تاريخ الإضافة : 24.03.2012 20:40

حقائق... غير قابلة لإثبات العكس

الأستاذ/ بوننا سيدي أعثيمين

الأستاذ/ بوننا سيدي أعثيمين

صحيح أنه يفوق التوقع أن يتسنى لرئيس الجمهورية تدريب جيل من الشيوخ الكرام على تمثل الديمقراطية منهجا وأسلوبا وممارسة، لأن الديمقراطية تعني بالنسبة لهم تقاسم مخصصات البنى التحتية من آبار في الأرياف وشوارع في المدن ومثلجات لأهل "المامغار"... وتكديسها في حسابات مصرفية داخلية وخارجية، كما تعني للبعض الآخر تقاسم ما يتصدق به أهل الخليج العربي على فقراء هذا البلد. ومع ذلك، فإن الديمقراطية بدأت تفرض نفسها بقوة وتؤتي أكلها لدرجة أصبحت المعارضة غير الديمقراطية تمارس حقها في التظاهر والاحتجاج دون مضايقة من السلطات السياسية الحاكمة بل فتحت أمامها جميع وسائل الإعلام الرسمية من أجل ممارسة حقها في تمرير "برنامجها" الذي ينحصر في أن رئيس الجمهورية من مواليد مدينة اللوقة السينيغالية، وأنه عسكري أصلا، وأنه لهذه الأسباب يجب أن يرحل.

ولأن الجمهورية مَنً الله عليها بشعب ذكي عرف كيف يختار حين انتخب رئيسا يحكم ولا يتحكم، يتعاطى مع معارضيه بأسلوب ديمقراطي ولا يعتمد فيه مع مناصريه منطق الزبونية بل منطق التوافق على بناء الوطن بالحق والقانون وإعمال مبادئ المحاسبة الديمقراطية والجزاء السياسي. ولامتلاكه هذه الصفات فإن محورية الشعب في خطابه وفي أولوياته لا مراء فيها، كما لا مراء في أنها تشكل إستراتيجيته التي لا تدخر المعارضة الرافضة للحوار جهدا في محاربتها بخطاب ضعيف ومتآكل لا تخفى فيه محورية الأهداف الشخصية والحزبية الضيقة ولذلك لا يمكن للمواطن أن يتلمس فيه أي مصلحة، وإلا فإلينا بمن يتحفنا بمصلحة المواطن في حوار بين الأغلبية والمعارضة وفقا لمرجعية ما يسمى باتفاق داكار؟ وأي مصلحة له في معرفة المدينة التي ولد فيها رئيس الجمهورية هل هي أكجوجت أم اللوقة؟.

إن المتتبع لتطور خطاب المعارضة الذي بدأ بالاعتراف برئيس منتخب بكل شفافية، وما تلا ذلك من مطالبته بحوار تسبق نتائجه مقدماته، وقد انتهى أخيرا إلى مطالبته بالرحيل مع استباحة كل الوسائل غير الديمقراطية: الاغتيال، أو الانقلاب العسكري، أو الثورة، سيخرج بنتيجة واحدة مفادها أن قادة هذه المعارضة لا يؤمنون بالديمقراطية كحل سياسي واقتصدي واجتماعي لمشاكل البلد طال ما يرون أن من وصل بواسطتها إلى سدة الحكم يجب التخلص منه بوسائل وأساليب غير ديمقراطية، وإن كان هذا الرأي ينسجم تماما الانسجام مع المنطق التاريخي للوظائف الوزارية والإدارية التي احتلها هؤلاء القادة، الذين نحيل القارئ الكريم لمشاهدتهم على الرابط التالي:

http://www.alakhbar.info/23046-0---F-5-FCCCC00.html

يدا بيد من أجل تحقيق مصالح شخصية مشتتة ليس للمواطن الموريتاني فيها إلا ما يضيره ولا ينفعه، فإنه علاوة على كونه عديم المصداقية منفر ويمجه الوجدان الشعبي.

