسلامه العمري حيث لا معين آنذاك ولكن العزم والإقدام والرجولة وصفاء الفكر الإسلامي كانوا رفقاء غير خائنين ولا مثبطين فهنيئا للدكتور الوزير بتلك البنوة وتقبل الله جهاد أولئك الآباء.
ونعود لموضوع المقالين: فالأول كان بعنوان: "فاتورة الرأي الداعم" وغلب على نسجه وخياطته الفكر الأدبي الإسلامي حتى لا يعرف القارئ وهو يقرئه هل هو صاعد معه أم نازل فكل فقرة تعطيه للأخرى بقوة حتى اشـتبه على القارئ مع طعام أهل الجنة (كل ما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل...).
وحتى أصبح موضوع المقال الداعم اللامشروط لرئيس الجمهورية محمد بن عبد العزيز ثانوي بالنسبة لقوة أدبية المقال وإسلاميته (إن صح التعبير) فالرجل كأنه يتخير في أطايـيب الكلم من مائدة بلاغية أمامه حتى جسم من ذلك المقال السحر الحلال وحتى علم الجميع أن السهل الممتنع سهل على من سهله الله عليه.
أما المقال الثاني فيظهر أنه كتب أثناء الغضب فالعبارات البلاغية المتميزة حاول المحافظة عليها إلا أنه عندما أراد القتل بالكلمات أسرف في ذلك القتل حتى ظن القارئ أن هذا المقال لم يبدأ بآيتين أخطر كلمة فيهما على المسلم قوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة... الخ) الآية.
وكلمة الإصلاح هذه لا تريد ولا يمكنها أن تريد وليست أهلا أن تريد الرد لا سياسيا ولا مبتغى للرد بل لجاذبية المقالين وشدهما للقارئ يجعله يتمنى أن يمشي في ظلالهما لا للدفاع عن المعارضة ولا لبخس ما أنجزه الرئيس الموريتاني الحالي ولكن القلب البريء المطلع عندما يسمع وقائع أختلط فيها الحق بغيره وألتبس فيها الصحيح بضده لا بد لذلك القارئ البريء ولا سيما إذا كان الطريق المستقيم في كل شيء يطل برأسه دائما ليتذكره من يتذكرـ أن يحاول ولو بعباراته المتواضعة ـ أن يرد تلك الكلمات أو الوقائع إلى ما يراه الطريق المستقيم الذي نطلب جميعا كل يوم عدة مرات الهداية إلى سلوكه.
زيادة على أن كلمات الإصلاح التي نكتبها دائما أتعبت نفسها كثيرا في الكتابة تريد الإصلاح وشخصت مكان الفساد وميزت بدقة ـ بتوفيق الله ـ ما وقع فيه الإصلاح الذي لا ينكره إلا مكابر ورفعت على صفحاتها مستـنقع الفساد الذي لم يحم حوله الإصلاح ولا يتجاهل ذلك إلا من يجادل على "حرف" فلأجل ذلك كله وبما أن صاحب المقالين الدكتور الوزير ولا سيما في مقاله الأخير تكلم باسم ضمير الفاعل في الدولة عملنا وفعلنا وقمنا ولأول مرة نسمع استعمال هذا الضمير المجرد عن الفاعل الحقيقي في الدولة فبـــــدل هذا الضمير الفاعل كنا نسمع بتوجيهات من الرئيس عملنا وفعلنا كلمة جعلها العسكريون باقية في حكوماتهم.
واستبشارا بخلق هذا الضمير الفاعل فإني أود إعادة كتابة مستنقعات الفساد ليقرأها الدكتور وهو ما زال متلبسا باسم ضمير الفاعل المباشر لعل ما أعطاه الله من الخير يضفيه على إزالة تلك المستنقعات الآسنة ليجعل مكان العسر يسرا وليميز الله به الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا حتى يصيره في خبر كان.
وقبل ذلك أود هنا أن أذكر هويتي السياسية تجنبا للغش والتلبس: فأنا بقناعة مصيرية أنتسب لحزب "تواصل" وعضو في مجلسه الوطني ولكن انتسابي له لا يشبه انتساب الأفراد للأحزاب السياسية الدنيوية بل انتسبت إليه انتسابي للإسلام فالله يخبرنا أن المؤمن يقول: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) إلى قوله تعالى (وتوفنا مع الأبرار) ونحن نريد مع إيماننا الوفاة مع الأبرار.
