تاريخ الإضافة : 10.11.2009 11:30

الناقد المختار ولد الجيلاني للأخبار النقاد العرب لا يفعلون اكثر من تطبيق المناهج الغربية على الادب العربي

الناقد والأستاذ الجامعي ولد الجيلاني اعتبر أن النقاد العرب لا يفعلون أكثر من إسقاط النظريات الغربية على الأدب العربي (تصوير الأخبار)

الناقد والأستاذ الجامعي ولد الجيلاني اعتبر أن النقاد العرب لا يفعلون أكثر من إسقاط النظريات الغربية على الأدب العربي (تصوير الأخبار)

الدكتور المختار ولد الجيلاني ناقد من أبرز النقاد الموريتانيين وواحد من أهم النقاد العرب المعاصرين بحكم العمل الذي يقوم به وهو تطبيق اللسانيات على النقد وهو منهج حديث لا ينتسب إليه إلا أساتذة معدودون في الوطن العربي

المختار ولد الجيلان ألف كتابا عن الشعر الحداثي في موريتانيا تتبع فيه مسيرة الحداثة في البلد وغاص في أعماق النصوص ناقدا متسلحا بالعلم والمعرفة وخبيرا أدبيا يرى بمجهره كل صغيرة وكبيرة كان من الضروري تناولها في العمل النقدي

يقول "إن الشعر الشنقيطي القديم بؤرة تحتاج إلى الغوص الجديد لاكتشاف حقيقتها".

الأخبار التقت بالناقد الكبير في منزله وأجرت معه هذا الحوار الأدبي الثقافي الواسع الذي تكلم فيه لأول مرة حول تجربته في برنامج مسابقة شاعر الرسول وحول إشكالات مطروحة في الأدب الموريتاني والساحة الثقافية في البلد وحول مواضيع أخرى تهم القراء والباحثين وها هو نص المقابلة :


أهلا بكم معنا في بداية هذه المقابلة وسؤالنا الأول هو:

الأخبار: حسب أفكاركم النقدية يبدو أنكم شخصيا تعتمدون على النظريات والقواعد العلمية لكن هل ترون أن للذائقة قدرة على فحص العمل الأدبي ؟

المختار: بسم الله الرحمن الرحيم شكرا على هذه الفرصة وفيما يتعلق بسؤالكم أقول: الحقيقة أن النقد بدأ تذوقيا وبدأ انطباعيا فهو إذن ولد من داخل الذوق والانطباع و نخلص من هذا إلى أن مرحلة الذوق والانطباع تعتبر مرحلة ولادة ومرحلة نشأة بالنسبة للنقد وبالتالي يصعب على النقد مهما تطور ومهما اغتنى بالمناهج العلمية الحديثة أن يتخلص كليا ونهائيا من هذه الجبلة وهذا الطبع الذي ولد معه لكن كان من الضروري على النقد أن يغير أسلوبه في التعامل مع الأدب ومع الفن بصورة عامة وأن يكون هذا التغير لصالح العلم لأن الإنسان يتجه يوما بعد يوم إلى أن يكون أكثر علمية وإلي أن يبتعد بالتدريج عن الحياة الطبيعية والتفكير الساذج في الحياة وشؤونها وفي معالجة مشكلاتها الفلسفية والفكرية والفنية لذلك كان لزاما على النقد أن يتخلى ولو قليلا عن جزء من ذاته وذاتية نقاده ليكون أقرب إلى العلم لكن اقترابه من العلم هو الآخر ينطوي على قدر من المطبات والمزالق الخطيرة التي يجب على النقاد أن يكونوا على وعي بها لأن الحديث عن العلم في النقد الفني أو الأدبي هو حديث نسبي ، نحن ننشد الاقتراب من العلم لكننا لا ننشد علما دقيقا يطبق قسرا على نصوص الأدب والأعمال الفنية لكي يكون هنا النقد علميا وناجحا لا بد أن يقلل من صرامة هذا العلم ليكون نقدا أدبيا قبل أن يكون نقدا علميا.

