تاريخ الإضافة : 26.01.2012 23:22
حرق المعهد العالي وعقدة العسكر من التاريخ
رغم الجلسات المتعددة تعدد علوم عميد الباحثين محمد بن مولود الشنافي، وكثرة المناقشات المتشعبة تشعب اختصاصاته؛لم أره يوما مستاء من شيء استياءه من إقدام العسكر على إحراق إرشيف الدولة الوطنية بعد استيلائهم الجبان على السلطة ذات يوم أسود عاد التاريخ فيه لما قبل التاريخ. وكان سبب الحديث عودة أحد الباحثين الرحالة من داكار محدثا عن اعتناء السنغاليين بإرشيفهم حتى المكتوب منه بلغة المختار ولد بون ناهيك عن المدون منه بلغة صاحب "قربان أسود". وقد ذكر الباحث الرحالة أن أغلب الإرشيف العربي هناك مراسلاتٌ لعلماء بلاد السيبة وزعمائها مع الفرنسيس وغيرهم، وأنه مكرم مصون في تلك الربوع، مرقم أحسن ما يكون الترقيم، معلوم المكان كوحيد العجوز الجزعة، مرتب كحروف الشيخ أسند.
ذكرت استياء شيخنا الشنافي وأنا أتابع المعارك الدائرة بين زملائي أبطال الاتحاد الوطني وشرطتنا الباسلة جراء قرار العسكر إغلاقَ معهدنا الحبيب، ولم استغرب القرار أصلا ودوافعه؛ فشعار الانقلابيين دائما: كلما دخلت أمة لعنت أختها،كما كان يقول شيخنا عدود طيب الله ثراه.
إن الحرق السياسي أمر قديم قدم تاريخ الاستبداد السياسي، لكن المحروق دائما أخلد من الحارق، ويرى الدارسون لرصد هذه الظاهرة أن أقدم عملية حرق سياسية ضاق صاحبها ذرعا بتاريخ من قبله هي حرق عبد الملك بن مروان لكتاب ابن عمه أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهم الموسوم بـ"فضائل الأنصار وأهل المدينة"، وقد كان أبو الملوك (كنية عبد الملك) على علمه لا يرى للذين آووا ونصروا وجاهدوا فضلا ولا جهادا ولا سابقة، وهكذا التعصب السياسي يعمي ويصم؛ وهل فات سيد بني مروان أن مناقب الأنصار تتلى في آيات الذكر الحكيم، وأنها باقية ما بقي القرآن في صدور الذين أوتوا العلم!، لكنه الهوى السياسي، ومنه ما قتل.
ذكرت استياء شيخنا الشنافي وأنا أتابع المعارك الدائرة بين زملائي أبطال الاتحاد الوطني وشرطتنا الباسلة جراء قرار العسكر إغلاقَ معهدنا الحبيب، ولم استغرب القرار أصلا ودوافعه؛ فشعار الانقلابيين دائما: كلما دخلت أمة لعنت أختها،كما كان يقول شيخنا عدود طيب الله ثراه.
إن الحرق السياسي أمر قديم قدم تاريخ الاستبداد السياسي، لكن المحروق دائما أخلد من الحارق، ويرى الدارسون لرصد هذه الظاهرة أن أقدم عملية حرق سياسية ضاق صاحبها ذرعا بتاريخ من قبله هي حرق عبد الملك بن مروان لكتاب ابن عمه أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهم الموسوم بـ"فضائل الأنصار وأهل المدينة"، وقد كان أبو الملوك (كنية عبد الملك) على علمه لا يرى للذين آووا ونصروا وجاهدوا فضلا ولا جهادا ولا سابقة، وهكذا التعصب السياسي يعمي ويصم؛ وهل فات سيد بني مروان أن مناقب الأنصار تتلى في آيات الذكر الحكيم، وأنها باقية ما بقي القرآن في صدور الذين أوتوا العلم!، لكنه الهوى السياسي، ومنه ما قتل.
