تاريخ الإضافة : 07.02.2012 16:16
وماتت محجوبة.. ( قصة قصيرة)
يدير سجارة فاخرة بين أصابعه، يتنفس بعمق يذرع مساحة مكتبه الكبير، يقلب كل الأوراق، يعود إلى كرسيه الوثير، ثم ما يلبث أن يفارقه بعد أن أشعل السجارة، يأخذ نفسا عميقا كأنه يحاول أن يقنع نفسه بما سيقول، أو يريدني أن أصدقه، ..وخرجت من فمه بصوت ممزوج بالحدة والأسى: محجوبة ماتت..
ينظر إلي، يرى وقع الخبر على ملامح وجهي.. وبنظرة المستفهم أنظر إليه، منتظرا تفاصيل الخبر.. لكنه بدا ممتعضا من هذا الانتظار فانتفض من جديد.
أقول لك محجوبة ماتت.. هل تصدق ذلك..؟، ينفخ في فضاء المكتب الواسع سحابة دخان غطت ملامح وجهه، أقول لك مجحوبة.. لماذا محجوبة بالذات؟..
أنت لا تعرفها، لو كنت تعرفها... محجوبة كانت وراء كل النجاح الذي حققته، أو لنقل وراء جزء كبير منه، بعت ثلاثة من أبنائها قبل أعوام لشراء قطعة أرض، باتت اليوم عنوانا للنجاح العقاري في المدينة، ابن محجوبة الأصغر نحرته العام الماضي حين طلب منا الوالي استضافة وفد من الحزب يزورنا، أقمت للوفد وليمة كانت حديث الناس طيلة الصيف..
ابني الذي يتابع دراسته في فرنسا الآن اشترى تذكرة سفره حين باع أم زريبة، كنت أعارض ذلك القرار، فأم ازريبة هي البنت الرابعة لمحجوبة، ولا يجوز أن تكون في مراح آخر.. حتى هي لم تتعود غيرنا فعادت ثلاث مرات قبل أن ينتجع بها أهلها باتجاه مالي..
أنت لا تفهم ما أقول.. محجوبة ماتت..!، وبكل وقاحة يقول لي إنها ماتت جوعا، هذا ما لم أستطع استيعابه، صحيح أن سعر العلف أغلى من أي عام مضى، ولكني أرسلت إليهم علفا يكفي لشهر، ..يقلب علبة السجائر الفاخرة، تحذير حكومي: التدخين مضر بالصحة.. هراء..، لماذا تسمح الحكومة باستيراده إذا؟!.
لماذا تكون هذه العلبة بخمسمائة أوقية فقط، وكيس العلف الصغير بخمسة آلاف؟!.
أليس الجفاف مضرا بالصحة؟، لماذا لا تكون الضرائب على السجائر بدل القمح والعلف، لماذا تهرب الحزب من تعهداته لنا قبل الانتخابات بتوفير محميات وتسهيل استيراد العلف وفتح عيون ماء في المراعي، وحين نجح مرشحوه لم يزورونا مرة واحدة..
يرن الهاتف باستمرار، يستل سجارة أخرى، يشعلها بحنق، قلت لك لن أجيب على هذه المكالمة..
ألم تجد إلا هذا الوقت لتتصل فيه؟.. هل ستقول لي أيضا إن وفد الحزب سيزورنا لشرح برنامج رئيس الجمهورية، كان ذلك مقبولا قبل موت محجوبة..
سبحان الله، كنت البارحة أخبر محمد حين اتصل من أبيدجاه أنها بخير وتجاوزت الصيف، لماذا يسألني هنا بالتحديد؟، إنه يعرف مكانتها في نفسي، فهي كانت أعز ممتلكاتي أعطتني إياها خالتي رحمها الله حين نجحت في الباكالوريا وقد أوصتني بها خيرا، فهي من سلالة عريقة، كانت تملك أمها الرابعة..
استغربت من جدال النواب العقيم حول قانون المشاريع النووية، ولم يذكر أي منهم أي شيء عن الجفاف، البارحة كدت أذوب أسفا على عبد الله حين أخبرني أن تسعة من أبقاره ماتت عطشا، وهو الذي تولى مرة استضافة وفد الحزب وحده..
يرن الهاتف باستمرار..
