تاريخ الإضافة : 20.03.2012 11:25
المعارضة بين أزمة المفهوم ومفهوم الأزمة
سيد الأمين ولد باب
عندما نريد أن ندخل حقلا معرفيا ما سياسيا كان واجتماعيا أو ثقافيا وسواء في أي جزئية منه ، لنخوض فيه بالبحث والدراسة علي مستوي الفكر أو الممارسة ، لابد وأن نكون محكومين بشبكة من المفاهيم الأساسية، نتشبث بها للوصول إلي الحقيقة في ذلك الميدان ،ففي السياسة مثلا وداخل الأنظمة الديمقراطية يجب أن نقف علي مفاهيم مركزية : كالمعارضة ، وحرية الرأي والتعبير... إنها المفاهيم الأكثر تضررا من سوء الاستخدام عن قصد أو لسوء فهم ،الأمر الذي قد يلقي بظلاله علي الساحة السياسية ،محدثا تشويشا ما وحتى لا يتربي النشء علي مفاهيم سياسية مغلوطة في بلادنا يجد ر بنا أن نتنبه إلي ذلك في وقته تماما مثل الفلكي الذي ينتظر حدوث ظاهرة فلكية ما ( كالكسوف أو الخسوف) في وقت ما ،وفي مكان ما .
الآن وفي ساحتنا السياسية تتجلي ظاهرة الاستخدام السيئ لمفاهيم مثل المعارضة وحرية الرأي والتعبير ،والأزمة السياسية ،فما هي هذه المفاهيم علي حقيقتها ؟ و إلي أي حد أسيئ استخدامها ؟ لماذا ، ولفائدة من، ومن المتضرر منها ؟؟؟!.
مفهوم المعارضة:
إنها ذلك الحزب السياسي أو مجموعة الأحزاب ،التي تسعي للوصول إلي السلطة و تتمتع بقاعدة شعبية ما ، لها برامجها السياسية التي تلتزم بها حال وصولها إلي السلطة وخطاباتها التي تقنع بها الناخبين بأفضلية برامجها في مقابل البرنامج السياسي الذي يطبقه النظام ، وحتى تؤكد المعارضة للمواطن أفضليتها ، عليها أن تقوم أولا بما يخدمه في أمنه ومعيشته وصحته وتعليمه ...وتتلمس كل السبل إلي ذلك ولو من خلال نشاطات المجتمع المدني ، و تنتقد مع ذلك كل ما يستوجب النقد مما تقوم به السلطة أو النظام من تسيير لشؤون البلاد ، وتسعي إلي محاورة النظام حول النقاط التي تمس حياة المجتمع وترتبط بمصلحة المواطن ، معتبرة أن لها دورا معينا في خدمة الشعب ولو لم تكن السلطة بيدها، وذلك من خلال توجيه النظام باقتراح ما هو أنجع
تلكم هي المعارضة الحقيقية ، المعارضة الديمقراطية الملتزمة ،أما المعارضة التي لا هم لها إلا تخريب البلاد من خلال إثارة الفتنة ، والدعاية إلي الحرب الأهلية ، وتفكيك الوحدة الوطنية ، والسعي إلي شل حركة التنمية ، وتعطيل عجلة النمو ،والهروب عن طاولة الحوار ، فإنها ليست معارضة ديمقراطية ‘لأنها فاقدة للمصداقية، وآن لنا أن نتنبه إلي ذلك ، وإن كانت تصر علي أنها معارضة فمن ستقنعه بذلك؟ أهو الشعب الذي يري تصرفاتها الطائشة ،وكيف أنها تريد السلطة فقط ، ولو علي جماجمه ، وبحر من دمائه؟! أم من ستقنع غيره وما فائدة إقناعه؟ مادام الشعب يستهجن تصرفاتها في الوقت الذي يتابع بارتياح ما أنجزه النظام من مشاريع تنموية ضخمة في مختلف الميادين، ويتطلع إلي المزيد. إنها أزمة مفهوم حقيقية يتخبط فيها بعض نشطاء السياسة في بلادنا ، جعلتهم يشوهون مفهوم المعارضة ، ويفقدون روح المواطنة ، ويعدمون مسؤولية الأمانة
مفهوم حرية الرأي والتعبير:
