تاريخ الإضافة : 22.02.2010 17:53

أجيال القصيدة الموريتانية .. لغة الأرقام 1\3

• محمد عبد الله بن الشيباني

الشعر ذلك النفس السحري الجذاب ، حين يركب التراث ذلك الملهم المبهم العذب ، يتولد إحساس مطرب غامض.. أما حين يجمع ذينك الماردين حضن كتاب سائر فان الإحساس المتوتر يبلغ مداه .. عندها يكون للذكر والإغفال معنى أكثر من مجرد شعر و تراث تعانقا في حضن كتاب إنها وقفة إحساس بين وأد حي وإحياء موءودة.
عندها يكون للنقد - ذلك الصقر الجارح حين ينحاز الشعراء والمبدعون إلى أنفسهم .. الوادع الحنون حين ينحازون إلى فنهم وشعرهم – أن يقول كلمة حق ينشد بها إحقاق حق .. وهو في تلك الخطة محتاج لنسمة من جراءة وطرف من بيان وحظ وافر من تجرد ثم لا عليه حين يجمع تلك العدة أن يطمئن نفسه منشدا .. حسبي أن أظل وفيا للشعر والفن مهما اتخذني الشعراء عدوا أو أرادوني ظهيرا.

تلك مشاعر متداخلة تواردت علي و أنا أرفع قلم الرصاص لأدون ملاحظات عابرة على مولود الساحة الثقافية الجديد كتاب " أجيال القصيدة الموريتانية" للكاتب والشاعر محمد كابر هاشم الذي صدر هذه الأيام.. وهي ملاحظات قد يقرأها قارئ باعتبارها نوعا من الاحتفاء المبالغ المبصر- وحق لمواليد الثقافة أن يحتفل بها هذه الأيام- بينما يقرؤها ثان باعتبارها نقد انتقاد وربما ثالث باعتبار ثالث.. ولكل وجهة هو موليها ، لكن أن يقرأها رابع باعتبارها عملا نقديا مؤسسا فذلك القارئ الذي أبعد النجعة إن لم نقل مخض الماء.
على واجهة كتاب متوسط الحجم جيد التغليف أنيق الواجهة حسن الطباعة.. يطل العنوان "أجيال القصيدة الموريتانية..1144-1430/هجرية 1729-2009 " .. يضم بين دفتيه مقدمة مفسرة و قصائد لشعراء الحقبة المرقومة .. فكانت فكرة جدت وعنوانا انتشر لمؤلف اشتهر.

في المقدمة تفسير لباعث العمل و وتأريخ لسابق الأعمال المنجزة عن الشعر الشنقيطي دراسة وجمعا فكانت مقدمة نافعة وإن لم تكن كافية مفسرة للعمل وإن لم تكن مقنعة !!.
بين دفتي الكتاب تتابعت اثنتان وعشرون ومائتي صفحة اجتمع فيها أربعة وسبعون شاعرا تفرقوا فبلها في ثمانين ومائتي سنة بحساب الفرنجة وتزيد بحساب المسلمين ثمانية حجج ، وهي فترة عرفت فيها بلادهم عدة مسميات اختير من بينها- ربما لإكراه الواقع اسم موريتانيا وإن كان عشرون منهم على الأقل لم يسمعوا بهذا الاسم !! في تلك الصفحات توزعت توقيعات الشعراء على إيقاعات عشرين ومائة قصيدة ومقطوعة استبقتها إلى الظهور نبذة مختصرة عن القائل بينت – في الأغلب-!! اسم الشهرة ثم المولد تاريخا ومكانا والعمل المنشور والمدرسة الشعرية التي ينتمي إليها وأقوال النقاد فيه وتاريخ الوفاة .. في الجيل الأول و بعضا من الأجيال اللاحقة والبقاء لله عز وجل.

اعتاض الكتاب في التعريف بهذه الأجيال النسبة إلى الجهة والمنطقة بدل القبيلة التي درج عليها المؤلفون وحسنا فعل إذ أن التعصب الجهوي -إن كان لابد من تعصب - تعصب حضري خلاق أما التعصب بالقبيلة فهو إلى الجاهلية أقرب .. وبلغة الأرقام شرفت ولاية الترارزة بميلاد ثلاثة وأربعين شاعرا وولد ستة شعراء في كل من ولايتي لعصابة وتكانت أما ولايتي الشمال (آدرار و تيرس) فتقاسمت ثمانية شعراء على السوية أما إينشيري ومنطقة النهر فلكل منها ثلاثة شعراء.. ولاية الحوض الغربي وانواكشوط مثلتا بشاعرين شاعرين و مثلت ولاية لبراكنة بشاعر واحد وغاب شعراء بعض المناطق عن المجموع !! وبقي أربعة شعراء أغفل التقديم بيان مناطقهم وإن كانوا غير مجهوليها !!

