تاريخ الإضافة : 24.01.2012 15:57

المبدئية في السياسة والأخلاق

السيد ولد هاشم / كاتب صحفي - eseyid@hotmail.com

السيد ولد هاشم / كاتب صحفي - eseyid@hotmail.com

الذين يتعاملون مع السياسة من موقع المصلحة الضيقة والنظرة المنفعية. تراهم يقيمون معايير منطلقين من هذه النظرة وتلك المواقع فيسوغون كل انتهاك للمبادئ من قبلهم وفق تلك المعايير.

فالقضية الأساسية بالنسبة إليهم هي تحقيق مصالحهم الضيقة ومنافعهم الخاصة وقد غضوا النظر عن المبادئ أو العقائد أو المثل العليا. وبهذا تصبح المبادئ برقعا جميلا يخفي وراءه وجها بشعا. وتغدو كلاما على اللسان معسولا يغطي فعلا أثيما، وهكذا يفعل الذين يركضون وراء المصالح الضيقة ركضا جاعلين النظرة المنفعية الخاصة هداية ونبراسا.

إن التعامل مع السياسة من هذا المنطلق أو على ضوء هذا النهج يوقع صاحبه بالإشكالات التي تفقده التماسك مع النفس وتهز أمانته لها، بل تفرض عليه إنهاء العلاقة مع الضمير في كثير أو قليل من الحالات وذلك حين تقوم السياسة بلا مبادئَ قويمة راسخة محكمة. وهذا ما يجعل المرء يؤيد موقفا هنا ويعارضه هو ذاته هناك أو يلوح براية المبادئ هنا ويُنكَسُها هي ذاتها هناك.

لقد أصبحت العلاقة بين السياسة والمبادئ في أكثر العلاقات علاقة التنافر والتباعد فقلما ترى من يقيمون سياساتهم وفق منظومة من المبادئ التي يعترفون بها هم أنفسهم. فلا يحيدون عنها مهما كلف الأمر. وقلما ترى التماسك في تطبيق تلك المبادئ على الحالات التي تقع ضمن نطاقها. فالدنيا تقام وتقعدُ في سبيلها حين ينتهِكها الخصم وتصبح نسيا منسيا حين تنتهِكها النفس أو الضمير أو الصديق أو الحليف.

لهذا نرى عالمنا المعاصر يسمع كلاما كثيرا عن المبادئ السامية ويرى مشاهد أكثر تدور حول انتهاك تلك المبادئ فأغلب الناس وليس جميعهم طبعا يكثر الكلام عن المبادئ الساميةِ ثم يدمن على انتهاكها وليس هذا هو الحال بالنسبة إلى المساواة الوطنية والديمقراطية أو استنكار الهيمنة ونهب ثروات الآخرين أو رفض التجسس والتآمر أو الامتناع عن استخدام القوة في حل المشاكل العالقة. هذا إلى جانب نوع آخر من المبادئ السامية مثل الصدق مع الشعب والنفس والمبدأ والعقيدة وعدم الكذب والخداع والتزوير أو مثل التضحية من أجل الناس وعدم استغلالهم وجني المكتسبات والامتيازات الخاصة من وراء ظهورهم وعلى حسابهم. أو مثل الإخلاص والاستقامة والأمانة واحترام الكلمة والوعد والعهد أو مثل التمسك بالأخلاق الحميدة والمثل العليا.

إن الموقف من المبدأ مسألةَ أخلاقية بل إن الموقف سواء أكان تمسكا حازما أم تلاعبا لتحقيق أغراض أخرى ينبع من العقيدة التي نحمل أو من النظرة الحقيقية التي نرى فيها الكون والحياة والإنسان. فتصبح لنا هاديا ومرشدا أو أقل إيمانا والتزاما.

