تاريخ الإضافة : 15.11.2009 12:19

باحث موريتاني ينال الدكتوراه عن أطروحة تؤرخ للفقه المرابطي

الطالب الباحث محمد الحسن ولد أحمد أثناء نقاش رسالته

الطالب الباحث محمد الحسن ولد أحمد أثناء نقاش رسالته

نال الطالب الباحث محمد الحسن ولد أحمد دكتوراه بدرجة مشرف جدا عن اطروحة بعنوان "مقاصد التجديد الفقهي في عهد دولة المرابطين" أشرف عليها علامة المغرب المرحوم فريد الأنصاري ونوقشت بأيام قليلة قبيل وفاته حيث قرأ على لجنة النقاش تقرير كان المرحوم قد أعده حولها.

الرسالة التي نوقشت بجامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس المغربية بتاريخ 21 من اكتوبر الماضي تعرض لتجديد الفقهاء الذين عاشوا فترة الدولة المرابطية وكان لبعضهم دور كبير في تأسيسها وحظي البعض الآخر بنفوذ كبير طيلة عهدها.

ويرى الباحث أنه كما أن الدولة المرابطية أخرت سقوط الأندلس أربعة قرون فإن فقهاءها بإحيائهم للمذهب المالكي كان لهم الدور في ترسيخ هذا المذهب وحمايته من الاندثار.

وتتألف الرسالة من بابين أولها عن حال الفقه المرابطي وتأثيره والثاني عن العمل التجديد الذي قام به هؤلاء الفقهاء والمقاصد التي كانت وراء هذا التجديد.


الفقه المرابطي الحالة والتأثير

لجنة النقاش التي تألفت من عدد من أساتذة جامعة المولى إسماعي بمكناس

لجنة النقاش التي تألفت من عدد من أساتذة جامعة المولى إسماعي بمكناس



في الباب الأول تحدث الباحث عن الفقه في هذا العهد وحالته وتأثيره في الشأن العام مستعرضا في الفصل الأول وهو فصل تمهيدي دور الفقهاء في تأسيس الدولة وتأثيرهم في السلطة وتأثيرها عليهم ومما ذكره في هذا المجال الآراء الإصلاحية للفقيه المالكي المشهور أبي عمران الفاسي وتصديه لمظالم الحكام الزناتيين " ما يوضح لمسات الفاسي على دعوة المرابطين".

كما عرض لرحلة ثلاثة من تلاميذ أبي عمران إلى أغمات مرجحا اعتمادا على المؤرخ حماه الله ولد السالم أن يكون الثلاثة وهم أبي محمد عبد العزيز التونسي و محمد بن سعدون بن بلال القيرواني و محمد بن الحسن المرادي الحضرمي " إنما قصدوا أغمات في نفس المدة بتوجيه من أبي عمران للقيام بأدوار تعبوية للدعوة المرابطية"

كما استعرض المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها الفقهاء في البيئة التي ظهر فيها المرابطون والتي تضعهم فوق الأمراء عند العامة وفي الثقافة النظرية.

" خضوع الدولة والإدارة المرابطية لسلطان الفقهاء وإذعانها لمشورتهم في نظر هؤلاء ليس منحة ولا تنازلا تبرع به الساسة والعسكريون. بل تلك فتوى شرعية وشراكة حتمية؛ إذ الأمير والفقيه كل منهما حاكم، وقد سماهما الله تعالى بذلك"


بعد عرض حضور الفقهاء في هذا العهد وأدوارهم العامة خصص الباحث الفصل الثاني من هذا الباب للدور الفقهي لهؤلاء في تحصيل الفقه وتطويره ويرى الباحث أن ذلك تم من خلال الأمور التالية:

أولا : انتقاء الطلبة : "المتتبع لتاريخ طبقات الفقهاء في هذا العهد يدرك أنهم كانوا مقتنعين أنه من ضمانات النجاح في التعليم "تخصيص قوم دون قوم بنوع من العلم، وذلك لاختلاف المفاهيم والمدارك"
ثانيا : انتقاء الشيوخ : " فكما ينتقي الشيوخ تلامذتهم النابهين. فإن التلامذة يولون انتقاء الشيخ ما يستحق و يتسابقون إلى أبرع شيخ في كل فن يدرسونه"
ثالثا: تأسيس علاقة متميزة بين الفقيه والمتفقه تقوم على المناقشة المتأدبة وتعليم أسلوب هذه المناقشة مع التسليم بتبعية المتفقه للفقيه والخضوع لمراتب محددة للتلمذة.
وعرض الباحث المنهج الدراسي في هذه الفترة نقلا عن ابن العربي : "الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى المكتب، فإذا عبر المكتب أخذه بتعليم الخط والحساب والعربية، فإذا حذق علموه كتاب الله تعالى ثم نقلوه إلى الأدب ثم إلى الموطأ ثم إلى المدونة"

بعد ذلك كما يقول الباحث "كان المتفقه يخضع بعدئذٍ لما يمكن أن نسميه التفقيه العالي، والاستفادة من ثلاث دورات عملية مطولة من الفقه الجماعي. هي – المناظرة، المفاوضة، المشاورة - ... ويطلق لفظ المناظر على "من قرأ كتابا من كتب الفقه ثم بحث له عن الأدلة ... }والمفاوضة {نوع من الشورى الفقهية، غير أن عاملي التدريب والاختبار حاضرين فيه بشكل أقوى من الاستعانة بالفقيه المفاوض "

أما الشورى فهي مشاورة القضاة لهؤلاء المتفقهين المتخرجين كما عرفها الباحث.


