تاريخ الإضافة : 21.06.2009 20:22

ظاهرة الفساد أسبابها مظاهرها، انعكاساتها، كيفية القضاء عليها

الدكتور الشيخ التجاني ولد باباه/ أستاذ مكون

الدكتور الشيخ التجاني ولد باباه/ أستاذ مكون

الدكتور الشيخ التجاني ولد باباه/ أستاذ مكون
ظاهرة الفساد المالي والإداري داخل مؤسسات الدولة الموريتانية
أسبابها مظاهرها، انعكاساتها، كيفية القضاء عليها .

لاشك في أن ظاهرة الفساد هي ظاهرة تتميز بالقدم ، فمنذ بدا ظهور التنظيمات البشرية علي الكرة الأرضية وهذه الظاهرة تنخر جسم الأمم والشعوب وتقف عائقا أمام تقدمها ونمائها ، والغريب في الأمر أن أي تطور تنموي لابد وان تصاحبه تطورات في أساليب الفساد المالي والإداري فما هو تعريفه ؟ وما هي مظاهره داخل المؤسسات الموريتانية ؟ وما هي انعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية علي المجتمع الموريتاني بشكل عام ؟ ثم ما هي الكيفية التي يمكن من خلالها القضاء عليه أو الحد منه؟
لقد عرف الكثير من المهتمين والباحثين في هذا المجال الفساد بأنه يعني ( استغلال السلطة من اجل المنفعة الخاصة ) و اعتبرت المنظمات الدولية الاقتصادية والمالية بان الفساد يعني ( إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ) وهو ما يعني استغلال موظفي الدولة لمواقع النفوذ لتحقيق مصلحتهم الخاصة الضيقة ، لكن ما هي الدوافع التي تؤدي إليه ؟
إن الدوافع التي تشجع موظفي الدولة علي الفساد كثيرة ولعل من أهمها .
1 – غياب الوازع الديني بالنسبة لنا كمسلمين ..
2 – عدم معرفة الكثيرين لمفهوم المواطنة وارتباطه الوثيق بالدولة .
3 – عدم تفعيل القوانين التي تضع عقوبات ردعية لكل من خولت له نفسه الفساد والإفساد
بغض النظر عن مكانته القبلية والجهوية والاجتماعية .
4 – عدم اعضاء اعتبارات مادية ومعنوية للمؤسسات التي تقوم بالرقابة علي ميزانيات إدارات الدولة المختلفة .
5 – التعيين في الوظائف السامية علي أسس قبلية دون مراعاة للخبرة وللكفاءة العلمية .
6 - تشريع السلطة التنفيذية والسلطات الإدارية التابعة لها لهذه الظاهرة .
هذا وقد عانت الدولة الموريتانية منذ استقلالها في العام 1960 من ظاهرة الفساد بشكل قد لا يكون له مثيل مقارنة مع الدول المغاربية والإفريقية المجاورة ، وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة وهو شيء يظهر لكل متتبع للساحة الموريتانية، فكانت مظاهر الفساد تتجلي علي النحو التالي :


أولا : نهب و المال العام .

لا توجد إحصاءات علمية دقيقة تعطينا رقما محددا لما تم نهبه من الأموال العمومية إلا أن التقديرات تشير إلي 25 % من ميزانية الدولة فقط اتجهت نحو الشعب الموريتاني مما يعطينا صورة عن حجم المأساة ، أما الباقي فتم صرفه لتحقيق الرفاه الفردي وكان ذلك النهب يتم عن طريق عدة صور من أهمها :
1 – السرقة المنظمة عن طريق إرساء المزايدة أو المناقصة علي من سيكون التحايل دأبه في المستقبل علي أن يكون التقاسم بعد إكمال الإجراءات القانونية وهذه هي الطريقة الأكثر شيوعا .
2 – عدم وضع مجالس الإدارات لآليات رقابية تضمن سير الميزانيات وفق المنهج المرسوم لها من طرفه مما يؤدي إلي السماح للمدير العام والمحاسب العام بالتصرف
وفق معطياتهما الخاصة
3 – توقيع العقود الإدارية المختلفة مثل عقود الخدمات مع لوبيات التجار في ظل وجود امتيازات غير طبيعية لصالحهم وفق اتفاق سري علي دفع النصيب للمدير فيما بعد وهو
ما يفسر وقوف اغلب التجار سياسيا مع من لديه السلطة ، ويفسر أيضا سرعة التنكر له
بمجرد زوال هذه السلطة ، لدرجة وجود قناعة لدي الكثير منهم أن الدعم والمساندة السياسية لا يكون إلا للقوي والأوفر حظا .
4 – وأما الصورة الرابعة من صور الفساد فهي إنهاك ميزانية المؤسسة بعقود عمل لا تراعي الكفاءة العلمية ولا الخبرة الميدانية، ولا تراعي الحاجة الماسة للمؤسسة ، بل
تراعي القرابة ،والعلاقات الخاصة ، وأحيانا تكون هذه العقود استجابة لضغط السلطة العليا وبالتالي تلاحظ هذه الظاهرة بشكل كبير في المؤسسات العمومية المستقلة ماديا في
في ميزانيتها ، والمستقلة معنويا في قراراتها .
5 - ظاهرة الرشوة بصورها الأخرى غير التي ذكرناها سالفا والتي أصبحت تشمل إلي جانب المؤسسات المدنية ، المؤسسات العسكرية للأسف الشديد ، مثل التحايل علي الضريبة بجميع صورها علما أن العائدات الضريبة يتم الاعتماد عليها بشكل كبير في
الميزانية العامة للدولة ، ومن المفروض أنها لا تحتمل التحايل .



