تاريخ الإضافة : 28.01.2012 21:50

اركيز...مداخلة النائب الثالث

المختار ولد القاسم

المختار ولد القاسم


لم أكن مهتما كثيرا بنتائج الحوار الذي جرى خلال الفترة الماضية بين الأغلبية و(بعض) أحزاب المعارضة؛ وذلك نتيجة للظروف الإقليمية والوطنية التي جرى فيها، ونتيجة لاقتناعي الجازم أن الطرف المعارض المشارك في الحوار لا يملك أوراق قوة قادرة على إرغام "الجنرال" على التنازل والرضوخ لنتائج حوار جوهري يمس القضايا الأساسية في البلد.

لكن مشاهدتي يوم أمس -عبر التلفاز- مناقشة قانون المدونة الإنتخابية وإسقاطاتها، ومداخلات النواب و(سقطات بعضهم)، وإسقاط ذلك على حرمان مقاطعة الركيز من نائب ثالث، جعلني أفكر في كتابة (مداخلة) النائب الثالث لمقاطعة الركيز من خارج قبة البرلمان، والتي لا تقل شرعيتها ـ في نظري ـ عن شرعية مداخلات نواب "انتهت صلاحيتهم" على حد تعبير الكاتب المحترم أحمدو ولد الوديعة. وإن كنت أفتقد حصانة تحميني من الملاحقة القبلية والجهوية، بتُهم من قبيل: الإضرار بمصالح القبيلة، أو الحسد، أو قلة الأدب "ادسارة"، إلى غير ذلك من التهم التي تكيف عادة في هذه الحالات. وحتى لا أطيل في هذه الديباجة أترككم مع نص مداخلة النائب الثالث:


السيد/الرئيس... السادة النواب المحترمون..
أحب أن أشير في بداية هذه المداخلة إلى أن حديث الزميلين نائبي مقاطعة الركيز (المفاجئ للبعض ولست منهم)، ودعمهما لحرمانها من حقها القانوني، والسياسي، والأخلاقي، واندفاعهما المستميت في ذلك، وتعليلاتهما المضحكة (وشر البلية ما يضحك)، كل ذلك راجع إلى أن وجودي كنائب ثالث، يعني بالضرورة وجود (قانون النسبية) الذي لا يرحم، ولا يعترف بالاعتبارات القبلية، والجهوية، والمادية، وهي اعتبارات يعلم النائبان المحترمان أن نجاحهما مرهون بمراعاتها، خصوصا إذا علمنا أنهما فازا في انتخابات 2006م بأغلبية بسيطة، بعد تنافس محموم استخدمت فيه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

وبالتالي فإن قانون النسبية سيحتم أن يكون أحد نواب المقاطعة -إن لم يكن اثنان منهم- خارج نصيب الاتحاد من أجل الجمهورية، الأمر الذي سيأتي بصوت جهور يعلو فوق أصواتهم المبحوحة، والخافتة في قضايا المقاطعة على الأقل، كما أن ذلك سيُدخلهما في متاهات يصعب الخروج منها ، وسيبعثر أوراق "التوازن" التي يودون المحافظة على ترتيبها. ولعل ذلك ما بدا واضحا من خلال "مداخلات " الزميلين المحترمين -رغم اختلاف أسلوبيهما-، عندما اعتبرا أن حرمان المقاطعة من حقها، جاء نتيجة لاتفاق سياسي "يأتي في إطار المحافظة على التوازن القائم"، وهو توازن لا يستند لا إلى عدل أو إنصاف، بل يقوم على "زواج باطل" بين رجال الأعمال ، والأطر القبلية التقليدية في المقاطعة، على حساب صوت السكان وحقوقهم وقضاياهم العادلة.... توازن لا يراعي التوزيع الجغرافي ، أوالديمغرافي.


السيد الرئيس... السادة النواب المحترمون....
إنه من المضحك والمثير للشفقة أن يقوم النائبان الموقران بمقارنة زيادة عدد المقاعد في ولاية الحوض الشرقي، مع ولاية الترارزة دون أن يقودهما هوس المقارنة، إلى الإشارة إلى أن مقاطعة آمرج حصلت على ثلاثة نواب مع أن عدد سكانها 92 ألف نسمة، طبقا لنفس القاعدة التي اعتٌمدت، وهي إحصاء 2000م وإسقاطات 2011م، في حين تم حرمان مقاطعة الركيز من ثلاثة نواب مع أن سكانها يزيدون علي 98 ألف نسمة، حسب نفس الإحصاء والإسقاطات.

