تاريخ الإضافة : 12.02.2012 15:59

قراءة لمتغيرات الساحة السياسية (2)

اسغير ولد العتيق

اسغير ولد العتيق

من 1992 إلى 2011

بعد الإطاحة بالنظام المدني الأحادي "الجمهورية الأولى" 1978 من طرف حركة ضباط الإنقاذ الوطني تتالت التغييرات غير الدستورية من طرف حركات عسكرية تشابهت واشتبهت في التعهدات والالتزامات وطرق الزوال.
إرهاصات الجمهورية الثانية: في آخر إبريل 1990وبمناسبة عيد الفطر المبارك أعلنت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بقيادة العقيد معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع أن البلاد ستدخل مباشرة في إعداد دستور جديد للبلد يكرس للتعددية الحزبية يتم التصويت عليه في 20 يوليو1991، في هذه الأثناء نشطت الحركات التي كانت تعمل في الخفاء وجمعت قواها، منها ما كان قد توحد قبل ذلك في الجبهة الديمقراطية الموحدة للتغيير المتشكلة من خليط الحركات السياسية النشطة "الحر، الحركة الوطنية الديمقراطية". .PUD MDI NATIONALISTES Négro Mauritaniennes
دخلت هذه المجموعات السياسية في نقاش تمخض عن تأسيس حزب سياسي معارض قوي وكبير اختاروا له اسم "اتحاد القوى الديمقراطية"، وهو فعلا يتكون من قوى سياسية متعددة اتفقت في نقط واختلفت في أخريات، ونقاط الاختلاف أقل من نقاط الاتفاق، لكن الأولى أهم من الأخيرة، فالاختلاف الجوهري بين القوى السياسية تمثله نقاط ثلاثة: العبودية، المبعدين، والإرث الإنساني، أما نقاط الاتفاق ففي مقدمتها الإجماع على ضرورة التخلص من الحكم القائم آنذاك وإقامة نظام مدني يعمل على ترسيخ الممارسة الفعلية للديمقراطية، حيث يرى أصحاب الحر أن الديمقراطية الحقيقية لن تكون واقعا ملموسا إلا بعد اختفاء ظاهرة العبودية من المجتمع والاعتراف بحق الاختلاف وحق المواطنة للزنوج وعودة المبعدين وتسوية الملف الخاص بالإرث الإنساني وفتح فضاء الحريات العامة والخاصة ورفع الوصاية الباطنية والظاهرة عن الحراطين ليتمتعوا بتمثيل أنفسهم بأنفسهم وترك حرية الاختيار لكل مواطن بعيدا عن الوصاية القبلية والجهوية والتقسيمات العرقية، في تلك الفترة تقبلت الحركات المنخرطة في اتحاد القوى الديمقراطية هذا الخطاب الذي يعبر عن قناعة مسعود ولد بلخير ورفاقه خوفا من الاصطدام بآلاف الحراطين المندفعين بحماس زائد وراءه وطمعا في الحصول على هذه الأصوات المصطفة خلفه والتي تكون المخزون الانتخابي الأهم الذي يمكن الاعتماد عليه في المنازلة للفوز بمقعد القصر الرمادي، تحالفت القوى الإقطاعية التي تكون أغلبية المكتب السياسي لإتحاد القوى الديمقراطية لتهيئة المجال لدعم المرشح المستقل أحمد ولد داداه لقطع الطريق أمام الأمين العام مسعود ولد بلخير الذي أبدى الرغبة في ذلك، بعد اتخاذ الحزب قرارا بالمقاطعة وقد علل بعضهم ضرورة دعم هذا المرشح على أنه يمكن أن ينازل ولد الطايع ماديا ومعنويا في إشارة واضحة إلى أن موريتانيا ليست في وضعية تسمح لحرطاني بالترشح للرئاسة، وهي مقولة شهيرة لأحد رموز منسقية المعارضة الديمقراطية في الوقت الحالي وقد أيدته في ذلك شخصيات هي أيضا من منظري المعارضة اليوم، إذن فمعارضة زعماء المعارضة لمسعود ومبادراته ليست وليدة الحوار ولا نتيجة لرفضه الثورة والفوضى وإنما نتيجة لحاجة في نفس يعقوب.

ترأس أحمد ولد داداه اتحاد القوى الديمقراطية بعد انضمامه له بعيد استحقاقات 1992 وأضاف له كلمة "عهد جديد" بعد مفاوضات مع مؤسسيه.