إن بعض أحزاب المعارضة ينفون وجود حرية الرأي والتعبير في الوقت الذي لا تخلوا وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة والتلفزيون )علي وجه الخصوص من مؤتمرات صحفية أو مهرجانات حزبية لأحزاب معارضة ، أو جلسات برلمانية يركز فيها برلمانيوهم علي كيل الشتائم لشخص رئيس الجمهورية والتهجم عليه وعلي أقاربه ومن والاه ،ورغم تحرير مجال السمعيات البصرية والترخيص لعدة قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية حرة لم يخجل هولاء من ادعائهم الباطل . وقد أسيء استخدام هذا المفهوم أيضا كما أسيء استخدام مفهوم المعارضة ، فبدل أن تكون حرية التعبير التي منحها النظام تكريسا للديمقراطية وتحقيقا للعدالة والمساواة السياسية ، بدلا من أن تكون وسيلة للنقد الهادف والبناء الذي هو الدور الرئيسي الذي يجب أن تطلع به المعارضة ، استغل هذا المفهوم كما أسلفنا للشتم المباشر وغير المباشر للرئيس وحكومته واستخدم للمزايدة وتشويه الحقائق والتغطية علي بعضها في خطابات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تعبير واضح عن عجز المعارضة وفقد ها لمضامين الخطاب الناجع ، منذ استكمل جوانبه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز من 6من أشت 2008 واستكمل تطبيقه أو يكاد في أقل من أربع سنوات . مفهوم الأزمة:
هذا المفهوم يعتبر من أكثر المفاهيم استخداما عند المعارضة ، لنقد النظام والنيل منه ، لكنه مع ذلك يبقي محكوما بضوابط معينة حتى لا يكون استخدامه مسعى لافتعال أزمة لم تكن موجودة ، فالتأزم هو الضيق ،وفي الاصطلاح السياسي هو دخول الأمر مرحلة عدم توقع حل قريب بناء علي معطيات الواقع ،وتبعا لذلك فإنه لا أزمة سياسية مع مطالبة النظام بالحوار والتفاوض حول القضايا الأساسية التي تخدم البلاد والعباد ، ومجرد امتناع بعض الأحزاب السياسية عن الحوار رغم دعوتهم إليه لا يخلق أزمة سياسية في البلد ، ولا تعتبر احتجاجات المعهد الحالية دليلا إلا علي التناقض الذي تقع فيه المعارضة دائما عندما يفاجئها النظام بالاستجابة لبعض المطالب التي كانت بعيدة المنال وغير متوقعة ، كتخفيف الضغط علي العاصمة وإحياء الولايات الداخلية بنقل بعض المرافق العامة إليها ،وكتحويل المعهد إلي جامعة ، فحتى لا يكتحل البلد بنعمة ذلك الإجراء أثيرت تلك الضجة ، كما أن استخدام بعض الأحزاب لإضرابات الأساتذة أو احتجاجات العمال في خطاباتهم لتأزيم الوضع لا يستقيم ، ذلك أن ظاهرة الاحتجاجات والإضرابات في البلدان النامية ،وإن كانت في جانبها السلبي الضيق تعبير عن ضرورة تحسين أوضاع العمال والموظفين ، فإنها في جانبها الإيجابي العام تعبير عن تحسن الأوضاع عموما أو توقع تحسينها وقد تكون هذه الاحتجاجات تواكبها إصلاحات في نفس القطاع لكنها علي مستوي المعدات واللوازم والتجهيزات التي تجعل الطاقم البشري أكثر مرد ودية .
لهذا فإن دولة مثل موريتانيا أخذت استقلالها في الخيمة ، وطيلة أكثر من أربع قرون انشغل أبناءها في نهب ثرواتها وخيراتها لحساباتهم الخاصة علي حساب البنية التحتية ، لابد لها من التركيز أولا علي أساسات التنمية ومرتكزاتها من بنية تحتية وغيرها ، لهذا فإن تحسين أوضاع الطاقم البشري مع التحسينات الجارية في ميادين عمله لا تعتبر أزمة بقد رما تعتبر مؤشرا علي تحسن الأوضاع عموما . إن الأزمة الحقيقية هي أزمة المعارضة التي فقدت خطابها السياسي وفقدت الأمل في الاحتجاج بسوء تسيير النظام لشؤون البلاد.