الأخبار: ألفتم كتابا عن الشعر الحداثي في موريتانيا وتناولتم فيه خمس قصائد لخمسة شعراء هل تعتبرون أن هؤلاء الشعراء الخمسة هم فقط من يمثل الشعر الحداثي في موريتانيا؟

المختار: الدراسة كأي دراسة يجب فيها تحديد الإطار الزمني الذي تتناوله وأيضا تحديد الموضوع الذي تتطرق إليه وتعالجه ولأن الدراسة أعدت في نهاية العام 2000 فقد حددنا لها العقد الأخير من القرن الماضي فلذلك كنت ملزما بأن أقتصر على نصوص ونماذج لشعراء حداثيين أصدروا دواوين في آخر القرن العشرين وكان هؤلاء الشعراء هم خمسة وقد صدرت لهم تقريبا سبعة دواوين أو ثمانية ولم يكن أمامي إلا أن آخذ نصا واحدا لكل شاعر لأن اتساع الموضوع كان سيضعني أمام تحد أكبر خاصة أن المعالجة التي اتبعتها وهي التحليل اللساني النصي تقتضي الكثير من العمل حول النص الواحد فإذن اختيار النصوص لم يكن محاولة لتقزيم المشهد الشعري خاصة الحداثي في موريتانيا بل العكس الدراسة كانت محاولة لتسليط الضوء على التجربة الحداثية في موريتانيا وإخراجها إلى ميدان النقد الأدبي وإخراجها إلى القراء أيضا وإبراز جمالياتها أكثر من إبراز جوانب ضعفها إن الدراسة كانت في صالح الحركة الشعرية الحداثية تحديدا ولم تكن على حسابها لأنها من أولى الجهود التي كرست للشعر الحداثي في موريتانيا الذي ظل طويلا مهمشا وفي الجانب المزدرى من الحركة النقدية والثقافية في موريتانيا أو لعله مازال كذلك يحتاج إلى كثير من الاهتمام والدعم حتى يكون له المكانة التي يستحقها في المشهد الشعري.

الأخبار : لأنكم مختصون في النقد اللساني المنبني على علم اللسانيات ماهي طبيعة هذا النقد؟

المختار: كان اختصاصي تطبيق المنهج اللساني النصي في مجال الشعر ولأن لهذا التخصص طبيعة خاصة كنت واقعا بين قطبين متجاذبين بقوة قطب العلم المتمثل في اللسانيات وقطب الفن المتمثل في الشعر فالفن ينادي بالابتعاد عن العلمية والدوران خارج قطبها كما يقولون لأنه يأبى أن ينخرط في صلب العلم واللسانيات هي الأخرى تتطلب قدرا من التشبث بالموضوعية والصرامة في النقد واستخدام المفاهيم وأظن أني والحمد لله خرجت سالما قد لا أدعي أنني وفقت إلي حد كبير في أن أقرب بين القطبين ولكني وجدت مخرجا مكنني في النهاية من الوصول إلى ما كنت أبتغي وهو خدمة الشعر الموريتاني أولا وأخيرا والثقافة الموريتانية أولا وأخيرا وكذلك اختبار مدى قابلية اللسانيات النصية وتحليل الخطاب للتطبيق في مجال الشعر وهذا الجهد الذي بذلته هو من أولى الجهود التي بذلت على مستوى العالم لأن لسانيات النص كما هو معروف طبقت في مجال الأدب فقط على النصوص السردية أما الشعر فقد ظل اللسانيون النصيون يتهيبون الخوض في دراسة نصوصه وذلك لأن الشعر كما أشرت إلى ذلك أقرب إلى الفن وبالتالي يصعب إرضاخه للمعايير العلمية الصارمة .

الأخبار: النقاد العرب القدامى هل أسسوا منهجا نقديا مكتملا وهل النقد الأدبي الحديث على صلة بالمفاهيم والأطروحات التي طرحوها أم أنه مجرد مقلد للنقد الغربي؟

