تاريخ الإضافة : 20.05.2013 09:06
عودة الفرسان
"الدنيا تدور، وتدور.. وكلما دارت فإنها تؤوب إلى فلكها الأصلي. فيا ترى، هل ورثة الأرض الحقيقيون جاهزون لاسترداد ميراثهم الذي أضاعوه وسلبه الآخرون؟".
نفثة مصدور نزفَ بها قلمُ الأديب المفكر المصلح التركي الشهير محمد فتح الله كولَن في كتابه (ونحن نقيم صرح الروح)، وصدَّر بها – ضمن فقرة أوسع – العالم المغربي فريد الأنصاري – رحمه الله – ترجمتَه لهُ التي وَسَمها بـ(رواية عودة الفرسان (سيرة محمد الله كولَن) رائد الفرسان القادمين من وراء الغيب.
قرأتُ الترجمة / الرواية الواقعة في 335 صفحة من الحجم من المتوسط فانتابتني مشاعر دافقة من الفرح الروحي الغامر، وشعرتُ أن هناك نفساً تذوبُ على فم الحرفِ وروحا تنسكب في جمل التعبير، وخيطاً من النور الوضيء يخرج من خلل السطور ثم لا يزال يتكثَّف صاعدا في الفضاء حتى يكون غمامة من النور تتنزَّل سكينة وأنسا على القارئ وهو يتابع بشغف وقع حوافر جواد الفارس القادم من وراء الغيب على صهوة حرف شعري مضمَّر ينثره الوهج الصادق في صحراء المواجع الباسقة..
عودةُ الفرسان رواية مضمَّخةٌ بالوجع، قصة مكتوبة بالدمع، سيرة ذات تتلمس ذاتها في الآخر.. عروج بالحرف في مرقاة الروح النازفة بين أراجيح الألم ومعارج التجلِّيات.. حلقت بعيدا بأجنحة الشوق.. فانسابت لغة شفافة المزاج وعاطفة محترقة بالشجن، فكانت شيئا يستحق الخلود..
عودة الفرسان رحلة روح لاهثة خلف سر مقدس آنست منه قبسا يلتمع في رمح فارس غارق في "غبار المسك" فأسلمت أجنحتها للريح تلاحقه..!
نفثَ فيها الأنصاري حشاشة نفسه المسكونة بجراح الأمة أكثر من أوجاع الذات، وبأفراح الروح أكثر من مرارة الواقع؛ في ترجمة محمد فتح الله كولن، وهو يتتبع مسارب حياته الموَّارة بالأحداث، ويتسقَّط لحظات تشكل روحه المفعمة بالأسرار..
في آخر رسائله للقراء قبل مغادرة هذا العالم إلى ظلال النور ورياض الأنس (بإذن الله)
فكانت نصا ثريَّ المضامين طافح الشعرية مضطرم الأشجان، يكتب موضوعه الرئيس وينشئ على ضفافه موضوعات أخَرَ بظلال قلمه المجروح...!
النفس الروحاني الآسر كان السمة المسيطرة على الرواية روحا وصياغة؛ وكل شيء في الترجمة كان يدفع بهذا الاتجاه. والعناوين ناضحة بهذا الوجد بعنفوان، فقد تناثرت ضمن الفصل الأول (الرحيل إلى مشارق الروح) كما يلي:
- رجل الأسرار.
- منازل التحولات.
- لقاح الروح.
- ثم جاء فتح الله.
- محاضن الروح..
لقد نثر الأنصاري في هذه المحاضن التي هي البيئة التي اكتنفت تشكل نفس كولن كثيرا من الأشواق الحرى حين تماهى مع مفردات سيرة فتح الله وهو يخطو رويدا عبر محيط أسري وعلمي شديد الفرادة والتأثير إلى شخصيته المتوثبة للقادم الجلل!
وجاء الفصل الثاني بعنوان (بين الكتب والأغنام)، ليتشكل من وحدات مثل:
- من نافذة المدرسة الأيوبية كنت أراه؛ وذلك هو مستشفى سماء الذي كان يتعالج فيه الأنصاري وفيه بدأت رحلته مع هذه الرواية.
- مدارس التعليم العتيق ورحلة المعاناة والألم.
- الفقدان الأليم... الخ.
أما الفصل الثالث فأرفع شأنا إنه (منزلة الكشف والتجلي)
- من سُرى الديجور إلى معارج النور (قصة العثور على رسائل النور لبديع الزمان النورسي وبداية المشوار الجديد).