ثم إن المقارنة الصحيحة ينبغي أن تكون بين أداء النائبين المحترمين وأداء أي نائب آخر، لنجد الفرق الواضح بين أدائه وأدائهما الذي كان مخيبا لآمال سكان مقاطعة الركيز، ويكفيني هنا أن أشير إلى تجربة نائبي الطينطان في توفير"العلف" بأسعار مخفضة نسبيا لسكان مدينتهما، ومحاولة تخفيف آثار جفاف هذا العام على السكان، في وقت ينشغل نائبي الركيز عن قضايا كهذه، بالعمل على حرمان مقاطعتهما من حقوقها، حفاظا على مصالح ضيقة، واستجابة لنزوات سياسية متقلبة.


السيد الرئيس... السادة النواب المحترمون...
إن إسقاطات النائبين المحترمين، ومقارناتهما، وحديثهما عن المحافظة على "التوازن" السياسي القائم، كل ذلك نتيجة للهلع والخوف، والهستيريا ، التي ظل يمثلها لهما شبح النائب الثالث، خلال الفترة الماضية داخل قبة البرلمان، فكلما تجاهلا قضية من قضايا المقاطعة، أو تسترا عليها، أطل عليهما الشبح المخيف (في صورة هذا النائب أو ذاك)، فتارة يأتي على هيئة الرجل الوقور والنائب المحترم: محمد المصطفى ولد بدر الدين ليطرح مشاكل وآثار التنقيب عن الحجارة في "لكريع" و"بوحجرة"، على السكان والحيوان، والأمراض الخطيرة التي بدأت أعراضها تظهر في المنطقة نتيجة للغبار الذي تٌحدثه عملية التنقيب؛ ويأتي تارة في صورة أخرى ليثير قضية الطريق المعبد، أو يتحدث عن مشاكل المزارعين، والمنمين في المدينة، وهو ما مثل إزعاجا وحرجا للنائبين المحترمين طيلة مأمورية البرلمان المنتهية. ليظهر "الشبح المخيف" في الجلسة الأخيرة على هيئة أكثر من نائب في يوم واحد: (يعقوب ولد امين، بداهية ولد اسباعي،المعلومة منت بلال، المصطفى ولد بدر الدين، كان حاميدو باب، اماه منت سمت...)، مدافعا عن حق المقاطعة القانوي، والسياسي، والأخلاقي، في الحصول على من يوصل صوتها، ويتحدث باسم فقرائها، ويعبر عن طموحات شبابها، ويحافظ ـ حقيقةـ على توازناتها، وليقول إن قضايا مدينة الركيز ستبقى حاضرة في قبة البرلمان، (بهذه الطريقة أو بتلك)، وأنه سيبقى يمثل خرقا "للتوان السياسي القائم"، وإزعاجا وإحراجا لزميليه، سواء كان ذلك في عالم الافتراض، أو كان واقعا قانونيا وسياسيا يعيشه سكان المقاطعة.


السيد الرئيس... السادة النواب المحترمون...
إن مقاطعة الركيز تعتبر صورة مصغرة للدولة الموريتانية، وذلك لما تتميز به من تنوع سكاني يضم كافة أطياف الشعب الموريتاني: -عربا، زنوجا-، وعليه فإن أي تمثيل للمقاطعة في المستقبل يجب أن يراعي هذا التنوع، وإلا فإنه سيبقى تمثيلا ناقصا ومشبوها.. وهو ما تعيشه المقاطعة اليوم، حيث يختطف تمثيلها مجموعة من رجال الأعمال لا يعرفون غير مصالحهم الضيقة. ولن يُسمع صوت المواطن البسيط إلا إذا تم تطبيق قانون النسبية الذي يتيح المشاركة للجميع.


السيد الرئيس... السادة النواب المحترمون...
إنكم بمشاركتم اليوم في حرمان سكان مدينة الركيز من حقهم القانوني ، والسياسي، وتصويتكم على هذا القانون، تشاركون في عملية سياسية قذرة، يحاول أصحابها المحافظة على "توازن سياسي قائم" يضمن لهم تقاسم أي "كعكة" يحصل عليها سكان المقاطعة، ويبيعون من خلاله قضايا سكانها بأبخس الأسعار.... ولهذا فمن الطبيعي أن تتفاجئوا بسعيهم إلى حرمان المقاطعة من هذا الحق، والعمل على إقصاء غريمهما المفترض (النائب الثالث).


السيد الرئيس... السادة النواب المحترمون...
أخيرا يجب أن أؤكد على أن تاريخ مقاطعة الركيز سيكتب (مداخلته) هو الآخر، ويذكر فيها أن نائبيها وقفا يوما ما ضد حق من حقوقها حصلت عليه دون مسعا منهما، في وقت كان يفترض أنهما أول من يدافع عنه، كما أنه لن ينسى أن يكتب ـ وبحروف كبيرة ـ أن هناك نوابا محترمون أبوا إلا أن يكونوا صوتا للمدينة عندما خفتت أصوات من يُفترض أنهم ممثلوها.

الرياضة

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025