لعن الماضي في عقيدة عساكرنا وعقدتهم
يستغرب المرء حين يرى ضيوف العسكر الثقلاء على القصر الرمادي ومن يدور في فلكهم من صغار العقول وباعة الضمائر يلعنون الماضي ويسبون التاريخ، وكأنهم حين يُطِلّون من القصر الأشهب قادمون من ميادين التحرير، وساحات الوغى، وربك أعلم أين كانوا، والحق أن عسكرنا المغتصب للسلطة هم السلطة والسلطة هم، فلما ذا السب والشتم! لكن التربية العسكرية المختلة تعلم أصحابها الضجر من ماضيهم، والاستياء من تاريخ من قبلهم، وقد بدأ هذا الخلق السيء في وطننا المُفَدَّى يوم آثر العسكر رغد القصور على خشونة الثغور، ويوم تخلوا عن أخلاق الأبطال، وفروا من ساحات النزال، ليحطوا رحالهم في ميادين السياسة التي تظهر تصرفاتهم فيها أنهم لم يبلغوا بعدُ سِنَّ الرشد فيها وما هم ببالغيها، وقد سجل أبو الأمة المؤسس المختار ولد داداه تلك الأخلاق المنكرة في مذكراته بنوع من السخرية والأسى بقوله: "لقد بدأت إذاعة نواكشوط "تغتاب" النظام المخلوع وتتهمه "بكل خطايا إسرائيل". وبكل بساطة، تحولت تلك الإذاعة إلى بوق دعاية يمجد الانقلابيين ويخيل إلى السامع أن البلاد ستعيش في ظلهم عهدا فردوسيا. وعند سماعى قائمة من ساندوا الانقلابيين، حقا كانت أم باطلة، لم أتمالك عن الضحك، لأن هؤلاء كانوا بالأمس القريب يتبارون بحماس نضالي داخل حزب الشعب الموريتاني..." مورتانيا على درب التحديات ص: 21.
آنسك الله يا مختار في روضتك؛ فقد عظم الأمر بعدك، وضاق العسكر ذرعا حتى بمرابعك الأولى، فقد باعوا (ابلوكات) لأنها شاهدة على بقية أخلاق وشيء من التقوى تحلى به جيلك من المؤسسين الأوائل الأخيار؛ خصوصا في المال الذي صار فيما بعد دولة بين كسالى العسكريين، والمتسللين منهم في الظلام دوما إلى أمر لم يهيأوا لها، فلم يهدأ لهم بال حتى وضعوا الحاضر والماضي والمستقبل في المزاد العلني اعترافا منهم بعدم الرابطة بينهم وبين هذا الشعب المتشبث بقديمه تشبث العسكر بالسلطة.
آنسك الله يا مختار في روضتك؛ فقد عظم الأمر بعدك، وضاق العسكر ذرعا حتى بمرابعك الأولى، فقد باعوا (ابلوكات) لأنها شاهدة على بقية أخلاق وشيء من التقوى تحلى به جيلك من المؤسسين الأوائل الأخيار؛ خصوصا في المال الذي صار فيما بعد دولة بين كسالى العسكريين، والمتسللين منهم في الظلام دوما إلى أمر لم يهيأوا لها، فلم يهدأ لهم بال حتى وضعوا الحاضر والماضي والمستقبل في المزاد العلني اعترافا منهم بعدم الرابطة بينهم وبين هذا الشعب المتشبث بقديمه تشبث العسكر بالسلطة.
المعهد العالي والعقدة الغامضة
تأسس المعهد العالي عام 1978، ليعبر منه طلاب المحاضر إلى مرافق الحكومة بعد أن يمنهجوا علوما استحضروها على شيوخهم في محاضرنا الخالدة، وكان مكرما عزيزا اعتزت به موريتانياـ وتباشرت به جهاتها، فأكرمته الرقيبة وتكانت بأنبل رجالها وأحفظهم وأورعهم وأفقههم العلامة محمد يحيى ولد الشيخ الحسين، ثم آلى أهل الجنوب الغربي ألا يقصروا في حق حاضن إرث الشناقطة فنثروا الكنانة فوجدوا العلامة محمد سالم ولد المحبوبي أفهمهم لمعقول وأوعاهم لمنقول فـ"كشوا" به المعهد الأمل، وكان الأديب الناجي بن محمود يُحمِض للطلاب حين يسئمهم فقه يحيانا، وتجهدهم أصول الشيخ المحبوبي، واستمر المعهد على هذا الحال هو حديث الناس ومفخر طلابه ومعتز خريجيه إلى أن أخزى الله معاوية بن الطائع؛ وبدت عقدة العسكر الغامضة تظهر شيئا فشيئا؛ فاختار اغتيالا للمعهد العالي ومربع العلماء رجلا لا آصرة بينه وبين العلم؛ فسام المعهد سوء العذاب، وذاق المعهدُ غربتَه الأولى؛ إذ بُدِّل أهلا غير أهله، وناسا غير ناسه، وقد سجل ذلك أحد الظرفاء فيما أنشدنيه شيخي ابن الدين الفقيه غربيَّ جبل التوباذ:
ويرحم الله زمانا كانا *** أستاذنا فيه الفتى يحيانا
ونجل محبوب الرضا والناج *** وغيرهم من سُرُجِ الدياجي
غرُّ الوجوه سادة طهارى *** ما قارفوا عارا ولا شنارا
أبعد ذا طلبة نكون *** لهؤلاء إن ذا لهون
رفقا بنا أيها الراجز فقد جاء بعدك الجنرال عزيز وزمرته وما أدراك ما الجنرال عزيز وزمرته! قرار في السماء (كناية عن كثرة الأسفار مع المعنى الأصلي) وقرار في الأرض (كناية عن الطرق والعقار وما يتعلق بهما) وضربة هوجاء بينهما (السمك والذهب والحديد).