المختار: الحديث عن النقد الحديث يختلف عن الحديث عن النقد القديم يجب أن نتكلم عن كل مرحلة بما يناسبها ويلائمها النقد العربي القديم كان متطورا ومتقدما وبلغ شأوا بعيدا في إنجاز النظريات والتحاليل لكنه لم يكن منهجيا بالقدر الكافي وهذا شيء طبيعي لأن المناهج جاءت مع العصر الحديث بعد النهضة حين بدأت المناهج تظهر محاولة أن تقرب العلم من الشعر والأدب إذن طبيعي أن تكون أعمالهم خارج المنهجية أو لا توصف بها فأعمال النقاد القدامى لا توصف بأنها مناهج و لكنها أعمال نقدية فقط و رغم ذلك لاتحتاج مني إلى ثناء أو أن أبرز الجوانب المضيئة فيها بقدر ما يحتاج النقاد العرب المعاصرون إلى من يدافع عنهم أو يثبت أنهم ليسوا بمقلدين للغرب ولا هم بمقلدين للقدامى فلا يطلب من الناقد أن يكون مقلدا فيفترض فيه أن يكون عالما بفن معين أو بأصول فن معين وأن تكون لديه أدوات منهجية منضبطة ومتسقة وأن يكون قادرا على استخدام هذه الأدوات وأن يكون ذو كفاءة وخلفية معرفية تمكنه من استخدام هذه الأدوات فلا يقحم الأشياء في غير محلها يعني أن يكون عارفا بما ينبغي أن يفعله في المكان الذي ينبغي أن يفعله فيه هذه أشياء مطلوبة في الناقد الحديث وأقول تحديدا إن النقد العربي ليس نقدا مقلدا للغرب فما يحدث في الغرب هو أنهم ينتجون مناهج نقدية كما أنهم ينتجون سيارات وآلات مختلفة ويصدرون كل شيء فكذلك يصدرون إلينا المناهج والأفكار والمفاهيم العلمية الحديثة فلا ضير إذن في استخدام هذه المناهج وهذه المفاهيم أو الاستفادة منها من أجل تطوير ثقافتنا وتثويرها والنهوض بها إلى مستوى العصر الذي تسوده العلمية لا ضير في ذلك وشتان بين أن نكون مقلدين للغرب وبين أن نستفيد من مناهجهم وأفكارهم في مجالاتنا الخاصة في الثقافة وأقول بشكل أكثر تحديدا أيضا إنه لا مكان للحديث حتى عن تقليد النقاد الغربيين لأن النقاد الغربيين يحللون ويدرسون نصوصا في لغات أخرى ولذلك فهم مضطرون إلى استخدام أدوات تناسب تلك اللغات وآداب تلك اللغات أما النقاد العرب فهم يدرسون ويعالجون نصوصا مكتوبة باللغة العربية عادة وهذا يفرض عليهم الابتعاد وتجنب الكثير من الأمور التي خاض فيها النقاد الغربيون وذلك بحكم اختلاف اللغة حيث إن طبيعة الأدب مرتبطة بطبيعة اللغة التي يكتب بها بل إنها مستمدة ونابعة من من طبيعتها فلكي يكون النقد قادرا على ركوب موج أدب ما يجب عليه أن يقدر طبيعة اللغة التي كتب بها وأن يكون الناقد على إلمام بها بل أن يكون متشبعا بها وقادرا على استيعابها والتجاوب معها.

الأخبار: أستاذ قارنتم بين استيراد الأشياء واستيراد الأفكار والمناهج المفكر مالك بن نبي ناقش القضية واستبعدها جدا وحتى لو سلمنا بها فإن الأفكار تنبثق من بيئة معينة أنتجتها بينما الأشياء أقل خصوصية كيف تستقيم المساواة بين المسألتين استيراد الآلات واستيراد الأفكار ؟

المختار: أنا أعتقد أن الحضارة هي بنية متكاملة من جميع جوانبها إما تكون حضارة راقية وإما أن تكون متخلفة إما أن تكون غنية وإما أن تكون فقيرة فإن كانت في القطب الموجب فسوف تنتج الأشياء كما أنها أيضا سوف تنتج المفاهيم والتيارات وإن كانت فقيرة أو ضعيفة ومتخلفة فسوف تظل تابعة في استهلاكها للمنجزات المادية كما أنها تابعة في استهلاكها للمنجز الثقافي هذا مجمل قناعتي مع تقديري للمواقف الأخرى

