تاريخ الإضافة : 20.09.2009 16:54

نقوش علي جدران الحمراء

محمد بن أحمد (*)
ابك وفاء وإن لم تبذلي صلة ** فالطيف يقنعنا والذكر يكفينا
ابن زيدون الأندلسي

لشدما كان التاريخ الإسلامي في الأندلس الخالدة يستحوذ علي قلبي وعقلي، وكان ذلك يزداد في كل مرة أقرأ فيها أو أسمع عن ذلك التاريخ العبق بالتراث المجيد، إذ لم تكن خيول طارق بن زياد خيول هدم وتدمير كماهو حال "أباتشي" اليوم وصواريخه، بل كانت خيول دين سمح وحضارة راقية اعترف بقيمتها العدو قبل الصديق وما يزال.

كنت وأنا أتهجي الأحرف الإسبانية منذ سنوات في قسم الترجمة بجامعة انواكشوط أتوقف كثيرا عند الكلمات العربية الدخيلة علي هذه اللغة ، وما أكثرها ، ناهيك عن أسماء المدن الأندلسية الحالية و التي إحتفظ معظمها إلي يومنا هذا بإسمه الأصلي، مع تغيير طفيف شاب أسماء بعضها، لكنه لايمنع أذن المتلقي العربي من تفكيك شفرتها بسهولة و إرجاعها إلي الأصل ، خصوصا لمن عنده أدني إلمام بالثقافة الأندلسية.

أجل كان قلبي يخفق عندما يسمع ذكر تلك الأسماء و المدن، والحق أقول فقد كان ذلك أيضا يغريني كثيرا بالإجتهاد في تعلم تلك اللغة ويحببها إلي نفسي أكثر فأكثر
في ذلك اليوم الذي كنت أحزم فيه أمتعتي مغادرا أرض شنقيط الحبيبة ميمما وجهي شطر بلاد الأندلس، وغرناطة تحديدا، إختلجت في ذهني مشاعر وأي مشاعر، فلم تكن إجراءات التسجيل في الجامعة، والبحث عن السكن، وما إلي ذلك هو ما يقض مضجعي ، وإنما كيف السبيل إلي رؤية الحمراء بالعين المجردة ، عن قرب ودونما ترجمان؟! أين هي تلك المساجد والآثار الإسلامية الباقية؟ أين القصور والجسور والدور؟ أين الأنهار والآبار والجداول الرقراقة؟ أين المنابر والمحابر والمخابر و الصولجان؟ أين تلك البئة الخلاقة التي جعلت أدباء الأندلس وكتابها وفنانيها وعلمائها وشعرائها وأطبائها ومهندسيها يتركون بصماتهم في التاريخ الإسلامي بل والإنساني بكل جدارة؟!!

في غرناطة تبقي الصورة أبلغ من أي كلام، فحقا كما يقول أحد الكتاب الإسبان ،"إعطه الصدقة يا امرأة ، فلا شيئ في الدنيا أكثر إثارة للشفقة من أن يكون الإنسان أعمي في مدينة غرناطة" ذلك أنه في كل زاوية و في كل ركن تقريبا تحتفظ المدينة بشيئ ما يدل علي أن أناسا أهل حضارة مروا من هنا ، قبل أن تعصف بهم عاديات الزمن ، وتفرقهم أيدي سبأ ، تاركين خلفهم من التراث و الفن ما شغف البشرية ولا يزال عشقا و إعجابا.

في غرناطة اليوم عشرات بل مئات الآثار الأسلامية الأندلسية، بعضها طمسه الحقد الصليبي بشكل صارخ، يعرف ذلك حتي أبناء المدينة من الغرناطيين الإسبان، وليس أقلهم شأنا في ذلك الأستاذ ماريانو سالبادور و هو أستاذ جامعي و صاحب أكاديمية لتكوين المرشدين السياحيين، وقد صحبته مرة في جولة لأحياء غرناطة التاريخية وخاصة مايسمي بحي البياتين الذي يقع علي مقربة من الحمراء، وطفنا بالقصر حيث أراني كنيسة كانت في السابق مسجدا يؤمه المصلون الأندلسيون لأداء الفرائض والتعبد بما أنزل الله في آخر رسالاته السماوية علي آخر رسله وخاتمتهم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم. لقد كان كان ذلك حقا مشهدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض و تخر الجبال هدا، خصوصا أنه ليس المسجد الوحيد في الذي فعل به ذلك بل ولاحتي في المدينة نفسها، وخير مثال علي ذلك هو جامع الإشبيلية الذي حول إلي كنيسة كبري تسمي اليوم كاتدرائية الإشبيلية، يحج إليها السواح من كل فج عميق، وقد بقيت منارته كما هي إلي يومنا هذا، وسيتملكك العجب كما تملكني ذات مرة عندما تصعد سلمها البالغ ثلاثة وثلاثين درجا حسبتها بدقة متناهية جيئة وذهابا، ويمكن للصاعد علي سطحها مراقبة المدينة من عل رغم البنايات المرتفعة، فالمدينة بالفعل تبدو تحتك، ومن منا لايذكر مسجد قرطبة ذائع الصيت، فكم من عالم ومجتهد ركع فيه لله وسجد، ولعلي أكتب عن ذلك لاحقا حينما يوفقني الله لزيارته بحول الله.

عندما تذكر الأندلس تذكر غرناطة آخر معاقل المسلمين بها سقوطا، وعندما تذكر غرناطة يقفز إلي الذهن قصرها المنيف الذي يشكل بحق إحدي الوجهات الأساسية للسياح الأجانب والأسبان علي حد سواء، حيث يأتيه الناس من كل مكان نظرا لما يتمتع به من شهرة وعراقة.

بمجرد أن تصل إلي بوابة القصر وتتقابل مع أوجه المرشدات السياحيات تتذكر بسهولة قصيدة "في مدخل الحمراء" وتتملكك الحيرة بأيهن التقي نزار قباني ياتري؟

لن أتعب نفسي وأجهدها في البحث عن الكلمات اللائقة لوصف ذلك المكان الساحر، وقد أغناني الله عن ذلك بكامرا ديجيتل أفصح مني لسانا، وأقدر علي التوصيف، وهذه بعض الصور التي التقطتها من داخل غرف القصر و من جدرانه حيث "الزخرفات أكاد أسمع نبضها ** والزركشات علي السقوف تنادي":

_____________
طالب موريتاني بجامعة غرناطة
mawaz85@hotmail.com

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025