تجليات أزمة المعارضة :
لقد دعت المعارضة في منتصف سنة 2008 إلي تأجيل الانتخابات بغية الاستعداد أكثر لهزيمة محمد ولد عبد العزيز ،وكتبنا حينها مقالا بعنوان " تأجل الانتخابات والاختبار الصعب " في إشارة إلي أن انتخابات تتولي المعارضة فيها لأول مرة زمام الأمر في الوزارات الأكثر ارتباطا بالعملية الانتخابية ،وتجري في ظل رقابة جدية محلية ودولية مميزة. لابد أن تعكس نتائجها بصدق المستوي الحقيقي للأحزاب وقواعدها الشعبية والقول الفصل في برامجها وخطاباتها السياسية وفي يوم الثامن عشر يوليو 2008 قال الشعب الموريتاني كلمته الفصل باختيار السيد محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية في الشوط الأول بنسبة تقارب 53% يليه مسعود ولد بلخير بنسبة 17% والبقية دون ذلك .
بداية الأزمة:
ههنا بالذات بدأت المعارضة تتأزم أوضاعها ، وبما أن مجريات العملية الانتخابية سارت علي ما يرام وفي ظروف تأكد حياد الإدارة ونزاهة العملية ، بدأت المعارضة تختلق حجج ما سمعنا بها من قبل ولا يقبلها عقل ولا منطق للطعن في نزاهة العملية ، لكن العقل الذي اختلق هذه الحجج تحت ضغط هول الصدمة لامتصاصها ، ما استطاع أن يأتي بأبسط دليل عليها ،ولما انقشع الغبار بادر إلي الاعتراف بنتائج الانتخابات ، آملا أن يجد مستقبلا ثغرة في النظام أو عجزا يمكن المعارضة من استعادة بعض من مصداقيتها.
وفاء الرئيس بعهده ، نزل كالصاعقة علي رؤوسهم:
بدأ الرئيس المنتخب بتحقيق ما وعد به في برنامجه الانتخابي ، بدآ بالحرب علي الفساد بمختلف تجلياته ،وكان من نتائج ذلك أن حصلت الدولة علي أموال كثيرة استثمرت في إسعاف القطاعات الحساسة كالصحة والتعليم والطرق ، ومنذ ذلك والوقت تحولت الدولة إلي ورشة كبيرة نشطت فيها المشاريع العملاقة في الماء والكهرباء وفي الصحة والتعليم والطرق في مختلف أنحاء البلاد وتجسدت فيها الإنجازات التي تحدث عن نفسها في كل ميدان هذا بالإضافة إلي ما هو قيد الإنجاز من مطارات ومستشفيات ومدارس ومولدات الكهرباء ومصافي المياه وتوسيع شبكاتهما لتصل تلك الخدمات أماكن لم تكن تحلم بها .
وإنشاء مدن بأكملها مع ما تتطلبه من مستلزمات الحياة المعاصرة من مستشفيات ومدارس ومياه وكهرباء وطرق ، بعضها وفر علي الدولة بعض النفقات وخفف عنها، كالمدن الحاصلة من تجميع بعض القرى والتجمعات ،وبعضها كلف الدولة أموالا طائلة وهي الناتجة عن تأهيل الأحياء العشوائية في كل من نواكشوط ونواذيبو، لكن فوائدها لا تحصي من حيث إعطاء الوجه اللائق لهذه المدن ومن حيث توفير السكن اللائق الذي يصله الماء والكهرباء بطريقة آمنة ومشروعة ، هذا بالإضافة إلي إصلاح الحالة المدنية لأول مرة في تاريخ البلد ، لتسهيل الحصول علي الأوراق وضبط حالة الازدياد وما يترتب علي ذلك من خدمات مهمة ،وكذا ضبط الحدود وحركة الدخول والخروج من إلي البلد كغيرنا من البلدان وما يترتب علي ذلك من خدمات مهمة .
إن إقدام النظام علي القيام بهذه الإنجازات العملاقة وغيرها كثير،في ظرف قياسي ،وفاء بالعهد الذي قطعه الرئيس علي نفسه استجابة لمتطلبات شعبه الذي منحه الثقة وانتخبه واثقا بأنه سيكون عند حسن ظنه ، هو ما جعل( المعارضة )تلجأ إلي التشويش لما خاب أملها في إيجاد مأخذ علي النظام ،الأمر الذي يؤكد انقطاع أملها أيضا في تحقيق نتائج مشجعة في الانتخابات وهو ما يفسر تقاعسها عن الحوار حتى لا يجرها إلي انتخابات ستكون نتائجها أكثر قسوة من سابقتها .
