تاريخ الإضافة : 06.05.2009 17:08

العلاقات الإسلامية بين ضفتي نهر السنغال

شهدت العاصمة السنغالية دكار نهاية الأسبوع الماضي ملتقى عن العلاقات الروحية بين ضفتي نهر السنغال نظمته مؤسسة افريقيا للعلم والعمل/ الشيخ النحوي وكان حضوره الرسمي والديني والشعبي مميزا اختتم بتوصيات كان منها إنشاء رابطة مشتركة بين علماء البلدين، هذا الملتقى يعيد إلى الذاكرة تاريخا طويلا ومتبادلا من الأخذ العلمي والصوفي بين علماء الدولتين يمتد إلى بداية التاريخ الإسلامي لكلا الشعبين هذه بعض محطاته
جهاد مشترك تحت اللواء المرابطي
من المعلوم أن الدولة المرابطية كانت السباقة إلى إرساء الإسلام النقي في المنطقة وأن ما سبقها من الفترات من بداية الفتح كان التدين الشعبي فيه مشوبا بكثير من العادات المنافية لأحكام الإسلام، ولئن كان من المفروغ منه الحديث عن موريتانية الدولة المرابطية فإن علاقة الشعوب الزنجية ومنها الشعب السنغالي بالدولة المرابطية معروفة ومشهورة حتى إن بعض المؤرخين يتحدث عن وجود رباط ابن ياسين في السنغال إلا أن المؤكد هو وجود قادة عسكريين بارزين في الجيوش المرابطية من الزنوج من ضفتي النهر.
الدول الإمامية.. نجاح مشروع ناصر الدين خارج موطنه
من المحطات المشهودة في هذا التاريخ بعد المحطة المرابطية جهود ناصر الدين لإقامة حركة إصلاحية في القرن الحادي عشر الهجري فقد بدأ هذا المرابط الشنقيطي في دعوته بتوجيه الرسائل لملوك الضفة السنغالية يحرضهم فيها على نشر الإسلام وينهاهم عن بيع رعاياهم لتجار الرقيق الأوربيين وقد لقي نجاحات في هذه الدعوة قبل أن ينقلب عليه بعضهم بتأليب من الأوربيين،لكن دعوته بقيت لها أصداء في المنطقة تعززها مآثر المرابطين فكان أن نشأت عدة دول إسلامية عرف بالدول الإمامية أو دول الأئمة وامتدت من منابع النهر في غينيا إلى مصبه في السنغال (فوتا تور، فوتا جالو ...) ومن أئمة هذه الدول الإمام عبد القادر كان وغيره.
"الدرع والمغفر".. في مواجهة المستعمر
عند دخول المستعمر الفرنسي إلى المنطقة كان فك عرى هذه الوشائج الإسلامية هو هدفه الأكبر ولم يكن قادة الرأي في البلدين غافلين عن ذلك فقد سجل التاريخ مواقف من الجهاد المشترك ضد الغزاة الفرنسيين كان أبرزها هو انخراط عدد من العلماء الموريتانيين في جيوش المجاهد الكبير الحاج عمر تال الفوتي ومنافحتهم عنه بالشعر والنثر حتى أن بعضهم بايعه بيعة مزدوجة صوفية بوصفه مقدما تيجانيا وسياسيا بوصفه أميرا للمؤمنين ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال أحمد بن بدي الذي ألف كتابا عن الحاج عمر سماه "الدرع والمغفر في الرد عن الحاج عمر" حاج فيه بقوة دعاة العلاقة السلمية بالمستعمر.
عطاء علمي متبادل
وفضلا عن النواحي السياسية الإسلامية فقد كان طلب العلم والأوراد الصوفية أحد مجالات العلاقات الإيمانية المكينة بين الجارين الذين وحدهما الإسلام رغم اختلاف اللسان والعنصر واللون؛ فقد عرف كثير من المشائخ على الضفتين بكثرة تلامذته من الموريتانيين والسنغاليين على السواء وأخذوا مكانة في قلوب الشعبين بوصفهم مراجع علمية وروحية ومن هؤلاء الشيخ سيد المختار الكنتي الذي توجد مشيختان في كل من موريتانيا والسنغال تنتميان له نسبا ومنهجا، والشيخ عمر تال الذي يمثل علم الجهاد الأبرز في المنطقة والشيخ سعدبوه والشيخ ابراهيم انياس والشيخ أحمدو بمب الذين ينشر تلامذتهم في الدولتين بكثرة، ويتسمى الناس في الضفتين بأسماء علماء البلدين ويذكر في هذا الصدد افتخار الشيخ محمد المامي بن البخاري أحد أفذاذ علماء موريتانيا بأنه مسمى على الشيخ عبد القادر إمام الدولة الفوتية البارز .
تحدي التغريب
هذا التاريخ الجهادي والعلمي وما أثمر عنه من علاقات اجتماعية وطيدة تصل في بعض الأحيان إلى إندماج مجموعة من أحد الشعبين في الآخر والعلاقات السياسية القديمة التي لم تكن محكومة بالحدود الحالية كلها اليوم تحت رحمة انتشار الثقافة الإفرنكفونية في النخبة الحاكمة في البلدين مما يهدد مكانة الثقافة الإسلامية التي صنعت التاريخ المشترك

الجاليات

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025