ولاعتقاد إسلاميي موريتانيا، الثوار الذين شاركوا في حكومة مطبعة مع العدو الصهيوني، بأنهم أوفر شعبية ومصداقية من زعماء المعارضة، وأنهم أكثر قدرة على استنساخ (الربيع العربي) بحكم أنه اتخذ طابعا إسلامويا في بعض الدول العربية، قاموا بإعداد مهرجان خاص بهم يبدوا أنه كان محل خلاف بينهم انتهى إلى عدم حضور رئيسهم جميل إبراهيم منصورالذي لم يتذكر عدم حضوره ممن تعاقبوا على المنصة سوى غلام مثلما لم يتذكر المنسقية سواه، وقد وقع فعلا ما كان يخشاه ذلك الرئيس وهو: تواضع الكم البشري، نصف الملتحي، ونصف المتحجب، الذي حضر المهرجان لأنه لا يتجاوز ألف شخص على أكبر تقدير كل واحد منها يملك سيارة من عائدات صدقات أهل الخليج على الفقراء والمساكين، ظهور الطابع الجهوي له بشكل جلي، وخلوه تماما من بعض الشرائح الاجتماعية في ساحته كما على المنصة: لحراطين، لكور، ما يسمى محليا بالعرب، ولأن هذه الشرائح غابت فعلا عن المهرجان فقد ذكر غلام حضورها دون سواها لسد النقص بالكذب، إفلاس خطابه الذي لم يستطع إضافة كلمة واحدة تميزه عن خطاب زعماء المعارضة المذكورة سوى صفة بذيئة من صفات غلام قذف بها رئيس الجمهورية وهي صفة لا تكون إلا فيمن يأكل أموال اليتامى والمساكين أو يكذب أو يصلي رياء رغم أن الرئيس هو من انحاز للفقراء والمساكين، ولم يسجل التاريخ عليه أنه يكذب، ولم يصلي رياء منذ أن بلغ سن التكليف إلى اليوم، ولم ينسحب عن صلات الجمعة لأي سبب مهما كان. ولا نحتاج إلى تأكيد أن شعبية الخطاب الواحد لن تكون إلا واحدة.

وبدون شك فإن خطاب رئيس الجمهورية في مهرجان نواذيبو، الذي حضرته جميع مكونات الشعب الموريتاني، وجه صفعة قوية لوحدة المنسقية الهشة أصلا ووضع مكوناتها في مركز دفاع عن نفسها في شكل تصريحات، في أغلب الأحيان، وفي شكل مهرجان كما في مهرجان الرد "الصادق"ــ بالفأل ــ الذي نظمه إسلاميو موريتانيا لوحدهم، وأعتقد مطمئنا أن تأثيرات هذه الصفعة ستنعكس على مهرجانات المعارضة مستقبلا وعلى كافة تحركاتها في الشارع الذي سيرفضها بوضوح أكثر ولن يبق أمامها إلا السير وراء قافلة الديمقراطية التي يقودها رئيس الجمهورية أو ارتكاب مزيد من الحماقات يجعلها تغرد أكثر خارج النسق الديمقراطي الذي كرس الحريات العامة ونقل الجمهورية الإسلامية الموريتانية من مجرد موضوع للعلاقات الإقليمية والقارية والدولية إلى طرف فاعل فيها، كما استطاع في ظرف وجيز أن يحقق انجازات لمسها المواطن في حياته اليومية وبعثت في نفسه الأمل عاليا في غد أفضل، كما بعثت بنفس القدر اليأس والقنوط في نفوس زعماء المعارضة المذكورة لاعتقادهم، عن حق، أن رئيس الجمهورية سيحقق برنامجه الانتخابي على أرض الواقع ولذلك تجب إعاقته بأي وسيلة لكي يتسنى الترشح معه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة والحصول معه على نتائج يحسن عليها السكوت أما النجاح عليه فقد ألغوه من حساباتهم منذ أن بدأوا يعيشون تحت صدمة مفاجأة الإنجازات التي لم يخطر لهم على بال إمكانية تحققها في ظرف قياسي واستثنائي بجميع المقاييس والتي أضحت في فقهم الساذج سببا من أسباب إباحة الانقلاب على الرجل، أو اغتياله، أو الثورة عليه بل وسببا من أسباب دخول الجنة لكل من تعلق بها حتى لو كان شيوعيا.