عندما نريد أن ندخل حقلا معرفيا ما سياسيا كان واجتماعيا أو ثقافيا وسواء في أي جزئية منه ، لنخوض فيه بالبحث والدراسة علي مستوي الفكر أو الممارسة ، لابد وأن نكون محكومين بشبكة من المفاهيم الأساسية، نتشبث بها للوصول إلي الحقيقة في ذلك الميدان ،ففي السياسة مثلا وداخل الأنظمة الديمقراطية يجب أن نقف علي مفاهيم مركزية : كالمعارضة ، وحرية الرأي والتعبير... إنها المفاهيم الأكثر تضررا من سوء الاستخدام عن قصد أو لسوء فهم ،الأمر الذي قد يلقي بظلاله علي الساحة السياسية ،محدثا تشويشا ما وحتى لا يتربي النشء علي مفاهيم سياسية مغلوطة في بلادنا يجد ر بنا أن نتنبه إلي ذلك في وقته تماما مثل الفلكي الذي ينتظر حدوث ظاهرة فلكية ما ( كالكسوف أو الخسوف) في وقت ما ،وفي مكان ما .
الآن وفي ساحتنا السياسية تتجلي ظاهرة الاستخدام السيئ لمفاهيم مثل المعارضة وحرية الرأي والتعبير ،والأزمة السياسية ،فما هي هذه المفاهيم علي حقيقتها ؟ و إلي أي حد أسيئ استخدامها ؟ لماذا ، ولفائدة من، ومن المتضرر منها ؟؟؟!.
مفهوم المعارضة:
إنها ذلك الحزب السياسي أو مجموعة الأحزاب ،التي تسعي للوصول إلي السلطة و تتمتع بقاعدة شعبية ما ، لها برامجها السياسية التي تلتزم بها حال وصولها إلي السلطة وخطاباتها التي تقنع بها الناخبين بأفضلية برامجها في مقابل البرنامج السياسي الذي يطبقه النظام ، وحتى تؤكد المعارضة للمواطن أفضليتها ، عليها أن تقوم أولا بما يخدمه في أمنه ومعيشته وصحته وتعليمه ...وتتلمس كل السبل إلي ذلك ولو من خلال نشاطات المجتمع المدني ، و تنتقد مع ذلك كل ما يستوجب النقد مما تقوم به السلطة أو النظام من تسيير لشؤون البلاد ، وتسعي إلي محاورة النظام حول النقاط التي تمس حياة المجتمع وترتبط بمصلحة المواطن ، معتبرة أن لها دورا معينا في خدمة الشعب ولو لم تكن السلطة بيدها، وذلك من خلال توجيه النظام باقتراح ما هو أنجع
تلكم هي المعارضة الحقيقية ، المعارضة الديمقراطية الملتزمة ،أما المعارضة التي لا هم لها إلا تخريب البلاد من خلال إثارة الفتنة ، والدعاية إلي الحرب الأهلية ، وتفكيك الوحدة الوطنية ، والسعي إلي شل حركة التنمية ، وتعطيل عجلة النمو ،والهروب عن طاولة الحوار ، فإنها ليست معارضة ديمقراطية ‘لأنها فاقدة للمصداقية، وآن لنا أن نتنبه إلي ذلك ، وإن كانت تصر علي أنها معارضة فمن ستقنعه بذلك؟ أهو الشعب الذي يري تصرفاتها الطائشة ،وكيف أنها تريد السلطة فقط ، ولو علي جماجمه ، وبحر من دمائه؟! أم من ستقنع غيره وما فائدة إقناعه؟ مادام الشعب يستهجن تصرفاتها في الوقت الذي يتابع بارتياح ما أنجزه النظام من مشاريع تنموية ضخمة في مختلف الميادين، ويتطلع إلي المزيد. إنها أزمة مفهوم حقيقية يتخبط فيها بعض نشطاء السياسة في بلادنا ، جعلتهم يشوهون مفهوم المعارضة ، ويفقدون روح المواطنة ، ويعدمون مسؤولية الأمانة
مفهوم حرية الرأي والتعبير:
