تاريخ الإضافة : 22.06.2013 10:47

ثورة بلاد الأناضول (1/2)

الأستاذ / سيدي محمود ولد الصغير - كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالكويت

الأستاذ / سيدي محمود ولد الصغير - كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالكويت

ثورة بلاد الأناضول (1/2)
ليس سببا واحدا ذاك الذي يجعل الأنظارَ تتجه إلى أحداث تركِيا اليوم؛ فعملاق الأناضول الجاثمُ على حيز جغرافي مؤثر في العالم واصلاً بين أوربا وآسيا محكماً قبضته على مضيقي البوسفور والدَّرْدَنيل، حيث تمُر 28 ألف سفينة سنويا، يُضْفي على استراتيجية الجغرافيا عمق التاريخ بما يثير في الذاكرة من روابط الألقِ الحضاري الممتدِّ بأواصرِ النسب المكين إلى روح أمة أريد سلخه عنها، بل عن ذاته منذ أن خرجَ الذئبُ الأغبر من مخبئه الحقيرِ وعصفت الريح بقلاع الأسود فخلت الأرضُ للذئاب(كذا زعموا!) .. ثم نُودي كاتبُ التاريخ : توقَّفْ!
وقيل لمحابِر الكتَبة ابلعي مدادكِ
وغيضَ الحبْرُ
وكُسِرت الأقلام
"وبُدِّلت الحروف"!
حتى ما عاد المؤذنُ يعرفُ كيف يرفع النداء!..

(2)
ظنَّ حماةُ العهد الجديد أن لا عودةَ للشمس بعد الأفول، وأن عهدا مضى، ولن يعود وأن تركيا قد يمَّمتْ وجهها شطر "الغرب" وليسَ من أمل في أن تتطلَّع –بعدُ- إلى "الشرق" أو تمدَّ إلى جهته سببا!

وهاج العصف ، وفتحت السجونُ ، ونصبت المحاكم ، واهتزتْ أراجيح المشانق في حقبة مظلمةٍ، وانتشر الإلحاد، ومكِّن للانحلال من ربقة من الدين .

(3)
غير أن البلد الطيبَ كان قد اختزنَ روحاً من الماء الطهور الذي تدفق مدرارا بتلك البلاد في سنوات الخصب ، فتحتَ كل الخمائل المحترقةِ ، وبجوانب المآذن والقباب المهجورة ، كانتْ تتفجَّر عيون الماء النمير تسقي العطاشى، وتبُلُّ صدى المكلومين.

فشربَ منها عظماء تركيا الحديثة وسقوا وزرعوا، منهم بديع الزمان النورسيُّ، فبعث رسائل النور تجوبُ الآفاق وتؤذن بالصوت الفصيح في قلوب المؤمنين ، فعاشَ بها زمنا وعاش به الناسُ، ثمّ تسلمها آخرون ثم تجاوبت الأصداءُ؛ فعلا "نجم الدين أربكان" يربكُ خطط الأعداء ، كلَّما هدموا له بيتا صبحهم بفسطاط جديد، وانبرى "فتح الله كولن " يفتحُ المدائن بجيوش مدرَّبة ؛ رسالتها "الخدمة" وسلاحها الإيمانُ، وإن شئت قلت سلاحها الإنسان؛ ففتح الله كولن يراهن على الوعي ويؤمن بالتأثير العميق والتغيير الحضاري الطويل النفسِ، وفي فلكه اليوم بتركيا يدور جيش من الجامعات والشركات والمطابع ومؤسسات الإعلام وطاقة ناخبة جبارة ..ثمَّ ينتحي بعيدا عن الصراع السياسي المحتدم!

من هذا الواقع المعقّد ومن عين الماء نفسها شربَ رجب طيب أردوغان ثم أقبل تتنازعه المدرستان الكولونية والأربكانية ويرسم خطه المميَّز ليدون الحلقة الثانية من ثورة بلاد الأناضول .

للحديث صلة، دمتم في رعاية الله

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025