الأخبار: لكن لماذا تبقى تابعة وأنتم نفيتم تقليد النقاد العرب للغرب ؟

المختار: التبعية ليست هي التقليد فالتابع ليس معناه المقلد أنت تابع لأنك تستهلك وتأخذ من الآخر وتتأثر به أما التقليد فهو مستبعد بالنسبة لي خاصة في المجال الثقافي حيث إن العالم اليوم بدأ يتقارب والاتصالات بدأت تزيل الكثير من الحواجز والحدود بين الشعوب والأمم والثقافة هي خير مجلى لهذا التقارب وهذا التشابك ولذلك فإن استخدام منهج ما إن كان هذا المنهج قد ظهر أولا في فرنسا أو ألمانيا أو البرتغال أو ابريطانيا أو أمريكا فإن استخدامه في الثقافة العربية شيء طبيعي ، لماذا نحرم على أنفسنا الاستفادة من التقدم الحاصل أو الانجازات المعرفية الحاصلة لدى الشعوب الأخرى لماذا نحرم أنفسنا من الاستفادة منها ونحن قادرون من خلالها على أن نطور ثقافتنا وأن نمدها بأسباب القوة والحياة ومن المسلمات المعروفة في دراسات المقارنة أنه لا أدب يستطيع أن يقوم لوحده أو أن ينهض لوحده بل لا بد أن يستوعب آدابا آخرى ويذوبها حتى يستقيم عوده وكما يقال فليس الأسد إلا مجموعة من الخراف المهضومة هذا مجمل قناعتي.

الأخبار: أستاذ لو أخذنا اللسانيات وهي تخصصكم نلاحظ أن هنالك ركودا شديدا في إنتاج علم ألسني مطبق على اللغة العربية فالدرس اللساني الآن لو أخذناه هو فقط إعادة تسمية للمفاهيم النحوية انطلاقا من الآجروم أو النحو الغربي مثلا إذا أخذنا مهما أوبعض أدوات الشرط فيمكن أن نسميها ظرفا أو حالا إعادة التسمية الآجرومية دون أن يكون هناك إنتاج درس ألسني منبثق من اللغة العربية هذه طبيعة علم اللسانيات العربي ، يعيد التسميات الغربية وينقلها ما السبب وكيف تقيمون وضع علم اللسانيات العربي ؟

المختار: الدرس الألسني العربي كان بخير في العقود الماضية وقد عرف العالم العربي بأنه كان من بين أبنائه أساطين وأقدام راسخة في مجالات اللسانيات المختلفة ومدارسها المتنوعة يجب أن يفخر بهم وهؤلاء قد قدموا لنا الكثير من المؤلفات والدراسات العميقة والمفيدة والتي باتت اليوم مراجع يعتمد عليها في جميع ميادين اللسانيات في علم الأصوات وفي الصرف هذا الجيل وللأسف بدأ اليوم يودعنا لكن بعد هذا الجيل المراقب يخاف من أن يهبط مستوى الاهتمام باللسانيات في العالم العربي المتعلق بتطبيق اللسانيات على اللغة العربية عموما المراقب يخاف من تراجع مستوى اللسانيات في الوطن العربي بعدما عرفت تقدما لكن على أية حال أقول إن كل الدراسات في اللغة العربية المنبثقة من علم اللسانيات أثبتت قوة اللغة العربية ومرونتها وقدرتها على التطور والتكيف مع الظروف المختلفة وخاصة فيما يتعلق بالمعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة فاللغة العربية في صدارة اللغات التي أثبتت قابليتها للاستخدام في الكومبيوتر وهذا شيء عظيم وفتح عظيم وأظن أنه يبشر بمستقبل خير لللغة العربية وما يزيد هذه البشرى تأكيدا أو صدقا هو إقبال الشركات العالمية اليوم على ترجمة برامجها إلى اللغة العربية وترون اللغة العربية في البرامج الكومبيوترية مثل مكرسوفت وكوكل مثلا وعندما تقرأونها تجدونها لغة جميلة وسهلة وسليمة وفي منتهى الوضوح بمنتهى الكفاءة في التعبير عن المعطيات التي يراد طرحها للقارئ.