إن بعض أحزاب المعارضة ينفون وجود حرية الرأي والتعبير في الوقت الذي لا تخلوا وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة والتلفزيون )علي وجه الخصوص من مؤتمرات صحفية أو مهرجانات حزبية لأحزاب معارضة ، أو جلسات برلمانية يركز فيها برلمانيوهم علي كيل الشتائم لشخص رئيس الجمهورية والتهجم عليه وعلي أقاربه ومن والاه ،ورغم تحرير مجال السمعيات البصرية والترخيص لعدة قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية حرة لم يخجل هولاء من ادعائهم الباطل . وقد أسيء استخدام هذا المفهوم أيضا كما أسيء استخدام مفهوم المعارضة ، فبدل أن تكون حرية التعبير التي منحها النظام تكريسا للديمقراطية وتحقيقا للعدالة والمساواة السياسية ، بدلا من أن تكون وسيلة للنقد الهادف والبناء الذي هو الدور الرئيسي الذي يجب أن تطلع به المعارضة ، استغل هذا المفهوم كما أسلفنا للشتم المباشر وغير المباشر للرئيس وحكومته واستخدم للمزايدة وتشويه الحقائق والتغطية علي بعضها في خطابات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تعبير واضح عن عجز المعارضة وفقد ها لمضامين الخطاب الناجع ، منذ استكمل جوانبه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز من 6من أشت 2008 واستكمل تطبيقه أو يكاد في أقل من أربع سنوات . مفهوم الأزمة:
هذا المفهوم يعتبر من أكثر المفاهيم استخداما عند المعارضة ، لنقد النظام والنيل منه ، لكنه مع ذلك يبقي محكوما بضوابط معينة حتى لا يكون استخدامه مسعى لافتعال أزمة لم تكن موجودة ، فالتأزم هو الضيق ،وفي الاصطلاح السياسي هو دخول الأمر مرحلة عدم توقع حل قريب بناء علي معطيات الواقع ،وتبعا لذلك فإنه لا أزمة سياسية مع مطالبة النظام بالحوار والتفاوض حول القضايا الأساسية التي تخدم البلاد والعباد ، ومجرد امتناع بعض الأحزاب السياسية عن الحوار رغم دعوتهم إليه لا يخلق أزمة سياسية في البلد ، ولا تعتبر احتجاجات المعهد الحالية دليلا إلا علي التناقض الذي تقع فيه المعارضة دائما عندما يفاجئها النظام بالاستجابة لبعض المطالب التي كانت بعيدة المنال وغير متوقعة ، كتخفيف الضغط علي العاصمة وإحياء الولايات الداخلية بنقل بعض المرافق العامة إليها ،وكتحويل المعهد إلي جامعة ، فحتى لا يكتحل البلد بنعمة ذلك الإجراء أثيرت تلك الضجة ، كما أن استخدام بعض الأحزاب لإضرابات الأساتذة أو احتجاجات العمال في خطاباتهم لتأزيم الوضع لا يستقيم ، ذلك أن ظاهرة الاحتجاجات والإضرابات في البلدان النامية ،وإن كانت في جانبها السلبي الضيق تعبير عن ضرورة تحسين أوضاع العمال والموظفين ، فإنها في جانبها الإيجابي العام تعبير عن تحسن الأوضاع عموما أو توقع تحسينها وقد تكون هذه الاحتجاجات تواكبها إصلاحات في نفس القطاع لكنها علي مستوي المعدات واللوازم والتجهيزات التي تجعل الطاقم البشري أكثر مرد ودية .
لهذا فإن دولة مثل موريتانيا أخذت استقلالها في الخيمة ، وطيلة أكثر من أربع قرون انشغل أبناءها في نهب ثرواتها وخيراتها لحساباتهم الخاصة علي حساب البنية التحتية ، لابد لها من التركيز أولا علي أساسات التنمية ومرتكزاتها من بنية تحتية وغيرها ، لهذا فإن تحسين أوضاع الطاقم البشري مع التحسينات الجارية في ميادين عمله لا تعتبر أزمة بقد رما تعتبر مؤشرا علي تحسن الأوضاع عموما . إن الأزمة الحقيقية هي أزمة المعارضة التي فقدت خطابها السياسي وفقدت الأمل في الاحتجاج بسوء تسيير النظام لشؤون البلاد.