ثانيا : نهب الموارد الطبيعية وخيراتها المختلفة

تعتمد الدولة الموريتانية في عملية الإنتاج علي موارد طبيعية انعم الله بها علي هذه البلاد
مثل السمك ، والحديد ، والنفط ، إلي جانب الثروة الزراعية والحيوانية ، لكن المتأمل لهذه
الثروات من زاوية النظر إلي عائداتها منذ ثلاثة عقود يكتشف أن ظاهرة الفساد قد طالتها
بشكل كبير حيث تجلي ذلك بشكل واضح في عقود الامتياز التي أبرمت مع الشركات الأجنبية والتي كان العائد منها علي الميزانية أحيانا يكون 1% وأحيانا يكون 2% با لنسبة لشركات المعادن الأجنبية ، وأما الصيد البحري فقد كانت الكثير من الاتفاقيات الدولية غير منصفة في تجاوزها لما تم الاتفاق عليه ، وذلك بسبب نهبها للثروات الوطنية
البحرية دون احترام لبنود الاتفاق وهذه التصرفات المشينة هي بشهادة الكثير من العاملين في مجال الصيد البحري، والغريب في الأمر انه بالتواطؤ مع هيئات الرقابة البحرية .
كما طال الفساد أيضا ثرواتنا النفطية مثل فضيحة وود سايد المعروفة لدي الجميع .
إلا أن العائدات النفطية حتى الآن تتضارب الأنباء حولها مما يجعلنا نتساءل عن مصيرها .



ثالثا : استغلال النفوذ الإداري .

وهو يعني ممارسة الظلم ضد العمال والموظفين داخل المؤسسات العمومية ، ويكون ذلك بمنعهم من حقوقهم المشروعة لهم وفق القوانين المعمول بها ، سواء تعلق الأمر بالحقوق
التي يكرسها قانون الوظيفة العمومية ، أو التي ينص عليها قانون العمال ، ولا أدل علي ذلك من المسيرات والمظاهرات لتي ظهرت فيها جميع الفئات العمالية من أساتذة ومعلمين ، وإداريين ، وأطباء .. الخ
وحتى الآن لا توجد آليات قانونية واضحة المعالم تسمح للموظفين والعمال داخل دوائر
القطاع العام ، أو القطاع الخاص بالحصول علي حقوقهم المشروعة .
هذا وبالنسبة للانعكاسات السلبية لظاهرة الفساد فتتجلي في عدة مستويات نجملها فيما يلي :

أولا : الانعكاسات السياسية للفساد
وتتجلي في عدة مستويات منها ما هو دولي كتصنيفنا من الدول الأكثر فقرا في العالم ومنها ما هو داخلي كظاهرة ضعف العمل الحكومي حيث ضعف القانون وتراجعت الرقابة والمتابعة وتجذرت ظاهرة التعيين علي أسس قبلية بعيدا عن الكفاءة العلمية وأصبح المناخ العام يطبعه الفساد والإفساد ، مما أدي إلي خلق حكومات ضعيفة علي المستوي الداخلي والخارجي ، وأصبح الشغل الشاغل للمفسدين هو البقاء علي هذه الوضعية الراهنة لكونها تحقق المآرب الخاصة .