الأخبار:حسب السؤال الذي قبل هذا قلتم إن النقاد في الوطن العربي لا يخترعون مناهج ولا مفاهيم بل يعتمدون على ما أنتجه الغرب هل هذا هو ملخص قولكم ؟

المختار: أجيبكم بصراحة واختصار : كل ما يفعله النقد العربي هو أنه يستورد مناهج غربية ثم بعد ذلك يعمد إلى تكييف هذه المناهج مع النصوص الأدبية المكتوبة باللغة العربية ، إذن مبلغ جهد النقاد العرب هو أنهم يكيفون الأدوات النقدية من أجل أن تكون صالحة للاستخدام في مجال الأدب

الأخبار: حسب التصنيفات النقدية يقال إن عصر النهضة أسس لثلاث مدارس في الأدب رئيسية هي الإكلاسيكية والرومانسية والتفعلة هل تعتقدون أن هذه المدارس مازالت هي المسيطر في الأدب أم أن الأنماط الشعرية الموجودة الآن قد تجاوزت تلك المدارس وغيرت خارطة المشهد الشعر بخلق أنماط جديدة ومختلفة عن السابقة ؟

المختار: تاريخ الشعر يختلف عن تاريخ العلم فتاريخ الفن عموما يختلف عن تاريخ العلم إن تاريخ العلم يقوم على إبستمولوجيا متقطعة أي مراحل متقطعة يقوم بعضها على أنقاض بعض ، أما تاريخ الفن أو تاريخ الأدب فهو تراكمي فالظواهر الجديدة التي تطرأ لا تمحو الظواهر القديمة ولا تلغيها من الوجود ولا تبخرها بل تتركها كما هي ثم تحاول أن تتجاور معها وتتعايش معها دون أن تؤثر فيها هذا الفهم الذي يتبناه البعض من أن التيارات الأدبية تيارات متعارضة أو متطاحنة هو فهم آن الأوان لتجاوزه فنحن إذا نظرنا إلى المشهد الشعري العربي الآن تجد شعرا تقليديا حتى إنه قد يكون أشبه بالشعر الجاهلي كما أنك تجد شعرا رومانسيا وتجد شعرا رمزيا وتجد شعرا حرا كما أنك أيضا تقرأ نصوصا من تجارب شعرية أخرى حداثية أكثر إيغالا
في الحداثة والتجديد وكل هذا متجاور في التجربة الشعرية العربية والنتيجة في النهاية هي أن هذه البيئة تصبح أغنى وأثرى أمام القراء فكل قارئ يجد ما يحلو له أن يقرأه ويطلع عليه كأن المشهد الشعر العربي يحاول أن يستجيب لكل الأذواق بدلا من أن يلغي بعض هذه الأذواق أو يقضي عليها أو يستبعدها ويغلق الباب في وجهها

الأخبار: هيئة أبي ظبي في الإمارات أنشأت أكاديمية لتدريس الشعر هل يمكن للإنسان أن يتعلم الشعر بالطريقة المدرسية ويصبح شاعرا أم أن الشعر إلهام لا يكتسب بالتعلم ولا بد لصاحبه من أن تكون لديه موهبة أصلا؟

المختار: مع احترامي لهيئة أبي ظبي للثقافة والتراث فإني أرى أن الشاعر المصنوع ليس كالشاعر المطبوع وهذه مقولة معروف منذ النقد العربي القديم وتكوين شعراء سيؤدي في النهاية إلى تكوين شعراء صناعيين ولا أعتقد أنهم يستطيعون أن يقدموا لنا نصوصا شعرية صادقة وجميلة بالقدر الذي نتطلع إليه في الشعر لكنهم قد يقدمون إلينا كلاما منظوما ومقفى ولكنهم لن يقدموا لنا شعرا إلا إن كانوا شعراء أصلا وهنا تفقد مسألة التكوين أهميتها.