تجليات أزمة المعارضة :
لقد دعت المعارضة في منتصف سنة 2008 إلي تأجيل الانتخابات بغية الاستعداد أكثر لهزيمة محمد ولد عبد العزيز ،وكتبنا حينها مقالا بعنوان " تأجل الانتخابات والاختبار الصعب " في إشارة إلي أن انتخابات تتولي المعارضة فيها لأول مرة زمام الأمر في الوزارات الأكثر ارتباطا بالعملية الانتخابية ،وتجري في ظل رقابة جدية محلية ودولية مميزة. لابد أن تعكس نتائجها بصدق المستوي الحقيقي للأحزاب وقواعدها الشعبية والقول الفصل في برامجها وخطاباتها السياسية وفي يوم الثامن عشر يوليو 2008 قال الشعب الموريتاني كلمته الفصل باختيار السيد محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية في الشوط الأول بنسبة تقارب 53% يليه مسعود ولد بلخير بنسبة 17% والبقية دون ذلك .
بداية الأزمة:
ههنا بالذات بدأت المعارضة تتأزم أوضاعها ، وبما أن مجريات العملية الانتخابية سارت علي ما يرام وفي ظروف تأكد حياد الإدارة ونزاهة العملية ، بدأت المعارضة تختلق حجج ما سمعنا بها من قبل ولا يقبلها عقل ولا منطق للطعن في نزاهة العملية ، لكن العقل الذي اختلق هذه الحجج تحت ضغط هول الصدمة لامتصاصها ، ما استطاع أن يأتي بأبسط دليل عليها ،ولما انقشع الغبار بادر إلي الاعتراف بنتائج الانتخابات ، آملا أن يجد مستقبلا ثغرة في النظام أو عجزا يمكن المعارضة من استعادة بعض من مصداقيتها.
وفاء الرئيس بعهده ، نزل كالصاعقة علي رؤوسهم:
بدأ الرئيس المنتخب بتحقيق ما وعد به في برنامجه الانتخابي ، بدآ بالحرب علي الفساد بمختلف تجلياته ،وكان من نتائج ذلك أن حصلت الدولة علي أموال كثيرة استثمرت في إسعاف القطاعات الحساسة كالصحة والتعليم والطرق ، ومنذ ذلك والوقت تحولت الدولة إلي ورشة كبيرة نشطت فيها المشاريع العملاقة في الماء والكهرباء وفي الصحة والتعليم والطرق في مختلف أنحاء البلاد وتجسدت فيها الإنجازات التي تحدث عن نفسها في كل ميدان هذا بالإضافة إلي ما هو قيد الإنجاز من مطارات ومستشفيات ومدارس ومولدات الكهرباء ومصافي المياه وتوسيع شبكاتهما لتصل تلك الخدمات أماكن لم تكن تحلم بها .
وإنشاء مدن بأكملها مع ما تتطلبه من مستلزمات الحياة المعاصرة من مستشفيات ومدارس ومياه وكهرباء وطرق ، بعضها وفر علي الدولة بعض النفقات وخفف عنها، كالمدن الحاصلة من تجميع بعض القرى والتجمعات ،وبعضها كلف الدولة أموالا طائلة وهي الناتجة عن تأهيل الأحياء العشوائية في كل من نواكشوط ونواذيبو، لكن فوائدها لا تحصي من حيث إعطاء الوجه اللائق لهذه المدن ومن حيث توفير السكن اللائق الذي يصله الماء والكهرباء بطريقة آمنة ومشروعة ، هذا بالإضافة إلي إصلاح الحالة المدنية لأول مرة في تاريخ البلد ، لتسهيل الحصول علي الأوراق وضبط حالة الازدياد وما يترتب علي ذلك من خدمات مهمة ،وكذا ضبط الحدود وحركة الدخول والخروج من إلي البلد كغيرنا من البلدان وما يترتب علي ذلك من خدمات مهمة .
إن إقدام النظام علي القيام بهذه الإنجازات العملاقة وغيرها كثير،في ظرف قياسي ،وفاء بالعهد الذي قطعه الرئيس علي نفسه استجابة لمتطلبات شعبه الذي منحه الثقة وانتخبه واثقا بأنه سيكون عند حسن ظنه ، هو ما جعل( المعارضة )تلجأ إلي التشويش لما خاب أملها في إيجاد مأخذ علي النظام ،الأمر الذي يؤكد انقطاع أملها أيضا في تحقيق نتائج مشجعة في الانتخابات وهو ما يفسر تقاعسها عن الحوار حتى لا يجرها إلي انتخابات ستكون نتائجها أكثر قسوة من سابقتها .







