تاريخ الإضافة : 25.06.2013 10:21

ثورة بلاد الأناضول (2)

سيدي محمود ولد الصغير

سيدي محمود ولد الصغير

(1)
روى مؤلفا كتاب (رجب طيب أردوغان قصة زعيم)عن الكاتبة الصحفية التركية ومؤسسة الجناح النسائي بحزب الرفاه "سيبال أرصلان" هذا الموقف مع رجب طيب حين خاطبها ذاتَ يوم وقد رآها في شيء من الانكسار وهي تحسُّ بإعراض بعض الأوساط التركية عن سماع خطاب حزبها وازدراء بعض حاملي رسالته خاصة من الأخوات المحجبات: "سيأتي يوم نحكم فيه هذه المدينة وهذه الدولة، فقلت أحقا ما تقول فأجابني نعم داومي طرْق الأبواب من دون ملل أو كلل فإن من أخرج يوسف من الجب سيهبنا الحكم في يوم من الأيام " !

(2)
بهذه الروح المؤمنة الواثقة وبهذا الطموح العارم والتصميم الجسور شقَّ رجب طيب مفاوز النضال وتخطّى العقبات الكأداء، متقلِّبا في منازل الابتلاء يعلو به الشراع وينزل في رحلة لاحبة القسمات ، لم يشأ فيها أن يكون كالآخرين بل أخذ منذ وقت مبكر يضبط إيقاع سيره الخاصِّ رغم اندفاعه بين العاملين؛ فمثل فكرا تجديديا في العمق والممارسة داخل المدرسة "الأربكانية " عبر تمثلاتها المختلفة.

ولعل إدخال المرأة إلى حلبة الصراع السياسي وإشراك الأخوات المتدينات في حمل عبء الهم السياسي والمشاركة في الإصلاح -الذي تم أول ما تمَّ في حزب الرفاه على يد رجب طيب أردوغان، بل تجاوزه "التوظيف" إلى غيرهن من المتعاطفات مع خطاب الحزب من غير المحجبات - ما هو إلا تجلٍّ من تلك التجليات ، وذالك ما عرض الرجل لكثير من النقد والتشكيك!

(3)
لكن أردوغان كان يعرف من يكون وما طبيعة معركته ، لقد أعلنها بوضوح :
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمصلون جنودنا
هذا الجيش المقدس يحرس ديننا !!

وكانت هذه الكلمات من الشعر التركي حين تمثَّل بها أردوغان عام98 كافية لوضعه خلف القضبان ومنعه من تولي المناصب العامة بتهمة التحريض على الكراهية؛ لحاجة في نفس
الجيش التركي ليعكِّر تدفق النهر الذي يجري على خطوات هذا القائد السياسي العملاق؛ فلا جرم أن هذا السجن يأتي تتويجا لسنوات من العمل النوعي والتشييد المثير كانا أهم سمات قيادة أردوغان لبلدية اسطنبول التي حولها إلى معلم سياحي ، وانتشلها من وضعية مديونية خانقة إلى وضع اشتثماري مريح ! وهذا ما لا ينبغي أن يستمر كما "يقول القضاء التركي" !

(4)
قرر أردوغان أن ينقل اللعبة إلى مرحلة متقدمة فانفصل عن حزب الفضيلة وأتى بحزب جديد (العدالة والتنمية) ،وفاز في الانتخابات النيابية بأغلبية ساحقة ، ولم يستطع تولي رئاسة الوزراء لاستمرار المنع فتولاها عنه عبد الله غول ، إلى أن تمَّ إلغاء الحكم لاحقا .

(5)
بعد أن تولى الحكم "عمل على الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتصالح مع الأرمن ، واليونان بعد عداء تاريخي وفتح جسورا بينه وبين أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة، وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا وفتح الحدود مع عدد من الدول العربية ورفع تأشيرة الدخول، وفتح أبوابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية مع عدد من البلدان العالمية، وأصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية الأوروبية عام 2009، أعاد لمدن وقرى الأكراد أسماءها الكردية بعدما كان ذلك محظورا، وسمح رسميا بالخطبة باللغة الكردية".

(6)
يمكن القول بشيء من الإيجاز: إن أردوغان استطاع أن يقود ثورة صامتة انتصرت فيها إرادة الشعب التركي بإعادة الجيش إلى ثكناته فزال كابوس طالما أرق الحالمين بالتغيير منذ أمد بعيد ، وحقق طفرة اقتصادية مشهودة ، وانحاز لقضايا أمة أريد لتركيا أن تنسلخ عنها ..وتراكمت النجاحات حتى صار الأنموذج التركي أنموذجا ملهما ومدرسة هوَت إليها أفئدة الدارسين ..

وحجز رجب طيب أردوغان مكانه كقائد عظيم في قلوب جماهير المسلمين من خلال مواقف خالدة ، كموقفه من حرب غزة وقصته في مؤتمر دافوس التي أراد العلمانيون استغلالها ضده فكانت له ...الخ

(7)
واليوم عندما يقول أردوغان ردا على احتجاجات ميدان تقسيم : "نحن لدينا ربيع في تركيا ولكن بعض الناس يريدون تحويله إلى شتاء " يكون لدعواه طعم خاص !

وهو ما عبرت عنه الاندبندنت البريطانية حين زعمت أنه لا يمكن تشبيه ما يجري في تركيا بما جرى في تونس ومصر بداية الربيع العربي لأن في تركيا حكومة منتخبة ..."
إن تركيا العدالة والتنمية قبلة المفكرين والباحثين، وأحرار العالم والمستثمرين والمصطافين والعشاق، فأيَّ ربيع تريدون؟!


نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025