تاريخ الإضافة : 08.04.2013 13:53

الأرض السائبة!

الأستاذ / سيدي محمود ولد الصغير - كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالكويت

الأستاذ / سيدي محمود ولد الصغير - كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالكويت

الأرضُ السَّائبة: اسم لهذه البلادِ الوجِعةِ منذ القدم آملا: أن لا يكون "الوجع" جزءا ً من قدرها المحتوم. والأرض السَّائبة عنوان لمجموعة شعرية طافحة بالمرارة والرفض أصدرها الشاعر الكبير محمد ولد عبدي لعشرين سنة مضت – تقريبا – (1995م).

(1)

أعلن منذ البداية أني لم أكن أريد الكتابة عن أي موضوع يتعلق بالشعر هذه المرة، وإن كنت أقر بجاذبيةِ الشعر وانسياقِ القلم إليه بدون قصد أحيانا، ولكني أزمعتُ الكتابة عن موضوع آخر مختلف تماما، وربما فيه شيء من الغرابة؛ لأنه يرتبط بالأساطير والحكايات الخيالية.

هلْ سمعتم بحكاية "علي بابا والأربعين حرامي"؟!

سأفترض أنكم قلتم: نعم؛ لشهرة هذه الحكاية وذيوع صيتها في المشارق والمغارب؛ إذ هي من أشهر حكايات "ألف ليلة وليلة" التي طبقت شهرتها الآفاق!؛ حتى إنه ليكاد اسم "علي بابا" يكون علما على السَّارق المحترف لدى بعض الشعوب.

(2)

ولكن لماذا جئت أحدثكم عن ألف وليلة وعن "علي بابا والأربعين حرامي"؟!.

هل هو إفلاس في المواضيع التي تستحق الكتابة أم جفافٌ في حبر قلم بات يستنجد بالغرائب والأساطير؟

إن الكاتب ليجد نفسه أحيانا أسيرا لنصوص تكتبها الأحداث بحيث لا يستطيع الفكاك من جذبها وتأثيرها، ثم لا تكلفه أكثرَ من إمْرارِ القلم على مواضع الكلمات التي تتراءى أمامه حتى يبصرها الجميع.

وهكذا هي الحال مع "القصَّة الرمزية" التي عشنا على وقعها خلال الأيام الماضية: قصَّة: (الصَّنَاديقِ الأكْراويَّة)؛ فقد بدتْ لي هذه الحكايةُ – بغضِّ النظر عن محاكمتها – ذاتَ قيمة رمزيَّةٍ كبيرة، ذكَّرتني بقصَّة علي بابا والأربعين حرامي.

(3)

تقول قصة "علي بابا والأربعين حرامي": إن علي بابا كان "حطَّابا" عربيا بسيطا، وإنه سمع صدفة كلمة السر التي تفتح بها عصابة ”اللصوص" باب المغارة التي يخبئون فيها كنوزهم فلمْ يلبثْ أن ذهب إلى المغارة واستفتحها بالكلمة: (افتح يا سمسم) وأخذ الكنوز وخبَّأها في بيته، غير أن جارا له شانئا وشَى به إلى اللصوص الذين جاءوا إلى بيته ووضعوا عليه علامةً ليعودوا إليه ويقتلوه.

لكنَّ مرجانةَ (زوجة) علي بابا "كانت شديدة الفطنة فانتبهت للأمر، وقامت بمحو العلامة التي ترك اللصوص على بيت زوجها وجعلتها على بيت الجار الحسود، فجاءه اللصوص وقتلوه.

(4)

لقد وجدتُني في قصَّة (الصَّناديق الأكراوية) أمام نصٍّ رمزي يريد وضع اليد على "على بابا في صراعه الدائب مع "الأربعين حرامي" الذين قذفت إليه "المقادير" بمفتاح سِّرهم في ليلة قاسية، ومن يدري فلعلهم حاولوا قتله، فنجّاه الله على يد "مرجانة" ما: زنجية، أو فرنسية أو... ولم يصلنا نحن من الأمر تفاصيل أكثر مما يفهمه الأطفال من خصومات الكبار، مثل ما سمعنا عن النار الصديقة وفرنسا وتلك الحكايات المُلْغِزَةِ.

وليتها قَذفت إليه بكلمة سرِّ مغارة اللصوص فحسب، ولم تلق إليه بمفاتيح سرِّ كلِّ كنوز بلاد السيبة التي لمْ يفتأ يبيعها بثمن بخسٍ في صفقات تخسَر فيها الأرض والناَّس ويثرى هو الثراء الفاحش. ولا يبدو في النَّهب في وضح النهار غناءٌ له عن دروب المغارات وتسقُّط فتات صعاليك اللصوص، حسب رواية الصناديق.

(5)

في القصَّة بعد آخر قميء ولكنه يكشف عن سبب الفقر المدقع والخراب المستشري الذي تعاني منه "بلاد السيبة" رغم فيض الكنوز الذي تغصُّ بها الجبال ويقذفها البحر إلى تخوم أوربا والصين، وسكان "الكبات" يتضورون جوعا على شاطئ الأطلسي، تأكلهم سبخة البحرِ الملحِ، والأرض تتمدد بلا نهاية لو رشَشْتها بكأس ماءٍ لتدفقت بالنَّماء والخصْب!

الأرض تسْخو بما يغني الورى أبدا
والبحر يقذف بالأسماك والدُّررِ
وفي الجبال حديدٌ لا نفاد له
فكيف تذوي حياة الناس والشجر؟!

وهلْ من أمَلٍ في حياة لأرض تتنازعها قبضة "علي بابا" وصولة "الأربعين حرامي؟!".

كلما استمعت إلى أحدهم يتحدث عن بلادي – وخاصة في بلاد الغربة - ورأيت ذلك الفرق الفاحش بين الحال التي تخوله إياها إمكاناته وثرواته المذخورة (والمنهوبة) وبين الوضع البائس الذي يجر فيه ذيول الخيبة منذ نشأ شعرت بحسرة شديدة وعدت أسأل نفسي عن أمر ساكنة تلك البلاد؛ ماذا حاق بالقوم الذين يستمرئون الهوان ويركنون إلى الضيم.

(6)

وتمتْ كلمة ربك أنه "لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فما استمرأَ أصحاب الأرض النوم فلتهنِ "علي بابا" وأصحابه الصناديق والكنوز.

ولنعجب نحن جميعا في الوجهة المقابلة – كما عجب صاحب الأرض السائبة - مع أبي ذر الغفاري رضي الله:

(...تماما كمثلك
أعجب
كيف البطون إذا اقتاتها الجوع
لا تنبت الصاعقة)!.

(7)

أمر مخجل ووضعٌ مزر ومنكر؛ تبدَّلت لغة الحديث واستحال قاموس النقد؛ ما عاد للاستبداد خطر، ولا لعرج السياسات تبعة، أصبح الحديث عن مغارة لصوص يتصارعون، في غيبة مزمنة لعيون الرقيب.

نامت نواطير مصرٍ عن ثعالبها
فقدْ بشِمْنَ وما تفنى العناقيدُ



شيء أشبه بالنكت الساخرة وأحاجي التسليَّة:

وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكا

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025