(لك في الثورات مسعاك)

أبى الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي إلا أن يظل مطلا بشعره وسط الجماهير العربية في أبهى فتراتها، فترة الربيع العربي، فبيته الخالد:

إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر

زينت به أولى لافتات الربيع العربي وهتفت به أول حنجرة نادت في وادي الصمت، واليوم يطل برأسه من خلال هذه القصيدة التي تستوحى الجانب المعاكس للصورة التي رسمها الشابي في فبراير 1933 عن جمال الشمال التونسي، فمعذرة يا أبا القاسم إن سحبنا شعرك في واد غير ذي زرع، لكن عزاؤنا أن روحك السارية فيه وصوتك القوي من خلاله سينهض عزائم ويبني قناعات ليظل روحك مشاركا في زحف الجماهير لتهوي على الجذوع بفؤوسها:

أقبل الصبح يعزي في الحياة البائسة
والربا تصرخ من شمس الغصون اليابسة
والدبور الجدب يبكي أي شيء لامسه
وتعالى الحزن في تلك الفجاج الدامسة

*****

أقبل الصبح حزينا يملأ الأفق بكاه
يندب الأوطان، والإنسان.. واها للحياه
يندب الحيوان.. أبقارا وأطيارا.. شياه
لم يفق ذا العالم الميت.. ولم يبصر خطاه

*****

فاتبعيني يا بلادي في الجماهير الحضور
واملأي الدنيا هتافا.. يفلق الصخر الصبور
واسمعي نواح الحزاني.. وانشدي لحن الغيور
وانظري الدنيا.. سيأتي فجرك الحر الفخور

****

وانهضي من رقدة الذل ومن قيد العبيد
واحلمي بالفجر.. فجر العدل والحكم الرشيد
تسقط الطغيان حتما وثبة الحر السديد
وثرى الأوطان يسقيه جريح أو شهيد
فاسمعي شبابتي تتلو لألحان الخلود
تنهض العزم، وترمي عن حمى أرض ولود

****

لن تراعي.. سوف يبقى الظلم ذكرى لليال
ويعود العدل للأوطان موفور الوصال
سوف يأتي الغيث ممراعا وتخضر التلال
وتعود الطير للأغصان تشدو في احتفال
(فاربضي في ظلها الوارف إن خفت الكلال
وامضغي الأعشاب والأفكار في صمت الظلال)
وارقبي الفجر ينادي في شماريخ الجبال

****

لك في الثورات رؤياك ومسعاك النبيل
ولي الفخر إذا ما مت كي أرعى الجميل
فإذا كادت قصور الظلم من زور تميل
وتعالى مكفهر الوجه في بؤس الرحيل
فخطى أحرارك الحرى تجيز المستحيل

****

وهتاف الشعب أبقى من خطابات سخاف
كلما قلنا سحاب ممطر، يأتي جفاف
فتعالي يا خرافي يا بقيراتي العجاف
يا صغيرا هده الجوع، ويا هزل الصحاف
وتعال أيها الشعب، فمن ماذا تخاف؟
وتعالي يا مراعي الجدب.. نمضي في الهتاف
يسقط الظلم حقيرا.. قد كفانا منك..كاف
يسقط الظلم حقيرا.. قد كفانا منك كاف