فالإسلام يحتم على المسلم الانضمام إلى أحسن جماعة تبحث عن اتباع الطريق المستقيم الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
وانتساب المسلم لهذا النوع من الأحزاب يبقي داخله مسلما لا يعتقد العصمة للأفراد ولا للجماعات حيث تبين له الحق يقوله ويفعله وحيث لا فيعلن عدم رضاه عن ما لا يرضي الله.
فأهل هذا الحزب ليسوا مسلمين قوميين عندما ينفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وليسوا مسلمين علمانيين لا يبحثون عن الأكل من موائد الله في الآخرة لأن الأكل من تلك الموائد له شروط كما قال تعالى: (إن المتقين في جنات عيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون...) الخ الآية.
وفي آخر موائد سورة الواقعة (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون)، وقوله تعالى (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) بل المسلمون العلمانيون لا يخافون الحزن يوم الفزع الأكبر.
وليسوا مسلمين روحانيين غشاؤها الإسلام ولبها طلب المادة عن طريق الدين ولا يخافون قوله تعالى (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) وقوله تعالى (وبدي لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون...).
وليسوا مسلمين روحانيين يريدون تطبيق قرآن الآخرة وأحاديث الآخرة تاركين قرآن الدنيا وأحاديث الدنيا والله يقول (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) إلى آخر الأوامر الموجهة للتنفيذ في الدنيا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم".
وليسوا مسلمين روحانيين يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتـنة وابتغاء تأويله.
ولا يخافون من الاتيان بالأرامل واليتامى وهم على رقابهم يجأرون أمام الله طلبا للحكم العدل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم "لا أغني عنكم من الله شيئا قد أبلغتكم".
إن الانتساب لهذا المثل من الأحزاب (تواصل) لا ينتهي بالموت لأن المولى عز وجل يقول (ونحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) ويقول (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) فوفود أهل التقى في الدنيا هم نفس وفودهم في الآخرة وجماعاتهم نفس جماعاتهم في الدنيا.
فمنتسبوا الحزب مسلمين على الطريق الوسطي يعرفون أن الله خلق الدنيا مطية للآخرة وذلك لمن أحسن ركوبها وهم أحسنوا ذلك فباسم الله مجراها ومرساها.
فطريق الحزب كما أراني الله مأخوذة من القرآن والسنة بعد نزول قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) مباشرة وبعد انتهاء خطبة حجة الوداع مباشرة أيضا وقبل أن تتدخل في تلك الطريق اليد البشرية لتـنقص وتزيد وتحرف وتـغير منها ما تريد وتمني وتعد.
ومن هنا يمكن لشخص أن يسألني هل سافرت معهم فنقول: نعم، سافرت معهم فوجدتهم رهبانا بالليل وفرسانا بالنهار وعندما نسأل هل اجتمعت معهم نقول: نعم اجتمعت معهم فكان الاجتماع للدنيا والآخرة معا فعندما يحضر عمل الآخرة يترك كل عمل آخر حتى ساعة الجمعة عندما تحين أثناء الاجتماع يحول الاجتماع إلى اجتماع للدعاء فقط حتى صلاة المغرب كما أنك إذا نظرت إليهم مجتمعين تجد أغلبهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، كما تذكرك هذه النظرة بقوله تعالى (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) ونرجو أن تكون كذلك في الآخرة.
هذه الفذلكة من المقال ليست هي موضوع كلمة الإصلاح ولكن الموضوع الحقيقي هو مقالين للدكتور الوزير الذي يفهم من بعض كلامه أن الحكم الحالي أنجز كل شيء وأن الوضع والرخاء على ما يرام في كل شيء.
ونحن المراقبون فقط المخضرمون نميز تمييزا تاما بين ما أنجزه هذا الرجل للدولة الموريتانية وما لم يتطرق إليه الانجاز إطلاقا لعل السيد الدكتور الوزير ما دام يكتب معنى ذلك أنه يقرأ وعندما يقرأ ما لم ينجز فنقول له أنه ما دام أقر أن له من الأمر شيء فنقول له "نبه لها عمرا ثم نم".
