تاريخ الإضافة : 15.03.2013 19:19
حدثتني بائعة الكسكس
"ملاتْ كسكس" و"مول شاريت" هما عمودان أساسيان للحياة اليومية في موريتانيا. ويكاد محمد لغظف يجزم أن إنجازات "مول شاريت" تفوق بكثير إنجازات وزارة المياه.
أما "ملات كسكس" فإنها تسد فراغا كبيرا أحدثته الجهات المسؤولة عن التغذية في البلد.
لذلك كان محمد لغظف ولا يزال، يحترم هاتين الشخصيتين اللتين أطعمتا الأجيال جيلا بعد جيل.
وكان محمد لغظف يتردد من حين لآخر على "ملات كسكس" كانت تبيع كسكسها قرب إحدى البقالات في حي بغداد. وكان يُكِنُّ لها احتراما أكبر من الاحترام الذي كان يكنه لوزيرة المرأة آنذاك.
وعندما زارها لغظف في إحدى الليالي عاتبتْه قائلة: "إنك لم تشترِ من عندي منذ ليال". فأجابها ممازحا: "كنت أشتري من جارتك لأنها أصغر منك سنا". في تلك الليلة طلب منها لغظف أن تخبره بدخلها اليومي، لأن لغظف كان مهووسا بتلك الأرقام، لكنها كتمت عنه ذلك مدعية أنها تخشى العين. وبعد إصراره عليها أخبرته أنها تبيع يوميا قيمة 4000 آلاف أوقية، لكنها تربح القليل.
وفي تلك الليلة سألها محمد لغظف أين قضت طفولتها وشبابها، فأخبرته إنها من مواليد "بُوتيشطايَ"، وإنها تربت هنالك، ولم تتعلم القراءة ولا الكتابة. فقال لها لغظف: "لا تقلقي، فالكثير من الذين تعلموا القراءة والكتابة لم تستفد منهم موريتانيا أي شيء مقارنة باستفادتها من المجهود الذي تبذلينه يوميا من أجل إطعام المواطنين". وبدأت "ملات كسكس" تقص على لغظف مراحل طفولتها وشبابها وكيف تزوجت.
وكان مما أخبرتْـه به أن أحد أقاربها من محارمها علمها حلب البقر، وكان الأمر غاية في الخطورة لأنها كانت تكتمه عن أبيها الذي لم يكن بدوره يعرف الحلاب. فقال لها لغظف: "وماذا استفدتِ من تعلمك للحلب" ؟ فأجابته أنها عملتْ بعد وفاة أبيها مع أناس لم يكن فيهم من يعرف الحلب، فكانت هي تحلب بقرات لهم وبالمقابل كانوا يزيدون في أجرتها.
استغرب محمد لغظف من قصة حياتها، لأنه يعرف كثيرا من المتعلمات اللاتي لم يكنَّ يُحسنَّ فعل أي شيء، بدعوى أنهن بنات عمرو أو زيد. أما هذه الأمية فإنها قدمت لمجتمعها من الإنجازات والخدمات ما لم يقدمه مسؤولون ووزراء يعرفون أنفسهم جيدا.
من هذا المنطلق، عرف محمد لغظف أن هنالك أشخاصا أميين في أوصافهم، لكنهم متعلمون في ذواتهم، وبالمقابل فإن هنالك أشخاصا متعلمين في أوصافهم، لكنهم أميون في ذواتهم، ويبقى محمد لغظف حائرا بين هؤلاء وأولئك.
عشتم طويلا.
أما "ملات كسكس" فإنها تسد فراغا كبيرا أحدثته الجهات المسؤولة عن التغذية في البلد.
لذلك كان محمد لغظف ولا يزال، يحترم هاتين الشخصيتين اللتين أطعمتا الأجيال جيلا بعد جيل.
وكان محمد لغظف يتردد من حين لآخر على "ملات كسكس" كانت تبيع كسكسها قرب إحدى البقالات في حي بغداد. وكان يُكِنُّ لها احتراما أكبر من الاحترام الذي كان يكنه لوزيرة المرأة آنذاك.
وعندما زارها لغظف في إحدى الليالي عاتبتْه قائلة: "إنك لم تشترِ من عندي منذ ليال". فأجابها ممازحا: "كنت أشتري من جارتك لأنها أصغر منك سنا". في تلك الليلة طلب منها لغظف أن تخبره بدخلها اليومي، لأن لغظف كان مهووسا بتلك الأرقام، لكنها كتمت عنه ذلك مدعية أنها تخشى العين. وبعد إصراره عليها أخبرته أنها تبيع يوميا قيمة 4000 آلاف أوقية، لكنها تربح القليل.
وفي تلك الليلة سألها محمد لغظف أين قضت طفولتها وشبابها، فأخبرته إنها من مواليد "بُوتيشطايَ"، وإنها تربت هنالك، ولم تتعلم القراءة ولا الكتابة. فقال لها لغظف: "لا تقلقي، فالكثير من الذين تعلموا القراءة والكتابة لم تستفد منهم موريتانيا أي شيء مقارنة باستفادتها من المجهود الذي تبذلينه يوميا من أجل إطعام المواطنين". وبدأت "ملات كسكس" تقص على لغظف مراحل طفولتها وشبابها وكيف تزوجت.
وكان مما أخبرتْـه به أن أحد أقاربها من محارمها علمها حلب البقر، وكان الأمر غاية في الخطورة لأنها كانت تكتمه عن أبيها الذي لم يكن بدوره يعرف الحلاب. فقال لها لغظف: "وماذا استفدتِ من تعلمك للحلب" ؟ فأجابته أنها عملتْ بعد وفاة أبيها مع أناس لم يكن فيهم من يعرف الحلب، فكانت هي تحلب بقرات لهم وبالمقابل كانوا يزيدون في أجرتها.
استغرب محمد لغظف من قصة حياتها، لأنه يعرف كثيرا من المتعلمات اللاتي لم يكنَّ يُحسنَّ فعل أي شيء، بدعوى أنهن بنات عمرو أو زيد. أما هذه الأمية فإنها قدمت لمجتمعها من الإنجازات والخدمات ما لم يقدمه مسؤولون ووزراء يعرفون أنفسهم جيدا.
من هذا المنطلق، عرف محمد لغظف أن هنالك أشخاصا أميين في أوصافهم، لكنهم متعلمون في ذواتهم، وبالمقابل فإن هنالك أشخاصا متعلمين في أوصافهم، لكنهم أميون في ذواتهم، ويبقى محمد لغظف حائرا بين هؤلاء وأولئك.
عشتم طويلا.