تاريخ الإضافة : 24.08.2010 11:37
الأدبي والإبداع
غالبا ما يوصف الباحث في حقل العلوم الإنسانية بأنه يسعى وراء تخصصات غير بالغة الأهمية خصوصا في عصر العولمة هذا حيث التكنولوجيا والإبداع التجريبي يفرضان الاهتمام بتخصصات أكثر نفعا. جدل لطالما عجت به الساحة الطلابية وتعالت به أصوات المؤيدين و المعارضين على حد سواء ليصل في بعض الأحيان إلى مساجلات شعرية تتلخص فيها مفاهيم كلا الطرفين عن الأخر ومدى أهمية اختصاصه. من خلال هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على التخصصات الأدبية ودورها الهام ليس فقط في مجال التكنولوجيا ومتطلباته بل وأيضا حاجة الإنسانية إلى مثل هذه التخصصات من اجل الرقي بالجنس البشري. جانب المقال الأخر وهو ما أعده من الأهمية بمكان يتطرق إلى تشخيص الأسباب الكامنة وراء وصف العلوم الإنسانية بأنها علوم من دون جدوى على حد تعبير المناوئين لها.
إن الناظر في تاريخ الإبداع البشري منذ عصوره الأولى يجد أن أهم عنصر في نشوء وتطور حضارات قديمة كالحضارة السومرية و الإغريقية و الرومانية كان مرتكزا على كون هذه الحضارات جعلت من علوم كالكتابة و الشعر و الفلسفة منطلقا لفهم العالم و التعامل مع الظواهر الاجتماعية والثقافية و السياسية و الاقتصادية بل وحتى الكونية. فلقد كانت الفلسفة مثلا باعتبارها أما للعلوم المنبع الوافر الذي شربت منه شرب الهيم أذهان علماء وفلاسفة رياضيين من أمثال أرسطو وسقراط و أفلاطون. إضافة إلى ذلك فلقد كان الشعر والمسرح من أهم الإسهامات التي أدت بالنهوض بالمخيلة الأدبية و العلمية من طور الكسل و الخمول إلى أرقى مراحل الاكتشاف والإبداع الفكري.
وقد حملت الكتابة شعرية كانت أم نثرية إلى الكثيرين العديد من الأفكار و المعادلات الرياضية و القوانين الفيزيائية التي أثرت الساحة العلمية وكان لها الدور الأبرز في تغيير مسار الحياة البشرية. من هنا يتجلى أيضا الدور الهام الذي لعبته الترجمة في النهوض بالمعارف التجريبية من رياضيات وعلوم وفيزياء ونحو ذلك. فهاهي المعارف الإسلامية تنقل من العربية إلى اللغات اللاتينية في العصور الوسطى أو المظلمة من تاريخ أوروبا و العالم الغربي بصفة عامة, وهاهو الدين الإسلامي يدخل جميع أمصار العالم ليس فقط عن طريق الجهاد والفتوحات الإسلامية بل وعبر تراجم لعلوم معمارية وطبية تركت الغرب حائرا أمام عظمة الإسلام. ومنه فيمكننا القول إن ما عليه العالم اليوم من الازدهار والتقدم التكنولوجي إنما هو نتاج معارف أدبية بحتة لا زالت حتى الساعة تؤتي أكلها على الصعيد المعرفي, فما العلوم الاجتماعية ولا السياسية ولا الدينية ولا الاقتصادية ولا فنون الترجمة إلا حصاد المعارف الأدبية.
إلا انه يعاب اليوم على المتخصص في بعض العلوم الإنسانية عزوفه التام عن الأساسيات التي تجعل من المادة الأدبية أداة لتنشيط الفكر و النهوض بالمجتمعات البشرية. ففي الآونة الأخيرة وانطلاقا من التجربة المعاشة مع أدبيين من تخصصات عدة يتبين للمرء قصور الأدبي في الولوج بالمادة الأدبية إلى عالم الفكر والتساؤل والإبداع.