يشعل سجارة أخرى من عقب السجارة التي احترق نصفها، يتأمل الدخان المتصاعد بخيبة كأنه يرسل عبر نفثاته رسالة احتجاج إلى جهة مجهولة، يراقب خيط الدخان متعرجا في فضاء المكتب الذي بات خانقا، يرفع السماعة ببطء؛ ماذا.. محجوبة؟.. محجوبة الصغيرة..؟! لماذا لم تقل ذلك من قبل.. أووفففف...
ينظر إلي، يرى وقع الخبر على ملامح وجهي.. وبنظرة المستفهم أنظر إليه، منتظرا تفاصيل الخبر.. لكنه بدا ممتعضا من هذا الانتظار فانتفض من جديد.
أقول لك محجوبة ماتت.. هل تصدق ذلك..؟، ينفخ في فضاء المكتب الواسع سحابة دخان غطت ملامح وجهه، أقول لك مجحوبة.. لماذا محجوبة بالذات؟..
أنت لا تعرفها، لو كنت تعرفها... محجوبة كانت وراء كل النجاح الذي حققته، أو لنقل وراء جزء كبير منه، بعت ثلاثة من أبنائها قبل أعوام لشراء قطعة أرض، باتت اليوم عنوانا للنجاح العقاري في المدينة، ابن محجوبة الأصغر نحرته العام الماضي حين طلب منا الوالي استضافة وفد من الحزب يزورنا، أقمت للوفد وليمة كانت حديث الناس طيلة الصيف..
ابني الذي يتابع دراسته في فرنسا الآن اشترى تذكرة سفره حين باع أم زريبة، كنت أعارض ذلك القرار، فأم ازريبة هي البنت الرابعة لمحجوبة، ولا يجوز أن تكون في مراح آخر.. حتى هي لم تتعود غيرنا فعادت ثلاث مرات قبل أن ينتجع بها أهلها باتجاه مالي..
أنت لا تفهم ما أقول.. محجوبة ماتت..!، وبكل وقاحة يقول لي إنها ماتت جوعا، هذا ما لم أستطع استيعابه، صحيح أن سعر العلف أغلى من أي عام مضى، ولكني أرسلت إليهم علفا يكفي لشهر، ..يقلب علبة السجائر الفاخرة، تحذير حكومي: التدخين مضر بالصحة.. هراء..، لماذا تسمح الحكومة باستيراده إذا؟!.
لماذا تكون هذه العلبة بخمسمائة أوقية فقط، وكيس العلف الصغير بخمسة آلاف؟!.
أليس الجفاف مضرا بالصحة؟، لماذا لا تكون الضرائب على السجائر بدل القمح والعلف، لماذا تهرب الحزب من تعهداته لنا قبل الانتخابات بتوفير محميات وتسهيل استيراد العلف وفتح عيون ماء في المراعي، وحين نجح مرشحوه لم يزورونا مرة واحدة..
يرن الهاتف باستمرار، يستل سجارة أخرى، يشعلها بحنق، قلت لك لن أجيب على هذه المكالمة..
ألم تجد إلا هذا الوقت لتتصل فيه؟.. هل ستقول لي أيضا إن وفد الحزب سيزورنا لشرح برنامج رئيس الجمهورية، كان ذلك مقبولا قبل موت محجوبة..
سبحان الله، كنت البارحة أخبر محمد حين اتصل من أبيدجاه أنها بخير وتجاوزت الصيف، لماذا يسألني هنا بالتحديد؟، إنه يعرف مكانتها في نفسي، فهي كانت أعز ممتلكاتي أعطتني إياها خالتي رحمها الله حين نجحت في الباكالوريا وقد أوصتني بها خيرا، فهي من سلالة عريقة، كانت تملك أمها الرابعة..
استغربت من جدال النواب العقيم حول قانون المشاريع النووية، ولم يذكر أي منهم أي شيء عن الجفاف، البارحة كدت أذوب أسفا على عبد الله حين أخبرني أن تسعة من أبقاره ماتت عطشا، وهو الذي تولى مرة استضافة وفد الحزب وحده..
يرن الهاتف باستمرار..
يشعل سجارة أخرى من عقب السجارة التي احترق نصفها، يتأمل الدخان المتصاعد بخيبة كأنه يرسل عبر نفثاته رسالة احتجاج إلى جهة مجهولة، يراقب خيط الدخان متعرجا في فضاء المكتب الذي بات خانقا، يرفع السماعة ببطء؛ ماذا.. محجوبة؟.. محجوبة الصغيرة..؟! لماذا لم تقل ذلك من قبل.. أووفففف...