وبتلك المناسبة فإننا سوف نكتب ما نراه بأعيـنـنا قد أنجزه رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد بن عبد العزيز ونكتب كذلك ما نرى بأعيـنـنا أنه لم ينجز منه شيء.
هذا الرئيس الحالي لا شك أنه جاء إلى موريتانيا وكل حكوماتها ومؤسساتها عسكرية أو شبه عسكرية أو مدنية سياسية أو ثقافية أو اقتصادية كل ذلك كان مجرد عناوين تفسره كلمة معربة من الفرنسية وهي (شانـتـيوه) فالوزراء شانـتيوهات والولاة والحكام والمؤسسات المعدنية والتجارية والدبلوماسية كل ذلك "شانـتيوهات" ومن أنكر هذا أو بعضه فليفتح لشهود العيان المخضرمين لتسجيل مشاهداتهم المبكية وغير المضحكة.
أما انجازات الرئيس فنرجو من الدكتور الوزير أن يستمع إليها حتى يعلم علم اليقين بأنه بقي عليه الكثير.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يمدح صحابيا قال له: فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله "الحلم والأناة" ولم يقل له جميع ما فيك من الخصائل يحبه الله ورسوله والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يعلم شخصا كيف يشهد قال له أنظر إلى الشمس فلمثل هذا فلتشهد.
والله تبارك وتعالى يقول (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقـال تعالى (ستكتب شهادتهم ويسألون) كما أن من لبس من أعلى ثوبا فاخرا ولبس من أسفل مرقعات فمادح ثوبه الأعلى سيلاحظ عليه عدم رؤيته للمرقعات.
والآن إلى معاليكم ما أنجزه رئيس الجمهورية يقـينا:
أولا: مداخيل الدولة ومصارفها: لا شك أن ميزانية الدولة كان يصادق عليها البرلمان وبعد ذلك توزع دولة بين الأغنياء والوجهاء من الدولة، والآن وضع الرئيس حدا لأكلها من طرف أولئك أما أين تذهب فعلم ذلك عند الله.
فهناك خمس وزارات كانت كل سنة تـتـلقي المساعدات الدولية لتـنميتها وهي: الداخلية والتنمية والتعليم والصحة والشؤون الإسلامية، وكان كل وزير يستدعى ثلاث مرات في السنة رؤساء المؤسسات: الولاة ، مدراء الصحة، مناديب التنمية... الخ ليمكثوا أكثر السنة عن عملهم في الداخل وتوزع على اجتماعاتهم تلك المساعدات كتعويض لهم عن استدعائهم واجتماعاتهم ولا يطرأ أي شيء من الإصلاح.
وميزانية التسيير كانت ضخمة وتنفق للأغراض الخاصة، وكان لتأجير الدور نصيبه من الفساد كما وكيفا، والضرائب كان يستوي فيها ضريبة صاحب الملايـير وصاحب حانوت يبيع بالسقط.
هذه الناحية من الفساد لا شك أنه قضي على تمكين أصحابها من الفساد فيها.
ثانيا: البني التحتية: لاشك أنه أنجز كثيرا من الطرق كانت العاصمة وغيرها في حاجة ماسة لها حتى يمكن لها أن تسمى عاصمة دولة.
ثالثا: القضايا الإسلامية: لا شك أن إذاعة القرآن ورواتب الأئمة إلى آخر كل ما ذكر السيد الدكتور والوزير في هذا الصدد هو إنجاز يسجل لهذا الرئيس في زمنه.
رابعا: الديمقراطية: فلا شك أنه أطلق كثيرا من حرية التعبير مع أن حرية التعبير مضمونة في المادة العاشرة من الدستور إلا أنه لا يؤاخذ على الأعمال التي كان القيام بها يعد تمردا ويعاقب عليها بقسوة فائقة في الأحكام السابقة ولكن حرية التعبير وحدها لا تنحصر فيها الديمقراطية فإقالة الموظفين في الدولة لا تكون إلا على الفساد أو الإهمال أو عدم الكفاءة أما الإقالة بمجرد الانتساب السياسي فهي أقرب إلى الاستبداد والدكتاتورية ولا سيما إذا كان الموظفين المقالين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
السيد الدكتور الوزير أنت تعلم أن هذا لا يـترك من الأخلاق مثـقال ذرة.