قاطع اتحاد القوى الديمقراطية، الانتخابات البرلمانية التي تلت الرئاسية، وقام بجولة داخلية لشرح أسباب مقاطعته للانتخابات، ليبدأ الخلاف المفتعل والمقصود لمضايقة الأمين العام للحزب مسعود ولد بلخير، تناقض رئيس الحزب في خطاباته أثناء الجولة حيث اتضح أنه غير مقتنع بالأهداف والمبادئ العامة للحزب والتي تتركز على معضلات كبرى مطروحة لأغلب منخرطي الحزب (الحراطين والزنوج)، ففي صوري ماري "ولاية لبراكنة" كان الخطاب يعكس المؤازرة والأسف للتطهير العرقي والأحداث التي تأثر منها إخواننا الزنوج خصوصا بعد معاينة الوفد لمقبرة جماعية من ثلاثة أفراد متعهدا لسكان القرية بالوقوف معهم ومحملا النظام مسؤولية هذا العمل الفظيع، وفي امبود ومونكل كان الخطاب مركزا على ضرورة تحريم ممارسة العبودية وإنهائها في البلد مؤكدا للجماهير التي حضرت التجمع "سكان المدن المذكورة" أن الحراطين مظلومين وأنه سيدافع عنهم حتى ينالوا حريتهم، في كرو تعمد تجاهل الخطاب الوحدوي بل أشار لأحد زملائه أن الكلام عن الزنوج ليس ضروريا في هذا المكان بل إنه سيزعج سكان القرية، في بوهدرة (بئر بين الطينطان وعين فربه) في حي ريفي أجرى فيه الوفد توقفا قصيرا تكلمت مسؤولة الحي التي أثنت على الرئيس وقالت وكررت القول أكثر من مرة نحن كثر لأننا نمتلك آدوابة كثيرة من العبيد وكررت عبارة "لنا عبيد كثر" فلما أطالت في التكرار زجرها أحد أفراد الوفد -ربما مجاملة منه- فقال: الرئيس اتركوها تتكلم، وأنهت كلامها بالجمل السابقة، ثم راح الوفد في طريقه، هنا بدأ الخلاف بين أحمد ومسعود ثم بين أحمد وبعض قادة الحركات لتبدأ الانسحابات من اتحاد القوى الديمقراطية، فمن رحم هذا الحزب خرجت مجموعات أحزابا: الإتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، العمل من أجل التغيير، اتحاد قوى التقدم، فيما أخذت مجموعات أخرى طريقها إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الحاكم مقابل التزامات مالية أو امتيازات وظيفية كان الأخير قد تعهد بها لهم مقابل تفكيك الحزب، بعد ذلك تكررت الانقسامات الميوزية والمتوزية لإتحاد القوى الديمقراطية الذي كان يتكون من حركة إيدولوجية إلى مجموعة من الخلايا السياسية، نمى بعضها في تشكيلات سياسية أخرى بينما ضمر البعض الآخر وتلاشى لأنه لم يستطع الصمود أمام نظام متسلط لا يتبع غير أسلوب التخويف والترغيب وتحت هذه المؤثرات أرغم البعض على محاورته دون شرط مسبق وحتى دون خارطة طريق ودون أي ضمانة، كل أحزاب المعارضة شاركت في تلك المهزلة والجوقة السياسية إلا العمل من أجل التغيير الذي قاطع ذلك الحوار الذي لم يرق إلى مستوى المحاضرة.

خمسون سنة خلت على استقلال البلد وخلالها لم يعرف حوارا جوهريا جديا وصريحا على القضايا المصيرية قبل نهاية العام الفارط أثناء المحاولات اليائسة والفاشلة في تحريك الشارع، بعد الرفض الصريح للمشاركة في تلك المحاولات من طرف الزعيم مسعود ولد بلخير والذي قام بجولة لتوضيح سلبيات الثورة على بلد مثلنا متعدد الأعراق ومبينا أهمية الحوار الإيجابي وصفاته ومبادئه ومرجعيته.


والحوار هو عمل الأنبياء، والعلماء، والمفكرين، وقادة الرأي، والشعوب الناهضة هي التي تتبع الحوار كأسلوب وأداة لحل مشاكلها و تسوية خلافاتها والحوار اليوم كما هو بالأمس يعكس مدى نضج الطبقة السياسية وقدرتها على تحمل المسؤولية لتجاوز العقبات، وهو ثقافة متحضرة ومتقدمة وهو السلاح الأفضل في زمننا هذا الذي تقاس فيه درجة وعي الشعوب وتبصر قادتها بتقبل الحوار كمبدأ ووسيلة لخلق فضاء ديمقراطي نقي من شوائب العنصرية والإقصاء والتمييز اللغوي واللوني والاستكبار واستغلال الآدمي لأخيه الآدمي، وفي المقابل تأتي نتائج العنف على عكس نتائج الحوار فهي - نتائج العنف-_ إما لك أو عليك، لكن لا بد لها من ثمن وقد يكون باهظا وأليما وغير قابل للتعويض، خسائر الأنفس مثلا وقد تكون أدمغة.

وللحوار أدبيات ومنها أن يكون موضوعيا وواقعيا وصادقا، أي أنه يهتم بالموضوع وليس بالشخص أو الأشخاص وينطلق من الواقع ويبحث فيه، يلتمس الأفضل دائما حتى يثبت العكس لا يخادع المحاور ولا يكذب.

لا بد أن يكون المحاور غير منطلق من فراغ وأن تكون أهدافه واضحة ومحددة، وهي عندنا هنا في موريتانيا تتمثل في تعزيز الممارسة الديمقراطية وتنميتها بما يتطلب ذلك من حرية للتعبير والاختيار وشفافية الانتخابات ونزاهتها وحياد الإدارة وابتعاد الجيش من السياسة وتحريم العبودية بنص الدستور وتمتين اللحمة الاجتماعية وإعادة الثقة بين المكونات المختلفة لشعبنا والاعتراف بحق الاختلاف والتنوع الثقافي الناجم عن التعدد العرقي لمجتمعنا، وهذه محاور تم تناولها في الحوار الوطني وهي كانت محل إجماع وطني، اللهم إذا كانت منسقية المعارضة قد غيرت رأيها بعد تخلفها عن الحوار، لأنها لم تجد الثورة لتحملها إليه، وربما تكون عقد الاستكبار والاستعلاء هي التي خلفتها عنه، وأخشى أن يدل عليهم ما قال فرعون "أليس لي ملك مصر..." ويظن هؤلاء أن موريتانيا لهم وأنهم قادرون على تحريكها متى شاءوا، إنهم يلقون شباكهم للصيد في رمال الصحراء.

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025