الأخبار: هناك مقولة وهي أن كل إنسان بطبعه شاعر بشيء من الإحسان أو القابلية للشعر لو أخذنا هذه القابلية وأخذنا مقولة جرير لأحد الشعراء الذي سأله عن كيف يكون شاعرا فقال له احفظ لي كذا وكذا من الدواوين والأشعار هذه المقاربة شبه التعليمية والمقولة الأولى التي تتحدث عن القابلية الفطرية في الإنسان لو أخذناها مع المقولة السابقة كيف نقارب قضية القابلية الشعرية وبين القابلية الفطرية أو الاكتساب الثقافي ولا نسميه بالاكتساب المهني كيف تقارنون ؟
المختار: في الحديث عما يعرف بمصدر الأدب من أين يأتي الأدب فإن الأفكار كثيرة حول المنابع التي يأتي منها الإبداع الأدبي هل هو بالفطرة هل هو بالتعليم هل هو مكتسب أو مجرد موهبة كل هذه الآراء والأفكار مجرد نوع من الحدوس نوع من الحدس الذي لا يقوم على أساس علمي ولكن الثابت حقيقة هو أنه ينبغي أن يكون لدى المرء منذ الصغر ونعومة أظفاره والمراحل المبكرة في حياته ارتباط بالشعر واهتمام به وأن يقرأ في مراحل مبكرة ليسهم الشعر في تكوينه الذهني والنفسي فهذا من العوامل ولا أقول كل العوامل بل أقول من العوامل التي يمكن فقط وأقول يمكن أن تساعد على تكوينه كشاعر في المستقبل إذا توافرت له القراءة الجيدة للشعر الجيد الجميل ثم قليل من الدراسة أو الدراية ثم بعد ذلك لابد من المراس أو الدربة حتى يكتسب فعلا تجربة شعرية تمكنه من إنتاج نصوص على مستواه.

الأخبار: البعض يقول إن الشعر الشنقيطي القديم لم يشهد عصر الانحطاط الذي شكل فترة حاسمة في مسار الأدب العربي ؟

المختار: إذا كان الانحطاط هو الضعف قد أقول كلاما خطيرا فالشعر الموريتاني القديم مرفوع فوق الرؤوس وأنا أرفعه فوق رأسي ولكني أقول إنه كان شعرا مقلدا ولا خلاف في هذا فكل من درسوه متفقون على أن الشعر الموريتاني القديم كان شعرا مقلدا وخاصة للشعر الجاهلي أي أنه كان شعرا جاهليا بهذا المعنى تصوروا معي أن شاعرا في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر مثلا يكتب شعرا جاهليا كيف أصف شعره هل أصفه بأنه شعر حداثي يعني كيف أصف هذا الشعر هل هو ضعيف أو قوي قوي مقارنة مع من وضعيف مقارنة مع من أطرح الأسئلة فقط وأقول هذه البؤرة تحتاج إلى الغوص من جديد من أجل أن نكتشف الحقيقة ولا أزيد على ذلك لأني لست قارئا للشعر الموريتاني القديم ولست قارئا لنقده؟

الأخبار: الشعراء الشنقيطيون من حيث البيئة كانوا يعيشون نفس الظروف التي كان يعيشها المجتمع الجاهلي ونفس البيئة ، نحلة العيش واحدة يرعون الإبل ويستكنون بالخيام وطبعا نفس الحياة إلا أن الزمن يختلف تاريخيا فبالتالي لا غرابة في أن يأتي أدبهم مشابها للأدب الجاهلي.

المختار: اليوم مازالت بيئتنا أيضا بيئة جاهلية وما زلنا نركب الجمل ونسكن الخيمة ونحلب الناقة ونشرب لبنها ونربي أبناءها ونستخدم وبرها يعني ما الذي تغير إذا كان الأمر يتعلق بالبيئة الجاهلية فالبيئة مازالت جاهلية إذن لما ذا لا نكتب اليوم قصائد جاهلية هذا ليس مبررا

