تاريخ الإضافة : 08.10.2009 13:11

قراء في ديوان "شظايا الليل" للشاعر أوليد الناس ولد هنون

مع الشاعر أوليد الناس ولد هنون أحد الأوجه الشعرية الشابة في الساحة الموريتانية انسجم الإبداع وتواشجت الرؤى فأوحى إليه الشعر بقصائد رطبت أجواء وادي عبقر وتركت بخورها وعطرها العربي يحدث عن "زورق المجد" وعن "إرادة شعب " وعن "مأساة جيل" ..

هيكل الديوان

وقف "ديوان شظايا الليل" مزهوا بقامته بين الدواوين الموريتانية الحديثة وكان لوحاتٍ لها طابعها الخاص ؛ هو جزر خلابة وكل جزيرة هي قصيدة انتشرت لتحوي شعورا وإحساسا لم يستطع أن يظل بين الجوانح مطويا فبرز إلى عالم البوح "إلي عالم النقد " لأن الشعر للنقد وللناس وليس لذات الشعر التي أبت أن يحصُرها تعريف معين.

عند مدخل الديوان يصرخ الشاعر في وجهك قائلا:

الشعر عندي لوعة وعناء وغمامة ضاقت بها الأجواء
الشعر عندي حسوة من علقم فمن المرارة يولد الشعراء

نعم! هكذا وأنت ضيف على الديوان يستقبلك الشاعر هذا الاستقبال مؤكدا لك فلسفة تبناها تجاه الشعر، ونظرة هي من حدد علاقته بالشعر وهي من وضع القوانين التي تربطه به ، تَرى تلك الفلسفة أن الشعر كائن سام لم يخلق عبثا وإنما جاء ليتأمل.. ليفحص.. ويكتشف .. ويواكب "التمظهرات" لا للدعة والسهر في حانات الخمر بل في حانات المعاناة الإنسانية الحقيقية.. هناك يسهر.. هناك حيث تفوح جراح أهل الشاعر:

" فيا جرحنا
يا سفير الجراح
حنانيك ، أفنيتنا في العراق
ولبنان ضاع سدى ..
وأرض فلسطين نهب وسلب ..
قطاع سليب"

"ديوان شظايا الليل " خمس وعشرون قصيدة تتوشج تجربة من أهم التجارب في المشهد الشعري الموريتاني خاضها شاعر بدا التمرس في الكتابة واضحا على أعماله المتناثرة في الديوان: "تحية" "الغريق الطافي" "شظايا الليل" "مجاراة قصيدة: لا تطلبي مني حساب حياتي" "إلي عينين" " تذكر حروفي" "يا واقفين على الرصيف" "إلى طائرة" " يا نسيم الخرطوم" " طيور الليل".. "زفاف القدس" "الأغراب" ... " إرادة شعب" ... إلخ

في القصيدة الأولى "تحية" يبدو الشاعر على مستوى كبير من الشاعرية والرومانسية المستحكمة يتجلى ذلك في مطلع القصيدة وبيتها الثاني :

تحية روح الشعر من كل شاعـــر إلى مرفئ الأشواق أرض الجزائر
إلى الخضرة الغناء والجبل الذي يناطح أمجــــــاد اللــــيالي الغوابر

والقصيدة "مناسباتية" كما يبدو - وتلك سمة من سمات الديوان فقد حوى الكثير من الشعر المناسباتي - وفي القصيدة حيا الشاعر أهل الجزائر وعانق نضالهم عناقا حارا وأبان عن مودة تكنها أرض موريتانيا لأرض الجزائر:

أهيم بأنفاس النسيم إذا الـــندى تناثر عند الفجر فوق الستائر
سلام على أهل الجزائر دائما تردد في الآفاق ملء الحناجـــر

أما في قصيدة "الغريق الطافي" فقد اعتمد على مبدإ المكاشفة ووقف فوق عرصات الهزيمة فيها، لينظر الوطن الذي شاخت فيه الخيل والمآثر التي تتشظى معبرا بالجمل الطويلة مثل قوله "واركض فبين ظلال خطاك تعربد كل جيوش الذنوب" ومثل قوله " والسيف فينا تحول في ساحة الحرب سوقا" .

القصيدة من شعر التفعلة ، اعتمدت تفعلة المتقارب –متفاعلن- وكانت على جمالية مفعمة بتنوع الأساليب من إنشائية وخبرية، ليظهر بعد أن تلك ميزة أيضا من مميزات شعر هذا الديوان.