وفي ميدان القضاء والإفتاء اللصيق بالفقه كان لهؤلاء الفقهاء اهتمام كبير حيث " يظهر أنهم قاموا بجهد كبير لتكوين القضاة، وأقنعوا الدولة بضرورة تعميمهم على جميع المدن والأصقاع النائية، واهتموا بإقناع الناس بضرورة الترافع" وللتدليل على دور هؤلاء الفقهاء القضاة ينقل المؤلف قول القاضي ابن العربي : " فلما ولاني الله الأمر أجريت السنة كما ينبغي, وأرسلت الحكمين, وقمت في مسائل الشريعة كما علمني الله سبحانه من الحكمة والأدب لأهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة" .

ويصف الباحث سلطة القضاء على ذلك العهد ليبين دورها في تطوير الفقه وتعزيز دور الفقهاء فينقل عن مصادره إن القضاء "كانت سلطته واسعة إذ كان القاضي يشرف على عدة وظائف: كالشورى والفتيا والأحكام والصلاة والجمعة، كما يشرف على بيت المال وموارده من أموال الأحباس والأوقاف وغيرها، بل امتدت سلطته إلى النظر في تعيين العمال وعزلهم، كما فعل ابن رشد عندما طلب عليا بعزل أخيه أبي طاهر تميم من النيابة"

كما استعرض الباحث واقع الفتوى والتحصين الذي قام به فقهاء هذا العصر لحمايتها وجرد عددا من كتب النوازل المشهورة في المذهب والتي ألفت في هذه الفترة.

واقع التجديد ومقاصده

في الباب الثاني عن واقع التجديد ومقاصده على العهد المرابطي بدأ الباحث في وصف حال الفقه وقت قيام دولة المرابطين قائلا : الصورة العامة للمذهب في تلك الآونة هي التشبث بنصوصه، وتهميش أصوله، وتجنب نقده ونقاشه... وهذا الإيغال في التقليد والجمود على فروع المذهب دون نقاشها ومعرفة أصولها ومآخذها أضعف الفقه, وأقعد أهله وأعجزهم حتى عن نصرة المذهب فكاد يضمحل أمام المذهب الظاهري الذي نما وازدهر؛ خصوصا في شرق الأندلس" .
ثم ينتقل الباحث إلى ما قام به فقهاء المرابطين لتجديد الفقه " فأدخلوا النظر والاستدلال وبرعوا في علم أصول الفقه، و سلكوا مسلك نقد الفقه فنقحوا بعض المسائل وأوَّلوا بعض الروايات, وصحَّحوا بعض الأقوال, وضعفوا البعض الآخر" .
وللتدليل على الروح التجديدية في هذا العصر يورد المؤلف نماذج دالة منها:
يحيى بن محمد بن هانئ بن ذي النون كان يفتي في المذاهب الخمسة، (ت567هـ)
* يوسف بن محمد القيرواني يعرف بابن النحوي (ت513هـ) كان عارفا بأصول الدين والفقه يميل إلى النظر والاجتهاد ولا يرى التقليد، ولما أفتى علماء المغرب بإحراق إحياء علوم الدين للغزالي؛ خالف الفتوى الرسمية الصادرة عن قضاء الجماعة بقرطبة.
وفضلا عن هذه النماذج يخصص الباحث مبحثا كاملا لثلاثة من أبرز الفقهاء المالكيين في هذا العصر وعملهم التجديدي وهم الباجي وابن رشد وابن العربي و " ... هؤلاء الثلاثة كان البعد التجديدي في فقههم أوفر كثافة، فضلا عن موقعهم الريادي وتزعمهم لطبقات الفقهاء وتقاسمهم لمنزع التجديد وتكامل أدوارهم التجديدية؛ ففي الوقت الذي يتميز الباجي باستحضاره العجيب لفروع المذهب والروايات ودربته في توثيقها، ونخل صحيحها من سقيمها، إضافة لتقدمه في الأصول والنظر والحجاج، فإن ابن رشد يعتبر صاحب نفس فقهي طويل في استقصاء الصور وتمثيلها وتحصيلها وإحكامها في مجاميع مستقصية، بينما يستقل ابن العربي بالقدرة الفائقة على التعليل والتوجيه الطريف والمبدع والنقد البارع لكثير من فروع المذهب وآراء أئمته ومسلماته."

