تاريخ الإضافة : 01.07.2013 18:08

على خُطى المحروس..

بقلم سيدي محمود ولد الصغير

بقلم سيدي محمود ولد الصغير

قد تكونُ أروع القصص هي تلك التي يكتبُها الواقع ويُحكِم تفاصيلها الزَّمن أحيانا، غير أنه مع ذاك يتركها شذرات متناثرةَ الأجزاء تستجدي عطْفَ قلم غيور يؤلف بين شظاياها في بناء تعبيري ذي كيان؛ يقرِّبها من عموم القراء بمن فيهم الذين عاشوا أحداثها وهي تتفاعل على خشبة مسرح الحياة أول مرة، لكنهم لم ينفُذوا إلى مكمن الجمال فيها وموضع الدهشة منها حتى إذا غدت حدثا فنيا يسعى بقدمين قالوا سبحان الله..!

وكلنا يعرف جملة من هذه القصص التي لا تفتأ تتكوَّم في الأدراج وعلى الطاولات يُفزِّعها الطَّرْقُ مشدوهةَ الأعين بانتظار فارس "يحررها" من "قيود" الحَجْر، ويذَرُ معانيها "الكبرى" تمارس التأثير بعد أن شبَّت عن الطوق وأونِس منها الرشد!

ويُخيَّل إليَّ أننا معشر الكَتَبة بهذا المسلك نبدد ثروةً للمجتمع هي أثمن مما يبدده السياسيون في كثير من الأحيان، وإن كان عليهم كِفْل من التقصير بما اغتالوا من الأفكار وأخْرسوا من صدى التعبير بصيغ مختلفة ذات تأثر بليغ، وهم من يستطيعون غرس الاهتمام في القاع الأجرد إذا أرادوا، وتفجير المعنى الثري في العُود المنبوذ إن رغبوا.. وكذلك يفعلون!

أولسنا شهودا على حملات ملأت الدنيا وشغلت الناس؛ استنفرتْ لها مصالح الدولة ورُصدت الأموال وتغنَّى الشعراء، ثم انقشع غبار المعركة عن أضغاث حلم بارد..
ولست أنسى أحد شيوخنا الأفاضل ممن لا رغبة لهم في السياسية ولا حرص لهم على ولوج أبوابها وهو يقول لنا خلال بعض الحملات الدعائية في فترة سابقة: سيأتي زمن يصبح فيه كثير من معالم حقبة هذا الرجل (الرئيس حينها) مثار سخرية وتندُّر من الأجيال اللاحقة. وكذلك كان!

كانت تلك سنوات "المعلِّم" "المحروس" يومَ افْتَنَّ في الشعارات الكبرى وصياغة الأحلام المثيرة التي حولت قطاعا واسعا من حملة الأقلام والمثقفين والوجهاء وقادة الرأي إلى جوقة عزف تنخرط في حملات من قبيل : محو الأمة حين يتمدد الجهل والمعرفة للجميع حيث يموت التعليم، ومحاربة السمنة إذ يضرب الفقر بأطنابه على ربوع البلد وتترامى أحياء الصفيح الساخن في قلب العاصمة...، ثم يتحوَّل كل ذلك –بلا مقدمة- معجزاتٍ تخلِّدها القصائد العصماء – والكتب- ويتبارى المبدعون في نسجها حُللا من حرير اللفظ المعسول خلال الزيارات الكرنفالية الخادعة على نحو ما وصفه باقتدار شاعر موريتاني مبدع (هو التقي ولد الشيخ) فقال :

متفاعلن متفاعلن
متفاعلن ما ذا تفـيدْ
لولا القصيد لما غدا
يلهو بنا الزمن العـيدْ
ولما ذُبحنا كالحمـا
ئم في الحمى حتى الوريدْ
ولما عَصبْنا رأس قـا
ئدنا بتِيجان الجليــدْ
ولما غَمرْنا قلبه
بخرافة الوطن السعــيـدْ
في كل صُقع زاره
بذْخٌ وأفراح وعـــيدْ
والواجهات وراءها
في السفح في السفح البعيدْ
شعب يموت ويرتوي
بدماء ثروته الصـــعيدْ

... أسدِل الستارُ على مسرحية "المحروسِ" عنوة .. ثم تنفَّس "الحارس" الصعداء –بعد برهة "تربُّص"- على وقع بدء عرضه الخاص.

تشابهت المشاهد إلى حد كبير غير أن الشعارات تحاولُ أن تنحت في الصَّخر وتأتي بما لم تأت الأوائل، هنا تولد مسميات جديدة وتُقلِع أحلامٌ أخرى لا يراد لها الوصول.. ثم يعُودُ موسمُ الزيارات، ويعلو صوت الفساد (شعار محاربته من جهة والاتهام ببوائقه من جهة ثانية).

أكثر ما يميز "البطَلين" عن بعضهما -ربما- هو نفسية الملِك "الناهبة الواهبة" لدى الأول، ونفسية التاجر المِكْنازِ لدى الثاني.

ولأمرٍ ما كرِهَ الرجل "ابنَ قتيبة" وشن هجوما على "الشعر والشعراء"! ثم عادَ أخيرا يتدارك الموقف بعد أن كَلَّ "الديوانُ" يحاولُ إنعاشه بقبس من يد "سارق النار"! .

وعلى جنبات المسرح العام وُلدت أحداث عظيمة لها من سلطان التأثير على عموم المشهد حظ وافر لكنها تتوارى بمنطقة الظل لا تجد من يكشف عمق أبعادها بضوء من قلمه المنير، وتوغل الجهات المتحكمة في إسدال أستار العتمة على جوانب المشهد التي لا تروق..!

دمتم في رعاية الله

نقلا عن أسبوعية الأخبار إنفو

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025