ثانيا : الانعكاسات الاقتصادية للفساد
إن الانعكاسات الاقتصادية لظاهرة الفساد في الدولة الموريتانية هي الأكثر خطورة من غيرها وهي تظهر في عدة مستويات منها :
ـ انتشار ظاهرة الفقر في صفوف غالبية المواطنين لدرجة عدم وجود البعض لقوت يومه وأحيانا كثيرة تتجلي في عدم وجود سكن لائق وبظهور السكن العشوائي .
ـ عدم وجود بني تحتية لائقة تسمح للمواطن بالعيش الكريم ، فمثلا مازالت العاصمة الموريتانية من العواصم التي لا تتوفر علي صرف صحي ، ولا علي الخدمات الأساسية كالماء ، والكهرباء ، ولا علي ساحات عمومية خضراء نظرا للملكية الخاصة لها .
ـ والانعكاس الأخطر هو تراجع الاستثمارات الأجنبية بسبب عدم وجود ضمانات قانونية
تضمن للمستثمر تامين استثماراته داخل هذا البلد مما انعكس سلبا علي اليد العاملة .

ثالثا : الانعكاسات الاجتماعية للفساد
وهي لا تقل أهمية عن سابقيها ، وتتمثل أساسا في ظهور طبقتين ، متباينتين ، إما غناء فاحش ، أو فقر متقع ، وتراجع الطبقة المتوسطة ،إلا أن الترابط الوثيق بين فئات المجتمع
أدي إلي محاولة المحاكاة فأصبحت العقلية السائدة هي عقلية الفساد بشتى صوره ومعانيه
إلي درجة أن المجتمع في غالبيته لم يعد ينبذ هذه الظاهرة وأهلها بل يعتبرهم أبطالا بدل المطالبة بسجنهم ومحاكمتهم .
هذا وبعد ذكر هذه الانعكاسات السلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الفساد
لابد وان نشير إلي أن ثمة اتجاهان لتكييف هذه الظاهرة من زاوية تحمل المسؤولية عنها
فالبعض يري بان السلطة ليست إلا انعكاسا للمجتمع إن فسد المجتمع فسدت ، وأما الاتجاه
الآخر فيري أن المجتمع ليس إلا آلة في يد ولي الأمر إن صلح هو صلح المجتمع وهي أطروحة أري فيها الصواب مع احترامي الشديد لأصحاب الأطروحة الأخرى .
لكن وفيما يتعلق بالإجابة علي السؤال الأخير حول آليات مكافحة الفساد بهدف القضاء عليه أو الحد منه علي الأقل لابد من القول أولا أن الفساد أصبح ثقافة سائدة تجب محاربته بشتى الوسائل الفكرية والقانونية وذلك علي النحو التالي :
1 ـ إن ظاهرة الفساد لا يمكن القضاء عليها في وقت وجيز بل لابد من وضع إستراتيجية طويلة المدى قد تستغرق سنين عدة وهذه حقيقة يكاد يكون الاتفاق عليها مسلما .
2 ـ لابد أن يشارك المجتمع بجميع فئاته في الحملات التي تعمل علي محاربة هذه الظاهرة
3 ـ لابد من تكييف علمي لأسباب ظاهرة الفساد المختلفة بهدف العمل علي القضاء علي اجتثاثها من جذورها ، لان الداء إذا عرف سببه سهل علاجه .
4 ـ إصدار قانون من طرف السلطة التشريعية يفيد عدم تقادم جرائم الفساد داخل أروقة الدولة ومؤسساتها المختلفة .
5 ـ دمج كل مؤسسات الرقابة علي المال العام في مؤسسة واحدة بهدف التنسيق الدائم .
6 ـ وضع خطة عمل مشتركة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بهدف العمل علي محاربة الفساد والمفسدين.
وخلاصة القول هنا أن عملية محاربة الفساد والمفسدين لم تعد تحتمل التأجيل، وخاصة لكونها تقف عائقا حقيقيا أمام تقدم وبناء هذه الدولة، وتنعكس بشكل كبير علي غالبية فئات المجتمع الموريتاني ، مما يتطلب تفعيل قانون العقوبات وإعطاء دور كبير لأجهزة الرقابة ، ووضع حلول عاجلة ، وذلك للخروج من حالة الجمود التي نعيشها حتى الآن ،هذا ولاشك بان في الأفق بوادر انفراج بوجود ساسة موريتانيين يتبنون هذا المشروع .
وكلي ثقة بان الشعب الموريتاني يتطلع إلي غد مشرق يسود فيه العدل والمساواة وتختفي فيه كل مظاهر الفساد والإفساد.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025