عبر صفحاته يستمر الديوان كل قصيدة في إثر أخرى حتى يصل مباشرة بعد الغريق الطافي إلى قصيدة "شظايا الليل" التي شخص فيها أزمة الوطن العربي وكان فيها سفير الحالمين:

إنى سفير الحالمــــين، حـــــقائبي ضاعت ومزق في القلوب بريدها
أشعلت من وهج الحروف مدائنا حتى استغاث ملوكــــها وجــنــودها
يا هدأة الأسحار أنت حبـــــيبتي عيناك عيناها وجيـــــدك جــــيـــدها

وواضح أن الشاعر وصل في البيت الأخير إلى درجة عالية من فوران العاطفة حين ورّد شطرا ساحرا من بيت لمجنون ليلى "عيناك عيناها وجيدك جيدها " وكان بيت المجنون في الأصل
وعيناك عيناها وجيدك جيدها خلا أن عظم الساق منك رقيق ..

حقا تضمنت القصيدة صورا رائعة مثل قوله " حمم تلفع باللهيب جليدها" ورغم الإيحاء المأوساي لعنوان القصيدة إلا أن الشاعر أختار أن يختتمها على وقع لأمل:

هذي الجنان البابلية صوحت وغدا سيورق بالمحبة عودها


ثم في قصيدة أخرى جارى الشاعر إحدى روائع نزار قباني بقصيدة عصماء لم تكن أقل شأنا عن القصيدة الأصل.

نعم! تتواصل حلقات القصائد المتوهجة حتى يصل القارئ إلى قصيدة "تذكر حروفي" التي يقول الشاعر فيها:

أيا وطني المزهو بين قصائـــــــدي تمتع بألحاني وواصـــــل على دربي
صنعتك من حلمي وحبري وريشتي فكنت ربيب الشوق والشعر والكتب

إن كل قصائد الديوان طرية وناعمة ومن بينها قصيدة "طيور الليل" التي قالها بمناسبة احتلال العراق ومطلعها:

تشابهت الحمائم والصقور على أشكالها تقع الطيور
فيا من تعشقون القتل ظلما بلاد الرافدين لكم قبور
تكلم الشاعر فيها عن المأساة وأجج العواطف عبر القصيدة فقد كان بين أسوارها ثوريا لا يقبل الخنوع كما هو واجب الشاعر المفلق ودوره؛ إذ ليس عليه أن يبكي ويترحم فقط دون أن يشارك في صنع "العودة" ورفض الضيم:

سينقشع الظلام إذا التقينا وينهزم التطاول والغرور

ويختمها قائلا:

جدير بالقوافي كل شهم أبي والعراق بها جدير

ثم تألم جدا في قصيدة "موت الكرامة" على الوضع العربي الراهن متمنيا من الزمن لو تغير المشهد فتعود الخيل ويعود الناس كما هم وكذلك الأمر في قصيدة "مأساة جيل"

هناك مسألة صارخة تتراءى أمامك عند قراءة الديوان وهي أن الشاعر ليس سوداويا أبدا فهو يتشبث بالأمل ويترقب الخير دائما يتجلى ذلك أكثر في قصيدته "إرادة شعب" التي يقول فيها:

نريد التآخي نريد السلام فهيا نبارك عهد الوئام

الموسيقى الشكلية

ضم الشاعر في هذا الديوان إلي جانب العمودي شعر التفعلة في فنية استأثر بها العمودي كمًّا لا كيفا فقد كانت قصائد التفعلة عنده ناضرة معلنا بذلك مصالحة بين الأصالة والمعاصرة على الرمال الموريتانية التي أبدت أنها لا تعادي أي تجربة فنية فقد احتضنت موريتانيا مؤخرا شعر التفعلة ولحد الآن كتبت نصوص راقية جدا من التفعلة بأقلام موريتانية ليست ذات عدد كثير بل قليل لكنها نصوص حداثية فعلا
وقد كان صاحب أول نص يكتب من الشعر التفعلة في موريتانيا هو الأستاذ محمدن ولد اشدو قبل أن يكتب الأستاذ أحمدو ولد عبد القادر قصيدة "ليلة عند الدرك" بقليل وكان نص ولد اشدو بعنوان "طفل يموت على باب المستشفى"