إذا كانت المصلحة بمعناها المادي الخاص الضيق تشكل الأساس في النظرة إلى الكون والحياة والإنسان ومن ثم تصبح هي المعيار الحاكم للمسلك والسياسة والموقف العملي فعندئذ تكون هي المبدأ ولا مبدأ سواها. كما تصبح المبادئ المعلنة في الشعارات ومن على المنابر مجرد دخان يخبئ الأنياب ويستخدم سلاحا يُشهَر في محارة الخصم والتشهير به.

إن الارتكاز على الجانب المادي المصلحي الضيق يتناقض تناقضا جوهريا مع التمسك بالمبدأ وهذا صحيح أيضا حتى عندما يحدث فيتطابقان مؤقتا وفي حالة جزئية لأن هذا التطابق لم ينبع من موقف مبدئي عقدي بل نبع من موقف مصلحي وفلسفة نفعية مما جعله يتعارض مع المبدأ منذ البداية وحتى النهاية تعارضا صارخا.

لعل إحدى سمات المبدأ أنه يشكل السمو للمصلحة الجزئية أو الفردية أو الخاصة إلى المستوى العام أو أقل مستوى وضع المنفعة العليا للجماعة الإنسانية في الأولوية. ومن ثم تصبح المصلحة الجزئية أو الفردية أو الخاصة محققة من خلال ذلك المبدأ العام أو من خلال المصلحة العليا للجماعة في معناها المستقبلي والأكثر شمولا وبهذا يصبح من الممكن أن يوضع المبدأ أو توضع المبادئ فوق كل اعتبار.

إذا كانت هذه مسألة فلسفية تعود في جذورها إلى طبيعة المفهوم الأساسي حول الحياة والإنسان والكون فمن الممكن أن يرى عبر أمثولة المنغرسين في الفردية المادية أو ما شابهها وذلك حين تراهم يعتبرون الحديث عن المبادئ في صدق وشرف وجدية حديثا يتناقض مع "العقلانية" وينبع من سذاجة أو سخافة أو غيبة مثالية وهمية. وقد وصل الأمر بهم حدا جعلهم ينظرون إلى الإنسان المتشبث بالمبادئ والمحترم لها باعتباره شاذا أو قريبا أو مشكوكا في توازنه وسويته.

أما في المقابل فإن العالم النقيض ضاق ذرعا بهذا الوضع وراح يبحث عن طريق الخلاص في تاريخه وتراثه وسماته الأصلية.

إن الشعب يتوقع من صاحب المبدأ أن يمد يدا لتقويم الاعوجاج وردع الظلم أما إذا لم يستطع فينظر منه الجهر بالكلمة الحق. وإذا لم يستطع فعليه أن يصمت ولا يقول شيئا ضد المبادئ وهذا أضعف الإيمان. ومن هنا لا تكون الدعوة إلى المبدئية ورفض السياسة المصلحية النفعية الضيقة أمرُ غير قابل لتحقيق الانتصار في ظروف معقدة. أي لا يعني ذلك أن تجعل التمسك بالمبدأ مدخلا لمقاتلة كل الأعداء دفعة واحدة. فما دام بالإمكان التحرك حيال كل حالة في ثلاثة خيارات –إما التقويم باليد –وإما باللسان –وإما بالقلب.

أما ما لا يجوز هنا فهو الموافقة على انتهاك المبدأ أو تسويغه أو الترويج له.

فقد روى البخاري ومسلم في حديث عن جابر عن النبي (صل) قال: (ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما). إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة وإن كان مظلوما فلينصره.

هذا موقف مبدئي حازم لا يقبل المواربة في الوقوف إلى جانب الحق والعدل. وذلك ليس حين يكون الحق والعدل في جانب أخوك فحسب، وإنما أيضا حين يكونان في الجانب الآخر، ويكون أخوك وهو أقرب الناس إليك ظالما فيصبح من واجبك أن تردعه عن غيه وظلمه.

أي لا يجوز أن تأخذ موقفا مع المبدأ هنا وتقبل بانتهاكه هناك.

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025