خامسا: لا شك أن السمعة الموريتانية في الخارج قد ازدادت وكثر اعتبارها بين الدول.
سادسا: لا شك أنه بني ما أدرك من المؤسسة العسكرية التي وجدها في الحضيض لا يخاف منها ظالم ولا تغيث مستغاثا ولا تحفظ حدودا.
وفي الجملة هناك انجازات أخرى لا نستطيع تـتـبعها إنجازا إنجازا.
ولكن السيد الدكتور الوزير أرجو أن تلقي سمعك وأنت شهيد حاضر على كل ما سأكتب من ما لم ينجز لا كله ولا بعضه بل إن بعضه تدهور عن ما كان عليه زمن الأحكام السابقة وأبدأ بأخطره وأكثر الشعب له احتياجا ألا وهو الفقر والفقراء.
فالمعلوم أن مظاهر الفقر هي كثرة التسول وكثرة الأمراض وهاتان المصيبتان كادتا أن تعما أغلب المواطنين.
فنسبة الشعب المتسول والمرضى عند المستشفيات سجلا نسبة مرتفعة من الشعب الموريتاني ومن أهم أسباب ذلك ما يلي:
أولا: ارتفاع الأسعار ومن المعلوم أن مصعد الأسعار هو ارتفاع سعر البنزين وسعر تلك المادة الضرورية كأنه مسافر يستريح أياما ويبدأ كأنما يصعد في السماء.
ففقراء المواطنين في المقاطعات تضاعف عليهم سعر التـنقل في المدينة عدة مرات فبدلا من أن سيارات الأجرة كانت تحمل بمائة أوقية بزيادة البنزين أصبحت تحمل بمائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمس مائة لمن يريد إيصال متاع لمسكنه دون سعر الحمل.
ثانيا: إن إزالة الأحياء العشوائية أزيلت بعملية عشوائية غير مدروسة لأن الأحياء المرحل إليها ليس فيها مقر للحياة.
فالفقراء كانوا يسكنون أكواخا أو مباني متواضعة ولكن يأكلون ويشربون فيها والمهم في الحياة الدنيا هو السكن والأكل والشرب واختلاف الغني والفقير في هذه المسائل نسبي جدا، فإذا هدم المسكن وانتهي وبعدت وسائل العيش فأين المفر.
فبعض الفقراء خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي الدولة ليـنقـلوا إلى المثوى الأخير ولكن بقيت الحيطان لا يمكن نقلها.
وعلى العموم فإن ذلك الترحيل يشبه الكوارث الطبيعية فلا فرق بينه وبين كارثة الطنيطان التي ساعدت الحكومة أهلها وطلبت المساعدة من الخارج.
فأهل الطينطان لم يصابوا إلا في حيطانهم فالحيوانات كانت في المرعى والأشياء المادية نقـلوها قبل ضياعها، فكذلك أهل الأحياء لم يكن عندهم مواشي ولا أشياء مادية وإنما كانوا يملكون حيطانا يسكنون فيها على علاتها وفقدوها ورحلوا إلى ما يبعدهم من وسط المدينة مكان أغلب العيش.
وكذلك ارتفعت أسعار المواد الضرورية للحياة مثل: اللحم والأرز والسكر والألبان الخ.
وأنت السيد الدكتور الوزير تعرف المغرب وتعرف بساطة ثمن ما يمسك الرمق في الإنسان من الأكل وكذلك كثرة المؤسسات الخيرية التي يدخلها الفقير بوثيقة حكومية ويأكل ويذهب.
وخصوصية مساعدة الفقراء عندنا ذهبت مع المرحوم المختار بن داداه حيث كان الفقير تكفيه شهادة من البلدية على فقره ليتولي عنه صندوق الضمان الاجتماعي مصروفات الدواء...الخ.
وباختصار فإن قضية الفقر والفقراء تعقدت عن ما كانت عليه بدل الانجاز.
