تاريخ الإضافة : 26.01.2012 00:00

علي هامش قرار حكيم

أستاذ القانون بجامعة نواكشوط الدكتور أحمدو ولد عبد الدايم

أستاذ القانون بجامعة نواكشوط الدكتور أحمدو ولد عبد الدايم

عدت زوال يوم ـ السبت ـ متعبا بعد درسي الأسبوعي لطلبة كلية الحقوق، في مادة القانون المدن، والذي من طقوسي بعد إنهائه الخلود إلي الراحة و الاستماع إلي نشرات الأخبار استماعا وتأملا لا يتيحه ضغط العمل في باقي أيام الأسبوع.

استوقفني خبر تناقلته بعض وكالات الأنباء مفاده اعتزام خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، عدم ترشيح نفسه لرئاسة المكتب السياسى للحركة لدورة قادمة، فكنت بذلك ـ رغم منزعي ضرورة طرق القضايا الوطنية ـ أمام قرار فريد من نوعه، ولأنه قرار فريد ، رشيد ، شجاع ، مسؤول إعتقدت أنه يستحق أن نشيد به وأن نتوقف عند دلالاته ، في ظرف تعز فيه القرارات الرشيدة الشجاعة المسؤولة ، في زمننا العربي عامة و الموريتاني ـ الرديئ ـ خاصة.

أمعنت النظر في القرار فبدا لي أن رياح التغيير فى العالم العربى بدأت تؤتى بعضا من ثمارها، وأصبحت تمارس تأثيراً فاعلاً، ليس فقط على الحالة المجتمعية السائدة فى هذه المنطقة من العالم، والتى باتت مهيأة لتغييرات كبرى وحقيقية، وإنما على عقلية النخب الحاكمة أيضاً، التى ربما تكون قد أصبحت ناضجة ومهيأة للتفاعل الإيجابي مع رياح التغيير التى تهب الآن بشدة، ولو بدرجات متفاوتة ، مدركة ضرورة الاحتكام إلي كلمة سواء ، مبناها ضرورة الحيلولة دون تنازع البقاء المفضي إلي الفناء .

ظاهر الأمر ـ و الله أعلم بخفاياه ـ أن قرار خالد مشعل ، لا يعود إلى عدم أهليته لقيادة حركة المقاومة الفلسطينية ،فواقع الحال أنه جدير بها، يؤكد ذلك حجم الإنجازات التى حققتها الحركة تحت قيادته، و المتمثلة في إنجازات يعتد بها ، حيث فرضت نفسها على الواقع الفلسطينى، وحظيت بثقة الأغلبية فى انتخابات حرة وديمقراطية . إنما قراره عائد إلى التأثيرات الإيجابية المحتملة على مستقبل القضية الفلسطينية، فهو قرار يفتح الباب واسعا أمام إمكانية تجديد دماء النخبة، ويحول دون تكلس مواقع القيادة فى كل المؤسسات الفلسطينية - المرض العضال الذى عانت منه الحركة الوطنية الفلسطينية طويلا، خصوصا تحت قيادة ياسر عرفات يرحمه الله .

كلنا يعلم كيف كانت حركة فتح، حين انطلقت بقيادة «ياسر عرفات» فى بداية عام 1965، فتية، وكيف كان برنامجها للكفاح المسلح واعدا ومؤهلا لقيادة النضال الفلسطينى، خصوصاً بعد هزيمة الجيوش العربية النظامية فى حرب 67، غير أن بقاء «عرفات» على رأس فتح ثم على رأس منظمة التحرير لفترة طويلة اقتربت من نصف قرن، كان من بين أهم العوامل التى ساعدت على شيوع الفساد داخل الاثنتين معا وإصابتهما بالترهل أولا و العجز عن القيام بالمهام الموكلة إليهما من جانب الشعب الفلسطينى ثانيا ، مما مهد الطريق لظهور حركات أخرى منافسة، أو بديلة، أقل فساداً وأكثر قدرة على قيادة النضال الفلسطينى، كان من بينها حركة حماس، التى رجحت كفتها فى النهاية، وأصبحت تدريجياً هى التنظيم الأقوى والأكثر فاعلية على الأرض. ولا جدال فى أن قرار «مشعل» بعدم الترشح لقيادة حماس لدورة أخرى قد يجنبها مصير حركة فتح، ويساعدها على تدارك أخطائها، والعمل على تصحيحها فى الوقت المناسب

في تقديري أن تأثيرات قرار خالد مشعل،لن تقتصر على حركة حماس، وإنما ستمتد حتما إلى مجمل الأوضاع الفلسطينية، ومنها إلى مجمل الأوضاع العربية. فإذا لم يرشح الرجل نفسه فى الدورة القيادية القادمة لحركة حماس سيصعب جداً على محمود عباس وعلى آخرين من الرعيل الأول لقيادات فتح أن يصروا على الاحتفاظ بمواقعهم القيادية فى منظمة التحرير الفلسطينية، التى طالت بأكثر بكثير مما ينبغي، وهو ما قد يؤدىـ إن حدث ـ إلى فتح الباب أمام تجديد النخبة الفلسطينية برمتها، وبالتالي فتح آفاق جديدة وواعدة أمام الحركة الفلسطينية.

أخذني التفكير في قرار خالد مشعل بعيد ... بعيدا ... فقلت في نفسي ليت كل حاكم عربى ـ بالمعني العام لكلمة حاكم ـ وبغض النظر عن الطريقة التي وصل بها إلي موقعه( صدفة أو بانقلاب عسكري، أو بالطريقتين معا ) وبغض النظر عن ما يملك من مقومات تؤهله للقيادة قلب قرار خالد مشعل ظهرا لبطن و أخذ منه العبرة ...

توجست خيفة من أن يطال اتفاق المتحاورين الموريتانيين مقتضيات التناوب الديمقراطي ... تملكني العجب حين أرجعت البصر في مقتضيات المادة 28(جديدة ) من القانون الدستوري ـ رقم : 014 ـ 2006 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 القاضي بإعادة العمل بدستور 20 يوليو 1991 بصفته دستورا للدولة و المعدل بعض ترتيباته ـ أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة ، وذلك بعد أن أقر في المادة 26 جديدة أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات ، و أبعد من ذلك أضافت المادة 29 أن رئيس الجمهورية يقسم ـ قسما لا أرجو أن يكون قسم افنيده ـ ألا يتخذ أو يدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلي مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية و شروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و 28 سالفتي الذكر .

ازداد زهوي حين أعملت النظر في مقتضيات المادة 99( جديدة ) ، المتعلقة بآليات مراجعة الدستور فوجدتها تنص علي أنه : لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلي مراجعة الدستور إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصيغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي علي السلطة و المبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و 28 المذكورتان سالفا .

تمنيت أن يعي الطيف السياسي الموريتاني بسلطتيه التشريعية و التنفيذية ـ و للتقديم معناه ـ أهمية هذه المقتضيات فيصار إلي تداول سلمي للسطة (بالمعني العام للكلمة ) ، إدراكا منا جميعا أن المكث الطويل فيها يحجب الرؤية ، ويبعد المتمسك بزمامها عن واقع شعبه، مما يوصله حد الغرور برأيه و الأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي و في الحقوق المشتركة .

والله من وراء القصد و الهادي إلي سواء السبيل.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025