الأخبار تقاطعه : لكن نمط العيش تغير اليوم ؟

المختار: نسبيا وحتى إذا نظرنا إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر فكانت الحياة قد تغيرت نسبيا إن الشاعر الموريتاني كان يلبس الدراعة والجاهلي لا يلبس الدراعة وهناك أشياء كثيرة مختلفة تماما عن ما كان موجودا عند الجاهليين وهناك أيضا جوانب متشابهة لكن ذلك التشابه لا يسوغ للشاعر الموريتاني أن يكتب قصيدة جاهلية هنا لكي أوضح مثلا إذا سأل أحدهم فأقول أولئك الشعراء كانوا هم مثقفي المجتمع الموريتاني في ذلك الوقت وكانت صلتهم بالثقافة العربية محدودة وكانت هذه الصلة المحدودة أقوى مع التراث العربي القديم إذن كانوا أقرأ للشعر الجاهلي منهم للشعر الاسلامي مثلا والشعر الأموي والعباسي إذن كان النموذج الشعري العربي الوحيد المطروح أمامهم هو النموذج الجاهلي ولذلك عندما أنتجوا شعرا أنتجوه على غرار الشعر الجاهلي فقط هذه هي المسألة فقط كانوا مقلدين للشعراء الجاهليين ولم يكن شعرهم لذلك تعبيرا صادقا عن بئتهم وواقعهم الاجتماعي الموريتاني ولذلك فإن قصائدهم لم تشتهر كثيرا في الأوساط الشعبية كانت متدوالة بين الصفوة وبين الفقهاء والشعراء فقط ولم تكن متداولة شعبيا كان للشعب شعره الخاص وهو الشعر الحساني وهذا هو الشعر الذي عاش حقيقة مع المجتمع الموريتاني وكان متطورا معه وعبر عن شتى جوانب الحياة في مختلف المراحل كان يعبر عن هذه الجوانب بصدق وباللغة التي يجب أن يعبر بها وبالصورة الملائمة لذهنية الإنسان الموريتاني أما الشعر الفصيح فقد كان شعر صفوة وكان مقلدا للشعر الجاهلي هذا كل شيء.

الأخبار: الشعر كان يقلد الشعر الجاهلي في أشياء وأغراض محدودة مثل الغزل والنسيب لكنه مثلا في المديح النبيوي كان للشعراء المريتانين بصمتهم الخاصة وانفكاكهم عن الأدب العربي ونجد أنهم كانوا في المديح ونحوه يخرجون إلى محاكاة الشعر الأندلسي والعصور المتأخرة التي وجدوا في شعر أهلها ما يدعوهم إلى التأثر بها فمثلا ابن رازكه في فائيته عارض ابن هانئ الأندلسي ومحمد اليدالي أحيانا نجده في شعره الصوفي يقترب من النمط الصوفي المتأخر كما هو عند البصيري وأمثاله من الشعراء الصوفيين.

المحتار: هذا الكلام الذي قلناه أيضا هو نسبي فلا أقول إن كل الحالات ينطبق عليها ما قلنا فهناك حالات استثنائية لكن الصورة العامة للشعر الموريتاني أنه كان شعرا مقلدا جاهليا وهذا لا ينفي أن هناك حالات استثنائية أخرى وثمة نصوص شعرية جميلة وثمة شعراء أقوياء كانوا على خلاف ما ذكرنا وهؤلاء يمثلون الاستثناء أما القاعدة فهي ما ذكرت

الأخبار: وسؤال آخر في نفس المسار : يطلق على موريتانيا بلد المليون شاعر كيف ترون هذه المقالة ؟

المختار: هي مقولة تعبر عن مجاملة واعتزاز مجاملة من قبل الأجنبي والاعتزاز من قبل المواطن الموريتاني فقط لا أريد أن أقول أكثر من هذا وأنا أعتز بها لأني مواطن

الأخبار: دائما نسمع إطراء المتنبئ ما هو سر نجاحه عندكم أنتم النقاد وما هو سر رضائكم عن درويش وإعجابكم به في العصر الحديث؟

المختار: سر نجاح المتنبئ هو أنه استطاع أن يلخص عددا كبيرا من القيم العربية الأصيلة التي لاقت صدى وتلاقيه كل يوم في نفس الإنسان العربي كل من يقرأ نصا للمتنبئ يجد هذا الكم من هذه القيم وفيما يتعلق بمحمود درويش فمرجع نجاحه أنه استطاع أن يعبر أيضا عن قضية محورية بالنسبة للإنسان العربي وحساسة بالنسبة له وكان محمود درويش ناجحا جدا في أن يتناولها تناولا شعريا جميلا فهذا هو أيضا ما أعطى لدرويش مكانته إن القضية الفلسطينية هي التي أعطت لدرويش هذه الحرارة وهذ الجمال والقوة التي يمتلكها.