قبل انتهاء القارئ من هذا الديوان يتأكد من أنه إذا كان أودونيس قد قال: إن الشاعر المعاصر مواجه بثلاثة أسئلة: الأول: ما ذا عساه أن يفعل في ضوء نفوره من المستعمر المتسلط ، والثاني : كيف سيتعامل مع التراث بمنهجيات وفنيات جديدة ،أما الثالث فهو : كيف سينتج ويبدع باكتشفات جديدة، فإن الشاعر أوليد الناس في هذا الديوان قد نجح في التعامل مع هذه الأسئلة الثلاثة بإيجابية مع السؤال الأول بأمله الطافح في القصائد وثورته حسب ما أسلفنا وبقصيدة "طيور الليل" المعادية للأمريكان ، ومع السؤال الثاني بتطويره لبعض مصطلحات التراث استخداميا فهو بدل أن يصلي لله أو يصلي على النبي قال في "شظايا الليل" إن قصيدته صلى عليه مع الضياء نشيدها ومثل هذا موجود في الديوان ، أما مع السؤال الثالث فكان تعامله ذكيا فلا شك أن الشاعر كان يحمل في روحه غريزة التجديد والإبداع .. كتب في التفعلة واستخدم الرموز والصور محاولا أن يبتعد عن التقليد وأن ينتج ليجيب على السؤال الثالث..

استنتاجاات أساسية

من خلال قراءة الديوان يستنتج القارئ عدة مميزات طبعت الديوان والتجربة الشعرية عند الشاعر:

1- الاعتداد بالأنا: إن الشاعر أوليد الناس يظهر في أماكن من هذا الديوان وقد أخذ بجرعة من "البطر" لا يلام عليها بل إن البعض يعتبرها ضرورية للشاعر المفلق لا يكون مفلقا بدونها فقد قالوا "أشعرهم أكثرهم كبرياء" وهو المتنبي حين يقول:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
يقول أوليد الناس : "فيا وطني المزهو بين قصائدي" ويقول: "فأسمعه ومثلي يستطيع" .. إلخ

2- الوطنية : يظهر الشاعر من خلال الديوان شاعر وطنية لا تخبو فقد كتب قصيدة بعنوان "وطني" بل إنه انهماكا في ذلك ما استطاع إلا أن يتغني بإقليمه المغاربي كلا فكتب قصيدة للجزائر وهي أول قصيدة في الديوان وكتب لليبيا "مدينة القصائد" يقصد طرابلس وكتب قصيدتين للمغاربة الأولى "فرحة الوصل" وفيها بيت من أحسن الشعر على الإطلاق:

وحمَّلوا الصافنات النصر متكئا على الأسنة والأرماح والكتب

وفيها ذكر تونس ممجدا لها

أما الثانية فهي : "مرحبا بالضيوف" ألقيت في ملتقى وكالة أنباء المغرب العربي في نواكشوط

3- الثنائية الضدية : كما يسمونها في علم اللسانيات وهي التي يسميها أهل البلاغة بالمقابلة والطباق غيرَ أن المقابلة لعلها تختص بالجمل مثل "وأنه هو أضحك وأبكى" أما الطباق فيكون بين المفردات وهو الذي يكثر عند صاحبنا وهي تقنية استعان بها في قصيدة "شظايا الليل" يقول فيها: " هلا استقال قديمها وجديدها" " حتى استغاث ملوكها وجنودها" ويوجد مثل هذا الاستخدام عند الشاعر في مواضع أخرى

4- الاعتماد على النهايات : إن نهايات الشاعر دائما موفقة وفنية مثلا: في "شظايا الليل" حين يتكلم عن مأساة الأرض يختم: "وغدا سيورق بالمحبة عودها" وفي قصيدة "زورق المجد" يختم " إن بقينا وإن رحلنا سواسي" وفي قصيدة "الأغراب" –التي تتميز بطول الجمل - يختم "فإلى متى رغم المشيب يظل يكفينا الوقوف" وهي قصيدة من شعر التفعلة
ديوان شظايا الليل" تعرض لأغلب المواضيع الشعرية المعروفة من غزل - وقد كانت قصيدة "اعتراف" غزلية صريحة – ومدح ورثاء وإذا كان الشعر السياسي الموبخ للأعداء يمكن أن يصنف في حقل الهجاء فإنه قد تعرض له ، وتميز شعر الديوان عموما بميزتين رئيسيتين طراوة العبارة وتدفق الشاعرية...

ديوان شظايا الليل" تعرض لأغلب المواضيع الشعرية المعروفة من غزل - وقد كانت قصيدة "اعتراف" غزلية صريحة – ومدح ورثاء وإذا كان الشعر السياسي الموبخ للأعداء يمكن أن يصنف في حقل الهجاء فإنه قد تعرض له ، وتميز شعر الديوان عموما بميزتين رئيسيتين طراوة العبارة وتدفق الشاعرية...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة: أحمد مولود ولد اكاه mowloudgah88@gmail.com

الجاليات

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025