يتخذ من الرأي الفطير منهجا في قراراته، ويكره غبوب الرأي كراهته الشورى، وبغضه رد الأمر إلى أهله، ولم تبد لكل الناس عقدة العسكر من التاريخ إلا مع آخر طبعة أو طبخة عسكرية للاستلاء على القصر الرمادي وهي بالطبع أردأ الطبعات لأنها لم تأخذ وقتا للتنقيح وتبرير التصحيح، فقد كُتِبَت في ليلة ظلماء بخط غير مستقيم، ولا غرو بعدها أن تجد في حاشية العسكر وأذيالهم إمعة يقول لك بكل وقاحة وجهل إن التاريخ بدأ مع عزيز وإن نصف القرن الماضي من عمر الدولة الوطنية قبل "الجنرال" في لغة نزار كان عصرا من التيه، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
لكن عزاءنا معاشر الطلاب المنتفضين والخريجين المستاءين من حرق أعرق مؤسسة علمية نظامية في البلد تمثل هويته، وتحمل شعار فخره الخالد أن المعهد العالي أرسخ من نزوات العسكر الضائقين ذرعا بالماضي ومتعلقاته، وأنه أخلد من صلف الحكومة الرعناء وقراراتها الجائرة، وأنه باق رغم ظلم ذوي القربى.
اللهم احفظ المعهد واشف جرحى المعهد، اللهم إنا نسألك أن تتلف شهادات كُلِّ خريج من المعهد أعان على حرق المعهد.
ويرحم الله زمانا كانا *** أستاذنا فيه الفتى يحيانا
ونجل محبوب الرضا والناج *** وغيرهم من سُرُجِ الدياجي
غرُّ الوجوه سادة طهارى *** ما قارفوا عارا ولا شنارا
أبعد ذا طلبة نكون *** لهؤلاء إن ذا لهون
رفقا بنا أيها الراجز فقد جاء بعدك الجنرال عزيز وزمرته وما أدراك ما الجنرال عزيز وزمرته! قرار في السماء (كناية عن كثرة الأسفار مع المعنى الأصلي) وقرار في الأرض (كناية عن الطرق والعقار وما يتعلق بهما) وضربة هوجاء بينهما (السمك والذهب والحديد).
يتخذ من الرأي الفطير منهجا في قراراته، ويكره غبوب الرأي كراهته الشورى، وبغضه رد الأمر إلى أهله، ولم تبد لكل الناس عقدة العسكر من التاريخ إلا مع آخر طبعة أو طبخة عسكرية للاستلاء على القصر الرمادي وهي بالطبع أردأ الطبعات لأنها لم تأخذ وقتا للتنقيح وتبرير التصحيح، فقد كُتِبَت في ليلة ظلماء بخط غير مستقيم، ولا غرو بعدها أن تجد في حاشية العسكر وأذيالهم إمعة يقول لك بكل وقاحة وجهل إن التاريخ بدأ مع عزيز وإن نصف القرن الماضي من عمر الدولة الوطنية قبل "الجنرال" في لغة نزار كان عصرا من التيه، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
لكن عزاءنا معاشر الطلاب المنتفضين والخريجين المستاءين من حرق أعرق مؤسسة علمية نظامية في البلد تمثل هويته، وتحمل شعار فخره الخالد أن المعهد العالي أرسخ من نزوات العسكر الضائقين ذرعا بالماضي ومتعلقاته، وأنه أخلد من صلف الحكومة الرعناء وقراراتها الجائرة، وأنه باق رغم ظلم ذوي القربى.
اللهم احفظ المعهد واشف جرحى المعهد، اللهم إنا نسألك أن تتلف شهادات كُلِّ خريج من المعهد أعان على حرق المعهد.







