تاريخ الإضافة : 03.02.2013 09:56

التيـمم بين الرخـصة والاستـهتار

 سيدي محمد بن محمد الأمين بن والد الشنقيطي

سيدي محمد بن محمد الأمين بن والد الشنقيطي

فـــــوائد منثــورة

لقد شرع الله سبحانه وتعالى هذه الطهارة رحمة منه بنا وتخفيفا إنه كان بعباده رحيما لطيفا وجعل لها أسبابا وشروطا ثابتة لا تتغير إلى آخر الدهر فهي تدور معها ولا تتأثر بالتغيرات المناخية أو اختلاف الفصول وما عرف أخيرا بالاحتباس الحراري ولا بأمواج تثور وأرض تدور، فلا يقال إن سكان القطب الشمالي المتجمد مثلا يشرع لهم التيمم دائما ولا أن الذين في المناطق الحارة فرضهم الوضوء واستعمال الماء فحسب أو أنه يشرع للناس عامة التراب في فصل الشتاء ويجب عليهم الماء في الصيف عليهم لا وكلا ،بل أنزل سبحانه وتعالى للتيمم أحكاما واضحة منسجمة مع طبيعة البشر كلهم منضبطة مرتبطة بالصحة والمرض والقدرة الذاتية لكل إنسان ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) وهذا من خصائص الإسلام الحنيف والشريعة السمحة فهي صالحة لكل زمان ومكان.

ومن الأمثلة مسألة القبلة فقد جعلها جل وعلا فرضا على الناس أجمعين شرطا في صحة صلاتهم ولم يقل سبحانه مثلا إن قبلتكم في الشتاء إلى جهة كذا وفي الخريف إلى جهة أخرى أو لكل قطر قبلة خاصة بهم لأنه يُفضي إلى الحيرة والارتباك وهو مناف للوحدة والاعتصام التي هي من أقوى عرى الإسلام فكذلك أمر التيمم فقد يكون الإنسان في وقت الحر عاجزا عن الماء لمرض محقق والناس من حوله يتبردون به وفيه يسبحون !

ويكون العكس أيضا في فصل الشتاء والبلاد الباردة التي تتساقط فيها الثلوج بلا انقطاع فترى الناس فيها يتوضئون ويغتسلون وأحوالهم الصحية حسنة جدا وقد لا ترى فيهم متيمما أصلا وهكذا .

وهذا من عجائب التدبير الإلهي وقدرته وحكمته ، وقد ذكرت في هذا الباب فرائد من أحكام التراب على طريقة الإنشاء والإملاء مختصرا عن الصفحات وأرقام الأجزاء بناء على أنها مفصلة في أماكنها وذلك من محاسنها فجئت بها منثورة ميسورة فأقول : لقد نص الفقهاء النبهاء على أن من قصر في إحضار الماء أو البحث عنه ولو بهبة أو شراء أو سقاء وتهيئته وتسخينه -إن احتاج إلى ذلك – ثم صلى متيمما فإنه يعيد الصلاة أبدا وكذا إن ترك استعماله لخوف مرض أو زيادته وشك هل كان ذلك خوفا أو كسلا أعاد أبدا ، وكذا خوفُ نشأ عن جبن أو خور دون استناد لسبب من تجربة أو قرينة أو إخبار طبيب ماهر مؤتمن فغير معتبر.


وكذا إن كان المريض أو الذي يخاف حدوثه إنما يتألم في الحال ولا يخاف عاقبته لزمه الوضوء ، والتيمم لا يرفع الحدث رفعا مطلقا ، ولا يصح القول بوجوبه مطلقا ، ولا يتيمم المريض إلا إذا خاف حدوث مرض آخر أو زيادة ما به أو تأخر برئه فمهما قدر على استعماله أو وجد من يناوله إياه لم يتيمم.