جاء الكتاب منوعا فكان نصيب الزنوج ثلاثة شعراء أجادوا لغتهم الثانية ومثلت بالنساء بأربع شواعر في الجيلين الأخيرين .. وبلغة الأرقام حملت أول امرأة في المجموع الرقم اثنان وأربعون بعيدة عن الرقم ثمانية وعشرون والذي يحمله أول زنجي فيه بينما غاب الصوت النسائي عن الجيلين الأول والثاني والصوت الزنجي عن الجيل الأول !!
معلومات النشر أوضحت أن لشعراء المجموع أعمالا شعرية مستفيضة منها تسعة وعشرون مطبوعة منشورة و ثمانية منها محققة و أربعة عشر ديوانا مخطوطا و اثنان وعشرون دون معلومات ولشاعر عدة دواوين و لاثنين ديوانان و أربعة دواوين تحت الطبع. و بلغة الأرقام كانت سنة 1984 أكثر سنة في التحقيق و2008 أكثر سنة في الطباعة !!

قصائد المجموع أبحرت في كل بحور الشعر العربي لكن حظ البسيط كان الأوفر ففيه أبحرت ثمان وعشرون قصيدة وكتبت في بحر الطويل ثلاثة وعشرون وخفت إلى بحر الخفيف عشرون قصيدة واكتملت في الكامل إحدى عشر قصيدة كان حظ الوافر ثلاث عشرة ورملت إلى الرمل ثلاث قصائد وقاربت إلى المتقارب قصيدتان واقتصرت على نص واحد أبحر المجتث والمديد و مجزوئي الكامل والرجز أما نصوص التفعلة الإثنا عشر فتوزعتها بحور المتقارب ثم فالكامل ثم الرجز والهزج والرمل بست فثلاثة فواحدة وضاقت بحور الشعر العربي كلها عن كلمة واحدة.

جاءت كل القصائد معنونة والعنوان اليوم جزء من النص فكانت العنونة بالغرض واسم القائل التي انتهجها الكتاب أمرا موفقا إلى حد بعيد في شأن الجيل الأول الذي اعتاد العنونة بالمطلع أو القافية مضافة للقائل تماما كما كان اعتماد تاريخ الوفاة في الجيل الأول وتاريخ الميلاد في الأجيال الأخرى!!

اختار المجموع قصيدة واحدة لكل شاعر!! ولكن لغرض سماه التقديم"إبراز تنويع المضامين أو فنيات التقصيد أو نحو ذلك "!! جيء لبعضهم بأكثر من نص .. فجيء للمؤلف بأربع قصائد و بثلاث لعشرة شعراء وقصيدتان لثلاثة وعشرين شاعرا فبلغت النصوص المكررة ستة وأربعين لأربعة وثلاثين شاعرا..أي بلغة الأرقام قطعت علينا الطريق لنتعرف إلى ست وأربعين شاعرا..وحرمت هذا الجم الغفير من الشعراء من مقاعدهم المستحقة على صالة الكتاب ، فنيات التقصيد كذلك أظهرت مطولات لمقلين ونتفا لمكثرين !! وقصائد مجهولة لمشهورين ونازلة لمجيدين ومجيدة لآخرين!! مما ولد نقاشا حول الاختيار على هامش المهرجان الخامس لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وأيا كان فحسن أن يناقش الأدباء في مهرجانهم ذلك المولود الثقافي المهم .

في التحرير جاء الكتاب مضبوطا في أغلبه بالشكل تقل الأخطاء المطبعية فيه، خلوا من الشرح باستثناء قصيدة واحدة!! وجاءت عبارات التوثيق صحيحة ولكن مهلهلة ضعيفة!! كما جاء الـتأريخ دقيقا في مجمله!!

الشعراء في المجموع جاؤوا موزعين على أربعة أجيال دون أن تفلح المقدمة في إفهام هذه الجيجلة ولا معالم ذلك التحقيب أما التسلسل الزمني فقد كان متينا إلى حد بعيد !! وإن جاء خلوا من أية إشارة لما قبل 1144!!

الشعر في الكتاب تناول أغلب أغراض الشعر العربي واستعمل أساليبهم مكررا أو منشأ!! وتوزع عرضه للواقع بين موغل في البدو وآلياته ومحايد إلى متناول من مستجدات العصر وإن لم يطبع عموما لغة المجموع !! وثالث قفز إلى ركب الحداثة على استحياء.. فظهرت في أشعار المجموع استعارات غريبة ورمز مطلسم !! وشطحات مهولة خارجة !! وتهويمات بديعة.. لقد كان شعرا في جزء منه وإبداعا في أجزاء ونظمية – على حد تعبير رجاز شاطئ الراحة- وينحدر بعضه حتى لا يصدق عليه إلا "القول" مفردا في اصطلاح النحاة.

و بالجملة فقد كان العنوان منتقى والفكرة سهلة ممتنعة قد تجد سبيلها للتقليد المغلف أو التحوير بعد أن رأت النور وأصبحت جزءا من ثقافة بلد وكتابا من مراجعه.
تلك سياحة رقمية في كتاب أجيال القصيدة الموريتانية ربما لاحظ القارئ بين كلماتها الإكثار من ألفٍ منقوط يتكرر، ألفَ الكتبة أن يطلقوا عليه علامة تعجب وهو كذلك , في بعضه نقاط تعجب ولكنه في مواضع نقاط إعجاب أرجوا أن يكشف الجزء الثاني والثالث قناعها ويجلي مواطن الإعجاب والتعجب – إن شاء الله
سيأتي الجزء الثاني تحت العنوان " أجيال القصيدة الموريتانية .. الفكرة والتقديم. والثالث بالعنوان أجيال القصيدة الموريتانية .. الشعر والشعراء " في آمان الله

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025