وفي الفصل الثاني عن مقاصد التجديد الفقهي عند هؤلاء رأى أن مظاهر هذا التجديد "أخذت مسارا متدرجا من جزئيات الفقه ومسائله العلمية - من مثل تعليل ابن العربي تقليل الفقهاء من الأصناف الواجب زكاتها نظرا منهم إلى مأخذ خفي هو منع أئمة الجور من الاستحواذ على أموال الناس وصرفها في غير وجوهها المقررة شرعا ... ليصل هذا التجديد في حلقاته المتقدمة إلى أن يصبح أساسا متينا ومتكأ قويا لحركة تطويرية ظهرت بواكيرها على أيديهم واطردت في خطها المتصاعد، وتوارثتها أجيال الفقهاء من بعدهم، إلى أن بلغت ذروتها على يد الشاطبي في القرن الثامن الهجري"

وللتدليل على تأثير العمل الفقهي لهؤلاء الفقهاء في استنباط الشاطبي للمقاصد يستعرض الباحث حضور الفقه المرابطي في مادة الموافقات وهذان نموذجان فقط من المادة الثرة التي استعرضها.

1_ " ففي المسألتين الثالثة والرابعة من كتاب الأحكام قسم الشاطبي المباح إلى طرفين وواسطة من جهة التخيير بين فعله وتركه ورجحان أحد الطرفين
فاتبع نفس التقسيم الذي وجدناه عند ابن رشد من قبله لما قال في المقدمات: "ورخص... في النكاح (في حضور اللهو)... واختلف هل هو من قبيل المباح الذي يستوي فعله وتركه أو هو من قبيل المباح الذي فعله أحسن من تركه"

2- "وعند استعراضه للاستحسان باعتباره قاعدة من قواعد مسألة المآل، عول على ابن العربي في تعريفه وتقسيمه وتمثيله ودرجة اعتماده عند أهل المذاهب، والمنهج الأصولي في تطبيقه" .

كما عرض الباحث لحضور المقاصد في المنظومة الفقهية لفقهاء المرابطين من خلال التصريح باعتماد المقاصد ومن خلال بروز المفاهيم المقاصدية من قبيل "سد الذرائع" و"جلب المنافع ودرأ المفاسد" كما ظهر أيضا عبر اعتماد هؤلاء الفقهاء لمنهجية بناء الفروع على المقاصد.

وفي المبحث الثاني من هذا الفصل تحدث الباحث عن مرامي التجديد في هذا العصر معددا بعض هذه المرامي ومستفيضا في المطالب التي خصصها لكل واحد منها:

نقد المذهب
خدمة أصول المذهب
خدمة الأمهات
رد الاعتبار للاعتبار (القياس)
حفظ الدين
مزج الفقه بالرقائق

صناعة الاجتهاد



بعد هذه الجولة في التجديد الفقهي على عهد المرابطين عقد الباحث خاتمة خاصة لصناعة الاجتهاد من أجل الاستفادة من دراسة هذه التجربة فاستعرض شروط الاجتهاد "ما هو راجع إلى معرفة و ما يرجع إلى ملكة" وهذه الملكة تتجلى في امرين: الذكاء الفطري، و الإشراف على مقاصد اللغة والشريعة

ووظيفة هذه الملكة وهذه الشروط "تتضح عند الإلمام بدور الملكة في عملية الاجتهاد فإنه حين تعن حاجة للاجتهاد يفتقر المجتهد إلى استيعاب النازلة واستحضار النصوص والقواعد الحاكمة، وجرد المسائل المتشابهة، في متطلبات تتوارد وتكثر بحسب تعقيد النازلة أو بساطتها" .

ووضع الباحث منهجا للتدريب على الاجتهاد يقوم على
1- تطوير الملكة وتنمية القدرات العقلية بـ : "فتح ذهن الطالب المتعلم على صنعة التحليل والاستقراء، والقياس والاشتقاق" .

2- تخصيص المتفقه بدروس وجلسات من الفقه العالي و " تعليم الاجتهاد يقتضي من المجتهد الاستفاضة في خلفيات اجتهاده وتبيين منهجه في الإفتاء" .

3- اختباره وامتحانه بالإشكالات الصعبة " وكان ذلك نهج عالم المدينة سعيد بن المسيِّب الذي كان يجلس بين المتفقهين به فيثير الإشكالات العلمية في وجوههم ثم يدعهم يتناقشون"

4- إحالة المجتهد بعض النوازل على المتفقهين به " وتلك شنشنة عرفناها من فقهاء الصحابة فحين استفتى رجل زيد بن ثابت  أحاله على تلميذه الحجاج بن عمرو بن غَزِيَّةَ وأمره أن يفتيه بحضرته"
وعرض في الخاتمة لمجموعة محاذير في إصدار الفتوى والاجتهاد ، كما عرض جملة من الإجراءات العملية التي تضمن سلامة الفتوى والاجتهاد

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025