ومن الجلي أن الحالة النفسية التي يعيشها زعماء المعارضة الرافضة اليائسة قد أدخلها رئيس الجمهورية في حساباته كمعوق من معوقات التغيير يجب التغلب عليه مهما كلف الثمن ولذلك نادى في الحملة الانتخابية الرئاسية بتجديد الطبقة السياسية وما زال، عن حق، عند رأيه لأن ما نعيشه اليوم من تخلف على جميع الأصعدة مرتبط ارتباطا عضويا بسوء تسييرها وسوء إدارتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجمهورية لكن إرادة التغيير إلى الأفضل عندما تكون قوية وصادقة ويكون التغيير ملحا وممكنا فإن جميع المعوقات يتم التغلب عليها بكل يسر وسهولة حتى المتعلقة بعقليات شيوخ تناسب الستينات من القرن الماضي الذي كان يجتمع فيه الإخوة الأشقاء في مجلس وزراء واحد تحت رئاسة أخيهم رئيس الجمهورية وكان المثقف باللغة العربية على أيامهم Arabisant لا يستحق أكثر من قاضي الأحوال الشخصية، وكان الرقيق عندما يهرب من مالكه وتصل إلى علم الحاكم يبعث بواحد من الحرس الوطني في طلبه وبقوة العصا والحبل يعيده إلى مالكه ولم يسجل التاريخ أن زعيم المعارضة اليوم أحمد ولدداداه سجل أدنى اعتراض على هذه الممارسات التي يندى لها الجبين الشيء الذي يستغرب معه الكثيرون صحوة ضميره المتأخرة جدا، كما يقف معه الشعب الموريتاني مشدوها لا يعرف أي الأحامد يصدق أحمد الأمس أم أحمد اليوم؟!.

وإذا كان إسلاميو موريتانيا كما يسمون أنفسهم، رغم أن نائب رئيسهم انسحب ذات مرة عن أداء صلاة الجمعة لأسباب سياسية، بل وكل من يتنشق زهور ربيعهم، يعتقدون أن الشعب الموريتاني يغار من ربيع الاخوانجين في مصر وليبيا وسوريا وتونس فقد قام بعملية إسقاط نفسي لا يغير ولا يبدل لأن شعوب هذه البلدان هي التي تغار فعلا من الشعب الموريتاني الذي يعيش اليوم ديمقراطية حقيقية هادئة كما يعيش نهضته التنموية وحريته بقيادة رئيس يتسع صدره لجميع الآراء ويرد عليها بكل وضوح وصدق ليس من المنطق الذي كان يرد به زين العابدين، ولا معمرا لقذافي ولا حسني مبارك بل من منطق رئيس منتخب انصرفت إرادته عن وعي وحزم إلى المضي قدما في سبيل تكريس الديمقراطية وبناء الوطن، ويعي جيدا جميع المعوقات التي تعترض سبيله في ذلك خصوصا مدى صعوبة التحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ومن التلاعب بممتلكات الشعب إلى جعلها في خدمته ولذلك نرى هذا الشعب اليوم على قلب رجل واحد مع رئيس الجمهورية والطبقة السياسية القديمة ضده ولا تنقصها إلا القدرة لا الرغبة في التخلص منه حتى ترجع أمور الشعب إلى نصابها ومألوفها الذي هو: الكادحون يعينون رئيسهم وينقسمون عليه بعد ذلك جناح معه وجناح ضده ويغدق هو عليهم من أموال الشعب لكي ينال رضاهم ويغدقون هم على أنفسهم بطرائق شتى، والإسلامويون يتاجرون باسم الدين ويربحون أموالا طائلة مقابل تنفيذ أجندة لم تعد خافية على أحد، والبعض الآخر يريد أن يكون رئيسا ولو ليوم واحد بصناديق الاقتراع أهلا وسهلا، بالانقلاب أهلا وسهلا، بالاغتيال يا أهلا وسهلا.

إنها مجموعة حقائق على من يكرها إثبات عكسها.

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025