والمريض المذكور في الآية الكريمة ( وإن كنتم مرضى أو على سفر..) هو الذي لا يقدر على مس الماء مطلقا أما الذي تعذر عليه استعمال الماء البارد فقط وهو قادر على استعمال الماء الساخن فإنه يطالب باستعماله من الوجه الذي يقدرعليه لأنه يعتبر من القادرين على الماء ويكون خارجا عن مضمون الآية الكريمة وحفظ الدين أولى الضروريات الخمس التي روعيت في كل ملة ولذا يقاتل الكفار وتاركوا الطهارة والصلاة،ويجب على المسافر حمل الماء إذا علم أنه إن دخل الوقت قد لا يجده ، ومن الأدلة حديث أبي هريرة الثابت في الموطإ وغيره ( إنا نركب البحر فنحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا.. ) راجع شرحه وفوائده في كتاب الاستذكار لابن عبد البر .

وقد نصوا أيضا على أنه إن قصر في الطلب ثم وجد الماء بعد أن صلى أو شك في وجوده أو ظنه ولم يطلبه ثم صلى بالتراب أعاد الصلاة أبدا ، وإن كان يضره الماء باردا وجب عليه تسخينه ولو خاف فوات الوقت ، وفوات الوقت أن لا يدرك ركعة من الضروري ، قال العلامة محمد مولود اليعقوبي –رحمه الله تعالى- في الكفاف وليس للمطيق سخنه الثرى إلا إذا تــــسـخينه تـعـــذرا
وأجر في استعماله في الكن نـظير ما ذكـرته في السخن
ونصوا على أنه يجب على عادم الماء أو القدرة عليه -وهو يرجو يقينا أو ظنا وجوده أو القدرة على استعماله قبل خروج الوقت- تأخيرُ الصلاة لأن المحافظة على الوضوء أو الغسل أولى من المحافظة على أول الوقت لأنه يجوز تركه لغير ضرورة ولا يجوز ترك الماء إلا للضرورة القصوى ، ومن خاف تعذر استعمال الماء في آخر الوقت وجب عليه الوضوء أو الاغتسال أول الوقت ولو كان سيصلي في بيته وتفوته الجماعة في المسجد ، ويجب على الرجل أن يأتي بالماء للمرأة لطهرها ووضوئها ولو بشراء أو هبة أو سلف وفرض عليه كذلك توفير الماء لأولاده وبناته وكل من تلزمه نفقته كما يوفر لهم الخبز والأجبان والزبدة والألبان.

وإذا يئس المريض من القدرة على الماء أو لم يجد مناولا له ولا آلة التسخين فإنه يتيمم ويصلي ثم إذا شفاه الله تعالى أثناء الصلاة أو بعدها بدقائق أو أحس براحة أو صحة أو وجد ما فقده قبل خروج الوقت فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة وجوبا ، ففي الصحيح ( من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الصلاة ) ، وقيل يعيدها استحبابا وقد قال صلى الله عليه وسلم للذي تيمم ثم وجد الماء فأعاد الصلاة ( لك الأجر مرتين ).

واتفقوا على أن تبين القدرة على استعمال الماء قبل الصلاة ناقض للتيمم كما لو تذكره فيها فإنه يقطعها ويستأنفها متوضئا ، وكذا يعيد الصلاة وجوبا من صلى بالتيمم ثم بعيد الصلاة وجد الماء قريبا منه لتقصيره في الطلب ، ونصوا على كراهة نقض الوضوء أو الغسل لمن يعلم يقينا أو غلبة ظن أنه سينتقل للتيمم قال في الكفاف :
ونقض عادم وضوءا لم يـضر بـقاؤه للوقت كره وحُظر
إبـطال الاغتسال إلا مـن درى بـالفقد يومين له فأكثرا
وقال العلامة خليل بن إسحاق في المختصر ( ومنع مع عدم ماء تقبيل متوض وجماع مغتسل إلا لطول ) فلله دره،وإلى الملتقى في عجالة أخرى بإذن الله تعالى.

الرياضة

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025