فتجد المتخصص في الأدب العربي مثلا لا هو بالشاعر الفحل المتمكن ولا بالكاتب الفذ المتبحر وتجد المتخصص في الكتابة يعجز عن معالجة مشاكل مجتمعه إما في شكل روايات أدبية أو قصص سردية كما تجد التشريعي كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع, وصاحب الترجمة لا هو ألف انطلاقا من لغته الأم ولا هو ترجم الكتب النافعة ليستفيد منها بنو جلدته. و بالرغم من أن هنالك استثناءات عدة لما سبق, إلا انه تبقى الحالة العامة أن الأدبي المتخصص في زمننا هذا هو إنسان من دون آفاق مستقبلية واعدة حيث انه عزف كل العزوف عن كل ما من شانه إدماجه في الحياة النشطة والتأثير الايجابي على مجتمعه في عصر تطبعه العولمة والتقنيات الحديثة. وهذا ما يتلخص في مساجلة أو اكطاع سمعته أيام الثانوية بين طالبين احدهما أدبي والآخر رياضي.
الرياضي: كالت شعبت سي بقرشي...عن شعبتكم آ رزيه...مافيها شغل اولا تشرشي...و المستقبل با قزيه
ولا يستحضرني ما تبقي من سجال الرياضي إلا أن الرد جاء بعد ذلك من أدبي ثالث حيث قال:
كالحمد اللي جيت الاداب ولكيت اسراح الداويه...و تركت اوراي من لعذاب... ياسر في الشعبه العلميه
قطعا عني ذا من الدوال...والمجاميع او لختزال...والتخطاط ف كل افي
خاتر عنو نكتب مقال...عن حادثه تاريخيه...ولا نبحث بحوث اشكال عن شاعر ولا شخصيه
وقال هذا الاخير في موضع اخر:
للرياضيات اتحيو...وانتوما فيها مساكين...والعلوم لبيها تقيو...فتنا اغسلنا منها ليدين
وبالرغم من طابع الطرافة الذي يطبع هذه المساجلات, فهي تعبير صريح عن نقد حقيقي و بناء لحالة عدم التمكن التي تسود الطلبة في مختلف الاختصاصات رياضية كانت أم علمية أم أدبية. و لكن الحقيقة تبقى في أن على الجميع أيا كانت اختصاصاتهم و مهما تفرقت مشاربهم العلمية الأخذ بأساسيات التخصص و محاولة الوصول به إلى أرقى درجات الإبداع والتميز فهو بمثابة يمين دستورية على الطالب مراعاتها من اجل النهوض بالبلد إلى أسمى مراحل الإبداع الفكري.
محمد السالك ولد محمد فال
طالب باحث: فاس
إن الناظر في تاريخ الإبداع البشري منذ عصوره الأولى يجد أن أهم عنصر في نشوء وتطور حضارات قديمة كالحضارة السومرية و الإغريقية و الرومانية كان مرتكزا على كون هذه الحضارات جعلت من علوم كالكتابة و الشعر و الفلسفة منطلقا لفهم العالم و التعامل مع الظواهر الاجتماعية والثقافية و السياسية و الاقتصادية بل وحتى الكونية. فلقد كانت الفلسفة مثلا باعتبارها أما للعلوم المنبع الوافر الذي شربت منه شرب الهيم أذهان علماء وفلاسفة رياضيين من أمثال أرسطو وسقراط و أفلاطون. إضافة إلى ذلك فلقد كان الشعر والمسرح من أهم الإسهامات التي أدت بالنهوض بالمخيلة الأدبية و العلمية من طور الكسل و الخمول إلى أرقى مراحل الاكتشاف والإبداع الفكري.