- رجل يسافر في الزمان.
- رسالة غير عادية.
- مواجع البدايات... الخ
وأسرد عناوين الفصول الباقية: الفصل الرابع (فتوحات أدِرنة... من الخلوات إلى الجلوات)، والفصل الخامس: مكابدات التجنيد الإجباري، الفصل السادس العودة إلى ثغور تراقيا، الفصل السابع الهجرة الكبرى إلى إزمير أول رباط لخيل الفتوح!، الفصل الثامن: فتوح البلدان وانتصار الفرسان.
لقد كانت بحق هذه الترجمة (أو الرواية كما سماها المؤلف) ملحمة بطولية تدور على ركن وثيق من الإيمان الحي والعزيمة الصادقة، والوعي الكاشف لظلمات الدرب، عاشها محمد فتح الله كولن في فترة عصيبة من تاريخ الإسلام في تركيا فكافح فيها كفاحا عنيدا بجهاد البلاغ والصبر وإقامة المشاريع العلمية والإعلامية الناجحة وخوض غمار المجتمع بالجهد المنهجي المخطّط، والعميق الجذور في تربة اليقين المَسقِي بدموع الخشية الموقد بقناديل ليل التباريح..!
أنا لا أقدم قراءة منهجية في الترجمة، وإنما أصحبكم في جوها فحسب، وقد أوشكت على الانتهاء مما أردت أن أقول... وكان بودي أن أختار لكم بعض الفقرات المضيئة من هذه الرواية ولكن خشيت الإطالة عليكم، فلأختم لكم بفقرة واحدة من الفصل (...من الخلوات إلى الجلوات).
الخلوة فكر، والجلوة ذكر، وبينهما تنتصب معارج الروح، ولا وصول إلى مدارجها إلا بالضرب في الأرض حتى مجمع البحرين! وللطريق عقبات ووهاد، فللجبال تعب، وللصحراء لهب! والسائر بينهما يتعلَّى ويتدلى بين خفاء وجلاء، يتلذذ بالضنى ويتغذى بالنصب! ومن ظنَّ أن بلوغ "ماء مدين" يكون بغير سفر فهو واهم! ..فاحمل مِزودك على عصاك يا قلبي وارحل! ..فعلى شاطئ الجوار الآمن توجد منازل المحبين!.
دميم في رعاية الله.
نفثة مصدور نزفَ بها قلمُ الأديب المفكر المصلح التركي الشهير محمد فتح الله كولَن في كتابه (ونحن نقيم صرح الروح)، وصدَّر بها – ضمن فقرة أوسع – العالم المغربي فريد الأنصاري – رحمه الله – ترجمتَه لهُ التي وَسَمها بـ(رواية عودة الفرسان (سيرة محمد الله كولَن) رائد الفرسان القادمين من وراء الغيب.
قرأتُ الترجمة / الرواية الواقعة في 335 صفحة من الحجم من المتوسط فانتابتني مشاعر دافقة من الفرح الروحي الغامر، وشعرتُ أن هناك نفساً تذوبُ على فم الحرفِ وروحا تنسكب في جمل التعبير، وخيطاً من النور الوضيء يخرج من خلل السطور ثم لا يزال يتكثَّف صاعدا في الفضاء حتى يكون غمامة من النور تتنزَّل سكينة وأنسا على القارئ وهو يتابع بشغف وقع حوافر جواد الفارس القادم من وراء الغيب على صهوة حرف شعري مضمَّر ينثره الوهج الصادق في صحراء المواجع الباسقة..
عودةُ الفرسان رواية مضمَّخةٌ بالوجع، قصة مكتوبة بالدمع، سيرة ذات تتلمس ذاتها في الآخر.. عروج بالحرف في مرقاة الروح النازفة بين أراجيح الألم ومعارج التجلِّيات.. حلقت بعيدا بأجنحة الشوق.. فانسابت لغة شفافة المزاج وعاطفة محترقة بالشجن، فكانت شيئا يستحق الخلود..
عودة الفرسان رحلة روح لاهثة خلف سر مقدس آنست منه قبسا يلتمع في رمح فارس غارق في "غبار المسك" فأسلمت أجنحتها للريح تلاحقه..!
