تاريخ الإضافة : 24.12.2011 11:55

الرجل الذي صار تيسا

الطيب ولد صالح

الطيب ولد صالح

لما كبر رئيس المعارضة في البلد وازداد ضعفه قال: لو أنني استخلفت رجلا علي الناس يعمل فيهم بنصيحة الله ورسوله حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس وقال من يتعهد لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار ويصون الحوت ولا يدع الخروف يشرب اللبن فقام رجل وقال: أنا فقال: أنت تصوم النهار وتصون الحوت ولا تدع الخروف يشرب اللبن قال: نعم ولم يعلق عليه أحد من الحضور وأراد الناس أن يتفرقوا ثم إن الرئيس عاودهم السؤال وقال مثلما قال فسكتوا جميعا وقام ذلك الرجل فقال أنا: فاستخلفه وقال له عليك أن تفي بعهدك فتصوم النهار وتصون الحوت ولا تدع الخروف يشرب اللبن فتلك أمانة في عنقك.

نام الرئيس بعدما أنفذ وصيته واضطجع علي جانبه الأيسر فوق رمال قاحلة وحوله أشجار يابسة وبدا الصبيان يتضاحكون ويمرحون تحت ضوء الشمس الساطع ’ بينما كان الخروف يفكر في الطريقة المناسبة لينقض بسرعة علي الميزانية ويشرب اللبن دفعة واحدة .

إلي جوار الميزانية جلس الرجل وكان رأسه أشعث وإن بدا تحت الأضواء الليلية نظيفا ووجهه مستديرا وعضلاته قوية تظهر في لسانه وطريقة كلامه عن الحكومة .

اختار أن يجلس قرب الخزينة لذا بقي هو والخروف متجاوران طوال الوقت كلاهما يراقب الآخر ومع كثرة انتقاده للخروف وكثرة كلامه له فإن هذا الأخير لم يتكلم وإنما اكتفي من التعليق بنظراته التي تنبئي أنه محرج أو متضايق من وجود هذا الرجل وبدا مصمما رغم ذلك علي شراب اللبن وترك الخزينة فارغة ليموت الناس عطشا .

مضي الوقت وهما يتبادلان النظرات وتثاءب الرجل وازداد عطشا كان عطشه يزداد لحظة بعد لحظة كلما نظر إلي الميزانية ورأي اللبن’ فكر مرة لو شرب قدح اللبن عن آخره وقطع صومه وملأ بطنه وخان عهده ماذا سيحدث طالما الناس نيام ؟

وماذا لو أنه سهي وجاء الخروف وغمس فمه في اللبن وشرب القدح وبقيت خزينة الدولة فارغة كفؤاد أم موسي ’ ألصق ظهره بالحائط وأخذ يراقب بنظراته حركات الخروف وهذا الأخير يرمقه بطرف عينه اليسرى .

لم يعد الخروف كما كان في السابق فقد صار يأخذ كميات إضافية من الأكل والشراب فبعد أن يتناول طعامه في القصر يأتي إلي القدحان في الخزينة ويشرب اللبن ويترك الأطفال جائعين

فكر الرجل لحظات ثم قال: سأنظر في سياسة الخروف ولكن علي أي حال سأظل صائما ولن أدعه يأكل كما يشاء.

انهمك الرجل في الكلام حول الخروف وسياساته وقدم محاضرات حول سياسات الخرفان في العالم العربي وطريقة رضاعتها للماعز وما نتج عن ذلك من ضعف في الاقتصاد والبني التحتية والكوادر البشرية ...

وجاءت ساعة الامتحان واقترب الخروف من القدح غير مبال بوجود أحد ’ صرخ الرجل وجعل يديه في رقبة الخروف وأخذ يسبه ويقول: ارفع رأسك ولا تشرب خزينة الدولة دع اللبن ولا ترضع الماعز’ عليك أن تخجل من نفسك أولا’ ولا تعد للسرقة وشراب الخزينة .

غير أن الخروف تصرف وكأن لا أحد موجودا علي الإطلاق وانهمك بشدة وجعل فمه في القدح وأخذ يبتلع.. يبتلع..

شق الأمر علي الرجل وجعل يفكر لو أنه غمس فمه مع الخروف وشرب معه حتى يرتويا جميعا وليهلك الجميع بما في ذلك المبادئ والتعهدات.. فهذا أفضل من العطش ومعارضة الخرفان والوقوف بجانب العاطلين عن الأكل فلماذا لا يفكر بطريقة إيجابية كهذه وينضم إلي الأغلبية ويصير خروفا سمينا يصلح للعيد!

وهكذا أخيرا غمس فمه مع الخروف في القدح وصار يشرب.. يشرب.. وتعانق مع الخروف عناق للام للألف وصار هو الآخر تيسا سمينا له قرون ينطح بها وسمن بدنه وتنور وجهه وصار يمشي من دار إلي دار يأكل الوركة ويشرب الألبان.

وبينما هو علي حاله تلك إذ خرج الناس عليه وقد ظهروا له علي هيئة سبع رقبته مختنقة بشعره ومعاناته ورأسه وحده أكبر من التيس نفسه وفمه أوسع من باب القصر فلما رآهم علي تلك الهيأة استقبل القبلة وقد علم أنه اشترك مع الخروف في اللبن وتخلي عن مبادئه وتشهد واستعد للموت ’

كان قد قرأ في كتب السياسة أن من خادع السبع انخدع له لأنه ينخدع بالكلام وينتحي بالمدح فجعل يقول للخروف: أيها الحاكم الفاسد أنت شربت القدح وتركت الناس جائعين رد عليه الخروف وأنت كذلك أيها التيس تعلم أنك فاسد وأنك تخدع الناس بكلامك .

وصاح بأعلى صوته في الساحة قائلا:

أيها الشعب العزيز إن الدولة فاسدة وإن الخرفان فاسدون يجب ألا تصوتوا لهم مرة أخري انتخبوا تيسا من المعارضة وستجدون دولة من الماعز متحضرة

أيها الشعب البطل :أنا السياسي النزيه معارض الخرفان ... فاسمعوا كلامي وتقبلوا تحياتي وأعذاري ..

فلما سمع الناس كلامه ورأوه مخالف لأقواله خاب أملهم فيه وقاموا إليه وجعلوا في رقبته حبلا وربطوه بسارية في ساحة المعارضة الفاشلة.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025