الأخبار: فيما يخص الساحة هنا ما هو تقييمكم لمستوى نشاط اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وتحركهم في الساحة ؟

المختار: قبل أن نتحدث عن نشاط اتحاد الأدباء الموريتانيين يتبادر إلى أذهاننا بسرعة حجم العوائق والعقبات والمصاعب التي تواجه هذا الاتحاد ليؤدي الدور المطلوب منه ونحن نعرف أن هذه التحديات قوية جدا ومع ذلك الاتحاد في كل حين يقف على قدميه وينظم الأنشطة الثقافية والأدبية المختلفة بطريقته وبأدواته التي تكون أحيانا متواضعة أو مبتسرة ولكن هذا هو مبلغ جهده وهو يستحق عليه التهنئة وكل التقدير.

الأخبار: ننتقل إلى تجربتكم في برنامج "مسابقة شاعر الرسول" لقد حصرتكم هذه التجربة في نقد شعر المديح فقط كيف تقارنون بين الشعر الذي قدم إليكم في المسابقة وشعر المديح المعروف في المدونة الشنقيطية ؟

المختار: فيه الكثير من هذا وذاك هي مسابقة تجمع بين عدد من الناس من ذوي المستويات المتباعدة طبعا وإن أردت أن أقتصر على النصوص الجيدة التي وردت إلينا بالمقارنة مع شعر المديح الشنقيطي أقول إنها نصوص جيدة وبعضها يتفوق ليس فقط على مستوى الشعر الشنقيطي بل حتى على كثير من نصوص المديح المعروفة والرائجة في الوطن العربي إلا أننا في الغالب تأتي إلينا نصوص تكون لشعراء مبتدئين لشعراء شباب مازالت تجربتهم الشعرية في مقتبل العمر وفي بدايتهم ولذلك تجد في ثنايا النص الشعري الجميل الكثير من العثرات التي تنزل بالنص الشعري عن مستوى تلك النصوص التي كتبها الشعراء الكبار القدامى ولكن بالنظر إلى أن من كتب النصوص هم شعراء مبتدئين فإن المراقب الأدبي يتفاءل كثيرا بالمستقبل الواعد للشعر الموريتاني.

الأخبار: اختبار الشاعر في غرض واحد أو موضوع واحد كالمديح مثلا هل يكشف عن مستواه الشعري العام ؟

المختار: هناك الكثير من الشعراء الذين عرفوا في تاريخ الأدب بأنهم كانوا مبدعين في غرض معين دون بقية الموضوعات وكما ذكرنا منذ قليل محمود درويش مجمل شعره وأجمل شعره هو ما كتبه في القضية الفلسطينية ونزار قباني مجمل شعره أو أجمل شعره هو ما كتبه في المرأة لنقل إن هناك شعراء متخصصون في أغراض محددة والشاعر الحذق هو الذي يستطيع أن يعرف الموضوع الذي يستطيع أن يقدم فيه شيئا ويبدع فيه والمتمكن منه ولذلك فهو يبقى في الميدان الذي يستطيع أن يبدع فيه ولا يتطرق إلى الموضوعات الأخرى لكن ثمة أيضا شعراء يكتبون في كل الموضوعات وفي موضوعات متنوعة ولا يقلل ذلك من قيمة شعرهم بل يغذيها ويحتفظون بمكانة متقدمة في الشعر وفي الموضوعات التي يعالجون وهذا معروف في التاريخ الأدبي.

الأخبار: هل من كلمة أخيرة توجهونها إلى الساحة الثقافية في البلد ؟

المختار: أتمنى أن تنهض ساحتنا قليلا وأتمنى من القائمين على كل المنابر الثقافية أن يبذلوا جهدا وأن لا يكون هذا الجهد متقطعا من وقت لآخر بل أن يكون جهدا مستمرا ومتواصلا لأن الإنتاج الثقافي يوجد بينه وبين الاقتصاد شبه كبير من ناحية أنك إذا كنت تمتلك مالا مثلا ولم تستثمر هذا المال من أجل أن تضاعفه أو تزيده فإنه حتما يبدأ في التناقص وحتى إن كنت لا تنفق منه شيئا فقيمته تبدأ في التراجع كذلك في الثقافة إذا توفقنا فإنها تبدأ في التراجع وحتى وإن كنا لم نفقد شيئا من رصيدنا الثقافي وبقي موجودا ولكن إذا توقفنا عن مده بالمزيد والإضافة إليه فإنه سيبدأ في فقد قيمته والمكانة التي كانت له في السابق.

شكرا لكم

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025