ثالثا: الصحة: وعدم الانجاز: فهذه المؤسسة هي مربض الفرس الذي يتعجب الجميع من عدم إصلاحها في زمنكم فأنتم الخبـير الذي سقط عليه اختيار التعيين للإصلاح وكان يظن الجميع أنكم ستـنهون في أشهر قليلة تزوير الدواء الذي هو مصيبة موريتانيا وتميزون بين العارف والجاهل والمواظب والمتكاسل من الأطباء فأطباؤنا متخرجون من تونس والمغرب والسنغال ومرضانا لا يتداوون إلا في هذه الدول "أين العلة"؟.
فكان من المفروض أن تزول هذه العلة في زمنكم وأنتم الراضون عن الحكم وهو راض عنكم فانتهت تلك الفرصة وبقيت الصحة لم ينجز فيها إلا إحضار الآلات بدون إحضار مشغليها فمن يريد معركة واشترى لها كثيرا من الأسلحة ولم يجد من يشغلها فالهزيمة آتية لا محالة.
السيد الوزير، لو شاهدت الفقير الآن في مستشفيات الدولة وهو يتسلم فاتورة العلاج لعلمت أن فاتورة دعمكم للرئيس مجانا.
رابعا: الإدارة العامة: فمن المعلوم أن الوالي والحاكم يمثلون الرئيس ومعنى ذلك أنهم رعاة لجميع القوانين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا إلى جميع آخر الحياة في الحي والمقاطعة والولاية ، ومع ذلك فالوالي والحاكم مثل القاضي يجلسون في مكاتبهم انتظارا لتلقي شكايات قطاعات الأرض فقط بدل التحرك وتفعيل مسؤوليتهم عن جميع قطات الدولة العاملة تحت إمرتهم فهذا لم ينجز فيه شيء.
فمن أراد أن لا يداوي في المستشفيات لا رقيب عليه ومن أراد زيادة الأسعار لا رقيب عليه ومن أراد أن يغلق الطريق بالبناء لا رقيب عليه بمعنى أنه لم يتغير أي شيء في عمل الإدارة الذي وصل آخر الفوضى حيث لم يبق إدارة يعنيها إلا شكايات قطاعات الأرض رغم تحويل ذلك عنها.
وهنا أناشدكم أن تناشدوا الرئيس حتى تكونوا أنتم والرئيس ووزير الداخلية في سيارة واحدة معه وتدخلون الساعة الثامنة على الحكام وتطلبون منهم تقرير الشرطة اليومي عن حالة المواطنين التابعين لمفوضيتهم كم المرضي فيها وكم فيها من فقير لا حيلة له وكم فيها من الأغنياء وهل وقع خلاف في الحي الليلة البارحة وكم برئت من امرأة إلى آخر جميع الشؤون الاجتماعية.
وهل الحاكم رفع التقرير إلى الوالي وهل رفعه الوالي في نفس اليوم إلى وزير الداخلية وهل رفعه ذلك إلى رئيس الجمهورية وهل عند رئيس الجمهورية من يستقبل ذلك ويلخصه له كل يوم.
وهل الحاكم استقبل نفس اليوم تقريرا من مفتش البيطرة والتعليم والتخطيط والصحة الخ المصالح ورفع عنها تقريره اليومي.
فالشؤون الاجتماعية وإن كان بعضها يعني البلديات فالحكام وصاة على البلدية لأنهم مسؤولون عن الشعب في كل شيء نيابة عن الرئيس.
وهذه الفوضى اللامسؤولية تعم جميع الوزارات في الدولة وقطاعاتها ومؤسساتها فالرقيب غير موجود إطلاقا.
ففي زمن المرحوم المختار بن داداه كان بعض الولاة لا يدخل مكتبه الساعة التاسعة حتى يمر بجميع رؤساء المصالح التابعين له ويستمع منهم للأوضاع ويعطيهم الإرشادات وهذا كل يوم عمل ومع ذلك كان عند الدولة عين باصرة ترعاه وقلب راع يحلل ويراقب ويكتب إلا أن تلك الأدوات المتمثلة في الشرطة والدرك استغني العسكريون عن خدمتها منذ ما يقرب من ثلاثين سنة وظلت تلك الأدوات تضعف وتضعف حتى جاء هذا الرئيس الحالي فظن أنها هي التي كانت ظالمة لنفسها مستغنى عن عملها وتركت الفوضى تمخر جميع أجزاء الدولة فقضي على ما تبقي منها ولا سيما الشرطة وكأنه يقول لها أخيرا: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).







