الأستاذ: محمد بن نافع
كان الحفل مهيبا والمكان زاهيا والحشود ترسم لوحة فنية مختلفة الألوان زادت المكان جلالا وجمالا فكأنك في أحد المنتزهات الراقية لولا أن جانب الصورة الآخر يؤذن بخلاف ذلك (فقراء ـ متسولون ـ عجزة ـ عجائز).

وقف الجميع بأقدام راسخة وهامات تساوق عنان السماء بغارب ..ليشكلوا جزءا من أصحاب المظالم غير أن ظلال تحركات الخصوم السياسيين وهواجس التحضير لمنازلتهم الإعلامية وتقفي آثارهم في الداخل لرد من صبأ من الأتباع (..) شغل ساكني القصر عن استقبال الزوار ـ بالراء المعجمة لا الثاء ـ فالزائرون كرام والمزور مضيف وكريم أيضا : إنهم حملة العلم والقلم وإنه حامي الذمار وراعي مصالح الأمة .

الوقفة التي نظمتها النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي أمام القصر الرئاسي في ختام إضرابها الذي استمر شهرا كاملا أرادت منها توجيه بعض الرسائل و تحقيق بعض المسائل؛ وبما أن تلك الرسائل وصلت، ولتلك المسائل من يشرحها من أعضاء النقابة قد أضربت الصفح عنها لأتحدث عن أمور أخرى أثارتها الوقفة بالنسبة إلي :
1ـ كان على رئيس الجمهورية أن يستقبل الأساتذة ويلبي مطالبهم فما هم بأقل شأنا ممن يستقبل يوميا وقد جاؤوا إليه إكراما له وحسن ظن به تأسيا بقول الشاعر :
لأهل الفضل يغتنم المزار وترك زيارة الفضلاء عار
كما أن المزور عليه عار إذا بالحاج لم تؤب الزوار
2ـ إذا كان فخامته في صراع مع جند العجائز ــ ورحم الله تعالى سيدنا ولد الشيخ سيديا ـ وكان يهابه جند البغاة؛ فمن المناسب أن يتمترس وراء هؤلاء الشباب المثقفين ولا يتركهم لأولئك الثوار العجائز الذين أكلوا الأخضر واليابس على حد تعبير الرئيس فهو إن لم يفعل فسينشد حال الأساتذة :
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ نصيب ولا حظ تمنى زوالها
وما ذاك من بغض لها غير أنه يرجي سواها فهو يهوى انتقالها
جنبنا الله زوال الدول الشنيع وأحاطنا من حفظه بسور منيع
أو ينشد مع الفرزدق بيته الخالد :
فهل أنت إلا نخلة غير أنني أراها لغيري ظلها وصرامها
3ـ إن دعوات الإصلاح المتكررة التي أطلقها الرئيس لن تتم إلا أن يكون سدنتها أهل التعليم والتعليم الثانوي بالأخص؛ فعليه أن يختصر الطريق ويأتي البيوت من أبوابها ويعط القوس باريها .
4ـ الكلمة موجهة للزملاء الذين لم يضربوا ولكنهم لم يضارروا والذين تخلفوا عن ركب النضال نقول : (( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين )) منشدين قول الأستاذ النابغة :

وإلى الذين تخلفوا وتخندقوا في صف من في حقنا قد أذنبا
إنا لنعلم أن سيصحو فيكم ذاك الضمير وإن تغير أو خبا
يكبو الجواد وقد ينوء بحمله ويقوم حتما لو تعثر أو كبا

أما أولئك الذين جاسوا خلال الديار وأباحوا لأنفسهم القفز على مهنة الأنبياء والمرسلين فأصبحوا يسمون من قبل التلاميذ بالشبيحة والبلطجية فأظن أن الأخ الأمين العام يقصدهم بقوله :

لأسمى المجد يستبق الرجال وأسمى المجد مركبه النضال
فلا بلغت مقاصدها جسوم تغذيها المذلة والخبال
تعودت المهانة فهي فيها وعنها لا يخالجها ارتحال
إذا دبت فأرجلها ثلاث هي القدمان والرأس الممال

5ـ كلمة للراتب المقطوع وهي مقتطفات من مدونة الإضراب
يقول الأستاذ النابغة بن أحمد:

يا راتبا صان الكرامة والإبا منا السلام على سهولك والربا
ذقنا بفقدك بعد طول مذلة طعم الكرامة ما أعز و أطيبا
نم يا رويتب في الخزينة هانئا فلنحن أحسن ما بقيت مغيبا

و يقول صاحب المقال :
قل للوزارة من ستقطع رزقنا يحيى النضال و بئست الأرزاق
لا تسقني ماء الحياة بذلة نعم الكرامة ماؤها الرقراق
قسما سينتصر الكرام وتنجلي سحب الظلام وينتهي الإرهاق
ويعم في الأفق السلام وينتشي صوت النضال لواؤه خفاق
وتدور دائرة الزمان على العدا فالليل بعد ظلامه إشراق


ويقول الأستاذ باباه بن محمدن:
ومشـفقـة تبـدي النـصـيحة مـرة تلين وحينا بالعتاب تعنف
تقول: غريب أمرك اليوم؛ دخلنا على زهده كنا به نتعفف
وتذهب للإضراب تبغي ضياعه فكيف علينا بعد ذلك تعطف
فقلـت لهـا إن الـكـرامـة عـنـدنا أعز وأغلى، والمواقف تشرف
وقلـت: دعيـني لا أريـد مـذلـة ورزقا به مر الهوان أكلف
ولكن إلى صف الأماجد بينهم أخوض غمار المجد ثمة أعرف
فقالت وقد نبهت فيها شهامة وخلقا رفيعا: إنني لك أنصف


وأخيرا إلى الرأي العام نقول : إن التعليم للجميع وإصلاحه ضرورة ملحة آكد من كل الضرورات والحاجيات والتحسينات وإن الأساتذة هم أهل مكة وأدرى بشعابها، ولهم أبناء وبنات يدرسون في التعليم العام وقد صبروا وضحوا بما فيه الكفاية فآن للدولة أن تلتفت إليهم وخصوصا أن النظام الحالي وجد مشكلتهم على الطاولة وتعهد السيد الرئيس شفهيا بحلها في لقائه مع أعضاء النفابة والكرة اليوم في مرمى النظام .والمطلوب الفعل لا القول وتحقيق مطلبي النقابة : رفع الأجور وتطبيق نظام الأسلاك والله يوفقنا جميعا لما فيه الخير والسداد