وقد حملت الكتابة شعرية كانت أم نثرية إلى الكثيرين العديد من الأفكار و المعادلات الرياضية و القوانين الفيزيائية التي أثرت الساحة العلمية وكان لها الدور الأبرز في تغيير مسار الحياة البشرية. من هنا يتجلى أيضا الدور الهام الذي لعبته الترجمة في النهوض بالمعارف التجريبية من رياضيات وعلوم وفيزياء ونحو ذلك. فهاهي المعارف الإسلامية تنقل من العربية إلى اللغات اللاتينية في العصور الوسطى أو المظلمة من تاريخ أوروبا و العالم الغربي بصفة عامة, وهاهو الدين الإسلامي يدخل جميع أمصار العالم ليس فقط عن طريق الجهاد والفتوحات الإسلامية بل وعبر تراجم لعلوم معمارية وطبية تركت الغرب حائرا أمام عظمة الإسلام. ومنه فيمكننا القول إن ما عليه العالم اليوم من الازدهار والتقدم التكنولوجي إنما هو نتاج معارف أدبية بحتة لا زالت حتى الساعة تؤتي أكلها على الصعيد المعرفي, فما العلوم الاجتماعية ولا السياسية ولا الدينية ولا الاقتصادية ولا فنون الترجمة إلا حصاد المعارف الأدبية.
إلا انه يعاب اليوم على المتخصص في بعض العلوم الإنسانية عزوفه التام عن الأساسيات التي تجعل من المادة الأدبية أداة لتنشيط الفكر و النهوض بالمجتمعات البشرية. ففي الآونة الأخيرة وانطلاقا من التجربة المعاشة مع أدبيين من تخصصات عدة يتبين للمرء قصور الأدبي في الولوج بالمادة الأدبية إلى عالم الفكر والتساؤل والإبداع.
فتجد المتخصص في الأدب العربي مثلا لا هو بالشاعر الفحل المتمكن ولا بالكاتب الفذ المتبحر وتجد المتخصص في الكتابة يعجز عن معالجة مشاكل مجتمعه إما في شكل روايات أدبية أو قصص سردية كما تجد التشريعي كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع, وصاحب الترجمة لا هو ألف انطلاقا من لغته الأم ولا هو ترجم الكتب النافعة ليستفيد منها بنو جلدته. و بالرغم من أن هنالك استثناءات عدة لما سبق, إلا انه تبقى الحالة العامة أن الأدبي المتخصص في زمننا هذا هو إنسان من دون آفاق مستقبلية واعدة حيث انه عزف كل العزوف عن كل ما من شانه إدماجه في الحياة النشطة والتأثير الايجابي على مجتمعه في عصر تطبعه العولمة والتقنيات الحديثة. وهذا ما يتلخص في مساجلة أو اكطاع سمعته أيام الثانوية بين طالبين احدهما أدبي والآخر رياضي.
الرياضي: كالت شعبت سي بقرشي...عن شعبتكم آ رزيه...مافيها شغل اولا تشرشي...و المستقبل با قزيه
ولا يستحضرني ما تبقي من سجال الرياضي إلا أن الرد جاء بعد ذلك من أدبي ثالث حيث قال:
كالحمد اللي جيت الاداب ولكيت اسراح الداويه...و تركت اوراي من لعذاب... ياسر في الشعبه العلميه
قطعا عني ذا من الدوال...والمجاميع او لختزال...والتخطاط ف كل افي
خاتر عنو نكتب مقال...عن حادثه تاريخيه...ولا نبحث بحوث اشكال عن شاعر ولا شخصيه
وقال هذا الاخير في موضع اخر:
للرياضيات اتحيو...وانتوما فيها مساكين...والعلوم لبيها تقيو...فتنا اغسلنا منها ليدين
وبالرغم من طابع الطرافة الذي يطبع هذه المساجلات, فهي تعبير صريح عن نقد حقيقي و بناء لحالة عدم التمكن التي تسود الطلبة في مختلف الاختصاصات رياضية كانت أم علمية أم أدبية. و لكن الحقيقة تبقى في أن على الجميع أيا كانت اختصاصاتهم و مهما تفرقت مشاربهم العلمية الأخذ بأساسيات التخصص و محاولة الوصول به إلى أرقى درجات الإبداع والتميز فهو بمثابة يمين دستورية على الطالب مراعاتها من اجل النهوض بالبلد إلى أسمى مراحل الإبداع الفكري.
محمد السالك ولد محمد فال
طالب باحث: فاس