نفثَ فيها الأنصاري حشاشة نفسه المسكونة بجراح الأمة أكثر من أوجاع الذات، وبأفراح الروح أكثر من مرارة الواقع؛ في ترجمة محمد فتح الله كولن، وهو يتتبع مسارب حياته الموَّارة بالأحداث، ويتسقَّط لحظات تشكل روحه المفعمة بالأسرار..
في آخر رسائله للقراء قبل مغادرة هذا العالم إلى ظلال النور ورياض الأنس (بإذن الله)
فكانت نصا ثريَّ المضامين طافح الشعرية مضطرم الأشجان، يكتب موضوعه الرئيس وينشئ على ضفافه موضوعات أخَرَ بظلال قلمه المجروح...!
النفس الروحاني الآسر كان السمة المسيطرة على الرواية روحا وصياغة؛ وكل شيء في الترجمة كان يدفع بهذا الاتجاه. والعناوين ناضحة بهذا الوجد بعنفوان، فقد تناثرت ضمن الفصل الأول (الرحيل إلى مشارق الروح) كما يلي:
- رجل الأسرار.
- منازل التحولات.
- لقاح الروح.
- ثم جاء فتح الله.
- محاضن الروح..
لقد نثر الأنصاري في هذه المحاضن التي هي البيئة التي اكتنفت تشكل نفس كولن كثيرا من الأشواق الحرى حين تماهى مع مفردات سيرة فتح الله وهو يخطو رويدا عبر محيط أسري وعلمي شديد الفرادة والتأثير إلى شخصيته المتوثبة للقادم الجلل!
وجاء الفصل الثاني بعنوان (بين الكتب والأغنام)، ليتشكل من وحدات مثل:
- من نافذة المدرسة الأيوبية كنت أراه؛ وذلك هو مستشفى سماء الذي كان يتعالج فيه الأنصاري وفيه بدأت رحلته مع هذه الرواية.
- مدارس التعليم العتيق ورحلة المعاناة والألم.
- الفقدان الأليم... الخ.
أما الفصل الثالث فأرفع شأنا إنه (منزلة الكشف والتجلي)
- من سُرى الديجور إلى معارج النور (قصة العثور على رسائل النور لبديع الزمان النورسي وبداية المشوار الجديد).
- رجل يسافر في الزمان.
- رسالة غير عادية.
- مواجع البدايات... الخ
وأسرد عناوين الفصول الباقية: الفصل الرابع (فتوحات أدِرنة... من الخلوات إلى الجلوات)، والفصل الخامس: مكابدات التجنيد الإجباري، الفصل السادس العودة إلى ثغور تراقيا، الفصل السابع الهجرة الكبرى إلى إزمير أول رباط لخيل الفتوح!، الفصل الثامن: فتوح البلدان وانتصار الفرسان.
لقد كانت بحق هذه الترجمة (أو الرواية كما سماها المؤلف) ملحمة بطولية تدور على ركن وثيق من الإيمان الحي والعزيمة الصادقة، والوعي الكاشف لظلمات الدرب، عاشها محمد فتح الله كولن في فترة عصيبة من تاريخ الإسلام في تركيا فكافح فيها كفاحا عنيدا بجهاد البلاغ والصبر وإقامة المشاريع العلمية والإعلامية الناجحة وخوض غمار المجتمع بالجهد المنهجي المخطّط، والعميق الجذور في تربة اليقين المَسقِي بدموع الخشية الموقد بقناديل ليل التباريح..!
أنا لا أقدم قراءة منهجية في الترجمة، وإنما أصحبكم في جوها فحسب، وقد أوشكت على الانتهاء مما أردت أن أقول... وكان بودي أن أختار لكم بعض الفقرات المضيئة من هذه الرواية ولكن خشيت الإطالة عليكم، فلأختم لكم بفقرة واحدة من الفصل (...من الخلوات إلى الجلوات).
الخلوة فكر، والجلوة ذكر، وبينهما تنتصب معارج الروح، ولا وصول إلى مدارجها إلا بالضرب في الأرض حتى مجمع البحرين! وللطريق عقبات ووهاد، فللجبال تعب، وللصحراء لهب! والسائر بينهما يتعلَّى ويتدلى بين خفاء وجلاء، يتلذذ بالضنى ويتغذى بالنصب! ومن ظنَّ أن بلوغ "ماء مدين" يكون بغير سفر فهو واهم! ..فاحمل مِزودك على عصاك يا قلبي وارحل! ..فعلى شاطئ الجوار الآمن توجد منازل المحبين!.
دميم في رعاية الله.